المحاضرة الخامسة والاخيره بالنسبة لجزئية الشهري:
المحكم والمتشابه
معرفه المتشابه:
اختلف العلماء في المتشابه هل يمكن معرفته ام لا ؟
والحقيقه أنه ينقسم من حيث إمكانيه معرفته وعدمها الى ثلاثه انواع هي :
الأول: المتشابه الحقيقي
وهذا النوع لا يعلمه أحد من البشر,ولا سبيل للوقوف عليه كوقت قيام الساعه وحقيقه الروح وغير ذلك من الغيبات التي اختص الله بعلمها.
الثاني: المتشابه الاضافي
وهو مااشتبه معناه لاحتياجه الى مراعاة دليل آخر,فإذا تقصى المجتهد أدله الشريعه وجد فيها مايبين معناه , كالألفاظ الغربيه , والاحكام الغَلِقَه والتي تحتاج الى استنباط وتدبر .
الثالث: المتشابه الخفي
وهو ضرب متردد بين الأمرين,يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم,ويخفى على من دونهم,وهو الضرب المشار اليه في دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه (اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل)
سبب الاختلاف في معرفه المتشابه:
يرجع بعض الباحثين السبب في الاختلاف في معرفه المتشابه الى الاختلاف في الوقف في قوله تعالى (وَمَايَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌ مِّن عِندِ رَبِّنَا)
وهذا ليس بصحيح اذ ان الوقف او الوصل مبني على الإختلاف في معنى التأويل. فسبب الاختلاف اذا في معرفه المتشابه هو الاختلاف في المراد بالتأويل في قوله تعالى(وَمَايَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ) وفيه ثلاثه أقوال:
الأول: أن التأويل بمعنى التفسير:
وعلى هذا فالتأويل يعلمه الراسخون في العلم ومنه دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)وقول ابن عباس رضي الله عنه (انا ممن يعلم تأويله )وقول مجاهد: (الراسخون في العلم يعلمون تأويله )
وقول ابن جرير الطبري:( واختلف أهل التأويل في هذه الآيه) وقوله (القول في تأويل قوله تعالى ..)وهو ايضا المعنى الذي قصده ابن قتيبه وأمثاله ممن يقول: إن الراسخين في العلم يعلمون التأويل ومراده التفسير .
وهو قول متقدمي المفسرين وابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغيرهم .
وعليه فإن الوقف يكون على قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمٍ) وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول .
القول الثاني: أن التأويل هو الحقيقة التي يؤول إليها الخطاب :
وهي نفس الحقائق التي أخبر الله عنهما فتأويل ما أخبر به عن اليوم الآخر هو نفس ما يكون في اليوم الآخر وتأويل ما أخبر به عن نفسه هو ذاته المقدسة الموصوفة بصفاته العلية.
وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله، ولهذا كان السلف يقولون: ( الاستواء معلوم,والكيف مجهول)
فيثبتون العلم بالاستواء وهو التأويل الذي بمعنى التفسير . وهو معرفة المراد بالكلام حين يُتدبر ، ويُعقل ، ويُفقه ، ، ويقولون : الكيف مجهول ، وهو التأويل الذي انفرد الله بعلمه ، وهو الحقيقة التي لا يعلمها إلا هو .
وعليه فإن الوقف يكون على لفظ الجلالة في قوله تعالى :( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوٍيٍلَهُ إِّلا اللهُ وَ الرَّاسِخُونَ في العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ) والواو للاستئناف والراسخون مبتدأ,ويقولون خبره. وقال بهذا القول نيف وعشرون رجلا من الصحابة والتابعين والقراء والفقهاء وأهل اللغة كعائشة وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وأبي بن كعب .
روي عن عائشة رضي الله عنها ( الكتاب )
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوٍيٍلَهُ إِّلا اللهُ وَ يَقُولُ الرَّسِخُونَ في العِلْمِ ءَامَنَّا بِهِ) وهي قراءه على التفسير .
وقراءة ابن مسعود (الكتاب)
ويدل على ذلك ” أن الآيه دلت على ذم متبعي المتشابه ووصفهم بالزيغ وابتغاء الفتنه,وعلى مدح الذين فوضوا العلم إلى الله وسلموا إليه كما مدح الله المؤمنين بالغيب“.
وقال ابن تيميه عن هذا المعنى: أنه هو معنى التأويل في القرآن والمراد به في مثل قوله تعالى :(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأوِيلَهُ يَومَ يَأتي تَأويلَهُ يَقُولُ الذّينَ نَسُوهُ مِن قَبلُ قَد جَآءَت رُسُلُ رَبّنا بِالحقٍّ) فالتأويل هنا هو تأويل القرآن ، والمعنى : ما يؤول إليه أمره أي عاقبة ما فيه ، وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد .
وقال في يوسف : (هذا تأويل رؤياي من قبل) فتأويل الأحاديث التي هي رؤيا المنام هي نفس مدلولها التي تؤول إليه كما قال يوسف .
فالتأويل في سورة يوسف تأويل أحاديث الرؤيا .
قال تعالى في قصه موسى والعالم:
(قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَينِي وَ بَينِكَ سَأُنَبِئُكَ بِتَأوِيل مَالَم تَسْتَطِع عَّلَيهِ صَبراً) فالتأويل هنا تأويل الأفعال التي فعلها العالم من خرق السفينة بغير إذن صاحبها ومن قتل الغلام ومن إقامه الجدار فهو تأويل عمل لا تأويل قول .
القول الثالث:
وهو اصطلاح طوائف من المتأخرين قالوا: إن التأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.
ويريدون بذلك صرف الألفاظ القرآنيه عن معانيها الحقيقية إلى معانٍ باطله ليؤيدوا بها مذاهبهم وآراءهم المنحرفة, فهو اعتقدوا رأيا ثم حملوا نصوص القرآن عليه لتوافق ماذهبوا إليه. قول ابن تيميه: ( الكتاب )
وبهذا يظهر بطلان القول الثالث وانحرافه وأنه ليس من أقوال السلف .
وأما القولان الاول والثاني:
الأول : هو معنى التأويل عند الصحابه والتابعين.
الثاني : هو معنى التأويل في القرآن نفسه.
فمن قال: ان الراسخين في العلم يعلمون تأويله فقد أخذ بالقول الأول وهو أن معنى التأويل والتفسير.
ومن قال: ان الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله فقد أخذ بالقول الثاني وهو أن التأويل هو الحقيقه التي يؤول إليها الكلام وهذا لا يعلمه الا الله .
ولا تعارض بين هذين القولين ولا اختلاف فالجميع يسلم بأن الراسخين في العلم يعلمون تأويله بمعنى تفسيره, والراسخون في العلم لا يعلمون تأويله بمعنى الحقيقه التي يؤول إليها الكلام ,وبهذا يظهر التوافق والتطابق والتكامل بين القولين.
الحكمة من ذكر المتشابهات في القرآن الكريم:
ولأن المتشابه منه مايمكن علمه للراسخين في العلم ومنه مالا يمكن علمه ولا يعلمه الا الله .
فإن لذكر كل نوع حكم خاصه سنذكر بعضها:
من حكم ذكر المتشابه الذي يمكن علمه : ((حفظ خمسه منهم فقط ))
أولا: الحث على زيادة التفكر والتدبر في آيات
القرآن الكريم والبحث عن دقائقه ولذا كرر القرآن الأمر بالتدبر كثيرا ليظهر في الثانية ماخفي في الأولى.
ثانياً: ظهور التفاضل والتفاوت بين العلماء كل حسب طاقته وقدرته.
ثالثاً: زيادة الأجر والثواب,لأن الأجر على قدر المشقه فمعرفة المتشابه أشق وأصعب,وكلما كان الوصول الى الحق أشق وأصعب, كان الأجر أعظم وأكبر.
رابعاً: تحصيل العلوم الكثيرة لأن معرفه المتشابه تحتاج إلى آلات ووسائل ليمكن بها معرفتها كعلم اللغه والنحو وأصول الفقه وغير ذلك من العلوم والمعارف .
خامساً: حمل الناس على تلقي العلم من الراسخين في العلم واضطرارهم لذلك فإنهم إذا حضروا مجالسهم حصَّلوا علوما أخرى وآدابا أكمل وعرفوا شأن العلماء وعلو مقامهم ووالوهم وزادت محبتهم .
سادساً: بيان فضل العلماء الراسخين في العلم وعلو مقامهم ومكانتهم واختلاف مراتبهم .
سابعاً: تعظيم شأن القرآن وبيان علو معانيه وسموها واحتياج الناس لمعرفتها الى التزود بالعلوم والمعارف حتى يرتقوا الى مداركها ويحظوا بمعانيها.
ثامناً: زياده التعلق بمعاني القرآن فإن الانسان إذا حصل الشيء بمشقه كان تمسكه به ومحافظته عليه واهتمامه به أكبر .
تاسعاً: بيان رحمه الله وفضله بالأمه اذ لو كان القرآن كله من هذا النوع لكان في تحصيله مشقة عظيمة على الأمة.
من حكم ذكر المتشابه الذي لا يمكن علمه:
أولا: رحمه الله بالانسان الذي لا يطيق معرفه كل شيء ولو كشف الله الحجب للبشر لعمت الأضرار وانتفت المصالح فلو علم الناس حقيقة جهنم ومافيها من ألوان العذاب,ورأوه رأي العين لقضى عليهم الخوف
وانقطعت قواهم عن العمل رهبة,ولو علم الناس بموعد قيام الساعة لقعدوا عن الاستعداد لها ولو عملوا بموعد آجالهم لعم الفساد وانقطع باب العمل الصالح عند كثير من الناس حتى موعد وفاتهم ولو علموا بما سيرزقون لا تكلوا وانقطعوا عن العمل.
ثانياً:إقامه الحجه على عجز الانسان وجهله وقصور قواه ومداركه فمهما بلغ من العلم والمعرفه ومهما تقدم في الاكتشافات وجال في الفضاء وهبط على قمر إلا أنه يبقى حائراً جاهلا أمام أشياء قريبة منه كل القرب كالروح مثلا ماهي وماهو وقت خروجها و غير ذلك كثير وليس له إلا أن يقول ماقالته الملائكة :( سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلمَ لَنآ إِلاَّ مَاعَلَّمتَنَآ إِنَّكَ أَنتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ)
ثالثاً: ابتلاء العباد واختبارهم بالوقوف عند ما استأثر الله بعلمه والإيمان بالغيب( فَأمَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلاّ اللهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ ءَامَنّا بِهِ كُلٌ مِّن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذّكَّرُ إٍلآ أُوْلُوا الأَلْبَـٰبِ)