2012- 5- 7
|
#22
|
|
أكـاديـمـي فـعّـال
|
رد: محاضرات تذوق ادبي د.منال بسيوني
المحاضره ال12 والاخيره 
فن المقامة :
المقامة :
هي حديث يتخذ شكل حكاية عربية أصيلة تتضمن مغامرات يقوم بها بطل معين ، ويسردها راو ٍ بطريقة أدبية بليغة ، وتختم بموعظة أو ملحة .
نشأتها :
نشأت في أواسط الدولة العباسية على يد بديع الزمان الهمذاني . ثم جاء بعده الحريري (516هـ) وكتب خمسين مقامة
الهدف من كتابة المقامة :
لم يكن قصد الهمذاني من كتابة المقامات إظهار جمال القص َّ ، أو حسن الوعظ ، أو تقديم الفائدة العلمية ، وإنما كان قصده إثارة الإعجاب واللذة لدى المتلقي ، وذلك بجمع الألفاظ الغريبة ونوادر التراكيب في أسلوب مسجوع أنيق وتقوم المقامة على شخصيتين رئيستين هما (الراوية ، والبطل )
والراوية في مقامات الهمذاني عيسى بن هشام وهو عالم وأديب .
والبطل : أبو الفتح الإسكندري .
مثال : ” المقامة المضيرية “
حدثنا عيسى بن هشام قال : كنت بالبصرة ومعي أبو الفتح الإسكندري رجل الفصاحة يدعوها فتجيبه . والبلاغة يأمرها فتطيعهُ وحضرنا معه
دعوة بعض التجار فقدمت إلينا مضيرة (1)
تتثنى على الحضارة وتترجرج في الغضارة (1)
وتؤذن بالسلامة . وتشهد لمعاوية رحمه الله بالإمامة في قصعة ٍ يزل عنها الطَّرفُ ، ويموج فيها الظّرفُ,
(1) المضيرة : لحم يطبخ باللبن المضير ( الحامض ) .
(2) الغضارة : القطعة الكبيرة – الظرف : الوعاء .
وترك مساعدة الإخوان .ولكنَّا ساعدناه على هجرها . وسألناه عن أمرها.
فقال : قصتي معها أطول من مصيبتي فيها .
ولو حدثتكم بها لم آمن المقت ، وإضاعة الوقت . قلنا هات . قال : دعاني بعض التجار إلى مضيرة وأنا ببغداد ، ولزمني ملازمة الغريم (1)، والكلب
لأصحاب الرقيم (2)
إلى أن اجبته إليها وقمنا ، فجعل طول الطريق يُثني على زوجته .
وقد غبر في ذلك الوجه الجميل وأثَّرَ في ذلك الخَدِّ الصَّقيل ِ. لرأيت منظرًا تحار فيه العُيُونُ.
وَ صَدَعِني بصفات زوجته . حتى انتهينا إلى مَحَلَّتِه.
ثم قال : يا مولاي . ترى هذه الَمَحلَّة ؟ هي أشرف محال بغداد .
قراءة في النص
تبدأ المقامة المضيرية لبديع الزمان الهمذاني بضمير المتكلم يتبناه راوٍ هو ( الأنا ) الثانية لبديع الزمان الهمذاني ، وتبدأ نقطة القص بالفعل (حدثنا) ، ثم يتولى السرد راوٍ آخر هو “عيسى بن هشام“ فيعلمنا عما حدث في بيت أحد التجار عندما قُدِمت لهم المضيرة ، إذ صرخ أبو الفتح الإسكندري لاعنًا المضيرة ،
ومعلنًا كرهه لها ولصاحبها وآكلها ، فيُرفع الطعام ليستمع الجماعة إلى حكايته مع المضيرة ، وهنا يتسلم زمام القص راوٍ ثالث هو أبو الفتح الإسكندري .
ـ نلاحظ أن القصّ ابتدأ بزمن الحاضر ، ثم انتقل إلى زمن الماضي . ويسمى هذا في القص الحديث
(الاسترجاع ) ثم انتقل المكان من البصرة المكان
المركزي إلى بغداد المكان الثانوي ،
وهنا تظهر شخصية أخرى هي شخصية التاجر ، الذي دعا أبا الفتح إلى تناول المضيرة في بيته .
ونتعرف من خلال ثرثرة الرجل غناه الفاحش ، وعدم تقديره زوجته ، وعدم محافظته على سمعتها وكرامتها ، إنه يتحدث عنها وكأنها بعض المتاع الذي يفتخر بحيازته فهي حاذقة في صنع الطعام ، ووجهها جميل وخدها صقيل ... الخ .
ونملُ منه كما ملَّ أبو الفتح ، وهو يمضى في وصف المحلة التي يقطنها .... الخ .
ويلاحظ أن طريقة بناء المقامة تقترب من بنية القصة القصيرة :
فهي تعتمد على : ضيق الحيز الزماني ، فالفترة الزمنية للأحداث قصيرة لا تتجاوز مدّة قراءة المقامة ، وكذلك على تحديد المكان وهو بيت في البصرة ، ثم هذه النهاية التي تحمل فكرة المقامة فيما يسمى في القصة القصيرة الحديثة ( لخطة التنوير ) . والفكرة تتمثل في
إدانة الثراء الفاحش الذي يأتي من طرق غير سليمة . ثم هنالك العرض الشائق للأحداث ، والشخصيات ، ثم الأساليب القصصيّة التي استخدمت كالحوار المباشر ، والمناجاة ، وتعدد الرواة ، والرجوع بالأحداث والجمل القصيرة التي تقربها من نبرة الحياة اليومية .
وتبدو العناصر غير القصصية متمثلة في العناية بالسجع وأنواع البديع الأخرى مثل الطباق والجناس ، وكثرة الكلمات المترادفة والغريبة ، وموازنة الجمل المتوالية وقصرها ,
واستخدام الصور البيانية من تشبيه وكناية ...الخ
وأخيرًا نقول إن َّ الاهتمام الزائد بالصياغة اللغوية هو الذي أضرّ بالمقامات وأساء إلى فنّيتها .
ثانيًا :
من النثر الحديث
“ الخاطرة ”
الخاطرة
كلمة الخاطرة :
مؤنث الخاطر ، والخاطر في اللغة القلب أو النفس ، فيقال مر بالخاطر ، أي حال بالنفس أو القلب ويقال عن طيب خاطر ، أي براحة بال ، كما تعني الكلمة . ما يمر بالذهن من الآراء والأفكار .
وانطلاقًا من هذا المعنى اللُّغوي يمكن أن نعرف الخاطرة بأنها هي: نص أدبي من الأنواع النثرية الحديثة يُقَدِّم اعتمادًا على الانفعال الوجداني والتدفق العاطفي لمحة ذهنية عن موضوع ما اجتماعي ، أو إنساني ، أو نفسي ، بأسلوب جدّيّ أو هزليّ.
من خلال هذا التعريف يمكن أن نتبين صفات الخاطرة بأنـها:
- تقترب من القصيدة الوجدانية ، ولا تحتاج إلى إعداد مسبق .
- لا تتطلب أدلة وبراهين على صحّتها ، لأنها وليدة فكرة عارضة,
لا تحتمل الاتفاق أو الاختلاف .
- سهلة الفهم ، صغيرة الحجم ، ليس لها في الغالب عنوان خاص ، فتظهر تحت عنوان ثابت في الصّحيفة أو المجلة ،
مثل :-
( ما قل َّ ودل َّ) ، ( فكرة ) ، ( شعاع من نور ) ، ( أفق ) ... الخ .
استنادًا إلى هذه الصفات فإن ّ الخاطرة الناجحة تتميز بما يلي:
1- الوضوح في الأسلوب حيث تكون الكلمات موحية ، وليست عاميّة نابية .
2- تسلسل الأفكار وتماسكها .
3- استخدام الخيال وبخاصة التشبيهات والرموز .
4- التناسق بين الأجزاء فلا تطغى المقدمة على العرض مثلاً أو تبتعد الخاتمة عن المقدمة .
5- الوصف الدقيق الذي يبعث الحياة في المشهد أو الموقف .
6- تجنب الاستطراد والتكرار والتركيز على فكرة معيّنة .
7- الموضوع المناسب .
وهذا نموذجًا للخاطرة من .
“ كتاب السحاب الأحمر ”
لمصطفى صادق الرافعي.
خاطرة :
“ تجاوزت شجرة من الحسك ، وشجرة من الورد ، فزهت الوردة زهوًا عاطرًا بطبيعة العطر الذي في مادتها فقالت لها الحسكة : ويحك إما هذا الزَّهو الذي أفسدتِ به محلّك من نفسي ؟ قالت الوردة في كلام هو عصر آخر :
لا تتعبي نفسك في تحقيري فلستُ أفهم لغة الشّوك إلا إذا كان يُنبتُ الورد ! ”
قراءة في النص
يقوم النص على حوارٍ ين شجرتين متجاورتين : هما
( شجرة من الشّوك ) والأخرى من ( الورد ) تبدأ شجرة الشوك الحوار باستفهام إنكاري عن سبب زهو شجرة الورد بعطرها ، فتفصح ُ لها سبب شجرة الورد عن حقيقة تغيب عنها وهي أنّ اللغة: التي تحتقر الآخرين وتنتقص من أعمالهم هي لغة لا قيمة لها ، وبخاصة إذا صدرت عمل لا يملك القدرة على العطاء والعمل .
يُلاحَظُ أنَّ النص ينبني على مشهد حواريّ . يلجأ فيه الكاتب إلى تجسيد الأشجار ، وجعلها تتكلم وتزهو ، وتظهر ذاتيته في امتداح ما تقوله شجرة الورد وتشبيهه بالعطر ، وذم شجرة الشوك .
وفي هذا فائدة لمعرفة رأي الكاتب كما تبدو الأفكار متسلسلة ، فهناك حديث عن تجاور الشجرتين ، ثم زهوِّ شجرة الورد ، ثم تقديم الحوار بينهما وينتهي النص في الجملة الأخيرة التي تشكل خاتمه الخاطرة ، وفيها يتركز هدف الكاتب الأخلاقي، ويتمثل في إدانة اللغة الشائكة التي تجرح الآخرين وتقلل من شأنهم .
إنها مثيرة للعجب تلك اللغة التي تصدر عن شجرة الشوك إنها لغة شائكة كما يوحى اسمها .
وتُلاحَظُ عناية الكاتب الواضحة بالخاتمة ؛ ففيها ظهرت خبرته في الحياة , واهتمامه بالأخلاق الحميدة , بضرورة الابتعاد عن تحقير الآخرين , والتقليل من شأن أعمالهم الخيرة وتتجلى في هذا النص صفات الخاطرة التي تتمثل في الأسلوب الأدبي المشرق الواضح, وجمال الألفاظ ورقتها , والهدف الإنساني النبيل , والصور البيانية الواضحة , وتجسيد الأشجار وكأنها مخلوقات إنسانية تدب فيها الحياة . وهي على قصرها تبرز ثقافة الكاتب الإسلامية, وحرصه على الأخلاق الفاضلة , وقدرته على تقديم المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة .
|
|
|
|
|
|