المحاضره الاولى
المحاضره الاولى المكي والمدني
من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فترة من حياته في مكة قبل البعثة وبعدها ، ثم هاجر إلى المدينة المنورة وأقام فيها إلى وفاته .
وقد نزل عليه القرآن الكريم في الأمصار والقرى والجبال والأودية وفي أوقات مختلفة ، في الليل والنهار ، والسفر والحضر ، والصيف والشتاء ...
وعندما كان القرآن ينزل في مكة أول البعثة كان المسلمون قلة ، وكان المشركون كثرة ، ولكل منهما حديث وأسلوب .
فالقرآن في مكة يدافع عن القلة من المسلمين ، ويرفق بهم ويثبت قلوبهم ، وأيضاً يقارع الكفار ، ويحطم معتقداتهم ، ويدفع الشبهات ، ويكشف الأباطيل ، حتى نشأت نواة الدولة الإسلامية .
ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه ، الجماعة والتقى بجماعة أخرى من المسلمين ، وآخى بينهما ، كان نتاجه نشأة الدولة الإسلامية ، فنزل القرآن على المسلمين بالأحكام والتشريعات ، وبسط أحكام الدين .
وقد اعتنى العلماء عناية فائقة في معرفة مكان النزول وزمن النزول لما في معرفة ذلك من فوائد عديدة لفهم النصوص القرآنية .
عناية العلماء بالمكي والمدني
فلا عجب إذاً أن يعتني العلماء بذلك ، وأن يولوه اهتمامهم منذ عهد الصحابة ، فهذا علي بن أبي طالب يقول : ( والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت ، وأين أنزلت ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولا )
وهذا ابن مسعود يقول : (والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت ، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه )
فمن عناية العلماء أن تتبعوا القرآن آية آية ، وأفرد جماعة منهم بالتأليف منهم : مكيّ ، والعز الديريني ـ كما ذكر السيوطي ـ .
وفي العصر الحديث صدرت دراسات كثيرة عن خصائص السور المكية ، وخصائص السور المدنية .
ولا نكاد نجد كتاباً يتناول علوم القرآن إلا وكان المكي والمدني أحد أبوابه .السيوطي
أنواع المكي والمدني :
1ـ ما نزل بمكة .
2ـ ما نزل بالمدينة .
3ـ ما اُختلف فيه .
4ـ الآيات المكية في السور المدنية :
5ـ الآيات المدنية في السور المكية :
6ـ ما نزل بمكة وحكمه مدني :
7ـ ما نزل بالمدينة وحكمه مكي :
8ـ ما يشبه نزول المكي في المدني
9ـ ما يشبه نزول المدني في المكي
10 ـ ما حمل من مكة إلى المدينة
11ـ ما حمل من المدينة إلى مكة
12ـ ما نزل ليلاً وما نزل نهاراً :
13ـ ما نزل صيفاً وما نزل شتاءً
14ـ ما نزل في الحضر وما نزل في السفر :
فهذه أنواع رئيسية يرتكز محورها على المكي والمدني ، وذا سمي هذا العلم بـ (المكي والمدني)
أمثلة الأنواع الثلاثة :
السور المكية ، والسور المدنية ، والمختلف فيه .
وأقرب ما قيل في تعداد السور المكية والمدنية إلى الصحة ، أن المدني عشرون سورة ......
وأن المختلف فيه اثنتا عشرة سورة .....
وأن ما سوى ذلك مكي ، وهو اثنتان وثمانون سورة ، فيكون مجموع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة .
طريقة معرفة المكي والمدني :
اعتمد العلماء في معرفة المكي والمدني على منهجين (طريقين) أساسين :
الطريق السماعي النقلي .
الطريق القياسي الاجتهادي .
هي الآيات والسور التي عرفنا أنها مكية أو مدنية بطريق الرواية عن أحد الصحابة الذين عاصروا الوحي ، وشاهدوا نزوله ، أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقعه وأحداثه .
ومعظم ما ورد في المكي والمدني من هذا القبيل .
النبي ... (مقولة الباقلاني)
ومن أمثلة ما عرف أنه مكي أو مدني عن طريق الصحابة رضي الله عنهم قوله تعالى (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) عن ابن عباس :أنها نزلت لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومن المعلوم أن عمر قد أسلم في مكة ، فالآية إذاً مكية .
وسورة الحج روى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها مكية .
رواية سعيد بن جبير ...
حديث عائشة رضي الله عنها ...
نظر العلماء رحمهم الله تعالى في الآيات والسور التي عرفوا أنها مكية أو مدنية بالطريق الأول (السماعي النقلي) واستنبطوا خصائص وضوابط للسور المكية ، وخصائص وضوابط للسور المدنية .
ثم نظروا في السور التي لم يرد نصوص في مكان نزولها فإن وجدوا فيها خصائص السور المكية قالوا إنها مكية ، وإن وجدوا فيها خصائص السور المدنية قالوا : إنها مدنية هذا يكون بالاجتهاد والقياس ، فسمي بالطريق القياسي الاجتهادي .
مقولة الزركشي ...
تعريف المكي والمدني :
للعلماء في الفرق بين المكي والمدني ثلاثة آراء اصطلاحية ، كل رأي منها بني على اعتبار خاص :
اعتبار زمن النزول
اعتبار مكان النزول
اعتبار المخاطب
اعتبار زمن النزول ، فالهجرة هي الحد الفاصل بين المكي والمدني .فالمكي : ما نزل قبل الهجرة وإن كان بغير مكة ، والمدني : ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة ، فما نزل بعد الهجرة ولو بمكة ، أو عرفة مدني .
وما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فهو من المكي .
كالذي نزل عام الفتح كقوله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) فإنها نزلت بمكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم .
أو نزل بحجة الوداع كقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم بالإسلام ديناً) فهي مدنية مع أنها نزلت في عرفات بمكة .
وهذ الرأي أولى من الرأيين بعده لحصره واطراده ولا تخرج عنه آية من آيات القرآن الكريم .
اعتبار مكان النزول ، فالمكي : ما نزل بمكة وما جاورها كمنى وعرفات والحديبية ولو بعد الهجرة ، والمدني : ما نزل بالمدينة وما جاورها كأحد وقباء .
وهذا القول غير ضابط ولا حاصر إذ أنه لا يشمل ما نزل من الآيات في غير مكة والمدينة وما حولهما . فقد نزلت آيات قرآنية في تبوك وفي بيت المقدس وفي الطائف ، فالتعريف غير ضابط .
اعتبار المخاطب ، فالمكي : ما كان خطاباً لأهل مكة ، والمدني ما كان خطاباً لأهل المدينة .
وينبني على هذا الرأي عند أصحابه أن ما في القرآن من قوله تعالى : (يا أيها الناس) أو (يا بني آدم ) مكي ، وما فيه من قوله تعالى (ياايها الذين آمنوا ) مدني .وهذا الضابط غير ضابط ولا حاصر من وجهين :
1ـ ضعف القول ابن الحصار .. سورة البقرة مدنية وفيها (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون )
وسورة النساء مدنية وأولها (يا أيها الناس) .
وسورة الحج مكية وفيها (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) .
2ـ أن هناك آيات كثيرة وسور ليس فيها نداء بـ (يا أيها الناس ) أو (يا أيها الذين آمنوا) وهذا القول لا يشملها فلا يكون ضابطاً ولا حاصراً .
ضوابط ومميزات المكي والمدني :
نظر العلماء في السور المكية فوجدوا أن لها ضوابط وأن لها مميزات ، ونظروا في السور المدنية فوجدوا أيضاً أن لها ضوابط ومميزات .
ونعني بالضوابط : خصائص الألفاظ .
ونعني بالمميزات : خصائص الأسلوب والمعاني والأغراض للسور المكية والمدنية .
ضوابط المكي :
1ــ كل سورة فيها لفظ (كلا ) فهي مكية ، ولم يرد إلا في النصف الأخير من القرآن ، وذكرت ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة .
وحكمة ذلك : أن (كلا ) للردع والزجر ، وهذا إنما يكون للمعاند فهو مناسب لمخاطبة المشركين بمكة .
2 ـ كل سورة فيها سجدة تلاوة فهي مكية ،وهي أربع عشرة سورة.
3ـ كل سورة فيها (يا أيها الناس) وليس فيها (يا أيها الذين آمنوا) فهي مكية إلا سورة الحج ففي أواخرها (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ..)
4ـ كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية سوى البقرة .
5ـ كل سورة مفتتحة بالحمد فهي مكية ، وهي خمس سور .
6ـ كل سورة تفتح بحروف التهجي كـ (ألم)(الر) و(حم) ونحو ذلك فهي مكية سوى الزهراوين ، واختلفوا في سورة الرعد
7ـ كل سورة مبدؤة بقسم وهي خمس عشرة سورة فهي مكية .
مميزات السور المكية :
1ـ تأسيس العقيدة الإسلامية في النفوس بالدعوة إلى عبادة الله وحده ، وإثبات الرسالة ، وإثبات البعث والجزاء ، وذكر القيامة وأهوالها ، والنار وعذابها ، والجنة ونعيمها...
2ـ تشريع أصول العبادات والمعاملات والآداب والفضائل العامة التي يقوم عليها كيان المجتمع ، ففي مكة فرضت الصلوات الخمس مثلاً ، وفضح جرائم المشركين في سفك الدماء ، وأكل أموال اليتامى ظلماً ، ووأد البنات ..
3ـ ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجراً حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم ، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبيان ما دعا إليه الأنبياء السابقون من عقائد ، ومواقف أممهم منهم ، وما نزل بالمكذبين من عذاب دنيوي جزاء تكذيبهم
4ـ قصر السور والآيات مع قوة الألفاظ ، وإيجاز العبارة ، مع بلاغة المعنى ووفائه . يؤكد المعنى بكثرة القسم ، كقصار المفصل .
ضوابط المدني :
1ـ كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية .
2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية سوى العنكبوت فهي مكية .
3ـ كل سورة فيها (يا أيها الذين آمنوا) وليس فيها (يا أيها الناس) فهي مدنية سوى البقرة والنساء .
مميزات السور المدنية :
1ـ يخاطب القرآن في المدنية غالباً مجتمعاً إسلامياً فكان الغالب عليه بيان العبادات والمعاملات ، والحدود ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، ومسائل التشريع ..
2ـ مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم .
3ـ الكشف عن سلوك المنافقين ، وهتك أستارهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الإسلام والمسلمين .
4ـ طول المقاطع والآيات لبسط العقائد الإسلامية ، والأحكام التشريعية ، ويوضح أهدافها ومراميها .
فوائد العلم بالمكي والمدني :
للعلم بالمكي والمدني فوائد منها :
1ـ الاستعانة به في تفسير القرآن :
فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيراً صحيحاً ، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ويستطيع المفسر عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ ، فإن المتأخر يكون ناسخاً للمتقدم .
2ـ الاستفادة من أسلوب القرآن في الدعوة إلى الله ، فلكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها ، فهو أسلوب يشتد ويلين ويفصّل ويجمل ويرغب ويرهب حسب أحوال المخاطبين ، وهذا من أسرار الإعجاز في القرآن الكريم .
3ـ الوقوف على السيرة النبوية من خلال القرآنية ، وذلك بمتابعة أحواله في مكة ومواقفه في الدعوة ، ثم أحواله في المدينة ودعوته .
4 ـ معرفة تاريخ التشريع وتدرجه في التكليف .
5 ـ تمييز الناسخ من المنسوخ فإن المتأخر ناسخ للمتقدم .
6 ـ بيان عناية المسلمين بالقرآن الكريم واهتمامهم به ، حتى إنهم لم يكتفوا بحفظ النص القرآني ، بل تتبعوا مكان نزوله ، ومعرفة ما نزل قبل الهجرة ، وما نزل بعدها ...
يتبع المحاضرات الباقيه باذن الله ..