المحاضره الحادية عشر:
الامثال في القران:
جرى الناس على اختلاف مشاربهم على ضرب المثل في أحاديثهم لما يرمز إليه من معان كثيرة وإشارات دقيقة ، حتى صارت الأمثال جارية على ألسنة الناس كالحكم ، وذلك أن المثل نتيجة تجربة أو تجارب كثيرة ، وخلاصة فكر عبر العصور ،وهو في عرفهم صادق في مدلوله .
والقرآن يخاطب الناس بما يعرفون،وبالأساليب التي يدركون ، فجاءت الأمثال في القرآن الكريم لغايات وأهداف سامية ، وتكشف للناس العبر بسهولة ويسر ، ولتربط الحاضر بالماضي لأخذ العظة والعبرة .
وأقبل العلماء والباحثون يدرسون الأمثال في القرآن ويتدبرونها ، ويظهرون للناس معانيها ومراميها .
ومن أشهر المؤلفات في أمثال القرآن :
ـ الأمثال القرآنية : علي بن محمد الماوردي .
ـ الأمثال في القرآن الكريم : لابن قيم الجوزية وهو جزء من كتابة (إعلام الموقعين ) .
ـ أمثال القرآن : للجنيد القواريري
ـ أمثال القرآن : نفطويه .
تعريف المثل :
لغة : المَثل و المِثل والمَثِيل كالشبه والشبه والشبيه لفظاً ومعنى . والمُمثَّل المُصوَّر على أمثال غيره .
والمثل : عبارة عن قول في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره.
أما المثل في القرآن الكريم : فهو إبراز المعنى في صورة حسية موجزة تكسبه روعة وجمالاً ، ولها وقعها في النفس سواء كانت تشبيهاً أو قولاً مرسلاً .
أنواع الأمثال في القرآن الكريم:
الأمثال في القرآن ثلاثة أنواع :
1-الأمثال المصرحة :
وهي التي يصرح فيها بلفظ المثل أو بما يدل عليه من تشبيه أو نظير أو غير ذلك . وهذا النوع كثير في القرآن الكريم .
ومن أمثلة ما صرح فيه بلفظ (المثل )قوله تعالى في المنافقين:{مثلهم كمثل الذي أستوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمت لا يبصرون,صم بكم عمى فهم لا يرجعون }
ومن أمثلة التشبيه بحرف الكاف قوله تعالى : {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب }
2- الأمثال الكامنة :
وهي التي لم يصرح فيها بلفظ المثل ولكنها دلت على معان رائعة موجزة , ولها وقعا إذا نقلت إلى ما يشبهها . وآيات هذا النوع قريبة الصلة بمعاني أمثال معروفة سائرة فهي أمثال بمعانيها لا بألفاظها ومن هنا سميت ألفاظاً كامنة.
ومن أمثلة ذلك ما رواه الماوردي أن مضارب ابن إبراهيم سأل الحسين أبن الفاضل : إنك تخرج أمثال العرب والعجم من القرآن . فهل تجد في كتاب الله (خير الأمور أوسطها ) ؟ قال نعم . في أربعة مواضع :
أ- قوله تعالى : { لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك } .
ب- قوله تعالى : { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } . قلت : فهل تجد في كتاب الله : (من جهل شيئا عاداه ) ؟ قال : نعم في موضوعين :
أ- قوله تعالى : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه } .
ب- قوله تعالى{ وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم } ....وذكر أمثلة أخرى .
وهذه كلها آيات قرآنية لم يصرح فيها بلفظ المثل ولكنها موافقة لمعاني أمثال معروفة سائرة .
3- الأمثال المرسلة :
وهي آيات من القرآن جرت مجرى المثل .
{ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله } .
{ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم } .
{ ما على الرسول إلا البلاغ } . وغير ذلك كثير .
حكم استعمال الأمثال المرسلة :
جرت عادة بعض الناس على ضرب المثل بالآيات القرآنية في بعض الأحوال , وقد اختلف العلماء في ذلك
فمنهم من منع كالرازي وغيره , فقد قال في تفسير قوله تعالى : {لكم دينكم ولي دين } : (( جرت عادة الناس بأن يتمثلوا بهذه الآية عند المتاركة , وذلك غير جائز ، لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به ، بل ليتدبر فيه ، ثم يعمل بموجبه , والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم )) .
وقال الزركشي : (( يكره ضرب الأمثال بالقرآن .
قال أبو عبيد : وكذلك الرجل يريد لقاء صاحبه أو يهم بحاجته فيأتيه من غير طلب فيقول كالمازح { جئت على قدر يا موسى }
فهذا من الاستخفاف بالقرآن .
وأجازه آخرون ، قال محمد الخضر حسين : (( ولا حرج فيما يظهر أن يتمثل الرجل بالقرآن في مقام الجد , كأن يأسف أسفاً شديداً لنزول كارثة قد تقطعت أسباب كشفها عن الناس فيقول { ليس لها من دون الله كاشفة } ، يحاور صاحب مذهب فاسد يحاول استهواءه إلى باطله فيقول { لكم دينكم ولى دين } والإثم الكبير في أن يقصد الرجل إلى التظاهر بالبراعة فيتمثل بالقرآن حتى في مقام الهزل والمزاح )) ، وهذا الرأي بهذا التفاصيل هو الراجح ، والله أعلم .
خصائص و مزايا الأمثال القرآنية:
للأمثال في القرآن الكريم خصائص كثيرة منها :
1- دقة التصريح مع إبراز العناصر المهمة من الصور التمثيلية كقوله تعالى في الكفار الذين لم يستجيبوا لنداء الرسول صلى الله عليه وسلم : { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمى فهم لا يعقلون }.
2- التصوير المتحرك الحي الناطق كقوله تعالى في أعمال الكفار :
{ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد } .
3- صدق المماثلة بين الممثل والممثل له . كقوله تعالى : { إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ، مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون } .
4- كثيراً ما يحذف من المثل القرآني مقاطع اعتماداً على فهم المخاطب . وقد تحذف من الممثل له مقاطع أيضاً , ومثال ذلك قوله تعالى : { والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمئان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب } .
ففي المثل أبرزت صورة السراب ثم الظامئ الذين ظنه ماءًَ ، ثم خيبته عند وصوله إليه ، وحذف ماعدا ذلك لإدراك المخاطب له . وفي الممثل له لم يذكر إلا عمل الذين كفروا وطوى ما عادا ذلك لإدراك المخاطب له . وهذا من بلاغه القرآن .
فوائد الأمثال في القرآن الكريم وأغراضها:
للأمثال في القرآن الكريم أغراض و مقاصد ولها فوائد كثيرة منها:
1-إظهار المعنى المعقول المجرد في صورة حية ملموسة متحركة:وكقوله تعالى:{ وحور عين ،كأمثال اللؤلؤ المكنون }
2 - قوة الإقناع والحجة :
ففي قوله تعالى { ضرب الله مثلاًَ رجلاً فيه شركاء متشاكسون و ورجلاًُ سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد الله بل أكثرهم لا يعلمون } .
فالحجة في هذا المثل تثبيت أن انفراد المالك الذي تجب طاعته أفضل و أكرم للملوك من تعدد المالكين ، فالأمران ليسا بمتساويين { هل يستويان مثلاً }
3- الترغيب :
كقوله تعالى : { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم } .
4- الترهيب :
كقوله تعالى : { وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنه مطمئنه يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }
5- المدح :
قال تعالى : { ألم ترى كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون } .
6- التنفير :
كقوله تعالى {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه } .
وقد عد الشافعي رحمه الله تعالى معرفة الأمثال مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن .