عرض مشاركة واحدة
قديم 2013- 1- 27   #2
ام افنان1
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 109692
تاريخ التسجيل: Mon May 2012
المشاركات: 93
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 748
مؤشر المستوى: 49
ام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: كلية الاداب الاحساء
الدراسة: انتساب
التخصص: الدراسات الاسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
ام افنان1 غير متواجد حالياً
رد: القضايا المعاصرة وفقه النوازل

المحاضرةالثالثة عشرة
زراعة عضو استؤصل في حدٍ
المقدمة:
ا - موضوع هذا البحث معرفة الحكم الشرعي في مسألة زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص، وإعادته إلى محله بعملية من عمليات الطب الحديث، هل يجوز ذلك شرعاً؟. وما حكم من فعل ذلك؟.
2 - وبما أن المسألة أخذت اليوم مكانها من الأهمية بفضل ما وصل إليه التقدم الطبي في مجال زرع الأعضاء الذي لم يكن متصوراً في الأزمنة الماضية، فقد يظن البعض أنها مسألة مستجدة, ولا يوجد لها ذكر في كتب الفقهاء السالفين! ولكن الباحث لا يلبث أن يجد أن هذا الظن غير صحيح, والفقهاء المتقدمون قد ذكروها ودرسوها من النواحي المختلفة, الأمر الذي يدل على مدى توسعهم في تصوير المسائل ودقة أنظارهم في بيان الأحكام من جانب, ومن جانب آخر فإن إعادة العضو إلى محله كان أمراً معروفاً ومجرباً من السابقين، بل تحدث عنه الإمام مالك رحمه الله في القرن الثاني الهجري.
3 - وقبل ذكر نصوص الفقهاء في المسألة نحدد مجال البحث في نقاط :
‌أ- إذا جنى رجل على آخر، فقطع عضواً من أعضائه، ثم أعاده المجني عليه إلى محله قبل استيفاء القصاص أو الأرش، هل يؤثر ذك في سقوط القصاص أو الأرش؟ ولو أعاده بعد استيفاء القصاص، هل يؤثر ذلك فيما استوفاه من القصاص أو الأرش؟
‌ب- إذا قطع عضو الجاني قصاصاً، فهل يجوز له أن يعيده إلى محله بطريق الزراعة؟ أو يعتبر ذلك إبطالاً لحكم القصاص؟ وإن أعاد الجاني عضوه المقتص منه هل يجوز للمجني عليه أن يطالبه بالقصاص مرة ثانية؟
‌ج- إن زرع أحد عضوه المنفصل عنه (سواء كان في حد أو قصاص أو لسبب آخر فأعاده إلى محله، هل يعتبر ذلك العضو طاهراً؟ أو يعتبر نجساً، بحيث لا تجوز معه الصلاة، فيؤمر بقلعه مرة أخرى؟
‌د- هل يجوز للسارق المقطوعة يده أو رجله أن يعيدهما إلى محلهما؟ أو يعتبر ذلك اعتداء على الحكم الشرعي في قطع يد السارق؟ ولئن فعل ذلك أحد، هل تقطع يده مرة ثانية؟.
المسألة الأولى: زرع المجني عليه عضوه:
مذهب المالكية:
أول من سئل عن هذه المسألة وأفتى فيها فيما نُقِل إلينا الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى. فقد جاء في كتاب المدونة الكبرى: "قلت: (أي سحنون) أرأيت الأذنين إذا قطعهما رجل عمداً، فردَّهما صاحبُهما فثَبَتتا، أو السن إذا أسقطها الرجلُ عمداً، فردَّها صاحبُها فبرئت وثبتت، أيكونُ القودُ على قاطع الأذنِ أو قالعِ السنِّ؟ (قال ابن القاسم) سمعتهم يسألون عنها مالكاً، فلم يَرُد عليهم فيها شيئاً. (قال ابن القاسم): وقد بلغني عن مالك أنه قال: في السنِّ القودُ وإنْ ثبتتْ، وهو رأيي. والأذن عندي مثله أن يقتص منه. والذي بلغني عن مالك في السن لا أدري أهو في العمد يقتص منه، أو في الخطأ أن فيه العقل، إلا أن ذلك كله عندي سواء في العمد وفي الخطأ". وهذا الذي انتهى إليه ابن القاسم هو المختار في المذهب, فلا يسقط القصاص في العمد بالإعادة قولاً واحداً, كما لا تسقط الدية أو الأرش في الخطأ بالإعادة على المختار من أقوال ثلاثة؛ لأن الموضحة (من الجروح) إذا برئت من غير شين (أي عيب)، فإنه لا يسقط الأرش، فكذلك الطرف إذا أعيد، فإنه لا يسقط أرشه مع كون كل منهما خطاً.
مذهب الحنفية:
ثم الذي ذكر هذه المسألة بعد الإمام مالك، تلميذ أبي حنيفة الإمام محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله، فقال في كتابه الأصل: "وإذا قلع الرجل سن الرجل، فأخذ المقلوعة سنه فأثبتها في مكانها، فثبتت، وقد كان القلع خطاً، فعلى القالع أرش السن كاملاً، وكذلك الأذن” فاختار أن إعادة العضو لا يسقط الأرش عن الجاني. ثم أخذ عنه فقهاء المذهب وعللوه بقولهم: ”لأنها وان ثبتت لا تصير كما كانت، ألا ترى أنها لا تتصل بعروقها؟.. وكذلك الأذن إذا أعادها إلى مكانها، لأنها لا تعود إلى ما كانت عليه في الأصل، وإن التصقت”. فإن عادت بالإثبات كما كانت من حيث الجمال والمنفعة لم يكن على القالع شيء، كما لو نبتت السن المقلوع.
وهذا في الجناية الخطأ كما صرحوا, وأما العمد فلم تتطرق كتبهم إليه, لكن الظاهر أنهم كالمالكية لا يرون إسقاطه من باب أولى؛ لأن القصاص جزاء للاعتداء القصدي من الجاني كما قال تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وهو واقع لا يزول بهذه الإعادة، فيثبت القصاص.
مذهب الشافعية:
ثم تكلم في المسألة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الأم, فقال: "وإذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه، ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه، أو خاط الأنف أو الأذن، أو ربط السن بذهب أو غيره، فثبت وسأل القود فله ذلك، لأنه وجب له القصاص بإبانته“ قال النووي رحمه الله: "قطعَ أذنَ شخص، فألصقها المجني عليه في حرارة الدم، فالتصقت، لم يسقط القصاص ولا الدية عن الجاني، لأن الحكم يتعلق بإبانة، وقد وجدت“ فدل هذا على أن مذهب الشافعية في المسألة كالمختار من مذهب المالكية, وأن إعادة العضو لا يسقط القصاص ولا الأرش.
مذهب الحنابلة:
وأما الحنابلة، فلهم في المسألة وجهان: أولهما: لا قصاص على الجاني، وعليه حكومة الجراحة، إلا إذا سقطت ثانية من غير جناية جديدة فيجب القصاص لأن الإسقاط يكون حينئذ من الجناية الأولى, واحتجوا بأنها لو كانت قد بانت حقيقة لم تكن التحمت، فلما ردها والتحمت كان ذلك يعني أن الحياة مازالت موجودة فيها، فلهذا سقط القصاص.
وثانيهما: على الجاني القصاص، لأن القصاص يجب بالإبانة، وقد أبانها.
والقول الراجح والله أعلم ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة من أن قيام المجني عليه بزراعة عضوه لا يسقط القصاص أو الأرش من الجاني، لأن القصاص جزاء للاعتداء الصادر منه، وقد حصل هذا الاعتداء بإبانة العضو، فاستحق المجني عليه القصاص في العمد، والأرش في الخطأ، وذلك لأمور:
1. ان إعادة العضو من قبل المجني عليه علاج طبي للضرر الذي لحقه بسبب الجناية، وان البرء الحاصل بالعلاج لا يمنع القصاص والأرش، كما في جرح الموضحة إن برئ بالعلاج.
2. ان إعادة العضو من قبل المجني عليه، وإن كان يستدرك له بعض الضرر، فإن العضو لا يعود عادة إلى ما كان عليه من المنفعة والجمال، فإسقاط القصاص أو الأرش فيه تفويت لحق المجني عليه بعد ثبوته شرعاً.
3. إن القصاص أو الأرش قد ثبت بالقلع يقيناً، وذلك بالنصوص القطعية، فلا يزول هذا اليقين إلا بيقين مثله، وليس هناك نص شرعي يفيد سقوط القصاص بإعادة العضو.
المسألة الثانية: إعادة الجاني عضوه المقطوع بالقصاص:
ذهب الشافعية والحنفية إلى أن القصاص قد حصل بإبانة عضو الجاني مرة، فلا يجوز أن يقتص منه ثانية لو أعاده إلى محله.
واختلف الحنابلة على قولين، أحدهما موافق للشافعية، وقد جزم به القاضي أبو يعلى وابن قدامة، وعللوه بأن القصاص قد استوفي، فلم يبق له حقٌ قِبله.
والثاني: يقتص من الجاني مرة ثانية. وقد جزم به ابن مفلح والمرداوي والبهوتي, ووصف بأنه الصحيح في المذهب. وعللوه بأنه أبان عضواً من غيره على وجه الدوام، فوجب إبانته منه أيضاً على وجه الدوام لتحقيق المساواة.
وقال المالكية: لا قصاص منه ثانية, ولكن يُغرم الدية في حالة ما إذا لم يكن المجني عليه قد أعاد عضوه, وأعاده الجاني. وأما إذا كان المجني عليه قد أعاد عضوه أيضاً، فلا قصاص ولا دية.
والراجح والله أعلم ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وبعض الحنابلة من أن القصاص يحصل بإبانة العضو مرة واحدة، ولكل واحد من الفريقين الحرية في إعادة عضوه بعملية طبية إذا شاء.
المسألة الثالثة: إعادة العضو المبان في حد:
إذا أبين عضو في حد شرعي، كالسرقة والحرابة، فهل يجوز للمحدود أن يعيده إلى محله بعد استيفاء الحد؟ أم يعتبر افتياتاً على الحد الشرعي؟
لم نجد للفقهاء كلاماً في هذه المسألة، ولعل السبب في ذلك هو أن إبانة العضو في الحد إنما يكون في اليد أو الرجل، لأن الحد الذي يبان فيه عضو من الأعضاء ينحصر في السرقة والحرابة. والعضو المبان في السرقة اليد, وفي الحرابة اليد والرجل. ولعل الفقهاء لم يكونوا يتصورون في تلك الأوقات إعادتهما إلى محلهما بعد الإبانة. والحقيقة أن ذلك لم يتم حتى وقتنا المعاصر, ولكن في ظل التطورات العلمية والتقنية, وما شهدته الساحة الطبية من تقدم, أصبحت المسألة مطروحة بقوة, وإن كان طب اليوم يؤكد أن الأيدي والأرجل المزروعة لا تعمل عملها السابق، وأن الأعضاء المصنوعة من الخشب أو الحديد تفيد المريض أكثر من الأعضاء الأصلية المزروعة, يضاف إلى ذلك ما تكلفه من النفقات الباهظة، والجهد الشاق.
ولكن على فرض أن طب اليوم نجح في زراعة اليد والرجل بشكل كبير ومقبول فهل يجوز الإقدام عليه فيما قطع في حد؟
كما أسلفنا لم نجد للعلماء السابقين في المسألة رأياً ولكن يمكن أن يكون لها منزعان:
المنزع الأول: أن يقاس الحد على القصاص، فيقال: كما أسلفنا وأثبتنا في مسألة القصاص أن المختار عند جمهور الفقهاء أن القصاص ينتهي حكمه بإبانة العضو، وليس من جملة القصاص أن يبقى العضو فائتاً إلى الأبد، فكذلك الحد، إذا أقيم مرة بإبانة اليد أو الرجل، انتهت وظيفة الحد، وليس المقصود تفويت اليد أو منفعتها على سبيل الدوام، ومن ثَمَّ جاز للسارق والمحارب أن يستعمل يداً أو رجلاً مصنوعة بالاتفاق ولم يقل أحدٌ بمنعه من ذلك. فكذلك لا مانع من أن يقوم المحدود بزرع يده أو رجله المقطوعة.
والمنزع الثاني: أن يقال: إن بين الحد والقصاص فرقاً، وهو أن المقصود من القصاص أن يصيب الجاني ضرر مماثل لضرر المجني عليه، وذلك يحصل بإبانة عضوه، فإن الجناية الصادرة من الجاني لم تتجاوز أن تقطع عضواً، ولم تكن مانعة من إعادته إلى محله إذا اختار المجني عليه ذلك. فكذلك استيفاء القصاص يحصل بمجرد الإبانة، ولا يمنع ذلك أن يعيد الجاني عضوه إلى محله. بخلاف إبانة العضو في الحد، فإنه ليس مقابلا لضرر مماثل، وإنما هو مقدر من الله تعالى عقوبة ابتدائية، وحيث قد فرض الله سبحانه وتعالى قطع اليد أو الرجل فليس المقصود منه فعل الإبانة، وإنما المقصود إبانته لتفويت منفعته على الجاني، ولو أجزنا للجاني أن يعيده مرة أخرى، فإن ذلك تفويت لمقصود الحد.
فالنظر في المسألة موقوف على أن المقصود من الحد هل هو إيلام الجاني بفعل الإبانة فقط، أو المقصود تفويت عضوه بالكلية؟ وعلى الأول تجوز الإعادة، وعلى الثاني لا تجوز.
والراجح والله أعلم عدم جواز ذلك لمنافاته للغاية التي من أجلها شرع الحد, وهو ردع الجاني وزجره ومنعه من القيام بمثل تلك الجريمة مرة أخرى, فالسارق الذي يعاد يده, والمحارب الذي يعاد يده ورجله, أي شيء يمنعه من معاودة جريمته, وبث الرعب في المجتمع, ومن ثم كانت تسمى هذه حقوق الله, ولم يجز لأحد إسقاطها.

المسألة الرابعة: حكم العضو المزروع من حيث الطهارة والنجاسة:
وردت بعض الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم تفيد أن ما يقطع من الحي يكون نجساً من ذلك قوله صلى الله عليه: (ما قُطِعَ من حيٍ فهو ميتٌ) وما روي أنه صلى الله عليه لما قدم المدينة، وجدهم يجبُّون أسنِمة الإبل، ويقطعون أليات الغنم، فقال صلى الله عليه: (ما يُقطع من البهيمة وهي حية، فهو ميتة) ومن هنا فقد ذهب بعض الفقهاء إلى الحكم بنجاسته, ومن ذلك ما نص عليه الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم فقال: "وإذا كسر للمرأة عظم، فطار، فلا يجوز أن ترقعه إلا بعظم ما يؤكل لحمه ذكياً. وكذلك إن سقطت سنه صارت ميتة، فلا يجوز له أن يعيدها بعد ما بانت ... وإن رقع عظمه بعظم ميتة أو ذَكيٍ لا يؤكل لحمه، أو عظم إنسان فهو كالميتة، فعليه قلعه، وإعادة كل صلاة صلاها وهو عليه". وهو رواية ضعيفة عند كلٍ من الحنابلة والمالكية, وهو قول الحنفية أيضاً لغير صاحبه, وأما لصاحبه فطاهر مطلقاً.

تفصيل القول المعتمد عند المذاهب الأربعة:

- الحنفية: خلاصة مذهبهم أن الأعضاء التي لا تحل فيها الحياة، كالظفر، والسن، والشعر، لا تنجس بإبانتها من الآدمي الحي. وأما الأعضاء التي تحل فيها الحياة، مثل الأذن، والأنف وغيرهما، فإنا تنجس بعد إبانتها من الحي؛ إلا أن المتأخرين منهم قرروا أنها ليست بنجسة في حق صاحبها. يقول ابن نجيم: "الجزء المنفصل من الحي كميته، كالأذن المقطوعة والسن الساقطة إلا في حق صاحبه فطاهر وإن كثر".
- المالكية: المعتمد عندهم أن ما أبين من الآدمي ليس نجساً. قال الدردير في الشرح الكبير: "فالمنفصل من الآدمي مطلقاً طاهر على المعتمد". وحتى على القول الضعيف فإن ما أبين منه إذا أعيد , فثبت والتحم حكم بطهارته وجواز الصلاة فيه.
- الشافعية: المعتمد في المذهب يخالف ما نقلناه عن الإمام الشافعي, وعامة فقهائهم على أن ما أبين من الإنسان وأعيد إليه طاهر. يقول النووي رحمه الله: "الأصل أن ما انفصل من حي فهو نجس، ويستثنى الشعر المجزور من مأكول اللحم في الحياة.. ويستثنى أيضاً شعر الآدمي، والعضو المبان منه...فهذه كلها طاهرة في المذهب".
- الحنابلة: الراجح عندهم أن الآدمي طاهر حياً وميتاً. يقول ابن قدامة: ”وَإِنْ سَقَطَ سِنٌّ مِنْ أَسْنَانِهِ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا، فَثَبَتَتْ، فَهِيَ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَعْضُهُ، وَالْآدَمِيُّ بِجُمْلَتِهِ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَكَذَلِكَ بَعْضُهُ“.
قرار المجمع الفقهي رقم (60 / 9/ 6) بشأن زراعة الأعضاء:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق14 - 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص "،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد في الزجر والردع والنكال، وإبقاء للمراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، ونظراً إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية في عرف الطب الحديث، فلا يكون ذلك إلا بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبىء عن التهاون في جدية إقامة الحد وفاعليته،
قرر:
ا - لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد لأن في بقاء أثر الحد تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
2 - بما أن القصاص قد شرع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حق الحياة للمجتمع، وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذاً للقصاص، إلا في الحالات التالية:
(أ) أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع.
(ب) أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه.
3 - يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ.
المحاضرةالرابعةعشرة
عمليات التجميل في الشريعة الإسلامية
المقدمة:
لا يخفى ما حققه الطب من تقدم كبير في هذا العصر وخصوصاً في مجال الجراحة, وقد انعكس ذلك بشكل كبير على عمليات التجميل, فانتشرت في أصقاع العالم في السنوات الأخيرة, حتى لا تكاد تجد مشفىً مرموقاً إلا وقد فتح لذاك النوع من العمليات قسماً أو أقساماً متخصصة, لكثرة الإقبال عليها من جهة, ولما تدره من مكاسب مالية كبيرة من جهة أخرى حتى أضحت من التجارات الرابحة.
ولقد لعبت أجهزة الإعلام والدعاية دوراً مهماً في التشجيع على إجراء هذه العمليات وكان لها أبلغ الأثر في إغراء الناس, وخصوصاً النساء منهم، حتى أصبحت لوناً من ألوان الترف في كثير من الأحيان, على الرغم من كلفتها المالية الباهظة!!.
تعريف جراحة التجميل وأقسامها:
تعريف جراحة التجميل:
تعرف جراحة التجميل بأنها: عمليات جراحية تجرى بهدف علاج عيوب خَلْقية تتسبب في إيذاء صاحبها بدنياً أو نفسياً، أو تحسين شيء من الخِلقة بحثاً عن الجمال أكثر من الموجود أو بدلاً عن المفقود.
أقسام الجراحة التجميلية:
تنقسم الجراحات التجميلية إلى نوعين:
القسم الأول: جراحة تجميل لإزالة عيب أو تشوه خلقي, ويسميها بعض الفقهاء المعاصرين بجراحة التجميل الضرورية أو الحاجية.
القسم الثاني: جراحة تجميل لتغيير الشكل إلى الأحسن, ويسميها بعض الفقهاء المعاصرين بجراحة التجميل الاختيارية (التحسينية).
جراحة التجميل لإزالة عيب أو تشوه:
إذا نظرنا إلى العيوب التي توجد في الجسم فإننا نجدها على قسمين:
القسم الأول: عيوب خلْقية:
ونعني بها العيوب الناشئة في الجسم بسبب منه لا من خارجه، وتشمل العيوب الخلقية والتشوهات التي ولدت مع الإنسان كالشق في الشفة العليا "الشفة المفلوجة", والتصاق أصابع اليدين، أو الرجلين, وكذلك العيوب الناشئة من الآفات المرضية التي تصيب الجسم خلال سِنِيِّ حياته. كانحسار اللثة للالتهابات المختلفة, وعيوب صيوان الأذن الناشئة عن مرض الزهري أو الجذام، أو السل, وما أشبه ذلك.
القسم الثاني: عيوب مكتسبة "طارئة":
ونعني بها العيوب الناشئة في الجسم بسبب من خارجه, كالعيوب والتشوهات الناشئة من الحوادث والحروق, مثل كسور الوجه الشديدة التي تقع بسبب حوادث السير, وتشوه الجلد بسبب الحروق, والتصاق أصابع الكف بسبب الحروق.
الحكم الشرعي لجراحة التجميل لإزالة العيب:
يتفق الفقهاء المعاصرون على مشروعية إجراء عمليات التجميل من أجل إزالة عيب أو تشوه في الجسم, وعلى أن ذلك لا يتعارض مع الأدلة التي جاءت بتحريم التلاعب بخَلْق الله وتغييره, وقد دلَّ على المشروعية ما يأتي:
1- روت كتب السنة المطهرة عن عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ، أَنَّه (أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ –والكُلاب بالضم وروي بالكسر أيضاً اسم ماء وقعت عنده حرب- فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاتَّخَذَ أَنْفاً مِن وَرِقٍ فَأَنْتَنَ عَلَيْه، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِن ذَهَبٍ).
2- روى الطبراني عن عبد الله بن عمر (أن أباه سقطت ثنيته، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يشدها بذهب).
3- إن هذه العيوب مما يتتضرر بها الإنسان حساً، ومعنى، وإزالة الضرر بإجراء العملية الجراحية حاجة معتبرة في الشرع، ويُرخص في فعلها إعمالاً للقاعدة الفقهية : " تُنَزَّلُ الحاجة منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة".
4- إن هذا النوع من الجراحة لا يتعارض مع النصوص الشرعية التي تحرم تغيير خلق الله تعالى, لأن التغيير لم يكن مقصوداً, بل جاء تبعاً, والمقصود إنما هو إزالة الضرر. يقول الإمام النووي رحمه الله في شرحه لحديث لعن النبي r الواشمة والمستوشمة , وأما قول النبي r : (المتفلجات للحسن) فمعناه, يفعلن ذلك طلباً للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس".
وعليه فلا حرج على الطبيب أو المريض في فعل هذا النوع من الجراحة ولكن بشروط:
1- أن يكون عيباً أو تشوهاً حقيقة في عرف الناس, أو أن يتأذى منه حقيقة لا وهماً.
2- أن لايترتب عليه إلحاق ضرر مماثل أو أشد به, لأن القاعدة الفقهية تقول: (الضرر يزال), وتقيدها القاعدة الأخرى, (لا يزال الضرر بمثله) فإن كان صاحبه سيتضرر بشكل مماثل أو أشد لم يصح. جاء في الظهيرية: (إذا أراد الرجل أن يقطع إصبعاً زائداً أو شيئاً آخر ... إن كان الغالب على من قطع مثل ذلك الهلاك فإنه لا يفعل، وإن كان الغالب هو النجاة فهو في سعة من ذلك).
3- أن يأذن المريض بذلك, إلا أن يترتب على أخذ إذنه إلحاق ضرر أشد به فيجوز.
قال ابن حزم في بيان ذلك: ”من قَطع يداً فيها أكلة بغير إذن صاحبها، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] ، وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ، فالواجب استعمال هذين النصين من كلام الله تعالى، فينظر: فإن قامت بينة أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها بُرء ولا توقف, وأنها مهلكة ولابد، ولا دواء لها إلا القطع، فلا شيء على القاطع، وقد أحسن؛ لأنه دواء، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمداواة، وهكذا القول في الضرس إذا كان شديد الألم، قاطعاً به عن صلاته ومصالح أموره فهذا تعاون على البر والتقوى، وأما إذا كان يرجى للآكلة برء أو توقف، وكان الضرس يتوقف أحياناً ولا يقطع شغله عن صلاته ومصالح أموره، فعلى القاطع والقالع القود؛ لأنه حينئذ متعد، وقد أمر الله تعالى بالقصاص في القود“
فإذا قطع شيء من جسده بغير موافقته يستوجب القصاص شرعاً لما فيه من التعدي عليه, ولكن إذا تعذر أخذ إذنه, وكانت مصلحته في ذلك بشكل محقق, فحينئذ يفعله الطبيب رعاية لمصلحته ولا ينتظر إذنه.
جراحة التجميل لتحسين الشكل (الاختيارية):
العمليات المتعلقة بهذه الجراحة تنقسم إلى نوعين:
النوع الأول: عمليات تحسين الشكل الخارجي وتجميل الصورة, كتجميل الأنف بتصغيره، وتغيير شكله من حيث العرض والارتفاع, وتجميل الذقن بتصغير عظمها إن كان كبيراً، أو تكبيره بوضع ذقن صناعية, وتجميل الثديين بتصغيرهما إذا كانا كبيرين، أو تكبيرهما بحقن مادة معينة مباشرة في تجويف الثديين إذا كانا صغيرين, وهكذا.
النوع الثاني: عمليات تجديد الشباب التي تجري لكبار السن، كشد تجاعيد الوجه لتجميله، وتجميل الأرداف بإزالة المواد الشحمية في المنطقة الخلفية العليا، أو المنطقة الجانبية من الأرداف ثم تشد جلدتها، ويهذب حجمها بحسب الصورة المطلوبة, وتجميل اليدين بشد التجاعيد الموجودة فيهما, وتجميل الحواجب بسحب المادة الموجبة لانتفاخها، نظراً لكبر السن وتقدم العمر.
الحكم الشرعي للجراحة التحسينية:
هذا النوع من الجراحة لا يستدعيه ضرورة، ولا حاجة، بل السعي في طلب الجمال والحُسن والشباب, بتغيير خلق الله تعالى، والعبث به حسب الأهواء، ومن ثَمَّ فهو غير مشروع، وذلك لما يأتي:
أولاً: قال تعالى حكاية عن إبليس: {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغِّيرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
وجه الدلالة: أن هذه الآية الكريمة واردة في سياق الذم، وبيان المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني آدم، ومنها تغيير خِلقة الله, وجراحة التجميل التحسينية تشتمل على تغيير خِلقة الله والعبث بها حسب الأهواء والرغبات، فهي داخلة في المذموم شرعاً، وتعتبر من جنس المحرمات التي يسول الشيطان فعلها للعصاة من بني آدم.
ثانياً: عن عبد الله بن مسعودt قال: (سمعت رسول اللهr **** المتنمصات والمتفلجات للحسن اللآتي يغيرن خلق الله).
وجه الدلالة: أن الحديث دل على لعن من فعل هذه الأشياء، وعلل ذلك بتغيير الخلقة، وفي رواية: (والمتفلجات للحسن, المغيرات خلق الله) فجمع بين تغيير الخلقة, وطلب الحسن، وهذان المعنيان موجودان في الجراحة التجميلية التحسينية، لأنها تغيير للخلقة بقصد الزيادة في الحسن، فتعتبر داخلة في هذا الوعيد الشديد ولا يجوز فعلها.
ثالثًا: لا تجوز جراحة التجميل التحسينية كما لا يجوز الوشم، والوشر، والنمص، بجامع تغيير الخلقة في كل طلباً للحسن والجمال.
رابعاً: إن هذه الجراحة تتضمن في عدد من صورها الغش والتدليس وهو محرم شرعاً، ففيها إعادة صورة الشباب للكهل والمسن في وجهه وجسده، وذلك مفض للوقوع في المحظور من غش الأزواج من قبل النساء اللاتي يفعلن ذلك، وغش الزوجات من قبل الرجال الذين يفعلون ذلك.
خامساً: إن هذه الجراحة لا يتم فعلها إلا بارتكاب بعض المحظورات وفعلها، ومن تلك المحظورات التخدير، إذ لا يمكن فعل شيء من المهمات التي سبق ذكرها إلا بعد تخدير المريض تخديراً عاماً أو موضعياً. ومعلوم أن التخدير في الأصل محرم شرعاً، وفعله
في هذا النوع من الجراحة لم يأذن به الشرع لفقد الأسباب الموجبة للترخيص والإذن به. وعليه فإنه يعتبر باق على الأصل الموجب لحرمة استعماله.
ومن تلك المحظورات أيضاً, قيام الرجال بمهمة الجراحة للنساء الأجنبيات والعكس صحيح، وحينئذ ترتكب محظورات عديدة كاللمس، والنظر للعورة، والخلوة بالأجنبية، وإذا قام بفعلها الرجال لأمثالهم والنساء لأمثالهن فإنه يحصل كشف العورة في بعضها كما في جراحة تجميل الأرداف.
وهذه المحظورات لم يثبت الترخيص فيها من قبل الشرع في هذا النوع من الجراحة لانتفاء الأسباب الموجبة للترخيص فأصبحت باقية على أصلها من الحرمة، فلا يجوز فعل الجراحة التحسينية الموجبة للوقوع فيها.
سادساً: إن هذه الجراحة لا تخلو من الأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها ففي جراحة تجميل الثديين بتكبيرهما عن طريق حقن مادة السلكون أو الهرمونات الجنسية يؤدي ذلك إلى حدوث أخطار كثيرة كما ذكرت الدراسات الطبية الحديثة.
وإضافة إلى ما سبق فإن نجاح هذه الجراحة بعد فعلها يستلزم تغطية المواضع التي تم تجميلها بلفاف طبي قد يستمر أيامًا، ويمتنع بذلك غسل المواضع المذكورة في فريضة الوضوء والغسل الواجب.
فعلى سبيل المثال جراحة تجميل الذقن فإنها تستلزم عصب الذقن الصناعية لمدة أسبوع بلفاف طبي لكي تلتحم بالحنك.
وبناء على ما سبق من الأدلة النقلية والعقلية، ونظرًا لما يتضمنه هذا النوع من الجراحة من العبث بخلق الله من دون وجود ضرورة أو حاجة داعية إلى ذلك فإنه يحرم فعله والإقدام عليه من قبل الطبيب الجراح والشخص الطالب، وتعتبر الدوافع التي يعتذر بها من يفعله من كون الشخص يتألم نفسيًا بسبب عدم تلبية رغبته بفعل هذا النوع من الجراحة غير كافية في الترخيص له بفعله.
وعلاج هذه الأوهام والوساوس إنما يكون بغرس الإيمان في القلوب، وزرع الرضا عن الله تعالى فيما قسمه من الجمال والصورة، والمظاهر ليست هي الوسيلة لبلوغ الأهداف والغايات النبيلة، وإنما يدرك ذلك بتوفيق الله تعالى ثم بالتزام شرعه والتخلق بالآداب ومكارم الأخلاق.
الجراحة الوقائية:
وتعني الجراحة التي يقصد منها دفع ضرر محتمل الوقوع في المستقبل. ولا يخلو احتمال وقوعه من حالتين:
الحالة الأولى: أن يصل إلى درجة غلبة الظن.
الحالة الثانية: أن يكون دونها (درجة الشك، والوهم).
فأما الحالة الأولى، فهي مشروعة نظراً لقوة الاحتمال الموجود فيها, وغلبة الظن تقوم مقام القطع في الأحكام الشرعية العملية.
وأما الحالة الثانية، فهي المقصودة هنا، ويقدم الأطباء فيها على استئصال الأعضاء وأجزائها مع أن تلك الأعضاء، والأجزاء بحالتها الطبيعية، وتقوم بأداء وظائفها في جسم الإنسان بصورة عادية، ومن أشهر أمثلتها الحالات الجراحية التالية: استئصال الزائدة الدودية، وهي في حالة سليمة، خوفًا من التهابها وانفجارها مستقبلاً,
واستئصال اللوزتين، وهما في حالتهما الطبيعية، خوفًا من التهابها مستقبلاً فهذه الحالات وأمثالها يقدم فيها الأطباء على مهمة الجراحة دون أن تتوفر الدلائل، والأمارات المعتبرة لإثبات المخاوف المفترضة في المستقبل.
وبناء على ذلك فإن هذه الجراحة تعتبر غير جائزة شرعاً، وذلك لما يأتي:
أولاً: أن الأصل يقتضي حرمة الإقدام على تغيير خلقة الله تعالى بقطع الأعضاء، واستئصالها ما لم توجد حاجة داعية إلى فعل ذلك.
ثانيًا: أن هذه الأعضاء المستأصلة، والمقلوعة لم يخلقها الله تعالى في جسم الإنسان عبثاً، بل هناك مصالح مترتبة على وجودها والقيام باستئصالها وقطعها بأعذار موهومة، فيه تعطيل لتلك المصالح بدون موجب معتبر فكان ضرراً ومفسدة، والشرع لا يجيز الإضرار والفساد.
لهذا فإن هذا النوع من الجراحة غير مشروع، ولا يجوز للطبيب فعله، ولا للمريض الإذن له بذلك. والله أعلم.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين