طبيعة التذوق الأدبي
- التذوق الأدبي هو قدرة في الطبيعة الإنسانية تجعل صاحبها مستمتعاً بالجمال في الأعمال الفنية وبالأدب خاصة .
- وقد تزامن ظهور التذوق الأدبي بظهور فن الأدب ، ولقد رأينا كتب النقد العربي تنقل لنا بعض الآراء التذوقية عند سماعهم لقصائد كبار الشعراء الجاهليين .
- ولعل أوضح مثال على تمتع الشاعر العربي بحس تذوقي ما روى أن امرأ القيس وعلقمة بن عبدة تنازعا في الشعر أيهما أشعر واحتكما إلى أم جندب زوج امرئ القيس ،ولعلها كانت شاعرة فقالت لينظم كل منكما قصيدة يصف فرسه فيها والتزما وزناً واحداً وقافية واحدة ،فصنع كل منهما بائية من وزن الطويل ،وأنشدا القصيدتين ،فقالت لزوجها :علقمة أشعر منك ، قال وكيف ؟ قالت لأنك قلت :
فـللسوط ألهوب وللساق درةٌ وللزجر منه وقع أخرج مهذبِ
فجهدت فرسك بصوتك في زجرك ومريته فأتعبته بساقك .
وقال علقمة :
فأدركهـن ثانياً من عنانه يمر كمر الرائح المتسحلب
فأدرك فرسه ثانياً من عنانك ،ولم يضربه بسوط ولم يتعبه .
أولاً : مفهوم التذوق الأدبي
تعددت تعريفات التذوق الأدبي، وقد سعى الباحث لتصنيف هذه التعريفات في خمسة محاور هي كالتالي :-
1- تعريفات أكدت أن التذوق الأدبي ملكة أو حاسة فنية .
فتحدد معاجم اللغة معنى التذوق بأنه : حسن الذوق للشعر فهامة له خبير بنقده .
- ويعرفه د/ شوقي ضيف بأنه ملكة تنشأ من طول الإنكباب على قراءة الشعر وآثار الأدباء في القديم والحديث بحيث تصبح استجابة صاحبها لما يقرأ استجابة صحيحة .وأصحاب هذا الرأي يرون أنه كي تظهر هذه الملكة لابد من مصاحبة أعمال الأدباء حتى يصقل ذهن المتلقى .
2- تعريفات أكدت أن التذوق هو الفهم الدقيق لعناصر النص الأدبي .
أي : العناصر الأساسية المكونة للعمل الأدبي ؛ من فكرة عميقة ، وموسيقى عذبة ، وعاطفة قوية ، وخيال مبتكر ، مع اعتبار أن الفهم يعين على التذوق فلا تذوق دون فهم ولا فهم دون تذوق ؛ فهو نوع من السلوك ينشأ من فهم المعاني العميقة في النص الأدبي والإحساس بجمال أسلوبه .
3- تعريفات أكدت أن التذوق هو خبرة تأملية جمالية .
وقد ركزت على الأثر الذي يتركه العمل الأدبي في نفس المتلقي ، ويتمثل في الشعور بالمتعة الفنية في أثناء
تفاعله مع العمل الأدبي ، ذلك التفاعل الذي يجعل المتلقى يتوحد مع التجربة الشعرية التي عاناها الأديب .
4- تعريفات أكدت أن التذوق هو استجابة وجدانية .
أي أن التذوق الأدبي إنما هو انفعال يدفع الفرد إلى الإقبال على القراءة و الاستمتاع في شغف وتعاطف ، وإلى تقمص الشخصيات في الأثر الأدبي والمشاركة في الأحداث والحالات الوجدانية التي تصورها الأديب .
5- تعريفات أكدت أن التذوق هو تقدير العمل الأدبي .
يرى فؤاد أبو حطب أن التذوق ما هو إلا نمط مركب من السلوك يتطلب في جوهره إصدار أحكام على قيمة العمل أو موضوع من الناحية الجمالية .
بين الذوق والتذوق :
- هناك مصطلحان متشابهان في مجال الدراسات الأدبية والنقدية هما الذوق والتذوق ، والحقيقة أن هناك علاقة وثيقة بين الذوق والتذوق الأدبي وليس بينهما خلاف كبير سوى أن التذوق الأدبي يرتبط بأحكام موضوعية وله ضوابطه ومعاييره ومستوياته التي تفوق الذوق في بعض جوانبه . إلا أن كلاً منهما يحتاجان إلى نوع من التربية ؛ فهما لا يأتيان عرضاً وإنما يحتاجان إلى معايشة النص الأدبي ، ويحتاجان كذلك إلى خبرة وثقافة ؛ لأن التذوق وإن كان ملكة فإنما ينمو بالتعهد والرعاية .
خصائص التذوق الأدبي :
أ- التذوق نشاط إيجابي : فهو يتطلب تفاعلاً واندماجاً من المتلقي مع العمل الأدبي .
ب- التذوق استجابة لمقومات العمل الأدبي : أي ما يتضمنه العمل الأدبي من خصائص فنية وجمالية من: أفكار عميقة ، وخيال مبتكر ، وعاطفة صادقة ، وألفاظ موحية ، وأسلوب شائق ، وموسيقى جميلة .
ج- الفهم يسبق التذوق : فلا بد من أن يفهم المتلقي أجزاء العمل الأدبي فهماً يقوم على الإحاطة بها جميعاً .
د- التذوق خبرة تكاملية : فلا بد أن تتكامل تلك الخبرة وتتوفر فيها عدة أبعاد هي :
1- البعد العقلي : ويقصد به استخراج الأفكار والمعاني .
2- البعد الوجداني : ويقصد به تحديد القارئ لأحاسيس الكاتب .
3- البعد الجمالي : أي القدرة على تحديد الجمال في كل كلمة أو صورة أو أسلوب وبيان قدرتها على أداء المعنى.
4- البعد الاجتماعي : وهو تحديد المرحلة العمرية، وكذلك العادات والقيم الاجتماعية السائدة والتي قصدها الأديب .
ثانيا ً: أهمية التذوق الأدبي
- إن تربية التذوق ليس وسيلة تسلية للإنسان وإنما هو من أهم مقومات وجود الإنسان بحيث يستحيل أن يكون الإنسان إنساناً دون تذوقه لمفردات الكون من حوله .
- وللأدب رسالة وغاية ،هي تهذيب الشعور والأخلاق وتنقية النفس من أدرانها وإشباع الحاجات الوجدانية وغرس القيم وتعديل السلوك ، فتذوق العمل الأدبي يساعد على ترقية الحياة عموماً .
- أهمية التذوق بالنسبة للمتذوق :
يقول الأستاذ أحمد الشايب إن صاحب الذوق السليم يقدر على :
1- تقدير الآثار الفنية والأدبية وإدراك ما في هذا العالم من جمال وانسجام .
2- الاستمتاع بهذا الجمال والشعور باللذة والسرور عند إدراكه واجتلائه .
3- محاكاة ذلك الجمال في الأعمال والأفكار .
سادساً : مصادر تكوين الذوق الأدبي :
ذكر بعض الباحثين بعض الأسس التي تسهم في تكوين التذوق الأدبي ، ومنهـا :
1-الإطلاع الواسع على الأدب الجيد من الشعر والنثر .
2-مزاولة محاكاتها والنسج على منوالها عن طريق تقليدها .
3-توفر الموهبة والاستعداد الفطري .
ومن هذه المصادر أيضّا :
1-مخالطة الصفوة من رجال الأدب ، ومطالعة الروائع العالمية لعباقرة الفن .
2-العقل المتزن :العقل الذي يحكم ويوضح الحقائق ، ويقنع بحجج الناقد استحساناً أو رفضاً.
3-العاطفة :وهي الشعور الواقع على النفس مباشرة عن طريق الحواس .
* * *