الكاتب يعترف
بقلم: خولة القزويني
حينما يرتعش القلم بين أصابعه يدرك أن الفكرة عصية تهرب مع الأشياء الأخرى إلي العدم.. إلى اللا قيمة. خصام يحبط كل محاولات الإبداع، تشتكي انهزامها عندما خبت الدوافع الجميلة التي لونت حياته بصبة أرجوانية صارخة، ثابتة، متوهجة, لأنها نوع مميز تم طمره بوحل الدنانير.
رشح القلم بقطر داكن فوق بياض الصفحات فانكمش قلبه.. ارتجت روحه إنه فأل سيئ.. أطرق يفكر ساهماً.. عابس المحيا.. يستحضر الماضي رغم السهاد الذي أرقه.. غدا مقالته الأسبوعية.. بالأمس كان الهدف الحقيقة مجردة عن كل الهوامش والمبررات.. وحدث أن أصبح الخبز رهين الفكرة المفتعلة.. دنيا ودنانير غطت بسحرها الأخّاذ المسافات الممتدة عبر تنهدات طويلة رحل فوقها عبر صهوة الكلمة.. الحسرات الفائرة في كيانه المعذب، كان يبصقها في كلمات مدوية احترقت فوق الصفح الناصعة صادق ملتاعة خرجت من أعماق محمومة بالإيمان تنفث النار والنور فوق صنم الخطيئة.. اخترقت سهام العدالة كل زوايا المدينة لتحصد الأعناق المتطاولة على رغيف الناس.. وجلس الآن يتنهد يحتدم في صراع مع القلم الذي بات يسخر منه.. حولته إلى ريشة ناعمة تميّع الحقيقة وتلون الواقع وفق مشتهيات البعض وفي طعم كل مزاج وفي نكهته مرة المذاق.. وبمقتضى الحال الذي فرضته على نفسك.. هل تذكر حينما كان الفكر يقدح خواطر كزهر البرتقال يتضوع أريحا ذكيا يسري في النفس قشعريرة ارتياح تعوضك عن الطعام والشراب، أو كسنابل تعشش في الذاكرة وتتبرعم حينا بعد حين تعرف انك متوائما مع نفسك كأن هرموناتك المضطربة قد تدافعت من جديد لتتسق مع فكرك... متصالحاً مع ذاتك إلى حد الانعتاق من قيود الواقع، تهزم اللاءات والممنوعات، تقفز حواجز المستحيل بخفة الحصان الرشيق لتجيء اليوم محدقا في ذاتك الخاملة وقد جف فيها النبع تستثير صمتها لتنفض عنها الرواسب تستنطقها فلا تجيب، تتوارى خجلة خلف غلالة رقيقة من الحلم المهزوم معنوناً بالمدينة الفاضلة. الوجدان معطل، النبض مبرمج وبين الشك واليقين هوية يسقط فيها كل مبدع وكفر بعد إيمان. فالفكرة والقلم توأمه وثيقة يتجاذبان المحبة في تناغم عفوي وأنت من يغذي شغفها وأنت من يطعم نهمها. برسائل شوق صادقة.. تركتها طعما للغربة وتركت نفسك رقما في سلة بيض لتحصد ثمن الخيانة.. عاهة مستديمة في الفكر مبعثها الجفوة بين الفكر والقلم.
استراح الكاتب، أدرك أن الصوت عندما يفكر يستوعب الإنسان مساحة المحراب المقدس الكامن في روحه ليصلي عليها ويتعبد متجردا من كل دنس وخطيئة، مدركاً أن لحن القول انتحار لكرامة الكاتب.. اشرأب عنقه.. ومضة مشعة..حدق بالورق طويلاً.. الدهشة تعقد لسانه.. حدث ما كنت تبحث عنه مصالحة بين الفكرة والقلم
أتمنى تعجبكم
سلاااااااااام