الفصل السادس:روبنسون كروو يبدأ في اكتشاف جزيرته
في الخامس عشر من حزيران , بعد أن ظللت الجزيرة عشرة أشهر , بدأت أستكشف جزيرتي . في البداية ذهبت إلى أعلى النهر حيث كنت قد أحضرت طوفي إلى الشاطئ لأول مرة . يصبح النهر على مسافة ميلين من أعلى التيار , أصغر كثيراً والماء ندياً وصافياً . وفي اليوم التالي قطعت حتى مسافة أبعد داخل الجزيرة ووجدت أن المنطقة قد أصبحت مكسوة بالأشجار . كانت تنمو أنواع متنوعة من الفاكهة , بما في هذا البطيخ والأعناب . أكلت بعض هذه الفاكهة ووفرت بعض الأعناب , على نحو خاص , لآكلها فيما بعد . جففت بعض الأعناب في الشمس , حتى أحصل على زبيب آكله حين لا تكون هناك فاكهة طازجة في الجوار .
لم أعد للبيت في تلك الليلة لكنني نمت , كما نمت في ليلتي الأولى في الجزيرة , على شجرة . في الصباح التالي مشيت حوالي أربعة أميال وحللت في أجمل الوديان . هنا كان يوجد ينبوع صغير وبدا كل مكان أخضر ومبهجاً للنفس . بدا تقريباً مثل حديقة زُرعت خصيصاً بالفاكهة والأزهار .
أحببت المكان كثيراً جداً حتى أنني غالباً ما عدت هنا حخلال شهر تموز . فكرت تقريباً بالعيش هنا على نحو دائم , لكنني قررت ضد هذا حيث أن الوادي كان بعيداً جداً عن الشاطئ . بدلاً من هذا , قررت أن أبني مأوى صغيراً حتى يمكنني أن آتي وأبقى حينما أحب .
بدأت العمل على الفور , بانياً إياه حسب تصميم بيتي الأول . كان له سياج حوله كله وكنت أدخل إليه عن طريق سلم . بحلول بداية شهر آب كان العمل قد انتهى . كانت الأعناب التي جنعتها في وقت مبكر قد أصبحت الآن جافة تماماً , وأنزلت الكتل من على الشجرة حيث كانت معلقة . حين عدت إلى بيتي على الساحل أخذت معي بعض الزبيب . كنت مسروراً جداً بأنني فعلت هذا لأن السماء بدأت تمطر مطراً غزيراً بعد أسبوعين . أمطرت كل يوم بعد ذلك إلى منتصف شهر تشرين . أحياناً أمطرت بغزارة شديدة حتى أنني لم أستطع طيلة أيام بلا انقطاع أن أترك بيتي .
حالما توقفت الأمطار وأصبح الطقس مستقراً , قمت برحلة مرة أخرى إلى أعلى النهر . في الوادي وجدت كل شيء تماماً كما تركته . كانت الأوتاد , التي غرستها داخل الأرض , قد امتدت جذورها وحلت الشتلات الخضر في كل مكان يرى . مع مرور الأيام , أصبحت قادراً على تقليمها حتى أن بيتي أصبح محاطاً بسياج طويل أخضر . قررت أن أقطع بعض المزيد من الأوتاد لأعود بها إلى الساحل معي , لأرى ما إذا كان يمكنني أن أزلاع سياجاً مشابهاً حول بيتي الأول . استعلمت الفروع الأصغر من هذه الأوتاد لحبك سلاسل . كانت محاولاتي الأولى في هذا خاماً إلى حد ما , لكن بعد وقت أصبحت قادراً على أن أصنع سلة خدمت غرضي جيداً إلى حد كاف .
أردت أن أرى كيف يبدو الجانب الآخر من الجزيرة . لذلك أخذت بندقيتي , والفأس والكلب , وكمية من الطعام وانطلقت . حين كنت قد سافرت لبعد كافٍ لأرى الساحل , رأيت بأن هناك جزيرة أخرى على بعد حوالي عشرين ميلاً . عند لالوصول إلى الشاطئ الآخر من الجزيرة , سرعان ما وصلت إلى استنتاج أن هذا سيكون أفضل جانب للجزيرة للعيش فيه .
هناك بدا أنه يوجد عدد كبير من السلاحف على الشاطئ . على جانبي من الجزيرة رأيت ثلاث سلاحف فقط طيلة إقامتي كلها .وُجد أيضاً كثيراً من الطيور هنا , بما في هذا بعض ما منها ميزت كطيور بطريق . كان هناك المزيد من الماعز أيضاً , لكن , ولأن المنطقة كانت منبسطة , كان من الأصعب علي أن أصيدها بإطلاق النار عليها . استكشفت الشاطئ لمسافة اثني عشر ميلاً قبل أن أعود . نصبت عموداً كبيراً في الرمل لأحدد بعلامة أين كنت قد وصلت , وقررت أن أمشي حول الجزيرة في الاتجاه الآخر في تاريخ لاحق إلى أن أقابل عمودي .
أخيراً سلكت طريقي عائداً إلى بيتي الذي سررت كثيراً جداً في أن أراه ثانية . كنت الآن في الجزيرة لمدة سنتين دون أن تظهر علامة تدل على منقذ .
كنت أتوق للحصول على محصول جيد من الشعير والرز بعد موسم المطر . كان علي أولاً أن أتعامل مع نمطين من الأعداء . عدد من مخلوقات طويلة الأرجل , بدوْ مثل أرانب برية ظهرت وكانت ستأكل كل الشتلات الخضراء . سرعان ما عملت سياجاً أحاط بالمحصول , وفي الليل ربطت كلبي به . أبعد هذا الأرانب البرية , وما كدت أن أنهي السياج حتى بدأت أسراب طيور في الهجوم على الحب قبل أن ينضج . كان التعامل معها أصعب بكثير من التعامل مع الأرانب البرية . حين أطلقت نار بندقيتي ابتعدت , لكن إلى مسافة تصل إلى الأشجار . ما كان ظهري يستدير حتى تعود كلها طائرة إلى الحقل .
قررت أنني سأعلق أجسام الطيور التي أصطادهل على الحقل . أملت أن يخيف هذا الطيور الأخرى ويبعدها . لدهشتي وفرحتي هذا ما حدث ولم أعد أنزعج من الطيور ثانية . لذلك , وفي نهاية شهر كانون الأول أصبحت قادراً على حصد غلتي وجمعت في كيسين رزاً في كيسين ونصف كيس شعيراً . كنت راضياً جداً من هذا المحصول .
خلال موسم المطر أبقيت نفسي منشغلاً بكل أنواع التجارب . كانت واحدة من هذه التجارب صنع قوارير وجرار أخزِّن فيها الطعام والماء . فكرت أنني إذا وجدت مزيداً من الصلصال فسأتمكن من صنع بضع جرار . أملت أن الجرار , حين تحمَّص , ستكون قوية قوة كافية وقاسية تماماً لأستعملها . في البداية , تفتت الثير من جراري , فلم يكن الصلصال قاسياً إلى حد كافٍ لحمل ثقلها نفسه . تشققت جرار أخرى لأنني أبقيتها في الخارج في الشمس مدة طويلة جداً . بعد شهرين من العمل الشاق تمكنت من صنع جرتين كبيرتين . كانتا غير جيدتي الشكل وقبيحتين , لكنني كنت قادراً على استخدامها لخزن الحبوب .
لكنهما لم تستوعبا الماء . كيف يمكن فعل هذا ؟ فكرت بالمشكلة لمدة طويلة من الزمن وبعدئذٍ توصلت إلى الحل بالصدفة . ذات يوم أشعلت ناراً كبيرة لأتمكن من طبخ بعض لحم الماعز . بعد أن أنهيت الطبخ لاحظت قطعة مكسورة من الفخار في النار . كانت قد احترقت وتقسّت وأصبحت كحجر وكانت حمراء كطوبة . جعلني هذا أفكر كيف يمكنني أن أفكر كيف يمكنني ترتيب ناري حتى أحمص الفخاريات كلها .
في المرة التالية التي حاولت فيها صنع الفخار رتبت ناري حولها . ظللت أضع المزيد والمزيد من الخشب على النار إلى أن رأيت بأن الفخار أصبح ساخناً إلى درجة الاحمرار . أبقيتها في تلك الحرارة لخمس ساعات ثم وببطء تركت النار تخمد . راقبت الفخار طيلة الليل حتى لا تخمد النار بسرعة أكثر من اللازم . في الصباح وجدت أنني في هذه المرة صنعت بعض أوعية طبخ فخارية جيدة جداً , وإن لم تكن جميلة . كنت مسروراً جداً بعملي حتى أنني بالكاد انتظرت حتى بردت الأوعية الفخارية قبل أن أختبرها . ملأت واحدة من الأوعية الفخارية بالماء حالما بردت , وغليت الماء . لم يتسرب الماء من الوعاء , فأضفت بعض اللحم ووجدت أنني يمكنني أن أصنع حساءً جيداً جداً . الآن وقد أصبح لدي الكثير جداً من الحبوب أصبحت قادراً على أن أصنع خبزاً . احتجت إلى هاون لسحب الحبوب . لم أستطع أن أجد حجراً مناسباً لذلك استعملت كتلة من خشب قاس جداً . عملت تجويفاً صغيراً في وسطها بحرق الخشب وصنعت مطرقة من خشب معروف بخشب الحديد .
كانت مشكلتي التالية هي فصل القشرة عن الدقيق . أخيراً وجدت بعض القماش المصلي بين رزمة القماش التي أحضرتها من السفينة .
وقامت هذه بعمل منخل لعدة سنين .
كنت الآن مستعداً تماما لأبدأ الخبز ، لكن كان علي أولاً أن أضع تصميم فرن . هذا ما فعلته . صنعت مدفأة من آجر خبزته بنفسي . ثم صنعت بعض الأغطية الفخارية بطول حوالي قدمين وعرض تسعة بوصات . أشعلت ماراً عللى الآجر إلى أن أصبحت ساخنة حقاً . ثم كنست النار وأبعدتها ووضعت خبزي على الآجر وغطيتها كلها . ثم أشعلت النار حولها لها وتركت الخبز يُخبز . وجدت أنني يمكنني , بهذه الطريقة , أن أصنع لا خبزاً فقط بل معجنة أيضاً .