الفصل الخامس:روبنسون كروزو يبني منزله
أخيراً وجدت مكاناً مناسباً أعيش فيه . كان سهلاً صغيراً على سفح تل . كان السهل يرتفع من التل حتى أن شيئاً لم يكن يمكن أن يهبط عليّ من أعلى . كانت الأرض المنبسطة على مسافة حوالي مائتي ياردة طولاً ومائة ياردة عرضاً . انحدرت النهاية الأقرب من البحر إلى الأسفل بلطف نحو الأرض المنخفضة المؤدية إلى الشاطئ . كان السهل على جانب التل , الذي كان محمياً من الشمس حتى المساء .
قبل أن أنصب خيمتي , وقفت وظهري إلى سفح التل , مواجهاً البحر . خطوت عشر خطوات للأمام ووضعت علامة . ثم عدت إلى موضعي السابق وخطوت عشر خطوات , أولاً إلى اليسار وبعدئذٍ إلى اليمين . جمعت هذه العلامات بحبل لتكوِّن نصف دائرة . حول طرف نصف الدائرة , وضعت صفين من أوتاد قوية . وقفت على بعد خمسة أقدام من الأرضية وكانت لها حافات حادة . ثم أخذت أطوال الكوابل , التي أخذتها من السفينة , ووضعتها في صفوف الأوتاد . أخيراً , قطعت بعض الأوتاد الأصغر ودفعت بها في داخل الأرض مكونة زاوية , حتى أنها تصرفت كدعائم لأوتاد أكبر . كان السياج الآن قويً جداً حتى أنه لم يكن أي إنسان أو أي حيوان يستطيع أن يصل من فوقه أو من خلاله . خلفي , كوَّن جانب التل المنحدر دفاعاً طبيعياً .
لم أضع فتحة باب كي أدخل إلى داخل الأوتاد , بل استعملت سلماً قصيراً لتسلق قمة السياج . حالما كنت أصل إلى الداخل كنت أرفع السلم ورائي , حتى أصبح محاطاً بالسياج وسالماً بالكامل . أحضرت إلى الداخل كل ذخيرتي , وطعامي وخزيني .
عملت خيمة كبيرة من شراع القنب ووضعت خيمة أصغر بداخلها , لكي أظلّ جافاً تماماً مهما كان المطر قاسياً . في الليل , كنت أنام مستريحاً جداً في شبكة نوم معلقة كانت تعود ذات مرة إلى أحد الضباط .
اعتدت كل يوم أن أخرج ببندقيتي , وسرعان ما اكتشفت أن هناك ماعزاً في الجزيرة . كانت خجولة جداً , تجري بسرعة , مما جعل من الصعب إطلاق النار عليها . لاحظت أنها لا تهرب بسرعة كبيرة , إذا كانت تتغذى في الوديان وأكون أنا على الصخور فوقها . بعد ذلك تسلقت دائماً الصخور أولاً . كانت الماعز الأولى التي أطلقت النار عليها وأصبتها ماعز أنثى إلى جانبها جدي صغير هو ابنها . حملت الماعز الصغير إلى بيتي على كتفي وحاولت أدجنه . لسوء الحظ لم يكن ليأكل أياً من الطعام الذي قدمته إليه , لذلك كان علي أن أقتله . زودني الماعزان بلحم طازج لبضعة أيام .
أدركت أنني سأفقد كل عدٍ للزمن إلا إذا عملت نوعاً ما من روزنامة . صنعت صليباً كبيراً من الخشب ووضعته على الشاطئ حيث رسوت . عليه نقشت الكلمات : " حللت على الشاطئ هنا في شهر أيلول الـ 30 في سنة 1659 " . على جوانب العمود القائم قطعت حزاً بسكيني كل يوم . في كل يوم سابع كنت أقطع حزاً بضعف طول هذا الطول . في اليوم الأول من كل شهر كنت أحز حزاً ضعف هذا الحز ثانية . على هذا النحو علمت مرور الزمن .
كانت هناك الكثير من الأشياء الأخرى أحضرتها من السفينة كان يجب أن أذكرها في وقت سابق . كان لدي الآن إمداد من أقلام حبر وورق . ثم أحضرت كل معدات إبحار السفينة , مثل البوصلات والخرائط البحرية . وجدت أيضاً ثلاثة أناجيل جيدة جداً أتتي مع حمولتي من إنجلترا . ولابد ألا أنسى أن أخبركم بأنني أنقذت قطتين وكلباً من السفينة . حملت القطتين إلى الشاطئ , بينما قفز الكلب في البحر وسبح حتى الشاطئ . كانت هذه المجموعة أصحابي في حياتي الموحشة .
جعل افتقاري للأدوات الصحيحة لأعمال أردت إنجازها عملي بطيئاً جداً . كانت قد مضت سنة قبل أن أكون قد أعددت بيتي كما أردته . بعد أن أكملت السياج أعددت نفسي لصنع طاولة وكرسي . ثم عملت بعض الأرفف على الصخرة في خلفية خيمتي , وأخيراً عملت حاملاً يمكنني تعليق بندقياتي عليه .
حين انتهيت سررت سروراً عظيماً في أن أرى كم من الأشياء الضرورية كانت لدي , وكيف رتبتها كلها على نحو جيد .
في حوالي هذا الوقت بدأت أحتفظ بمذكرات لما أفعله كل يوم . أُعيقت مهمتي في الكتابة بحقيقة أنه لم يك لدي أي شموع . حالما يحل الظلام , في حوالي السابعة عادة , كان علي أن آوي إلى الفراش . بعد بعض الوقت اكتشفت بأنني , بإبقائي بعض الدهن من أي ماعز أصيده , كان يمكنني أن أصنع مصباحاً , باستعمال قطعة صغيرة من حبل كفتيلة . قدم إلي هذا ما يكفي من نور لأصبح قادراً على أن أرى لأكتب مذكراتي , مع أنه لم يكن هناك في أي مكان تقريباً ما هو ساطع النور كشمعة .
ذات يوم , حين كنت أبحث عن شيء , عثرت صدفة على كيس صغير . في رحلتنا كنا قد حملنا بضع دجاجات , وكان هذا الكيس قد حمل الذرة لها لتأكلها . بدا أن معظم الذرة التي بقيت في الكيس قد أكلتها الفئران , لكن بعضها بقي في القاع . هززت البواقي على العشب خارج سياجي . كان هذا قبل أن يبدأ الموسم الممطر تماماً . بعد حوالي شهر لاحظت بعض الشتلات الخضر تبرز من الأرض . بعد وهلة قصيرة , اندهشت بأن رأيت بعد مدة تلك الشتلات تحولت إلى سوق شعير . حين نضج الحب فيما بعد احتفظت به بعناية وخططت أن أزرعه في السنة التالية . فعلت هذا لمدة سنين عديدة ومن ثم وجدت بأن لدي ما يكفي من الشعير لأصبح قادراً على استعمال بعضه لأغراض الخاصة . فعلت نفس الشيء مع بعض الرز الذي وجدته , ومع الشعير أصبحت قادراً على صنع بعض الخبز وبعض كعك الرز .
يتبع ...