الجزء العاشر: خلافات مذهبية بعيدة عن الأدب والذوق..
وأخيراً نزلت مكافئاتنا بعد انتظار طويل دام أكثر من خمسة أشهر تقريباً ..وهناك شيكات علينا استلامها من مبنى علوم2 مكتب صرف المكافئات..
في وقت الراحة توجهت إلى مكتب الصرف وكان شديد الازدحام فقررت الانصراف والعودة في وقت لاحق.. أثناء انصرافي من المبنى تأملت في لوحات الإعلانات المتفرقة .. وكان من بينها لوحة تحوي بعض الإعلانات والتي تخص عقوبات مخالفة الزي و أسماء الطالبات المحرومات من مختلف أقسام الكلية بالإضافة إلى إعلانات أخرى... لفت انتباهي بينها ورقة كان عنوانها.. صيام عاشوراء.. كان بداية موضوع الورقة عادي جداً يحث على صيام عاشوراء ويرغب فيه من خلال سطرين ليس أكثر من ذلك .. لم يكن هناك ما يثير من هذه الناحية .. ولكن بعد مواصلة القراءة فاجأتني حقاً السطور المكتوبة...!! كانت بالحرف الواحد ( ما يقوم به الشيعة المبتدعة من خرافات في عاشوراء) ... ثم سطور أخجل من كتابتها لأن قلمي يتنزه عنها...
وددت لو أعرف من الذي يستحق أن يُنعت بالجاهل هذا الذي كتب تلك السطور بل وضعها في لوحة إعلانات رسمية... بغض النظر سواء كانت مسئولة أو إدارية أو طالبة أو موظفة... أياً تكن.. فكلماتها التي سطرتها لا تدعوا إلى صيام عاشوراء بقدر ما تدعوا إلى تشاحن وتنافر بين فئات المسلمين على اختلاف طوائفهم و انتماءاتهم المذهبية... وذلك واضح من نسبة السطور التي أشارت فيها إلى فضل صيام عاشوراء إلى بقية السطور..
ربما أرادت بعقليتها البسيطة أن تُشعل فتيل فتنة أقل نتائجها قلوب مشحونة بالتنافر والبغض والكراهية يتدرج بها الأمر حتى يصل إلى ارتداء أحزمة ناسفة تنفجر وسط الأبرياء كتلك المنتشرة في أرض الرافدين و غيرها... لا أدري إن كانت مثل هذه العقول بحاجة إلى خوض تجارب كالتصفيات العرقية أو حرب كحرب الثلاثين عام بين الطوائف المسيحية.. ليفيقوا بعد أن يبيد نصف عدد السكان تقريباً ثم يقولوا بعد ذلك "كفى"
لم يمضي وقت طويل لأرى بعض نتائج ما كُتِب وعُلِق في تلك الورقة.. ففي نهاية الدوام و أثناء توجهي للخروج من الكلية رأيت طالبتان كانتا تصليان فريضة الظهر.. وكان أمامهم مباشرة اجتمع مجموعة من الطالبات ثلاث أو أربع.. يركلن بأقدامهم علبة مشروب غازي فارغة على أنها كرة قدم.. استخفافاً بالمصليات أمامهنّ.. لأنه وببساطة يختلفن معهن في المذهب...
شعرت بانقباض في قلبي من شدة تأثري بالمشهد الذي رأيته أمام ناظري... فلو أنني رأيت شخصاً من غير المسلمين يناجي الله عز وجل ويدعوه.. لخجلت من فعل ما فعله أولئك الطالبات مع المصليات.... فقد تربيت على احترام الأطراف الأخرى وإن كنت أختلف معها.. لأن سلوكي تجاه الآخرين سيعكس أولاً وأخيراً صورة عني وعن ديني وعن مذهبي بل وحتى أرضي و وطني أيضاً..
في إحدى المرات..ربما كنت في السابعة من عمري وإثر صورة شاهدتها على شاشة التلفزيون... سألت أمي:
-لماذا يصلي البعض وأيديهم مكفوتة بينما البعض الآخر أيديهم مسدولة..؟!
فأجابتني أمي..
-ألاء يابنتي إن في الإسلام طوائف ومذاهب تختلف مع بعضها البعض في جوانب وتتفق في أكثر منها ... ولكن أريدك أن تعلمي يا بُنيتي أن كل هؤلاء المصلين يصلون لله عز وجل سواء من كانت يده مسدولة أو مضمومة.. وإن الله جل جلاله لا ينظر إلى أيدي المصلين بل ينظر إلى قلوبهم بأي قدر هي متوجهة له عز وجل...!
في الحقيقة لم يكن هناك خلافات مذهبية بارزة جداً بين طالبات قِسمي في دفعتي ولكن الأمر لم يكن يخلو من نظرات حادة...مع ابتعاد وتنافر بعض الشيء ... إلا ما نذر.. كما أن الاجتماع بينهم لا يُعقد إلا في وسط مصالح متبادلة اغلب الأحيان... ليس أكثر من ذلك..
لم يكن الأمر مقتصراً على ما ذكرت فقط ففي الملحق والذي هو أحد مباني الكلية.. كُنا غالباً ما نأخذ فيه محاضرات اللغة العربية.. وكنت إذا دخلت ذلك المبنى ينتابني شعور بالاستياء... لا أعلم لماذا..؟؟! ولكنه سيئ بالنسبة لي...
في إحدى المرات وأثناء تجولي فيه تمضيةً للوقت الذي يسبق المحاضرة... تأملت في بعض ما كُتب على الجدران... وأخذت أقرأه.... فكان من بين الكتابات.. عواطف متأججة تجاه أحد المطربين.. اتخذت من الجدار ورقة لها..!! كذلك كان هناك حروب طائفية كلامية مخجلة بحق.. لا تخلو من ألفاظ بذيئة لا تليق بطالبة جامعية... ناهيك عن المنظر الدال على التخلف الحضاري من خلال الكتابة على الجدران..!
إنه حقاً أمر يحز في النفس... ففي الوقت الذي نقود فيه نحن العالم اليوم نحو حوار للأديان في الخارج نفشل في تحقيق الاحترام بيننا كطوائف إسلامية في الداخل...!! لا أدري متى سيسع بعضنا البعض الآخر..؟ ومتى سنعكس صورة الإسلام دين السلام..؟! إننا اليوم لسنا بحاجة إلى من يُكفر الأطراف الأخرى ويقصيها ويبعدها عن الساحة... وأنا شخصياً أرفض أي رجل دين لا يدعو إلى احترام المذاهب الإسلامية وتوحيد صفوفها... بل ويأبى عقلي أن يستمع لمن يكفر الآخرين ويلقي عليهم وابل الاتهامات والشتائم...!! لسنا بحاجة إلى مثل هؤلاء بقدر ما نحن بحاجة إلى من يعكس صورة الإسلام دين السلام والمحبة والوئام... الدين الذي يدعونا إلى أن نُجير المشرك.. وكلنا يعلم من هو المشرك...! ويأمرنا بإطعام الأسير.. فيا أهل العالم ويا من تتهموننا بالعنف والإرهاب.. تأملوا...!! هل المشرك والأسير من المسلمين أم من غير المسلمين..؟!!
أخراً وليس أخيراً...
ليّ أحبة وأعزاء ممن تركوا في ذاكرتي مواقف رائعة من كِلا الطائفتين السنية والشيعية... لهم مني خالص التحية والحب والاحترام....
لي عودة بودي أن لا تطول..
في أمان الله..