عذرا امس قفل الموقع يقول صيانه مدري وشو المهم اليكم التكمله
المحاضرة الثالثه :
الناسخ والمنسوخ
كان الناس في الجاهلية يعبدون الأصنام والأوثان, فنزلت الآيات لتقرير العقيدة الصحيحة, والعقيدة لا يطرأ عليها تغيير ولا تبديل لقيامها على الإيمان بأصول ثابتة اتفقت دعوة الرسل عليها ، واقتضت حاجة الأمة الجديدة تشريعات تعبدية ومعاملات, واقتضت حكمة الله تعالى ـ رحمة بالأمة ـ التدرج في تقريرها, فكانت هذه الأحكام تنزل مفرقة بين حين وآخر, فإذا نزل حكم شرعي وعمل الناس به ارتقى بهم إلى حكم آخر يناسب الحال التي وصلوا إليه ورفع الحكم السابق, وهذا ما يسمى بالنسخ .
• وقد اعتنى العلماء بدراسة هذا النوع من الآيات وأفردوه بمؤلفات مستقلة منها:
• 1-الناسخ و المنسوخ في القرآن العزيز: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي.
• 2- الناسخ والمنسوخ: أبو جعفر النحاس.
• 3- نواسخ القرآن: ابن الجوزي.
تعريفه :
النسخ لغة:
يطلق بمعنى الرفع والإزالة, يقال: نسخت الشمسُ الظلَّ, ونسخت الريحُ الأثرَ: إذا أزالته.
ويطلق ويراد به نقل الشيء من موضع إلى موضع, ومنه:تناسخ المواريث ؛ لانتقال المال من وارث إلى وارث.
ومنه قول تعالى { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} والمراد نقل الأعمال إلى الصحف.
النسخ اصطلاحا:
رفع الحكم الشرعي بخطاب شرعي متراخٍ عنه.
والمراد بقولنا (رفع) , أي : قطع العمل به, وخرج بهذا القيد ما ليس برفع كالتخصيص فإنه لا يرفع الحكم, وإنما يقصره على بعض أفراده.
وبقولنا(الحكم الشرعي) خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين, وخرج به رفع البراءة الأصلية, كإيجاب الصلاة والزكاة ، أو تحريم الخمر والربا ، فإنه رافع للبراءة الأصلية لذمة الإنسان منها قبل ورود الشرع بها ، ولا يقال لهذا نسخ لأنها حكم عقلي لا شرعي .
والمراد بقولنا:(بخطاب شرعي) الكتاب والسنة.وخرج بذلك رفع الحكم الشرعي بدليل عقلي, كسقوط التكليف عن الإنسان بموته أو جنونه, وكذلك خرج به رفع الحكم الشرعي بالإجماع أو القياس.
وخرج بقولنا:(متراخٍ عنه) ما كان متصلاً بالحكم,أو مقيداً بوقت معين .
كقوله تعالى: { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فإن قوله {حتى يتبين} غير ناسخ لإباحة الأكل و الشرب, وإنما هو بيان وتتمة للمعنى فلا يعتبر نسخاً.
شروط النسخ :
ويظهر من التعريف أن شروط النسخ أربعة:
1- أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً.
2- أن يكون الحكم الناسخ خطاب شرعي متراخٍ عن الخطاب المنسوخ حكمه.
3- أن لا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيداً بوقت معين, وإلا فالحكم ينتهي بانتهاء وقته, ولا يُعدُّ هذا نسخاً.
4- أن يكون بين الدليلين تعارض حقيقي بحيث لا يمكن الجمع بينهما أو إعمالهما معاً.
مذاهب الناس في النسخ :
ولهم في ذلك أربعة مذاهب :
1- ذهب اليهود إلى إنكار النسخ وزعموا أنه يستلزم البداء على الله, وهو الظهور بعد الخفاء. وهذا محال على الله. واستدلالهم هذا فاسد, لأن النسخ ليس لتجدد علم الله-تعالى وعز وجل-
وإنما لتجدد حاجة الأمة, وتغير أحوالهم وحاجتهم إلى حكم جديد في كل حالة من حالاتهم.
2- مذهب الرافضة:
وهؤلاء غالوا في إثبات النسخ بل وأجازوا على الله البداء- الذي نزه اليهود عنه الله تعالى- ووضعوا أحاديث نسبوها إلى عليٍ رضي الله عنه كقوله((لولا البداء لحدثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة)).
3- مذهب أبي مسلم الأصفهاني:
وإنما نسب إليه لأنه أول من قال به, وهو من أئمة المعتزلة, حيث قال بجواز النسخ عقلاً وامتناع وقوعه شرعاً, واحتج بقوله تعالى:{لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد}. على معنى أن أحكام القرآن لا تبطل أبداً ويحمل آيات النسخ على التخصيص.
ويرد عليه بأن معنى الآية أن القرآن لم يتقدمه ما يبطله من الكتب ، ولا يأتي بعده ما يبطله , والنسخ ليس من الباطل بل هو من الحق, فالناسخ والمنسوخ كلاهما وحي من الله تعالى, ووحي الله كله حق لا باطل
4- مذهب جمهور علماء المسلمين:
على جواز النسخ عقلاً ووقوعه شرعاً للنصوص الشرعية الكثيرة الدالة على ذلك, كقوله تعالى:{ ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها} وقوله تعالى:{وإذا بدلنا آيةً مكان آية} وغير ذلك من الأدلة في الكتاب و السنة.
ما يقع فيه النسخ :
اعلم أن النسخ لا يكون إلا في (الأوامر) و(النواهي) سواء كانت :
1- صريحة في الطلب.
كالأمر في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}.
- أو كانت بصيغة الخبر، الذي بمعنى الأمر أو النهي . كقوله تعالى: { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } .
ولا يقع النسخ في:
1- مسائل العقيدة المتعلقة بذات الله تعالى وصفاته وكتبه ورسله واليوم الآخر؛ لأن العقائد حقائق ثابتة لا تقبل التغيير أو التبديل فلا يدخلها النسخ.
كقوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أنداداً}.
2ـ أصول العبادات و المعاملات فلا يقع النسخ في فرض الصلاة أو الصيام أو الحج أو البيع أو الشراء أو الزواج؛ لأن هذا وغيره من الأمور التي يشترك فيها الأنبياء كلهم { كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}.
- الأخلاق والآداب كقوله تعالى: {ولا تُصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا}.
4- الأخبار المحضة كقصص الأنبياء وما جرى للأمم السابقة.
طرق لمعرفة الناسخ و المنسوخ :
لمعرفة الناسخ والمنسوخ ثلاثة طرق هي:
1- أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعيين المتأخر منهما, كقوله: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله و الله مع الصابرين}.
2- أن ينعقد إجماع من الأمة في أي عصر من العصور على أن هذا ناسخ ومنسوخ.
3- معرفة المتقدم من المتأخر في النزول.
أقسام النسخ:
الأول: نسخ القرآن بالقرآن:
وأجمع القائلون بالنسخ على جوازه ووقوعه, وهو ثلاثة أنواع .
ومن أمثلته قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول} نسخ بقوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهرٍ و شهرا}.
الثاني: نسخ القرآن بالسنة:
وهو نوعان:
1- نسخ القرآن بالسنة الآحادية:
وجمهور العلماء على عدم جوازه, لأن القرآن متواتر يفيد اليقين, والسنة الآحادية ظنية ولا يرفع اليقين بالظن
ومثاله قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خياراً الوصية للوالدين و الأقربين بالمعروف حقاً على المتقين} قيل: إنها منسوخة بحديث: ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه, فلا وصية لوارث)).
والصحيح أن الآية منسوخة بآية المواريث, كما يدل على هذا أول الحديث نفسه (( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)).
- نسخ القرآن بالسنة المتواترة:
وأجاز أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية, وقالوا: إن السنة وحي كما أن القرآن وحي, قال تعالى: {وما ينطق على الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى} .
ومنعه الشافعي وأحمد في رواية أخرى لقوله تعالى: { ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها} والسنة ليست خيراً من القرآن ولا مثله.
ويجاب عن ذلك بأن الخيرية في الفضل وليس في وجوب الإتباع والدلالة على الأحكام, فالسنة يجب العمل بها كما يجب العمل بالقرآن سواء بسواء.
- نسخ السنة بالقرآن:
وأجازه الجمهور, ومثاله التوجه إلى بيت المقدس في الصلاة كان ثابتاً بالسنة ونسخه قوله تعالى:{ فول وجهك شطر المسجد الحرام} وصيام عاشوراء ثبت بالسنة ونسخه قوله تعالى{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه}.
4- نسخ السنة بالسنة:
أ- نسخ المتواتر بالمتواتر.
ب- نسخ الآحاد بالآحاد.
ج- نسخ الآحاد بالمتواتر.
وهذه الأنواع الثلاثة جائزة عند الجمهور
د- نسخ المتواتر بالآحاد, وفيه الخلاف الوارد في نسخ القرآن بالسنة الآحادية و الجمهور يمنعه ولا يجيزه.
أما نسخ كل من الإجماع والقياس والنسخ بهما فالصحيح عدم جوازه.
أنواع نسخ القرآن بالقرآن:
وهو القسم الأول من أقسام النسخ في القرآن الكريم.
ثلاثة أنواع :
الأول: نسخ التلاوة والحكم معاً:
وأجمع القائلون بالنسخ على وقوعه, ومثاله ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن, ثم نسخن بخمس معلومات, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن. فجملة (عشر رضعات معلومات يحرمن) كانت من القرآن ثم نسخت تلاوتها وحكمة.
الثاني: نسخ الحكم وبقاء التلاوة:
وهذا النوع من أشهر الأنواع, وهو الذي ألفت فيه الكتب, وتفاوت المؤلفون في عدد الآيات المنسوخ حكمها مع بقاء تلاوتها . ومن الأمثلة قوله تعالى:{والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج) فتلاوتها باقية وحكمها نسخه قوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} .
حكمة نسخ الحكم وبقاء التلاوة :
فإن قلت: وما الحكمة من بقاء التلاوة ورفع الحكم؟ قلنا من الحكم:
1ـ أن الآية يتعبد بالعمل بها ويتعبد بتلاوتها, ورفع أحدها لا يلزم منه رفع الآخر, فبقيت تلاوتها للتعبد بها .
2ـ أن النسخ غالباً يكون إلى الأخف , فبقاء التلاوة تذكير بنعمة رفع المشقة.
الثالث: نسخ التلاوة وبقاء الحكم:
وأنكر هذا النوع بعض العلماء و أجازه آخرون, ومن أمثلته حديث عمر بن خطاب رضي الله عنه أنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق, وأنزل عليه الكتاب, فكان مما أنزل الله آية الرجم, قرأناه ووعيناها وعقلناها, فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده..)) الحديث
وفي حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: (( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة )) فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها.
النسخ إلى بدل و إلى غير بدل:
وقد يكون نسخ الحكم إلى بدل وقد يكون إلى غير بدل.
النسخ إلى غير بدل:كنسخ الصدقة بين يدي نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقات}
فقد نسخت بالعفو عن ذلك إلى غير بدل في قوله تعالى: { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}.
ب ـ وقد يكون النسخ إلى بدل: وله أحوال ثلاث:
النسخ إلى بدل أخف.
كآية الاعتداد بالحول نسختها آية الاعتداد بأربعة أشهر وعشرا.
النسخ إلى بدل مماثل.
كنسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى المسجد الحرام.
النسخ إلى بدل أثقل.
كنسخ جواز قتل المشركين إلى الوجوب { كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} ونسخ وجوب صوم عاشوراء إلى وجوب صيام شهر رمضان, ونسخ حبس الزانية إلى الجلد للبكر والرجم للثيب.
ولعل حكمة هذا النوع إرادة الخير بالأمة, وزيادة الأجر والثواب؛ لأن الأجر على قدر المشقة.
حكمة النسخ :
وللنسخ حكم كثيرة منها:
1ـ رحمة الله بالأمة ومراعاة مصالحها, فقد يكون الحكم الشرعي في حينٍ خيراً للأمة وغيره خيراً لها في حين آخر, فاقتضت حكمة الله تقرير الحكم الشرعي الذي فيه مصلحتها في كل حين.
2ـ تطور التشريع إلى مرتبة الكمال حسب تطور الدعوة و تطور حال الأمة حين نزول القرآن .
3ـ إبتلاء المكلف وإختباره بالامتثال وعدمه, حيث إن في تبدل الأحكام وتغيرها امتحاناُ للقلوب ليميز الخبيث من الطيب.
4ـ إرادة الخير للأمة والتيسير عليها, وذلك أن النسخ إن كان إلى أشق ففيه زيادة ثواب, فالأجر على قدر المشقة, وإن كان إلى أخف ففيه التيسير على الأمة مع ثبات الأجر.