2011- 9- 18
|
#6
|
متميزة في ملتقى السعادة والنجاح
|
رد: فضاء الجسد "الجنس الثالث"
خلال ستة أشهر التحق بالمجموعة أكثر من ستمائة شخص، يتبادلون حكاياتهم الأليمة، ومن كل البلدان العربية: سعوديين، كويتيين، لبنانيين، مصريين ومن كل الجنسيات العربية! تجرأت أكثر فكنت أدخل منتديات متعددة بعد أن أسجل في الموقع الذي أريد، وأشرح حالتي، وأتناقش فيها مع أطباء حول إمكانية تحويلي.. وكثيراً ما كنت أصدم بارتفاع تكاليف العملية، مع الكثير من المحاذير الأخلاقية المفروضة عليها في العالم العربي، كما هالني العدد الكبير الذي يعاني نفس الحالة في عالمنا العربي السعيد! وباعتبار أن هناك حالة بين كل ألف حالة، فإننا نشكل - وحسب تعداد العالم العربي – ربع مليون مشكلة؛ أي إن هناك شعباً بكامله يحتاج إلى التعاطف والشفقة والتوجيه الصحيح،لنصبح أداة فاعلة مؤثرة في المجتمعات!
آه وألف آه.. كم نختلف عنهم..!
انتسبت أون لاين لإحدى الجمعيات الأمريكية للـ "شي مال" كما يطلقون علينا، دخلت إلى منتدياتهم، وجدت المئات منهم، ولكن القليل منهم اهتم بتثقيف نفسه، وتحدى أعراض المرض؛ فأحاديثهم فارغة، وقصصهم مختصرة وسطحية وغير موجعة.. يتعايشون في مجتمعاتهم يعملون وينخرطون بحرية.. يعامَلون معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفر لهم دولهم الدعم من كل النواحي. مشاكلهم تبدأ وتنتهي حول الجنس، والغالبية منهم تقبله المجتمع، وتآلف مع نفسه! لم ألمس جراحهم، لم أتحسس مواجعهم وكآباتهم.. لم تعاقبهم تقاليدهم على شيء لم يرتكبوه بأنفسهم.. أجسادهم غير مشتاقة للموت مثلنا.. أوطانهم لم تصلبهم فوق حوائط اللامبالاة.. ذنوبهم خارج دائرة الاتهام.. ومع ذلك، فقدوا كل الأحاسيس المرهفة، وتعاملوا بأجسادهم كسلعة تدر عليهم الأموال.
ذهلت لكثرة عدد الأعضاء المنتسبين لتلك الجمعيات، وسعدت لأني لم أكن وحيداً في هذا العالم على الرغم من عدم استطاعتي التمتع بالخدمات التي تقدمها تلك الجمعيات للمنتسبين إليها.
أما نحن العرب فمكسورون كأعشاب الخريف.. عقولنا غارقة بالظلمة والجهل.. تدور بنا عجلات الزمان وننسى من نحن، ليذكرنا الآخرون بأننا من نسل الشيطان.... محرومون من أمانينا وأصواتنا وذكرياتنا.. مقتلعون كالحرام من قلوب أحبائنا.. نخاف من خليط أصواتنا وأشكالنا.. وعند الفجر يشهد أقرب الناس لقلوبنا - وبكل فرح وارتياح - محاولاتنا الانتحار.. لأننا عار على أسرنا ومجتمعاتنا.. كيف لا توجد ولا جمعية عربية واحدة تهتم بشؤوننا، وتعمل على بنائنا وغرس الإيمان في نفوسنا، وتوجيهنا نحو جمال وثبات قيمنا لتحمينا من غوائل الزمان!؟ هذا باختصار هو حالنا..
الأرض كلها وطني.. والعشيرة عشيرتي "جبران"
ذات يوم جاءني جهاد عارضاً على الذهاب للعمل في مستعمرة "بتاح تكفا" لاحتياجهم الشديد لعمال من كل التخصصات. سألته بحدة:
- أنا أعمل عند اليهود؟ إنت جنيت!
- يا عم قول يا باسط؛ آلاف العمال من كل الجنسيات العربية يعملون هناك، عاجبك حالك هنا، والأفلام الزفت اللي بتنسخها، والله العمل في إسرائيل أشرف.
- والله معك حق يا جهاد، ولكن ماذا سأعمل هناك؟ وهل سيتقبلون شكلي ووضعي؟
- وماله وضعك يا سيدي؟ ما انت متل القرد هيك، المهم نروح بالأول وبعدين يحلها ميت حلال، صاحبي حمدان السعدان بيلهف 100 شيكل باليوم، ويمكن أكثر.
- أمي لن توافق على سفري..
- اترك أمك علي...
بالرغم من تقبلي لفكرة السفر، واطمئناني لوجود جهاد معي، كنت دوماً أخشى التغيير والوجوه الجديدة، وطوفان الأسئلة الذي سيحاصرني، واضطراري لشرح حالتي لكل من طاف بباله أن يسألني أسئلة تجاوزتها من زمن بعيد..
بعد عناء شديد ومحاولات شتى لإقناع أمي وسحر بأن أسافر للعمل في إسرائيل مع جهاد، الذي وعدها بحمايتي، وتدبير العمل والسكن معه، وافقت؛ بشرط أن أواظب على الصلاة وقراءة القرآن، وأن أزور خالاً لها يسكن تل أبيب..
وعلى الرغم من أنني كثيرا ما كنت أكذب عليها بشأن الصلاة، مؤكداً لها أنني أواظب عليها، إلا أنني بيني وبين نفسي كنت على صدود كبير بسبب عادات لبست ثوب الدين، وتفننت في إيذاء مشاعري، ولكن لسبب لا أدركه قررت فجأة المواظبة على الصلاة كما أرادت بالضبط.
ما أبعدَ الشيءَ إذا الشيءُ فُقد.. وما أقرب الشيء إذا الشيء وُجد"أبو العتاهية"
استقبلنا حمدان صديق جهاد استقبالاً حارّاً وقال: لقد رتبت كل شيء مع رافاييل مدير الصالة.. وهو سيشرح لكم طبيعة عمل كل منكما..
- ومتى سنرى هذا الزفت رافاييل؟
- لسانك هاد بده قص يا جهاد، هون الناس محترمة وبدها شغل وبس.
فجأة نظر إلى حمدان وغمز بعينه وقال: خليك حلو مثل القمر اللي بجنبك.. والله يا نداء حتصير هون في الصالة فاكهة الشباب..
ثم أكمل وكأنه لم يقل شيئاً:
- الراتب 100 شيكل لكل منكما يوميّاً، وممنوع الحكي بالسياسة.
ضحك جهاد ضحكته الصافية التي أحبها وبسرعه رد:
- يعني هاذا شكل سياسيين، ولك يازلمه أنا ما بهفم غير لغة النسوان والفلوس! وعلي رأي المثل "خلصني وخذ عباتي".
كانت صالة كلاسيكا للأفراح أكبر صالة أفراح في مستعمرة بتاح تكفا، تضم قاعتين كبيرتين تسع كل واحدة منهما خمسمائة مدعو، وكافتريا تفتح على مدار اليوم، وتقدم كل ما تشتهيه الأنفس بتخفيض خاص للعاملين فيها، كما تضم قاعة عرض سينمائي تتسع لمائتي شخص تعرض أحدث الأفلام العربية والأمريكية وحتى الهندية، خلف المبني يقوم سكن للعاملين فيها يضم عشرين غرفة بالحمام الخاص لكل منها ، مفروشة بأناقة لشخصين وبين كل سرير يفصل "بارتشن" لتحقيق الخصوصية، غالبية العاملين فيها من الشباب العربي الفلسطيني اللبناني السوري والمصري، وقلة من اليهود أتوا من مستعمرات أخرى للعمل في نظام الإضاءة..
سلمنا حمدان مفتاحين للحجرة التي ستضمني أنا وجهاد وقال: ارتاحا الآن وغداً تقابلان المعلم رفاييل ليعرفكما بقواعد الشغل.
في طريقنا للغرفة تقابلنا مع كثير من الشباب الذين ألقوا التحية علينا سريعاً، ولكن أحدهم استوقفنا سائلاً: أهلاً وسهلاً؟

|
|
|
|