تعريف القصر
(القصر) هو الحصر والحبس لغة، قال تعالى: (حور مقصورات في الخيام)(1).
واصطلاحاً هو: تخصيص شيء بشيء، والشيء الاول هو المقصور، والشيء الثاني هو المقصور عليه.
فلو قلت: (وما محمد الا رسول)(2) قصرت محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة، بمعنى: انه ليس بشاعر، ولا كاهن، ولا إله لايموت... فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) مقصور، والرسالة مقصور عليها.
ولو قلت: (ما الرسول في آخر الزمان إلا محمد صلى الله عليه وآله وسلم) قصرت الرسالة في آخر الزمان على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بمعنى: أن (مسيلمة) و(سجاح) ومن لف لفهم، ليسوا بمرسلين، فالرسالة مقصورة ومحمد مقصور عليها.
طرق القصر
وللقصر طرق كثيرة: كالاتيان بلفظ (فقط) أو (وحده) أو (لاغير) أو (ليس غير) أو توسّط ضمير الفصل، أو تعريف المسند إليه، أو لفظ (القصر) أو (الاختصاص) أو ما يشتق منهما.. أو نحوها ممّا عدّها بعضهم الى أربعة عشر طريقاً.
لكن الاشهر المتداول في كلام العلماء أربعة:
1 ـ القصر بالنفي والاستثناء، قال تعالى: (وما محمّد إلا رسول قد خلت من قبله الرُسُل)(3).
2 ـ القصر بـ (انّما)، قال تعالى: (إنَّما يخشى الله من عباده العلماء)(4).
3 ـ القصر بحروف العطف: (لا) و(بل) (ولكن) كقوله:
عمر الفتى ذكره لا طول مدّته وموته خزيه لا يومه الدانـي
وقوله: (ما الفخر بالنسب بل بالتقوى).
4 ـ القصر بتقديم ما حقه التأخير، قال تعالى: (ايّاك نعبد وايّاك نستعين)(5).
ثم ان المقصور عليه في الاول: هو المذكور بعد أداة الاستثناء، كالرسالة.
وفي الثاني: هو المذكور في آخر الجملة، كالعلماء.
وفي الثالث: هو المذكور ما قبل (لا) وهو: ذكره، وخزيه، والمقابل لما بعدها كقوله: (الفخر بالعلم لا بالمال) والمذكور ما بعد (بل) و(لكن) وهو: بالتقوى، وبالأدب.
وفي الرابع: هو المذكور مقدّماً، كـ (ايّاك).
أمور ترتبط بالقصر
هنا أمور ترتبط بالقصر:
1 ـ القصر يحدّد المعاني تحديداً كاملاً، ولذا كثيراُ ما يستفاد منه في التعريفات العلمية وغيرها.
2 ـ القصر من ضروب الايجاز وهو من أهم أركان البلاغة، فجملة القصر تقوم مقام جملتين: مثبتة ومنفية.
3 ـ يفهم من (انما) حكمان: اثبات للشيء والنفي عن غيره دفعة واحدة، بينما يفهم من العطف الإثبات أوّلاً والنفي ثانياً، أو بالعكس، ففي المثال السابق: الخشية للعلماء دون غيرهم، والفخر للتقوى لا للنسب، مع وضوح الدفعة في الاوّل، والترتّب في الثاني.
4 ـ في النفي والإستثناء يكون النفي بغير (ما) أيضاً، قال تعالى: (إنْ هذا إلاّ ملك كريم)(6).
ويكون الاستثناء بغير (الا) أيضاً، كقوله:
لم يبق سواك نلوذ به مـما نخشاه من المحن
5 ـ يشترط في كل من (بل) و(لكن) ان تسبق بنفي أو نهي، وأن يكون المعطوف بهما مفرداً، وأن لا تقترن (لكن) بالواو، وفي (لا) أن تسبق بإثبات وأن يكون معطوفها مفرداً وغير داخل في عموم ما قبلها.
6 ـ يدلّ التقديم على القصر بالذوق، بينما الثلاثة الباقية تدلّ على القصر بالوضع أعني: (الادوات).
7 ـ سبق أنّ الاصل هو أن يتأخّر المعمول عن عامله إلاّ لضرورة، أهمّها إفادة القصر، فإنّ من تتبع كلام البلغاء في تقديم ما من حقّه التأخير، وجدهم يريدون به القصر والتخصيص عادة.
أقسام القصر
للقصر قسمان:
1 ـ حقيقي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه بحسب الحقيقة والواقع، نحو (لا إله إلا الله)(7).
2 ـ اضافي: وهو أن يختص المقصور بالمقصور عليه لا حقيقة بل بالقياس إلى شيء آخر معيّن، كقول الحطّاب لزميله: (لايوجد في الصحراء إلا حطباً رطباً) فإن النفي ليس لكل شيء حتى الانسان والحيوان، وانما للحطب اليابس.
وينقسم القصر الاضافي الى ثلاثة أقسام:
الاول: قصر الأفراد، وذلك فيما اعتقد المخاطب الشركة، قال تعالى: (إنّما الله إله واحد)(8) رداً على من زعم التعدّد.
الثاني: قصر القلب، وذلك فيما اعتقد المخاطب عكس الواقع، كقوله: (وليس النبيّ سوى أحمد...) رداً لأتباع (مسيلمة) و(سجاح).
الثالث: قصر التعيين، وذلك فيما تردّد المخاطب كقوله: (ولم يك للحوض إلا عليّ عليه السلام) لمن تردّد.
وينقسم القصر ـ أعم من الحقيقي والاضافي ـ إلى:
1 ـ قصر الموصوف على الصفة، كما تقدّم في قوله تعالى: (وما محمّد إلاّ رسول)(9). حيث قصر محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة.
2 - قصر الصفة على الموصوف، كما نقدّم في قوله تعالى: (إياك نعبُد)(10) حيث قصر العبادة في الله تعالى، فلا نعبد سواه.
تعريف الإيجاز والإطناب والمساواة
(الايجاز): هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل، مع وفائها بالغرض المقصود ورعاية الإبانة والإفصاح فيها.
و (الإطناب): زيادة اللفظ على المعنى لفائدة.
و (المساواة): تساوي اللفظ والمعنى، فيما لم يكن داع للإيجاز والاطناب.
كما أنه إذا لم تف العبارة بالغرض سمّي: (إخلالاً).
وإذا زاد على الغرض بدون داع سمّي: (تطويلاً)
فمثال الإيجاز، قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)(1).
ومثال الاطناب، قوله تعالى: (قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب اُخرى)(2).
ومثال المساواة، قوله تعالى: (وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه...)(3).
ومثال الإخلاء، قول اليشكري:
والعيش خير في الــظلا ل النوك ممّـن عـاش كدّاً
أراد: أن العيش الرغد حال الحمق، أفضل من العيش النكد في ظلال العقل، وهذا إخلال.
ومثال التطويل، قول ابن مالك:
كذا إذا عاد عليه مضمر ممـــا به عنه مبيناً يخبر
أقسام الإيجاز
ثم انّ الايجاز على قسمين:
1 ـ ايجاز القصر، ويسمّى ايجاز البلاغة، وذلك بأن يتضمن الكلام المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة من غير حذف، كقوله تعالى: (وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً)(4) فإنّ مقتضى الكرامة في كل مقام شيء، ففي مقام الإعراض: الإعراض، وفي مقام النهي: النهي، وفي مقام النصح: النصح، وهكذا.. وهكذا..
2 ـ ايجاز الحذف، وذلك بأن يحذف شيء من العبارة، لايخل بالفهم، مع وجود قرينة.
وقد حصروا الحذف في اثني عشر شيئاً:
1 ـ الحرف، قال تعالى: (ولم أك بغيّاً)(5) أي: ولم أكن.
2 ـ الإسم المضاف، قال تعالى: (وجاهدوا في الله حقّ جهاده)(6) أي: في سبيل الله.
3 ـ الاسم المضاف إليه، قال تعالى: (وأتممناها بعشر)(7) أي: بعشر ليال.
4 ـ الاسم الموصوف، قال تعالى: (ومن تاب وعمل صالحاً)(8) أي: عملاً صالحاً.
5 ـ الإسم الصفة، قال تعالى: (فزادتهم رجساً إلى رجسهم)(9) أي: مضافاً إلى رجسهم.
6 ـ الشرط، قال تعالى: (فاتَّبعوني يُحبِبكم الله)(10) أي: فإن اتَّبعتموني يحببكم.
7 ـ جواب الشرط، قال تعالى: (ولو ترى إذ وقفوا على النار)(11) أي: لرأيت أمراً عظيماً.
8 ـ المسند، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولنّ الله )(12) أي: خلقهنّ الله.
9 ـ المسند اليه، كقوله: (قال لي كيف أنت؟ قلت: عليل) أي: أنا عليل.
10 ـ المتعلّق، قال تعالى: (لايُسئل عمّا يفعل وهم يُسئلون)(13) أي عمّا يفعلون.
11 ـ الجملة، قال تعالى: (كان الناس اُمَّة واحدةً فبعث الله النبييّن)(14) أي: فاختلفوا.
12 ـ الجمل، قال تعالى: (فأرسلون، يوسف أيّها الصدّيق)(15) أي فأرسلوني الى يوسف لأ قصّ عليه الرؤيا وأستعبره عنها، فأتاه، وقال: (يوسف...).
دواعي الإيجاز
ثمّ أنّ دواعي الإيجاز كثيرة نشير الى بعضها:
1 ـ الإختصار.
2 ـ تحصيل المعنى باللّفظ اليسير.
3 ـ تقريب الفهم.
4 ـ تسهيل الحفظ
5 ـ ضيق المقام.
6 ـ الضجر والسآمة.
7 ـ إخفاء الامر على غير السامع، وغير ذلك.
مواقع الايجاز
ثمّ انّ مواقع الإيجاز الّتي يستحسن فيها كثيرة نذكر بعضاً منها:
1 ـ الشكر على النعم.
2 ـ الإعتذار.
3 ـ الوعد.
4 ـ الوعيد
5 ـ العتاب.
6 ـ التوبيخ.
7 ـ التعزية.
8 ـ شكوى الحال.
9 ـ الاستعطاف.
10 ـ أوامر الملوك ونواهيهم.
أقسام الزيادة
ينقسم الزائد على أصل المراد إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإطناب، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر منه لغرض مّا، كما تقدَّم.
2 ـ التطويل، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:
وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفى قولها كذباً ومَينا
فإن (الكذب) و(المين) يمعنى واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.
3 - الحشو، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعنى نحو قول الشاعر:
واعلم علم الــيوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي
فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح ان الامس قبل اليوم.
أقسام الإطناب
وللإطناب أقسام كثيرة:
1 ـ ذكر الخاص بعد العام، قال تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلوة الوسطى)(16).
2 ـ ذكر العام بعد الخاص، قال تعالى: (ربَّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات)(17).
3 ـ توضيح الكلام المبهم بما يفسِّره، قال تعالى: (وقضينا اليه ذلك الأمر انّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين)(18).
4 ـ التوشيع، وهو أن يؤتى بمثنى يفسّره مفردان، كقوله (عليه السلام): العلم علمان: (علم الاديان وعلم الابدان)(19).
5 ـ التكرير وهو ذكر الجملة أو الكلمة مرّتين أو ثلاث مرّات فصاعداً، لاغراض:
أ - للتأكيد، كقوله تعالى: (كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون)(20).
ب - لتناسق الـــكلام، فـــلا يضره طــــول الفصل، قـــال تعالى: (إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)(21) بتكرير (رأيت) لئلا يضرّه طول الفصل.
ج - للإستيعاب، كقوله: (ألا فادخلوا رجلاً رجلاً...).
د - لزيادة الترغيب في شيء، كالعفو في قوله تعالى: (إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم)(22).
هـ - لاستمالة المخاطب في قبول العظة، كقوله تعالى: (وقال الذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم انما هذه الحياة الدنيا متاع وانّ الآخرة هي دار القرار)(23) بتكرير (يا قوم).
و - للتنويه بشأن المخاطب، كقوله: (علي رجل رجل رجل...).
ز - للترديد حثاً على شيء، كالسخاء في قوله:
قريب مـن الله السخيّ وأنـه قريب من الخير الكثير قريبّ
ح - للتلذّذ بذكره مكرّراً، كقوله:
علــي وصــي علــيّ رضــي علــــيّ تقــــــي علــيّ نقـــيّ
ط - للحث على الاجتناب، كقوله: (الحية الحية أهل الدار...).
ي - لإثارة الحزن في نفسه أو المخاطب، كقوله: (أيا مقتول ماذا كان جرمك أيا مقتول...).
ك - للإرشاد إلى الخير، كقوله تعالى: (أولى لك فأولى ثمَّ أولى لك فأولى)(24).
ل - للتهويل بالتكرير، كقوله تعالى: (الحاقّة ما الحاقّة وما أدراك ما الحاقة)(25).
6 - الاعتراض، بأن يؤتى في أثناء الكلام بجملة لبيان غرض من الاغراض، منها:
أ ـ الدعاء، كقوله:
ان الثمــــــــانين ـ وبُلّغتهــــــا ـ قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
ب - النداء، كقوله:
كـــان بــــرذون أبــا عصــــام ـ زيـــــد حمــــــار دق بـاللجــــام
ج - التنبيه على شيء، كفضيلة العلم، في قوله:
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه ـ ان سوف يأتي كل ما قُدرا
د - التنزيه، قال تعالى: (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون)(26).
هـ ـ المبالغة في التأكيد، قال تعالى: (ووصَيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير)(27).
و - الإستعطاف، كقوله:
ووجيب قلب لو رأيت لهيبه ياجـــنّتي لرأيت فيه جهنّما
ز - التهويل، قال تعالى: (وانّه لقسم لو تعلمون عظيم)(28).
7 - الايغال، بأن يختم الكلام بما يفيد نكتة يتم بدونها المعنى، قال تعالى: (ولله يرزق من يشاء بغير حساب)(29).
8 ـ التذييل، وهو أن يأتي بعد الجملة الاولى بجملة اُخرى تشتمل على معناها وذلك لأحد أمرين:
الأول: التأكيد، وهو إما تأكيد المنطوق، قال تعالى: (وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً)(30) وإما تأكيد المفهوم، كقوله:
ولست بمستبق أخـاً لاتلمـــــّه على شعث أيّ الرجال المهذب؟
فقد دلت الجملة الاولى بعدم وجود الرجل الكامل فأكّدها بالجملة الثانية: أي الرجال المهذّب؟
الثاني: التذييل، وهو إما يستقل بمعناه لجريانه مجرى المثل، كقوله:
كـــــلّكم أروغ مـــن ثــــــعلب مـــا أشبه الليلة بــالبارحـــــة
أو لا يستقل، لعدم جريانه مجرى المثل، كقوله:
لم يبق جودك لي شيئاً اُؤمّله تركتَني أصحب الدينا بــلا أمل
9- الإحتراس، وهو أن يأتي بكلام يوهم خلاف المقصود فيأتي بما يدفع الوهم، وهو على نحوين:
أ: انه قد يأتي به وسط الكلام، كقوله:
فسقى دياركِ غير مفسده صوبُ الربيع وديمة تهمي
فقد قال: (غيرمفسده) دفعاً لتوهّم الدعاء للمطر عامة حتى المفسد منه.
ب: وقد يأتي به آخر الكلام، كقوله:
حــليم إذا مــا الحكم زيّن أهله مع الحلم فــي عين العدو مَهيبُ
10 ـ التتميم، وهو زيادة مفعول أو حال أو نحوهما، ليزيد حسن الكلام، كقوله:
دعونا عليهم مــكرهين وإنـما دعاء الفتى المختار للحق أقرب
فـ (مكرهين) يزيد حسن الكلام كما لا يخفى.
11 - تقريب الشيء المستبعد وتأكيده لدى السامع نحو قوله: (رأيته بعيني يفعل كذا) و(سمعته بأذني يقول كذا).
12 - الدلالة على الشمول والإحاطة، قال تعالى: (فخرّ عليهم السقف من فوقهم)(31) فإنّ السقف لا يخرّ إلاّ من فوق، لكن بذكره (من فوقهم) دلّ على الشمول والإحاطة.
موارد الإطناب
وهناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:
1 ـ الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.
2 ـ التهنئة بالشيء.
3 ـ المدح والثناء على أحد.
4 ـ الذمّ والهجاء لاحد.
5 ـ الوعظ والإرشاد.
6 ـ الخطابة في أمر من الامور العامّة.
7 ـ رسائل الولاة إلى الرؤساء والملوك.
8 ـ منشورات الرؤساء إلى الشعب.
أقسام المساواة
(المساواة) هي الأصل في تأدية المعنى المراد، فلا تحتاج إلى علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي على قسمين:
1 ـ المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الاحرف كثيرة المعنى، نحو قوله تعالى: (هل جزاء الاحسان إلا الإحسان)(32).
2 ـ المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعنى المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله تعالى: (كلّ امرىء بما كسب رهين)(33) وقوله سبحانه: (وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله)(34) ونحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (انّما الاعمال بالنيّات ولكلّ امرىء ما نوى)(35) فإن الكلام في هذه الامثلة لا يستغنى عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه على قدر المعنى لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.
التقديم والتأخير
مما يدرس في علم المعاني البلاغي تقديم اللفظ وتأخيره ، لم تقدم ولم تأخر ؟ وهل يجوز عكس الوضع دون تغيير المعنى أو اختلاله ؟ وهل التقديم في وضعه الطبيعي بتقديم العامل على المعمول (أي المبتدأ على الخبر ، والفعل على الفاعل والمفعول ) أو هو تقديم عكسي ، وما الداعي لكل حالة ؟ وما الذي تضيفه للكلام ؟
وفيما يلي عرض بسيط لبعض تلك الأحوال :
تقديم المبتدأ : مما يفيده تقديم المبتدأ
1ـ تمكين الخبر في ذهن السامع : أحق الناس في الدنيا بعيب … مسيء لا يبالي أن يعابا
2ـ تعجيل المسرة : ( النجاح حليفك )
3ـ بناء الفعل عليه : " إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين "
4ـ الدلالة على العموم : ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد … فإن بدا لك رأي مشكل فقفِ
تقديم الخبر : مما يفيده تقديم الخبر
1ـ قصر المبتدأ على الخبر أي إفادة التخصيص : " لا فيها غول ولا هم عنها يُنزفون "
2ـ التشويق : ثلاثة ليس لها إياب … الوقت والجمال والشبابُ
3ـ تأكيد الاهتمام به : " أفي الله شك ؟"
4ـ إبداء التعجب : " قال أراغب أنت عن آلهتي با إبراهيم "
تقديم المعمول على العامل
الأغلب فيه أن يكون لإفادة التخصيص وإبداء الاهتمام
وأوضح مثال عليه قوله تعالى : "إياك نعبد وإياك نستعين "
قدم إيا وهو ضمير المفعول على الفعل نعبد والفعل نستعين ، والمعنى : نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك ، ونخصك بالاستعانة ، ولو كانت الآية هكذا ( نعبد إياك ) لاحتمل المعنى التوحيد واحتمل إشراك غيره معه أي نعبدك ونعبد غيرك ، أو نعيدك كما نعبد غيرك
تعربف الوصل والفصل
(الوصل): عطف جملة على اُخرى بالواو.
و(الفصل): الإتيان بالجملة الثانية بدون العطف.
فمن الوصل قوله تعالى: (يا أيُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصادقين)(1).
ومن الفصل قوله تعالى: (ولاتستوي الحسنة ولا السيّئة ادفع بالّتي هي أحسن)(2).
والبلاغة في الوصل أن تكون بالواو، دون سائر العواطف.
ويشترط في العطف بالواو وجود الجامع الحقيقي بين طرفي الاسناد، أو الجامع الذهني.
فالحقيقي نحو: (يقرأ زيد ويقرأ عمرو) فإن القراءة والكتابة متوافقتان، وزيد وعمرو كذلك.
والذهني نحو: (بخل خالد وكرم بكر) فإن االمتضادّين كالبخل والكرم بينهما جامع ذهني، لانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر.
ولا يجوز(3) أن يقال: ( جاء محمد وذهبت الريح) لعدم الجامع بين محمد والريح، ولا: (قال علي وصاح معاوية) لعدم الجامع بين القول والصياح ـ كذا قالوا ـ.
موارد الوصل
ويقع الوصل في ثلاثة مواضع:
1 ـ إذا اتّحدت الجملتان في الخبرية والإنشائية، لفظاً ومعنىً، أو معنى فقط، مع المناسبة بينهما، وعدم مقتضى الفصل.
فالخبريتان نحو قوله تعالى: (إنّ الابرار لفي نعيم وإنَّ الفجّار لفي جحيم)(4).
والإنشائيتان نحو قوله سبحانه: (واعبدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً)(5).
والمختلفتان نحو قوله تعالى: (إنّي اُشهد الله واشهدوا أنّي بريء ممّا تُشرِكون)(6).
فالجملة الثانية وإن كانت انشائية لفظاً، لكنها خبرية معنى.
2 ـ دفع توهّم غير المراد، فإنه إذا اختلفت الجملتان خبراً وإنشاءاً، ولكن كان الفصل موهم خلاف المراد وجب الوصل، كقولك في جواب من قال: (هل جاء زيد): (لا، وأصلحك الله) فإنك لو قلت: (لاأصلحك الله) توهّم الدعاء عليه، والحال أنك تريد الدعاء له.
3 ـ أذا كان للجملة الاولى محل من الاعراب، وقصد مشاركة الثانية لها، قال تعالى: (إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله)(7) حيث قُصد اشتراك (يصدّون) لـ (كفروا) في جعله صلة.
موارد الفصل
الأصل في الجمل المتناسقة المتتالية أن تعطف بالواو، تنظيماً للّفظ، لكن قد يعرض ما يوجب الفصل، وهي أمور:
1 ـ أن تكون بين الجملتين اتّحاد تامّ، حتى كأنهما شيء واحد، والشيء لا يعطف على نفسه، قال تعالى: (أمدكم بما تعلمون أمدّكم بأموال وبنين)(8).
2 ـ أن تكون الجملة الثانية لرفع الإبهام في الجملة الاولى، قال تعالى: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدُلّك على شجرة الخلد)(9).
3 ـ أن تكون الجملة الثانية مؤكدة للأولى، قال تعالى: (وما هم بمؤمنين يخادعون الله)(10).
وهذه الموارد الثلاثة تسمى لما يكون بين الجملتين فيها من الإتّحاد التام بـ: كما الاتصال.
4 ـ أن يكون بين الجملتين اختلاف تامّ في الخبر والإنشاء أو اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط، قال الشاعر: (وقال رائدهم: اُرسوا نُزاولها...).
5 ـ أن لايكون بين الجملتين مناسبة في المعنى ولا ارتباط، بل كل منهما مستقل، كقوله:
انّما المرء بأصــغريه كلّ امرىء رهن بما لديه
وهذان الموردان يسميان لما بين الجملتين من الاختلاف التامّ بـ: كمال الانقطاع.
6 ـ أن يكون بينهما شبه كمال الإتصال، بأن تكون الجملة الثانية واقعة في جواب سؤال يفهم من الجملة الاولى، فتفصل عن الاولى كما يفصل الجواب عن السؤال، قال تعالى: (وما اُبرّىءُ نفسي إنَّ النفسَ لأمّارة بالسوء)(11).
7 ـ أن يكون بينهما شبه كمال الإنقطاع، بأن تسبق الجملة جملتان، بينهما وبين الاولى مناسبة، ويفسد المعنى لو عطفت على الثانية، فيترك العطف، دفعاً لتوهّم كونها معطوفة على الثانية، كقوله:
وتظنّ سلمى أنّني أبغي بها بدلاً، أراها في الضلال تهيم
فـ(أراها) يفسد لو عطف على مظنون سلمى ولذا يترك العطف.
8 ـ أن تكون الجملتان متوسطة بين الكمالين مع قيام المانع من العطف، بأن تكون بينهما رابطة قوية، ولكن منع من العطف مانع: وهو عدم قصد التشريك في الحكم، قال تعالى: (وإذا خلوا الى شياطينهم قالوا إنّا معكم إنَّما نحن مستهزِءون الله يستهزىء بهم)(12).
فجملة (الله يستهزىء بهم) لايصح عطفها على جملة (إنّا معكم) لاقتضاء العطف أنه من مقول المنافقين، والحال أنه دعاء عليهم من الله.
كما أنه لا يصح عطفها على جملة (قالوا) لاقتضاء العطف مشاركتها لها في التقييد بالظرف، وان استهزاء الله بهم مقيّد بحال خلوّهم إلى شياطينهم، والحال أن استهزاء الله غير مقيّد بهذه الحال، ولذا يلزم الفصل دون الوصل.