تنوعت بين كتابة سلطانية ورسائل اخوانية وأدب تاريخي وأدب قصة وغيرهم
التي تتناول أمور الدولة وشؤون السلطان وتشمل بيعات الخلفاء وتولية الملوك مراسيم استلام الوزارة والتعليم وبلاغات القصر والمنشورات السياسية والاقتصادية
وقد وفى النثر بهذه الأغراض حق الوفاء وأسبغ عليها حلة من الأناقة متوخياً الجمال والتأثير
تأنق الكاتب في انتقاء الألفاظ واختيار الأسلوب ومضى على سنة أهل عصره في التزام السجع يطرزه بآية من القرآن يستشهد بها
كانوا يبدؤوها بحمد الله والثناء عليه مطيلين في تعداد أوصافه ثم بالصلاة على محمد واصفين إياه بأنه جدهم وبعد الحمد والصلاة يمجدون الملك الذي انشأ الكتاب لأجله داعين له ولدولته
وقد بلغ التأنق في الكتابة التاريخية منتهاه في كتب البيعات وتقاليد الملوك ولعل خير ما يمثله لنا هو تقليد الملك المنصور قلوون ولاية العهد لأبنه الملك الأشراف يقول
( مثمر غروس الأموال ومعمر بيوت الرجاء والرجال وبه تزكو الأعمار والأعمال )
فقد صورة هذه الرسائل حكام العصر بصورة مثالية ولسنا ندعي إن حكام هذا العصر قد حققوها ولكن هكذا تخيلتهم شعوبهم وصورهم الكتاب
تتحدث عن العواطف الشخصية في الرضا والسخط والحب والبغض
وما بقي لنا من هذا النوع من الرسائل قليل وقد عالجه كبار الكتاب يومئذ يتأنقون في عباراته ويتلمسون الجمال والزينة منهم ( القاضي الفاضل , وابن الأثير , وابن عبد الظاهر , وغيرهم )
وقد جمع ابن سناء الملك ما دار بين أبيه والقاضي الفاضل من رسائل
كثر اقتباس الشعر في هذه الرسائل لتشابه غرضيهما
كتب القاضي الفاضل مشتاقا معاتبا
أكذا كل غائب غاب عمن يحبه
غاب عنه بشخصه وسلا عنه قلبه
لو إن لي يدا يكتب أو لسانا يسهب أو خاطرا يستهل أو فؤادا يستدل لوصفت إليه شوقا إن استمسك بالجفون نثر عقدها أو نزل بالجوانح أسعر وقدها
نرى الأدب يريد أن ينهض بمهمة أخرى تلك هي مهمة الإصلاح الخلقي والتوجيه السياسي فرأينا كتباً أدبيه تؤلف يبوبها كاتبها أبوابا تتناول الأخلاق الكريمة كالصدق والصبر والوفاء وغير ذلك
1-كتاب الآداب النافعة بالألفاظ المختارة الجامعة ألفه أبو الفضل الأفضلي الشاعر جمعه حكماً قصيرة وأمثالاً سائرة تتعلق بالآداب الفردية و الاجتماعية
2-كتب اسامة بن منقذ كتابه لباب الآداب يرمي به إلى هذا الهدف ايضاً ورتبه على سبعة كتب وكتاب في الوصايا وأخر في السياسة وثالث في الكرم ورابع في الشجاعة وخامس في الآداب وهو يورد من القرآن ما يرتبط بالباب ثم يثني بالأحاديث المتعلقة به وبعدئذ يأتي بالمرويات الأخرى عن العرب والعجم
3-كتب ابن العربي كتابه : محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار
4-كتاب المنهج المسلوك في سياسة الملوك ألفه لصلاح الدين أبو الفضائل
ومنهجه في ذلك كله أنه يشرح الفكرة بقلمه ثم يؤيد فكرته بما قاله فيها السابقون ويمتاز الكتاب بأن له منهجاً في العرض وخطة واضحة في ترتيب الباب وإيراد مسائله وليس جمعا لحكم وأمثال فحسب وأغلب الظن أن الكتاب الذي ألفه لصلاح الدين إبراهيم القناوي وسماه تهذيب ذهن الواعي في إصلاح الرعية والراعي ينهج هذا النهج في جمع الحكم
كما أن بعض الكتاب رأى من رسالة الأدب ايضاً أن ينقل إلى الناس تاريخ العصر فاختار في كتابه كتب التاريخ أن يتأنق في العبارة ويجود الأسلوب حتى أصبح كتابه نثرا فنيا لا يختلف في شيء عن كتابة الرسائل الفنية وأشهر الكتب التي خلفها هذا العصر من هذا اللون اثنان
ألف احدهما في عصر الدولة الفاطمية
1-كتاب الإشارة إلى من نال الوزارة ألف ابن الصيرفي للمأمون وزير الخليفة الفاطمي أرخ فيه لوزراء الدولة الفاطمية منذ تأسيس دولتهم في مصر
2- الكتاب الذي التزم اللغة الفنية فلقد بلغ الكتاب من الطول والضخامة فهو كتاب القيح القسي في الفتح القدسي فهو كتاب التزم فيه صاحبه السجع ولم يقصد نقل المعلومات إلى السامع فحسب ولكنه أراد نقلها في صورة مؤثرة جميلة ونقل شعور الكاتب إزاء هذه الأحداث
وندر الأدب القصصي الموروث عند هذا العصر فليس فيما بين يدينا سوى كتاب الاعتبار لأسامة بن منقد وفي إطلاق أدب القصة على هذا الكتاب تسامح فليس هو بالكتاب ذي الخطة الموضوعة المهيأة فهو مع بسطه للحقائق فيقص ما رآه أو سمعه في حياته ليس فيه أية وحدة سوى وحدة مؤلفه التي تظهر شخصيته دائماً وإذا يجد القارئ نفسه حيناً في دمشق ومصر والموصل فكانت إحدى الذكريات تستدعي أخرى
ترك اسامة نفسه لذكرياته يرويها في عبارة سهلة لا زخرف فيها ولا أناقة بل يكاد يكون في عامية معربة ولم يتورع عن استخدام الفارسية واليونانية والتركية
قص علينا اسامة في كتاب الاعتبار ما شاهده من المعارك الحربية بينه وبين العرب أو بين الفرنج ورحلاته إلى دمشق ومصر وما شاهده من الفرنج وصلته بهم ويصف وصفا قصصياً ما دار من معارك بين المسلمين والفرنج ويصور بعض ألوان الحياة الاجتماعية وصلة الفرنج بالمسلمين في السلم والحرب
ويصور الفرنج ويرسم بعض سماتهم وعاداتهم الفردية والاجتماعية وإلى جانب هذا القصص الشخصي ظهر القصص الشعبي يردده القاص على الشعب في المقاهي يرفه عن الناس في أوقات فراغهم
وقد دخل هذا اللون من القصص في كتاب ( ألف ليلة وليلة ) ولعل قلة الأدب القصصي في ذلك العصر تعود لقلة ابتكار أدباء هذا العصر الذين نسجوا على منوال من سبقهم و وجدوا في القصائد والرسائل ما يغنيهم عن الالتجاء إلى القصص وما يلحظ أن المثل الأعلى للكتابة في ذلك العصر كان مقامات الحريري وهو كتاب قصصي كان جديراً أن يقتدى به في الأسلوب السجعي ومقاماته خيالية