رد: بين أروقة قسم الرياضيااات حيث تكمن الإثارة...!!
الجزء التاسع: بين الحفظ والفهم فواصل وخطوط وهمية فمن الذي يحفظ ومن الذي يفهم...؟!!
توالت د.ريم في سرد أمسيتها العصيبة وما كادت تنتهي منها إلا بانتهاء الوقت المخصص للمحاضرة..!
لا أرفض أن تذكر الدكتورة وقائع تجربتها للطالبات بغية هدف معين ولتحقيق استفادة مرجوة وعبرة مما تقول .. فغالباً ما كانت د.هدى تذكر لنا حادثة معينه أو موقف محدد في بداية المحاضرة أو بين أجزائها لتشير إلى فكرة ما .... ولكن الأمر لم يكن يتجاوز خمس دقائق.. فكانت كفيلة بتجديد النشاط لدى الطالبات نوعاً ما .... أما أن يستغرق الأمر محاضرة كاملة ...!! فهذا ما أظنه غير مقبول..
غداً هو موعد امتحان أعمال السنة لمادة الأستتيكا..تدخل علينا د.ريم وهي في عجالة من أمرها..
-هناك مسألتان مهمتان جداً لابد من حلّهما قبل موعد الاختبار وحيث أن الوقت لا يسعني سوف أحل إحداهما معكم والأخرى مع المجموعة الثانية وعليكم تبادل الحلول فيما بينكم..
أنهت لنا حل السؤال والذي استغرق قرابة 50 دقيقة مما يعني محاضرة كاملة ... ثم انصرفت..
تحلق مجموعة من الطالبات بينهنّ أنا وبيان وعقيلة وسلمى..
-عقيلة : أنا متأكدة أن إحدى هاتين المسألتين ستكون من ضمن اختبار يوم غد..
-بيان: ولكن الحل طويل نوعاً ما..!
-عقيلة: لو لم يكن الأمر كذلك لما ركزت عليها الدكتورة وأصرت على حلها..
-ألاء: ولكني لم أفهم تفاصيل الحل بتاتاً..
-سلمى: ليس مهماً احفظيه وانتهى الأمر.. فدكتورة ريم لا تبدل حتى الأرقام الموجودة في المسائل وسيكون الامتحان نسخة مطابقة لأمثلة النظري ومسائل التمارين..!!
-بيان: صحيح ما قالته سلمى.. فهذا ما وجدته في النماذج السابقة لامتحان د.ريم
-ألاء: احفظ الحل..!! أظنه أمر مستحيل..!
-سلمى: أعطيني دفترك يا بيان لأكتب الحل بصورة منمقة قبل حفظه..
-بيان: حسناً تفضلي..
تفرقنا أنا والأخريات وتزاحم الطالبات عند مقر التصوير.. كل مجموعة تصور حل مسألة المجموعة الأخرى... لم أبالي بالأمر فما الذي سيجدي نفعاً من تصوير حل المجموعة الأخرى وأنا غير قادرة على استيعاب الحل الذي عندي..!!
عدت إلى المنزل وحاولت استذكار المقرر... توقفت عند العديد من النقاط ولم أفهمها جيداً..
في صبيحة اليوم التالي توجهت نحو قاعة الاختبار وقد أصبح مألوفاً بالنسبة لي منظر الطالبات وهن متشبثات بكتبهن ودفاترهن حتى آخر دقيقة قبل بداية الامتحان..
تسلمنا ورق الاختبار وشرعت في حل الأسئلة.. فعلاً لقد كانت نسخة مطابقة لأسئلة الكتاب بل وأكثر من ذلك كانت مسألة يوم أمس والتي حلتها لنا الدكتورة آخر سؤال في الاختبار...لم اكتب فيه حرفاً واحداً لأنني لم أكن قد فهمته.... بعدها سلمت ورقتي وانصرفت..
صادفت أثناء خروجي كلاً من حوراء وإيمان.. سلمت عليهما وسألتهما عن الاختبار فحمدا الله..
-حوراء: وكيف كان الامتحان بالنسبة لكِ يا ألاء..؟
-الحمد لله.. جيد ولكن توقفت عند آخر مسألة والتي شرحتها لنا الدكتورة يوم أمس..
-إيمان: لماذا لم تُجيبي عليها..؟؟!
-في الحقيقة أثناء استذكارها لم استطع فهمها واستيعابها لذلك لم أحلها..
أخرجت حوراء ورقة وقلم من حقيبتها ثم قالت..
-تأملي يا ألاء .. فخطوات الحل ليست صعبة للغاية ولكنها بحاجة لبعض الإيضاح...
خطت حوراء على الورقة بعض التفاصيل وبعبارات منها جعلت من المسألة الصعبة بالنسبة لي.. مسألة واضحة وأقرب للسهولة..
انضمت بيان إلينا وتبدو على وجهها علائم الحزن..
-مالأمر يابيان...؟!
-لم استطع حل أي سؤال في الاختبار..
تعجبنا من ذلك فبيان عادةً ما تحصل على درجات عالية... حاولنا تهدئتها ومع بداية المحاضرة افترقت عنهم حيث دائماً ما كان كلاً من بيان وحوراء وإيمان يجلسن إلى جانب بعضهن في اغلب المحاضرات..
اختبرنا في ذات الأسبوع مقرر التفاضل والتكامل والذي اعاد لي الحماسة لأنه بدا أكثر سهولة ووضوحاً وتناسباً بين كم الأسئلة وزمن الامتحان..وقد تمكنت من حل جميع الأسئلة... أما عن مقرر البنى الجبرية فلم تكن مفرداته صعبة للغاية كما أن الامتحان لم يكن خارجاً عن إطار الأفكار الموجودة في تمارين الكتاب وأمثلته لذلك بدا لي سهلاً بعض الشيء..
حصلت على الدرجات الكاملة في كلاً من مقرري التفاضل والبنى الجبرية وقد ابتهجت لذلك كثيراً وبقيت أترقب مادة الأستتيكا والتي كان أدائي فيها الأسوء بين المواد..
دخلت علينا د.ريم وبيدها كشف الدرجات .. بدأت المحاضرة باستياء شديد وتوبيخ معتاد على أدائنا السيئ ثم بدأت بسرد الدرجات على الطالبات..
حصلت على تسع درجات من واقع عشرين درجة.. كانت أسوء درجة حصلت عليها منذ بدأت الدراسة..
لفت انتباهي درجة كلاً من بيان وحوراء.. فبيان حصلت على أعلى درجة بين الطالبات تسعة عشر تقريباً..مع أنها كانت في غاية الأستياء بعد خروجها من الامتحان كما أنها قد أخبرتنا بأن أدائها سيئاً للغاية..!! استغربت ذلك ولكن تجاهلت الأمر..
أما بخصوص حوراء فقد حصلت على أربعة عشر درجة تقريباً.. بان على وجهها التعجب والغضب في ذات الوقت..خمنت أن الأمر متعلق بالدرجة التي حصلت عليها.. بعد إنتهاء المحاضرة رأيتها وقد خرجت لتوها من غرفة رئيسة القسم فقد كانت د.ريم هي رئيسة القسم أنذاك..
-ما الأمر يا حوراء هل من خطب..؟!
-الأمر يتعلق بدرجتي في الاختبار .. فقد تمكنت من حل جميع الأسئلة وأنا متأكدة من صحة حلّي..
-أولم تراجعي الدكتورة بشأن الدرجة فربما هناك خطأ ما غير مقصود..؟!
-بلى.. وقد خرجت لتوي من عندها.. وحينما أخرجت ورقتي من بين الأورق تأملتها ثم قالت: أنتِ نقصتِ الدرجات على المسألة الأخيرة لأنك حفظتها حفظاً ولم تفهمينها ..!!
-أيُعقل ذلك... فأنتِ من شرح لي المسألة وافهمني إياها بعد الاختبار..
-حاولت إقناعها بعدم حفظي للمسألة... وإنه إن كان كذلك فما دام الحلّ موجود نصب عينيها فمن حقي الحصول على درجة السؤال... حينها تجاهلتني وأخذت الورقة وأعادتها داخل الدرج وأمرتني بالانصراف ثم شرعت في الحديث مع إحدى الدكتورات الموجودات في الغرفة..
شعرت أن حوراء تحدثني والدموع توشك أن تذرف من عينيها.. حاولت أن أقول لها شيء ما... فإذا بإيمان قد أقبلت نحونا..
-مرحباً... حدثيني بسرعة عما جرى معكِ يا حوراء..؟!
أثرت الانصراف وتركهما بمفردهما... لئلا أقيد حريتهما في الحوار.. تذرعت ببعض الأمور ثم ودعتهما وانصرفت..
لا زال حديث حوراء يطرق مسامعي فأنا أعلم يقيناً أنها فهمت المسألة بل وأكثر من ذلك أفهمتني إياها... إنها الوحيدة التي لجأت لمراجع أخرى غير الكتاب المقرر والذي ندرس منه من اجل أن تفهم ما يستعصي عليها... لا أعرف أحداً سواها قام بذلك.. كما إنها الوحيدة التي دائماً ما أراها بين جدران المكتبة تقلب صفحات الكتب بحثاً عن معلومة مفقودة أو ضالة تنشدها...
غريب حقاً أمر د.ريم ... ليتني اعرف قواها الخارقة والتي تستطيع من خلالها التمييز بين اللواتي حفظن المسألة وبين من فهمنها .. بل وعلى أساس ذلك تمنح الدرجات..
ستقدم خدمة جليلة وتطوراً كبيراً على المستوى التعليمي لو أنها أفضت لنا بطريقتها العبقرية في اكتشاف الطالبات اللواتي يحفظن دون فهم... وإن كنت على يقين تام بالفشل الذريع لطريقتها المجهولة بالنسبة لي...
أستودعكم الباري ... في حفظه ورعايته...
|