عرض مشاركة واحدة
قديم 2013- 1- 27   #4
ام افنان1
أكـاديـمـي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 109692
تاريخ التسجيل: Mon May 2012
المشاركات: 93
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 748
مؤشر المستوى: 49
ام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enoughام افنان1 will become famous soon enough
بيانات الطالب:
الكلية: كلية الاداب الاحساء
الدراسة: انتساب
التخصص: الدراسات الاسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
ام افنان1 غير متواجد حالياً
رد: الحديث (3)

اسم المقرر
الحديث (3)
د/ جمال فرحات صاولي
المحاضرة الأولى
عناصر المحاضرة
1 - الكلام عن الحياء؛
1/1 تعريفُ الحياء .
2/1 الفرق بينه وبين الخجل.
3/1 فضل الحياء.
2 - دراسة لحديثين متعلقين بالحياء؛
1/2 حديث , إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت-
2/2حديث { الحياء من الإيمان }
[1] – التعريف بالحياء
الحياء لغة: تغيرٌ وانكسار يلحق الإنسان من خوف ما يُعاب عليه وقد يطلق على مجرد ترك الشيء بسبب ، والترك إنما هو من لوازمه.
وشرعا: خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. فهو خلق يحث على فعل الجميل ، وترك القبيح
وهو نوعان:
الأول/ فيما يتعلق بحق الله عز وجل
والثاني/ فيما يتعلق بحق المخلوق
تابع [1]
أما الحياء فيما يتعلق بحق الله عزّ وجل فيجب أن تستحي من الله عزّ وجل أن يراك حيث نهاك، وأن يفقدك حيث أمرك.
وأما الحياء من المخلوق فأن تكفَّ عن كل ما يخالف المروءة والأخلاق.
وأصل الحياء نوعان: منه ما هو غريزي طبيعي جبلي، يُخلق مع الإنسان وهذا نادر وقليل، ومنه مكتسب يتمرن عليه الإنسان وهذا هو الأغلب.
تابع [1]
[2/1] : الفرق بين الحياء وبين الخجل
الحياء سبق تعريفه
والخجل: حالة انفعالية تنمُّ عن حياء مفرط يدعو إلى الحيرة والاضطراب، وهو أمر مذموم يدل على الضعف، فيه إعاقة عن تحقيق الطموحات سواء على المستوى التعليمي أو المهني.
والخجل الحياء من كل شيء، والأكثر ما يكون للنساء، ولذا الخجل للرجال ليس ممدوحاً، بخلاف الحياء، فإنه من الغرائز والأخلاق الفاضلة.
تابع [1]
إذاً هناك فرق بين الخجل والحياء فيكون دقيقاً جداً وهو: أن الخجول لا يملك من نفسه تصرفاً، أما الحياء فصاحبه قد يستحي ويقف عند حيائه، وقد يتخطى حواجز الحياء فيما هو واجب.
مثال توضيحي: (الجهر بالتلبية في العمرة والحجّ أمام الناس).
فالحياء يمكن أن يراعي فيه الإنسان الإقدام والإحجام، ولكن الخجل لا يتملك المرء فيه، والحياء قابل للمقياس العقلي، أما الخجل فلا يقبل ذلك، فالشخص الخجول -كما يقولون- هو أشد ضعفاً من الشخص الذي يقال فيه حيي
تابع [1]
[3/1] : فضل الحياء
الحياء خلق من الأخلاق العظيمة، وهو شعبة من شعب الإيمان وقد وردت أحاديث ترغب فيه منها ما رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد عن أَنَسٍ قالَ :قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ما كَانَ الفُحْشُ في شَيْءٍ إلا شَانَهُ ، وَماَ كَانَ الْحَيَاءُ في شَيْءِ إلا زَانَهُ ، و عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : الْحَيَاءُ مِنَ الإيمان ، وَالإيمان فِي الْجنّةِ ، وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاء، وَالْجَفَاءُ فِي النّارِ. رواه الترمذي وأحمد
[2] دراسة لحديثين متعلقين بالحياء
[1/2] الحديث الأول صحيح البخاري(693/13 رقم 6120)
عن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ البدري t قَالَ : قَالَ رَسُول الله r: «إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولَى : إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت» رواه البخاري.
# ترجمة الصحابي راوي الحديث : هو عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري أبو مسعود البدري صحابي جليل، مشهور بكنيته اتفقوا على أنه شهد العقبة واختلفوا في شهوده بدرا فجزم البخاري بذلك وقال الأكثر نزلها فنسب إليها، مات بعد سنة 40 هـ بالكوفة.
روى له أصحاب الكتب الستة (خ، م ، د ، ت ، س ، جه).
تابع [2]
تخريج الحديث: الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب أحاديث الأنبياء (124/8 رقم 3483-3484) دون كلمة ”الأولى“، وفي كتاب الأدب، باب إذا لم تستحي فاصنع ما شئت (693/13 رقم 6120)، وأبو داود في كتاب الأدب، باب فِى الْحَيَاءِ (399/4 رقم 4799)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب الحياء (1400/2 رقم 4183).
ترجمة البخاري: هو أبو عبد لله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، من كبار أئمة الحديث، وصاحب أصح كتاب بعد القرآن، توفي سنة (256 هـ).
تابع [2]
المعنى العام للحديث:
هذا الحديث فيه الكلام على شعبة من شعب الإيمان ألا وهي الحياء، وقوله r:«إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولَى : إِذا لم تستح فَاصْنَعْ مَا شِئْت» يشير إلى أن هذا مأثور عن الأنبياء المتقدمين وأن الناس تداولوه بينهم وتوارثوه عنهم قرنا بعد قرن وهذا يدل على أن النبوة المتقدمة جاءت بهذا الكلام وأنه اشتهر بين الناس حتى وصل إلى أول هذه الأمة. وللحديث معنيان:
تابع [2]
المعنى الأول: إذا أردت أن تعمل شيئاً فانظر هل هذا العمل يُستحى منه عند الناس أم لا؟ فإن كان لا يستحى منه عند الناس فاصنعه، أي: أنه حسن وليس قبيحاً، يعني إذا كان الأمر ليس حراما، وليس مما يخرم مكارم الأخلاق فاصنعه ولا تبال؛ لأن هذا دليل أنه لا بأس به ، وهذا قول إسحاق وأحمد، وآخرون.
المعنى الثاني: (إذا لم تستح) أي: إذا فقدت الحياء، وإذا لم يكن عندك هذه الخصلة وهذه الغريزة وهذا الخلق الفاضل، فحينئذ لا عليك، كأنه يقول: إذا لم يستح فحينئذ كل شيء لا يستنكر منه.
تابع [2]
بعض فوائد الحديث:
1. أن الآثار عن الأمم السابقة قد تبقى إلى هذه الأمة، لقوله: إِنَّ مِمَا أَدرَكَ الناسُ مِن كَلاَمِ النُّبوَةِ الأُولَى، وهذا هو الواقع.
ومما ينبغي الإشارة إليه أن ما جاءنا من آثار عن النبوة الأولى، قسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما شهد شرعنا بصحته، فهو صحيح مقبول.
القسم الثاني: ما شهد شرعنا ببطلانه، فهو باطل مردود.
القسم الثالث: ما لم يرد شرعنا بتأييده ولا تفنيده، فهذا يتوقف فيه.
تابع [2]
2. أن هذه الجملة: إِذا لَم تَستَحْيِ فاصنَع مَا شِئت مأثورة عمن سبق من الأمم، لأنها كلمة توجه إلى كل خلق جميل.
3. الثناء على الحياء والحث عليه.
4. أن من خلق الإنسان الذي لا يستحيي أن يفعل ما شاء ولا يبالي.
5. أن ما لا يُستحيى منه فالإنسان حل في فعله.
6. فيه الرد على الجبرية، لإثبات المشيئة للعبد.
تابع [2]
قوله r : (فاصنع ما شئت) هل هو للتهديد أم للإباحة ؟
قوله r : (فاصنع ما شئت) هل هو للإباحة في أن يصنع كل شيء؟ الجواب: لا، إنما هو على سبيل الوعيد والتهديد كما في قوله تعالى: { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف:29] باختياركم! الذي يريد أن يؤمن فلنفسه، والذي يريد أن يكفر فعلى نفسه، ومآله إلى النار، فهو تهديد وليس بتخيير.
تابع[2]
الحديث الثاني صحيح البخاري(1 /141 رقم 24 )
عن ابن عمر t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : (دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ).
وفي رواية للبخاري: مَرَّ النَّبِيُّ r عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يَقُولُ إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضَرَّ بِكَ... الحديث.
تخريجه: الرواية الأولى أخرجها البخاري في كتاب الإيمان، باب الحياء من الإيمان. والثانية أخرجها في كتاب الأدب، باب الحياء (690/13 رقم 6118).
تابع[2]
ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفيل القرشي العدوي أبو عبد الرحمن المكي، ولد بعد المبعث بيسير، أسلم قديما وهو صغير، واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة، وكان من أشد الناس اتباعا للأثر، مات سنة 73 هـ. روى له الستة.
معاني أهم مفردات الحديث :
الحياء: سبق تعريفه.
يُعَاتِبُ أَخَاهُ: أي يلومه.
تابع[2]
الإيمان: في اللغة هو: الإقرار المستلزم للقبول والإذعان وهو بهذا المعنى مطابق للشرع، وقيل: هو التصديق. وشرعا: هو: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. ومحل الإيمان: القلب واللسان والجوارح، فالإيمان يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح.
والدليل: قوله r ” الإِيْمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فَأَعْلاهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وأدنْاهَا إِمَاطَةُ الأذى عَنِ الطَّرِيْقِ وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ”.
فلا إله إلا الله، هذا قول اللسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح، والحياء عمل القلب.
تابع[2]
# من فوائد الحديث :
1- الحياء أثر من آثار الإيمان ومكملٌ من مكملاته.
2- الحياء يمنع صاحبه عن المعاصي، ويحثه على الواجبات.
3- قال أهل العلم: (الحياء إن كان في محرم فهو واجب وإن كان في مكروه فهو مندوب وإن كان في مباح فهو العرفي وهو المراد بقوله الحياء لا يأتي إلا بخير، ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقع على وفق الشرع إثباتا ونفيا).
تنبيه: الحياء لا يمنع من التفقه في الدين والسؤال عما يجب السؤال عنه، والحياء الذي يمنع صاحبه من أداء الواجب ليس حياءً شرعيا، وإنما هو خور وذلة ومهانة لا يُحمد عليه صاحبه.
المحاضرة الثانية
عناصر المحاضرة
1 - الكلام عن الورع .
1/1 تعريفُ الورع .
2/1 الفرق بينه وبين الزهد.
3/1 فضل الورع.
2 - دراسة لثلاثة أحاديث متعلقة بالورع.
1/2 حديث , دع ما يريبك إلى مالا يريبك -
2/2 حديث , الحلال بيّن والحرام بيّن-
3/2 حديث , مَرَّ النَّبِيُّ r بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ -
[1] – التعريف بالورع
الورع لغة: قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث:الوَرَعُ في الأصْل الكَفُّ عن المَحارِم والتَّحَرُّج مِنْه، يقال : وَرِع الرَّجُل يَرِعُ (بالكَسْر فيهما) وَرَعاً ورِعَةً فهُو وَرِعٌ وتَوَرَّع من كذا، ثم اسْتُعِير للكفّ عن المُباح والحلال.
وشرعا: هو اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرمات.
وقال ابن تيمية: الورع ترك ما تخاف ضـرره في الآخرة.
فالورع هو الإمساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر، فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه.
تابع [1]
[2/1] : الفرق بين الورع وبين الزهد
الورع سبق تعريفه.
والزهد: هو ترك مالا ينفـع في الآخرة.
وبالتأمل في هذين التعريفين للزهد والورع نلاحظ:
1- أن مقام الزهد أعلى من مقام الورع. فالزاهد ينظر إلى ما يقوله ويفعله فإن كان مما ينفـعه عند الله عز وجل أخذ به وعلق همته به وإن كان لا يرجو نفعـه في الآخرة زهد به وتركه ولو لم يكن منه ضرر في الآخرة. أما الورع فصاحبه يتجنب ما يخاف ضرره في الآخرة فإذا خلا من الضرر فقد يأخذ به ولو لم ينتفع به في الآخرة.
وبذلك نستطيع القول بأن كل زاهد فهو ورع، وليس كل ورع زاهد.
تابع [1]
[3/1] : فضل الورع
1- أنه سبب لاستبراء الدين والعرض كما في الحديث : (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)
2- أنه من علامات العبادة كما في الحديث ( كن ورعاً تكن أعبد الناس )
3- أنه من هدي النبي r فعن أنس t أن النبي r وجد تمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها). رواه البخاري
4- أنه سبب للنجاة .

[2] دراسة أحاديث تتعلق بالورع
[1/2] : الحديث الأول سنن الترمذي(668/4 رقم 2518)
عن الحسن بن علي t قَالَ : حفظت من رسول r :« دع ما يريبك إلى مالا يريبك » رواه الترمذي.
# ترجمة الصحابي راوي الحديث: هوالحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي سبط رسول الله r - والسبط: هوابن البنت - وريحانته وقد صحبه وحفظ عنه، تنازل عن الخلافة لمعاوية t، مات شهيدا بالسم سنة 49هـ وهو ابن سبع وأربعين.
روى له أصحاب السنن( د ، ت ، س ، جه ).
تابع [2]
تخريج الحديث: الحديث أخرجه الترمذي في سننه في كتاب الإيمان(668/4 رقم 2518) وتمام الحديث : (فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة)، وقال: حسن صحيح.
ترجمة الترمذي: هو محمد بن عيسى بن سَوْرَة السُّلمي التِرمِذي الضرير، مؤلف كتاب" الجامع ” المشهور بسنن الترمذي، وكتاب " العلل ”، وكتاب ” الشمائل المحمدية ”، أحد العلماء الحفاظ البارعين، توفي سنة تسع وسبعين ومائتين (279هـ) بمدينة ترمذ.
وكتابه السنن ثالث الكتب الستة، ويأتي في الترتيب بعد سنن أبي داود
تابع [2]
معاني أهم مفردات الحديث :
دع: أي أترك
ما يَريبك: بفتح أوله ويجوز الضم يقال رابه يَريبه بالفتح وأرابه يُريبه بالضم ريبة، وهي الشك والتردد، والمعنى إذا شككت في شيء فدعه.
المعنى العام للحديث:أي اترك ما يلحقك به ريب وشك وقلق إلَى ما لا يلحقك به ريبٌ ولا قلق، والحاصل أن الورع انتقال العبد من الشك إلى اليقين، ومن الريبة والتردد إلى الثقة والاطمئنان.
تابع [2]
فهذا الحديث أصل عظيم في باب الورع وترك الشبهات ، وفيه توجيه نبوي عظيم الفائدة عظيم العائدة، فإن العبد لا يسلم دينه من المفسدات والمنقصات إلا إذا تعاطى الورع وترك ما اشتبه عليه أمره. فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه. وترك ما يشك فيه أصل عظيم في الورع.
تابع [2]
بعض فوائد الحديث:
1- أن الدين الإسلامي لا يريد من أبنائه أن يكونوا في شكّ ولا قلق، لقوله: دَعْ مَا يرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَيَرِيْبُكْ.
2- في الحديث دلالة على إحدى القواعد الخمس الكبرى وهي أن اليقين لا يزول بالشك ولها فروع كثيرة ومعناها إذا تعارض الشك مع اليقين أخذنا باليقين وقدمناه واطرحنا الشك.
3- الورع مراتب والناس يتفاضلون فيه كما يتفاضلون في الإيمان. ويكون تمام الورع مرضيا من الخاصة و الكمل من الإيمان الذين استقامت نفوسهم بفعل الواجبات وترك المحظورات.
4- أن هذا الحديث من جوامع الكلم التي اختص بها النبي r دون غيره
تابع[2]
تنبيه:
ما تَقَدَّمَ ذكره من الورع مقيّد بما إذا لم يكن وسواساً، فإن كان وسواساً فلا يلتفت إليه، وعدم الالتفات إلى الوسواس هو ترك لما يريبه إلى ما لايريبه، ولهذا قال العلماء - رحمهم الله - الشك إذا كثر فلا عبرة به، لأنه يكون وسواساً، وعلامة كثرته: أن الإنسان إذا توضّأ لا يكاد يتوضأ إلا شك، وإذا صلى لا يكاد يصلي إلا شك، فهذا وسواس فلا يلتفت إليه، وحينئذ يكو ن قد ترك ما يريبه إلى ما لايريبه.
[2] تابع لدراسة أحاديث تتعلق بالورع
[2/2] : الحديث الثاني صحيح البخاري(227/1 رقم 52)
عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: « الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ . . . » رواه البخاري واللفظ له، ومسلم ولفظه (مشتبهات) بدل (مشبهات).
الشاهد من الحديث قوله r: « فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ». وفي رواية مسلم(الشبهات).
تابع [2]
# ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو أبو عبد الله النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، له ولأبويه صحبة، سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة خمس وستين (65هـ)، وله أربع وستون سنة.
روى له أصحاب الكتب الستة(خ ، م ، د ، ت ، س ، جه ).
تخريج الحديث: الحديث أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه (227/1 رقم 52)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (1219/3 رقم 1599).
تابع [2]
معاني أهم مفردات الحديث :
فَمَن اِتَّقَى الشُّبُهَاتِ : أي تجنبها.
فَقَدِ اِسْتَبْرَأَ : أي أخذ البراءة، وبرئت ذمته.
لِدِيْنِهِ :أي فيما بينه وبين الله تعالى.
وَعِرْضِهِ :أي فيما بينه وبين الناس، لأن الأمور المشتبهة إذا ارتكبها الإنسان صار عرضة للناس يتكلمون في عرضه بقولهم: هذا رجل يفعل كذا ويفعل كذا، وكذلك فيما بينه وبين الله تعالى.
تابع [2]
# المعنى العام للحديث: هذا الحديث عَدَّه العلماء ثلث الدين أو ربع الدين؛ فإن الإمام أحمد قال: أحاديث الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: حديث عمر «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ» وحديث عائشة «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » وحديث النعمان بن بشير هذا، وزاد عليها أبو داود صاحب السنن حديث «الدَّينُ النَصِيحَُة».
فالحلال البَيِّن والحرام البَيِّن واضح الحُكم، والمشتبه جاء حكمه في هذا الحديث، والحلال يحتاج إلى نية، وإلى متابعة، وعدم إحداث فيه من أمور العبادات والمعاملات، وكذلك الحرام يحتاج إلى نية في تركه حتى يؤجر عليه، إلى آخر ذلك، فصار هذا الحديث ثلث الإسلام.
تابع [2]
فهذا الحديث موضعه عظيم في الشريعة؛ فهو ثلث الدين لمن فهمه، ففيه أن الأحكام ثلاثة:
1. حلال بَيِّن واضح لا اشتباه فيه.
2. وحرام بَيِّن واضح لا اشتباه فيه.
3. وثالث مشتبه لا يعلمه كثير من الناس، ولكن يعلمه بعضهم.
وسبب الاشتباه فيه إما: الاشتباه في الدليل، وإما الاشتباه في انطباق الدليل على المسألة، فتارةً يكون الاشتباه في الحكم، وتارةً يكون في محل الحكم.
والاشتباه في الدليل: بأن يكون الحديث صحيحا أم لا، أما الاشتباه في الحكم فمعناه هل يدل هذا الحديث على هذا الحكم أم لا يدل.
والورع يقتضي ترك الإنسان لما اشتبه عليه من الأمور.
تابع [2]
[3/2] : الحديث الثالث صحيح البخاري(509/5 رقم 2055)
عَنْ أَنَسٍ t قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ r بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فقَالَ: «لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا » رواه البخاري ومسلم.
# ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو أبو حمزة أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله r خدمه عشر سنين، أمّه أم سليم، صحابي مشهور مات سنة اثنتين وتسعين(92هـ)، وقد جاوز المائة.
روى له أصحاب الكتب الستة(خ ، م ، د ، ت ، س ، جه ).
تابع [2]
تخريج الحديث: الحديث أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب ما يُتنزه من الشبهات(509/5 رقم 2055) وفي كتاب اللقطة، باب إذا وجد تمرة في الطريق(244/6 رقم3431)، ومسلم في كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله وعلى آله (752/2 رقم1071).
وآل النبي r هم بنو هاشم وبنو المطلب دون غيرهم.
المحاضرة الثالثة
عناصر المحاضرة
1 - الكلام عن العهد والوعد .
1/1 تعريفُ العهد والوعد .
2/1 الفرق بين العهد وبين الوعد.
3/1 فضل الوفاء بالعهد والوعد.
2 - دراسة لحديث يتعلق بالوعد؛
1/2 حديث , آية المنافق ثلاث-
[1] – التعريف بالعهد و الوعد
العهد لغة: الوصية يقال ( عَهِدَ ) إليه ( يَعْهَدُ ) من باب تعب إذا أوصاه و ( عَهِدْتُ ) إليه بالأمر قدمته وفي التنزيل ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ ) و ( العَهْدُ ) الأمان والمَوْثِق والذمة.
وشرعا: العهد حفظ الشيء ومراعاته حالا بعد حال ويسمى الوعد الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا، ونقيضه الغدر وهو الإخلال بالشيء وتركه، ويُسمى أيضا النكث والخيانة.
والوعدشرعا: هوالتزامبمالايلزمقبله.
تابع [1]
[2/1] : الفرق بين الوعد وبين العهد
العهد غير الوعد والأصل في العهود الوفاء بها، قال ابن النجار في (معونة أولي النهى): ” وأما العهد فهو غير الوعد، ويكون بمعنى اليمين والأمان والذمة والحفظ والرعاية والوصية وغير ذلك.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) هو عام فيما بين العبد وبين ربه وفيما بينه وبين الناس. قال الزجاج: كل ما أمر الله به ونهى عنه فهو من العهد.
وقوله تعالى (كان مسؤولا)، قال ابن قتيبة: أي مسؤولا عنه.
تابع [1]
أما الوعد فهوالتزامبمالايلزمقبله،والوفاءبهمنمكارمالأخلاق،ومنصفاتالأصالةالبشريةوقدقالوا: " وعدالحردين" وقداتفقالعلماءرحمهماللهعلىأنالوفاءبالوعدمنآكدالمستحبات،واختلفوافيوجوبهعلىالواعدووجوبالوفاءبه،فذهبجمهورهمإلىعدموجوبه،وأنالوفاءمستحبومنمكارمالأخلاق،وذهبآخرونإلىوجوبالوفاءبهديانة.
وقيل: الوعد العهد في الخير.
ومن الفروق بينهما أن العهد يكون موثقا بخلاف الوعد.
تابع [1]
[3/1] : فضل الوفاء بالعهد والوعد
الوفاء بالعهد قيمة أخلاقية عالية، لا يتمثلها إلا أولو الألباب، الذين ارتفعوا بأنفسهم عن الحيوانية؛ وتسنموا معالي الأمور؛ محافظين على أعراضهم من الخدش والقالة. وقد وردت نصوص شرعية آمرة بالوفاء بالعهود، محذرة من نقضها: فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام: 152]. وقال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل: 91، 92]. وقال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34].
وأداء العقود والالتزام بها مما أمر الله المؤمنين الوفاء بها؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1].

تابع [1]
فالوفاء بالعهود والمواثيق من سمات أهل الإيمان؛ حيث مدح الله -عز وجل- الوافين بعهدهم، وبيَّن أنه من صفات المتقين الصادقين؛ وذلك حين قال تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ...) إلى قوله تعالى (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ﴾ [البقرة: 177].
وقال تعالى مثنيا على الذين يوفون بعهودهم: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 19 - 21].

تابع [1]
وقد ثبت في السنة أن إخلاف العهود من صفات المنافقين الذين ذمهم الله تعالى، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو، أَن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ) أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا؛ وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ (.
فإخلاف العهود والمواثيق مما رتب الله عليه الوعيد الشديد؛ حيث كان المخلف لوعده؛ والغادر لعهده، يكون الرب -تبارك وتعالى- خصمه يوم القيامة، ففي الحديث الصحيح: ) قال الله -عز وجل-: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ( رواه البخاري.

[2] دراسة أحاديث تتعلق بالوعد
[1/2] : الحديث الأول صحيح البخاري(166/1 رقم 33)
عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» متفق عليه.
زاد في رواية لمسلم: وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم.
# ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، مشهور بكنيته واختلف في اسمه على أقوال، صحابي جليل حافظ الصحابة، كناه النبي بأبي هريرة لأجل هرة كان يحمل أولادها، أسلم سنة سبع عام خيبر، ومات سنة 57هـ.
روى له أصحاب الكتب الستة.
تابع [2]
تخريج الحديث: الحديث أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب علامة المنافق(166/1 رقم 33) ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق (78/1 رقم 59).
معنى (متفق عليه): أي رواه البخاري ومسلم من حديث نفس الصحابي بشرط أن يكون المعنى واحد، فلابد من شرطين لإطلاق كلمة متفق عليه:
1- أن يكون راوي الحديث نفس الصحابي.
2- أن يكون المعنى واحد، فإن كان بنفس اللفظ فهذا أفضل.
تابع [2]
معاني أهم مفردات الحديث :
الآية: العلامة.
المنافق: هو الذي يظهر الخير ويبطن الشر يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وقد برز النفاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر لما قتل كبار كفار قريش وصارت الغلبة للمسلمين.
الكذب: هو الإخبار عن الواقع بخلاف ما هو عليه، والمراد به في الحديث من فعله قاصدا للكذب.
تابع [2]
الوعد: المراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير وأما الشر فيستحب إخلافه، ويشترط فيه النية لحديث زيد بن أرقم: (إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي له فلم يف فلا إثم عليه) رواه أبوداود والترمذي.
أؤتمن: أي جُعل أمينا على الشيء، والأمانة: كل ما يؤتمن عليه كأموال وأسرار، وغيرها. و قيل: (الأمانة) الوفاء والوديعة.
خان: الشيء خونا وخيانة ومخانة نقصه، وخان الأمانة لم يؤدها أو بعضها، وخان فلانا غدر به. ومن العبارات المرادفة للخيانة: الغدر والنكوث.
تابع [2]
المعنى العام للحديث: معنى كون هذه الصفات من علامات النفاق الكذب، وإخلاف الوعد، والخيانة، والغدر، والفجور عند المخاصمة: أي من أبرز صفات المنافقين من أهل المدينة الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، والقرآن مليء بالآيات التي تصف حالهم هذا، وهم إنما عرفوا بها ، والله عز وجل يقول : ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) سورة محمد/30.
فإذا اتصف أحد المسلمين - الذين يشهدون بكلمة التوحيد - بشيء من هذه الصفات : فقد اتصف بصفات المنافقين التي ذمها الله عز وجل ، وعمل أعمالهم ، وحصل له من النفاق بقدر ما عمل .
تابع [2]
تنبيه مهم: لا يستلزم أن يكون المسلم المتصف بالخيانة أو الكذب مثلا قد خرج عن الإيمان بالكلية؛ لأن الإيمان يرفعه درجاتٍ عن النفاق، ولكنه يحاسب على هذه الأخلاق الذميمة، ولذلك يُسمِّي العلماء هذه الآفات المهلكات بـ : " النفاق العملي "، يقصدون أن المتصف بها آثم مستحق للعقوبة، ولكنه ليس في درجة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر. وقد قسم العلماء النفاق إلى قسمين:
1- نفاق اعتقادي، وهو إظهار الإيمان وإبطان الكفر.
2- نفاق عملي، وهو الاتصاف بأحد الصفات المذمومة المذكورة في الحديث أو بها جميعا، لكن صاحبها مؤمن موحد، غير أنه بفعله هذا عاص، والمراد بالنفاق في الحديث النفاق العملي كما قال القرطبي ورجحه ابن حجر وغيره.
تابع [2]
بعض فوائد الحديث:
1- فيه دليل على أن: الكذب، وإخلاف الوعد، وخيانة الأمانة من علامات النفاق، والمقصود التحذير من الاتصاف بصفات المنافقين.
2- تشبيه المسلم المتصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق .
3- فيه دليل على أن المسلم قد تجتمع فيه خصال الخير والشر.
4- فيه دليل على أن المعاصي تنقص الإيمان، كما أن الطاعة تزيده، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
5- قال ابن حجر:“ وجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاثة أنها منبهة على ما عداها، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث : القول، والفعل، والنية. فنبَّه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بالخلف ”.
المحاضرة الرابعة
عناصر المحاضرة
1 - الكلام عن آداب المجلس .
1/1 المراد بآداب المجلس .
2/1 التعريف بآداب المجلس .
2 - دراسة لبعض الأحاديث المتعلقة بآداب المجلس.
1/2 حديث , إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ -
-مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا الله تَعَالَى فِيهِ ,2/2حديث
[1] – المراد بآداب المجلس
الإنسانلابدلهفيحياتهمنمعاملةالناسومخالطتهمومجالستهم؛ذلكأنهلايمكنهأنيعيشلوحده،بلإنالمخالطةأمرلامفرمنه.
وهؤلاءالجلساءقديكونونصالحينمصلحين،وقديكونونفاسدينمفسدين؛فإنكانالجلساءصالحينفإنالمجالسستكونمجالسخيروبركةوطاعة،وإنكانالجلساءفاسدينفإنالمجالسستكونمجالسحسرةوندامةومعصية؛فعنأبيموسىالأشعريt أنالنبيr قال:(إنمامثلالجليسالصالحوجليسالسوءكحاملالمسكونافخالكير،فحاملالمسك: إماأنيحذيك ـ أي يعطيك ـوإماأنتبتاعمنهوإماأنتجدمنهريحاطيبة،ونافخالكير: إماأنيحرقثيابكوإماأنتجدمنهريحامنتنة) رواه البخاري ومسلم.
تابع [1]
والمقصود بآداب المجلس: الآداب التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان في مجالسه ومع جليسه، وقد ذكر الله تعالى في كتابه شيئا من آداب المجالس فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) وهذا دليل على أن الشريعة الإسلامية شريعة شاملة لكل ما يحتاج الناس إليه في دينهم ودنياهم.
ولتلكالمجالسالتييجلسهاالناسآدابوأخلاق، جاءت مفصلة في الأحاديث النبوية المبثوثة في كتب السنة، وسنعرض في الفقرة التالية تلك الآداب إجمالا، ثم نتاول بالشرح بعض النصوص النبوية الواردة في آداب المجلس والتي ينبغي لكل مسلم أن يراعيها في مجالسه؛ لتكون مجالسخيروبركةوطاعة.
تابع [1]
[2/1] : التعريف بآداب المجلس
1- السلامعندالدخولإلىالمجلس،وعندالخروجمنه؛فعنأبيهريرةt عنالنبيr أنه قال: (إذاانتهىأحدكمإلىالمجلسفليسلمفإذاأرادأنيقومفليسلمفليستالأولىبأحقمنالآخرة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.
2- أنلايقيمالرجلأخاهمنمجلسهثميجلسفيه،بليتفسحواويتسعوا؛ لحديث ابن عمر t أن النبيr قال: (لايقيمنَّأحدكمرجلاًمنمجلسهثميجلسفيه) رواه البخاري ومسلم.
3- إذادخلالإنسانعلىجماعةفإنعليهأنيجلسحيثينتهيبهالمجلس؛فعنجابربنسمرةt قال: "كنَّاإذاأتيناالنبي r جلسأحدناحيثينتهي رواه أبو داود والترمذي ، وهذا الخلق فيه دليلعلىالتواضع، والبُعدعنالكبروالعجب.

تابع [1]
4- أنلايفرقبيناثنينفيالمجلس؛ لحديث عبد الله بن عمرو t أن النبيr قال: (لايحللرجلأنيفرقبيناثنينإلابإذنهما) رواه أبو داود والترمذي .
5- أنلايتناجىاثناندونالثالث؛ لحديث عبد الله بن عمر t أن النبيr قال: (إذاكنتمثلاثةفلايتناجىاثناندونالثالث) رواه مسلم.
6- أداءحقالمجلس إذا كان في الطريق،منكفالأذىو غضالبصروالأمربالمعروف ...؛لحديث أبي سعيد الخدري t أن النبيr قال: (إياكموالجلوسفيالطرقات،قالوا: يارسولالله مالنامنمجالسنابدنتحدثفيها؟فقال r: فإذاأبيتمإلاالمجلسفأعطواالطريقحقه،قالوا: وماحقالطريقيارسولالله؟قال:غضالبصر،وكفالأذى،وردالسلام،والأمربالمعروفوالنهيعنالمنكر) رواهالبخاريومسلم.

تابع [1]
7- حفظأسرارالمجالس،وماائتمنهعليهأصحابها،فإنإفشاءذلكمنالخيانة؛لحديث عثمان t أن النبيr قال: (إنماالمجالسبالأمانة) رواه أبو الشيخ الأصبهاني في التوبيخ والتنبيه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
8- الإكثارمنذكراللهتعالى،والصلاةعلىالنبي r؛ لحديث أبي هريرة t أن النبيr قال: (ماجلسقوممجلساًلميذكروااللهفيه،ولميصلواعلىنبيهمفيه؛إلاكانعليهمترة،فإنشاءعذبهموإنشاءغفرلهم)رواهالترمذي، ومعنى ترة: أي حسرة وندامة.
9- ختم المجلس بدعاء (كفارة المجلس)؛لحديث: (منجلسفيمجلسفكثرفيهلغطه،فقالقبلأنيقوممنمجلسهذلك: سبحانكاللهموبحمدكأشهدألاإلهإلاأنتأستغفركوأتوبإليك،إلاغفرلهماكانفيمجلسهذلك) رواهالترمذي.

[2] دراسة لبعض الأحاديث تتعلق بآداب المجلس
[1/2] : الحديث الأول صحيح البخاري(136/14 رقم 6229)
وصحيح مسلم (1657/3 رقم 2121)
عن أبي سعيد الخدري t عن النبي r أنه قال: (( إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ ! )) فقالوا : يَا رَسُول الله ، مَا لنا مِنْ مجالِسِنا بُدٌّ ، نتحدث فِيهَا . فَقَالَ رسولُ الله r : (( فَإذَا أبَيْتُمْ إلاَّ المَجْلِسَ ، فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ )) . قالوا : وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله ؟ قَالَ : (( غَضُّ البَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلامِ ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ ، والنَّهيُ عن المُنْكَرِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
[2] تـابع
# ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري، مشهور بكنيته، له ولأبيه صحبة واستُصغر بغزوة أحد ثم شهد ما بعدها، مات بالمدينة سنة 63هـ.
روى له أصحاب الكتب الستة ( خ، م، د ، ت ، س ، جه ).
تخريج الحديث: الحديث أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان(136/14 رقم 6229) ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات(1657/3 رقم 2121).
تابع [2]
# ترجمة البخاري: هو أبو عبد لله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، من كبار أئمة الحديث، وصاحب أصح كتاب بعد القرآن، توفي سنة (256 هـ)، وقد تقدمت ترجمته في المحاضرة الأولى.
# ترجمة الإمام مسلم: هو مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري من حفّاظ الدنيا وأئمة الأثر، عالم بالفقه، تلميذ البخاري، له عدّة مؤلفات أشهرها (الجامع الصحيح)، وهو ثاني أصح كتاب بعد صحيح البخاري، وقدمه علماء المغرب على صحيح البخاري لجودة ترتيبه وحسن سياقه، مات سنة 261هـ.
تابع [2]
بعض فوائد الحديث:
1- التحذير من الجلوس على الطرقات؛ لأنه قد يؤدي إلى بعض المنكرات.
2- الالتزام بحق الطريق إذا كان ولا بدّ من الجلوس فيه، ومن هذه الحقوق:
غض البصر عن المحرمات، وهو مطلوب عموما، لكنه يتأكد هنا في حقّ المارّة، وفي غض البصر إشارة إلى السلامة من التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن.
كف الأذى سواء كان بالقول كالغيبة والنميمة، أو بالفعل كالتضييق على الناس في الطرقات، وفي كف الأذى إشارة إلى السلامة من الاحتقار والغيبة ونحوها.
تابع[2]
رد السلام على المار؛ لأن السنة أن المار يسلم على الجالس، فإذا سلم وجب الردّ عليه، والردّ هنا فرض كفاية، وفي رد السلام إشارة إلى إكرام المار
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه إشارة إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع ما لا يشرع.
3- فيه إشارة إلى قاعدة عظيمة، وهي قاعدة (سدّ الذرائع)، أي الوسائل التي قد تأدي إلى الحرام.
4- يؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه r أولا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك أن الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة.
[2] تابع لدراسة بعض الأحاديث تتعلق بآداب المجلس
[2/2] : الحديث الثاني سنن الترمذي (461/5 رقم 3380)
عن أبي هريرة t عن النبي r أنه قال : (( مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا الله تَعَالَى فِيهِ ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ فِيهِ ، إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ ؛ فَإنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ )) رواه الترمذي، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
وفي رواية أخرى عنه t عن النبي r أنه قال : (( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذْكُرُونَ الله تَعَالَى فِيهِ ، إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثْل جِيفَةِ حِمَارٍ ، وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةٌ )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيح .
[2] تـابع
# ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي اليماني، تقدمت ترجمته في المحاضرة الثالثة، الشريحة رقم (10).
تخريج الحديث: الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعاء، باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله (461/5 رقم 3380)، والرواية الثانية أخرجها أبو داود في كتاب الأدب، باب كَرَاهِيَةِ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلاَ يَذْكُرُ اللَّهَ (414/4 رقم 4857).
تابع [2]
معاني أهم مفردات الحديث :
تِرَةٌ : بكسر التاء وتخفيف الراء أي تبعة ومعاتبة أو نقصانا وحسرة، من وتره حقه ـ أي نقصه ـ وهو سبب الحسرة، ومنه قوله تعالى: (لن يتركم أعمالكم).
المعنى العام للحديث :
دل هذا الحديث وغيره على استحباب إعمار المجالس بذكر الله تعالى ، وقضاء الأوقات في النافع المفيد ، كما دل على التحذير من الوقوع فيما يؤدي إلى الندم يوم القيامة ، لا نعني الندم بسبب الوقوع في المعاصي بل الندم بسبب عدم الاستكثار من الخير الذي يرفع الدرجات ، ويبلغ بالمؤمن أعلى المقامات.
تابع [2]
تابع للمعنى العام للحديث :
وقداستدل العلماء بهذا الحديث وغيره على كراهة أن تخلو المجالس من ذكر الله ، وليس على تحريم ذلك، فالحسرة لا يلزم أن تكون بسبب ترك الواجبات ، بل يمكن أن تقع بسبب ترك المستحبات التي ترفع إلى أعلى الدرجات، وإن كان ظاهر الحديث يدل على وجوب الذكر في كل مجلس، لأن العذاب والمغفرة لا يكون إلا عن ذنب ، إما بترك واجب، وإما بفعل محرم.
ولذا فقد ذهب بعض العلماء إلى أنه تجب الصلاة على النبي r في المجلس مرة واحدة ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس بل يستحب.
المحاضرة الخامسة
عناصر المحاضرة
1 - الكلام عن التوبة؛
1/1 تعريفُ التوبة.
2/1 الفرق بين التوبة والاستغفار.
3/1 حكم التوبة.
4/1 أنواع التوبة.
5/1 شروط التوبة.
[1/1] – تعريف التوبة
التوبة في اللغة: الرجوع يقال تاب وأناب إذا رجع. وإذا أسند إلى العبد أريد رجوعه عن الزلة والمعصية إلى الندم ، وإذا أسند إلى الله تعالى أريد رجوع نعمه وألطافه إلى عباده قال الله تعالى: (ثم تاب عليهم ليتوبوا)، أي: رجع عليهم بالتفضل والإنعام ليرجعوا إلى الطاعة والانقياد.
وفي الشرع: عرفها الراغب الأصفهاني بقوله: ” التوبة ترك الذنب لقبحه، والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة “.
وأضاف ابن حجر – في فتح الباري- إلى تعريف الراغب: "وردّ الظلامات إلى ذويها، أو تحصيل البراءة منهم"
تابع [1/1]
وقال القاضي الأحمد نكري في جامع العلوم في اصطلاحات الفنون: ”هي الندامة على المعصية لكونها معصية “.
فكل توبة ندم ولا عكس، فالتوبة الرجوع عن المعصية إلى الله تعالى، والإنابة الرجوع عن كل شيء إلى الله.
وبهذا المعنى تكون الإنابة أعم من التوبة لأن الإنابة بها معنىً زائداً على التوبة. وهو رأي الراغب الأصفهاني وابن القيم والماوردي وابن منظور والجوهري.
من الكلمات المرادفة للتوبة:
1- الاستغفار. 2- الإنابة.

[2/1] – الفرق بين التوبة والاستغفار
التوبة: تتضمن أمراً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ، فالندم على الماضي، والإقلاع عن الذنب في الحاضر، والعزم على عدم العودة في المستقبل.
والاستغفار: طلب المغفرة ، وأصله: ستر العبد فلا ينفضح ، ووقايته من شر الذنب فلا يُعاقب عليه ، فمغفرة الله لعبده تتضمن أمرين : ستره فلا يفضحه ، ووقايته أثر معصيته فلا يؤاخذ عليها.
وبهذا يعلم أن بين الاستغفار والتوبة فرقاً، فقد يستغفر العبد ولم يتب كما هو حال كثير من الناس، لكن التوبة تتضمن الاستغفار.فالتوبة أعم من الاستغفار.
وهناك أقوال للعلماء في الفرق بين الاستغفار والتوبة، ومنها: ” إذا أفرد الاستغفار أو أفردت التوبة يكون معناهما واحدا“ كم أشار إلى ذلك ابن القيم في مدارج السالكين (1/307- 308).
[3/1] – حكم التوبة
التوبة واجبة على الفور ـ أي لا يجوز تأخيرها ـ عند عامة العلماء، أما الوجوب فلقوله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31]، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا} [التحريم:8]، وأما الفورية فلِمَا في تأخيرها من الإصرار المحرم.
أما الأحاديث الدالة على الأمر بالتوبة فكثيرة، وسيأتي ذكر بعضها في ثنايا هذه المحاضرة.
قال القرطبي: ” واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين “ [الجامع لأحكام القرآن (5/90) ].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "ولا بد لكل عبد من توبة، وهي واجبة على الأولين والآخرين". [ مجموع الفتاوى (10/310) ] .
[4/1] – أنواع التوبة
قال ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الرسائل والمسائل (227/2):
التوبة نوعان: واجبة ومستحبة.
فالواجبة: هي التوبة من ترك مأمور أو فعل محظور وهذه واجبة على جميع المكلفين كما أمرهم الله بذلك في كتابه وعلى ألسنة رسله.
والمستحبة: هي التوبة من ترك المستحبات وفعل المكروهات.
فمن اقتصر على التوبة الأولى كان من الأبرار المقتصدين، ومن تاب التوبتين كان من السابقين المقربين، ومن لم يأت بالأولى كان من الظالمين إما الكافرين وإما الفاسقين.
[5/1] – شروط التوبة
الشرط الأول: الإسلام
الشرط الثاني: الإخلاص
الشرط الثالث: الإقلاع عن الذنب
الشرط الرابع: الندم
الشرط الخامس: العزم على التوبة
الشرط السادس: رد المظالم إلى أهلها
الشرط السابع: أن تقع التوبة قبل الغرغرة
الشرط الثامن: أن تقع التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها
تابع [5/1]
الشرط الأول: الإسلام:
التوبة لا تصح إلا من مسلم، أما الكافر فإن توبته تعني دخوله الإسلام، قال القرطبي: "اعلم أن التوبة إما من الكُفْر وإما من الذنب، فتوبة الكافر مقبولة قطعاً، وتوبة العاصي مقبولة بالوعد الصادق".
قال الله عز وجل: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء:18]. والمراد من الآية نفي وقوع التوبة الصحيحة من المشركين، وأنه ليس من شأنها أن تكون لهم.
وقال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:116].
تابع [5/1]
الشرط الثاني: الإخلاص:
إن التائب من المعاصي لا تصح توبته إلا بالإخلاص، فمن ترك ذنباً من الذنوب لغير الله تعالى، كالخوف من الفضيحة أو تعيير الناس له أو عَجَزَ عن اقترافه أو خاف من فوات مصحلة أو منفعة قد تضيع بالاستمرار على تلك المعصية، فإن توبته وتوبة من تقدم تكون مردودة باتفاق أهل العلم.
الشرط الثالث: الإقلاع عن الذنب:
الإقلاع عن الذنب شرط أساسي للتوبة المقبولة، فالذي يرجع إلى الله وهو مقيم على الذنب لا يعد تائباً، فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال وإن كانت بترك واجب فعله في الحال، وإن كانت مما يتعلق بحقوق الخلق تخلص منها وأداها إلى أهلها، أو استحلهم منها.
تابع [5/1]
الشرط الرابع: الندم:
الندم ركن من أركان التوبة لا تتم إلا به، وهو في اللغة: التحسر من تغير رأي في أمر فائت، وقد أشار النبي r إلى قيمة الندم فقال: ((الندم توبة)) [رواه ابن ماجة وأحمد في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود، وصححه الألباني].
ومعنى أنه توبة: أي عمدة أركان التوبة كقوله r: ((الحج عرفة)).
الشرط الخامس: العزم على التوبة:
أي العزم على عدم العودة للذنب، والعزم مترتب على الندم، وهو يعني الإصرار على عدم العود إلى الذنوب ثانية، والعزم في اللغة: عقد القلب على إمضاء الأمر.
تابع [5/1]
الشرط السادس: رد المظالم إلى أهلها:
وهذه المظالم إما أن تتعلق بأمور مادية، أو بأمور غير مادية، فإن كانت المظالم مادية كاغتصاب المال فيجب على التائب أن يردها إلى أصحابها إن كانت موجودة، أو أن يتحللها منهم، وإن كانت المظالم غير مادية فيجب على التائب أن يطلب من المظلوم العفو عن ظلامته وأن يعمل على إرضائه، وفي هذا يقول r: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه)). [أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة].
تابع [5/1]
الشرط السابع: أن تقع التوبة قبل الغرغرة - وهو شرط متعلق بزمن التوبة-
أي: ما لم يتيقن الموت، فإن التوبة بعد التيقن بالموت لا يعتد بها، ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيّئَـٰتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنّى تُبْتُ الآنَ} [النساء:18]، وحديث عبد الله بن عُمَر رضي الله عنهما عن النبي r:((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر))،وسيأتي الكلام عليه وشرحه مفصلا.
الشرط الثامن: أن تقع التوبة قبل طلوع الشمس من مغربها - وهو شرط متعلق بزمن التوبة-
ودليل ذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ} [الأنعام:158]، وقوله r:((من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)) [أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة]، وغيره من الأحاديث.
المحاضرة السادسة
عناصر المحاضرة
تتمة الكلام عن التوبة
6/1 فضائل التوبة.
2 - دراسة لأحاديث تتعلق بالتوبة؛
1/2 حديث , إن الله عز وجلّ يقبل توبة العبد مالم يغرغر-
2/2حديث, لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة -
3/2حديث, كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا -
[6/1] – فضائل التوبة
فضائل التوبة كثيرة ومتنوعة، نذكر منها:
أولاً: قبول التوبة والمغفرة من صفات الرحمن جل جلاله
قال الله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:160].
ثانياً: أمرُ الله عز وجل عبادَه بالتوبة والاستغفار
قال الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً} [التحريم:8]، وقال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء:106]
ثالثاً: التوبة والاستغفار من صفات الأنبياء والصالحين
قال الله تعالى: {التَّـٰئِبُونَ الْعَـٰبِدُونَ الْحَـٰمِدُونَ السَّـٰئِحُونَ الركِعُونَ السَّـٰجِدونَ} [التوبة:112].
تابع [6/1]
رابعاً: دعوة الأنبياء والصالحين أقوامهم للتوبة والاستغفار
قال الله تعالى: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحاً قَالَ يا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـه غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود:61].
خامساً: بيان جزاء التوبة في الدنيا والآخرة، وفيه:
1- محبة الله عز وجل للتائبين: قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوبِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهّرِينَ}.
2- حصول المغفرة من الله عز وجل: قال تعالى: {وَإِنّى لَغَفَّارٌ لّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحَاً ثُمَّ اهْتَدَىٰ} [طه:82].
تابع [6/1]
3- الفلاح في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:31].
4- تبديل السيئات إلى حسنات: قال الله تعالى: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـٰلِحاً فَأُوْلَـئِكَ يُبَدّلُ اللَّهُ سَيّئَاتِهِمْ حَسَنَـٰتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان:70].
5- تكفير السيئات ودخول الجنات: قال الله تعالى: {ياٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَـٰرُ... } [التحريم: 8].
تابع [6/1]
6- منع العذاب في الدنيا: قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
7- الإمداد بالأموال والبنين وإنزال الغيث: قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً...} [نوح:10- 12].
[2] دراسة لأحاديث تتعلق بالتوبة
[1/2] الحديث الأول سنن الترمذي (547/5 رقم 3537)
سنن ابن ماجه (1420/2 رقم 4253)
عن عبد الله بن عُمَر t عن النبي r قال: «إن الله يقبل توبة العبد مالم يُغَرْغِر» رواه الترمذي وقال: ” هذا حديث حسن غريب ”.
تخريج الحديث: الحديث أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب فِى فضل التوبة والاستغفار(547/5 رقم 3537)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة (1420/2 رقم 4253). وحسّنه الألباني.
تنبيه: وقع في نسخ ابن ماجة المعتمدة (عبد الله بن عمرو) بدل (عبد الله بن عمر) وهو وهم كما نصّ عليه ابن عساكر.
تابع [1/2]
# ترجمة الصحابي راوي الحديث : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، تقدمت ترجمته في المحاضرة (1)، الشريحة رقم (17).
ترجمة الترمذي: تقدمت ترجمته في المحاضرة (2)، الشريحة رقم (8).
ترجمة ابن ماجه: هو أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، المشهور بابن ماجه، الحافظ الكبير الحجة المفسر، مؤلف " السنن " و " تاريخ قزوين " و " التفسير "، وكتابه (السنن) سادس الكتب الستة، ورابع كتب السنن، مات سنة 275هـ.
تابع [1/2]
معاني أهم مفردات الحديث :
التوبة: سبق تعريفها.
ما لم يُـغَـرْغِـر: أي ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء يتغرغر به المريض، والغرغرة أن يجعل المشروب في الفم ويرد إلى أصل الحلق فلا يبلغ. [النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير].

تابع [1/2]
المعنى العام للحديث:
أن الله يقبل توبة العبد ـ أي رجوعه إليه ـ ما لم يغرغر، أي: ما لم تصل روحه حلقومه، فيكون بمنزلة الشئ الذي يتغرغر به، لأنه ما لم يعاين الموت ولم ييأس من الحياة تصح توبته بشروطها ، فإن وصلت روحه حلقومه وعاين ملك الموت لم يعتد بتوبته، لقوله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن }. [ النساء : 18 ]
تابع [1/2]
بعض فوائد الحديث:
1- مشروعية المبادرة بالتوبة من جميع الذنوب، لكن مع ذلك لو تأخرت تاب الله على العبد.
2- أن باب التوبة مفتوح إلى أن يأتي الإنسان الموت، أو تطلع الشمس من مغربها.
3- أن التوبة المقبولة عند الله هي التوبة النصوح، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ...). [سورة التحريم: 8]
4- أن التوبة النصوح هي الصادقة المجتمعة الأركان (الشروط)، وتقدم آنفا ذكرُ شروطها مفصلا (الشريحة رقم 10 من المحاضرة الخامسة).
تابع [2/2]
الحديث الثاني صحيح مسلم (2103/4 رقم 2744)
عن عبد الله بن مسعود t قال: سمعت رَسُولُ اللَّهِ r يقول:((لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دَوِّيَّةٍ مَهْلَكَةٍ، معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده)).
تابع [2/2]
تخريجه: رواه مسلم في كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (2103/4 رقم 2744) واللفظ له، والبخاري في كتاب الدعوات باب التوبة (287/14-288 رقم 6308) بنحوه.
ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو عبد الله بن مسعود بن غافِل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين، ومن كبار علماء الصحابة مناقبه كثيرة، أمّره عمر على الكوفة، مات سنة اثنتين وثلاثين (32هـ) بالمدينة النبوية.
تابع [2/2]
معاني أهم مفردات الحديث :
أرض دَوِّيَّةٍ: بفتح الدال وتشديد الواو والياء جميعا، والدوية الأرض القفر والفلاة الخالية، نسبة إلى الدو (بتشديد الواو)، وهى البرية التى لا نبات بها.
مَهْلَكَةٍ: بفتح الميم وبفتح اللام وكسرها، هي موضع خوف الهلاك.
الرَّاحلَةُ: التي يُرْحَل و يُسار عليها، والراحلة من الإبل الصالح للأسفار والأحمال.
ذهبت: أي اختفت فجأة.
تابع [2/2]
المعنى العام للحديث:
هذا الحديث يوضح لنا فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة عبده العاصي من خلال مثَل من أمثلة النبوة يحكي قصة رجلٍ نزل منزلاً موحشاً، وليس معه من وسائل الحياة إلا دابته عليها طعامه وشرابه، فهي كل ما يربطه بالحياة ويعطيه الأمل في قطع هذا المكان الموحش، ثم نزل الرجل يقيل لحظاتٍ بعد رحلة شاقة، وعناءُ سفر، فنام نومة ثم استيقظ على الفزع الذي هزه وأخافه، لقد فقد راحلته، فانطلق المسكين مروَّعًا يعدو في كل اتجاه على غير هدى، بحثاً عن راحلته الضائعة، حتى كلّت قدماه، وأنهكه التعب، وبلغ به الحر والعطش مبلغاً، فجرجر أقدامه إلى المكان الذي كان ينام فيه.....
تابع [2/2]
فنام نومة مكسورة الوجدان محترقة الأنفاس وهو في انتظار الموت، ثم تقلب ورفع رأسه فإذا راحلتُه عنده .. فكيف سيكون فرح ذلك الرجل براحلته .. يُبين لنا النبي r أن الله تعالى أشد فرحاً بتوبة العبد من ذلك الرجل براحلته الذي أخطأ من شدة فرحه فقال:(اللهم أنت عبدي وأنا ربك)
فهذا الحديث العظيم يعتبر دعوة إلى التوبة والإنابة والعودة إلى الله، دعوة تفيض بالحب والحنان لكل مذنب خطّاء يعلم أن له رباً يغفر الذنوب ولا يبالي، وأن باب توبته جلّ وعلا مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، قال تعالى : "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم”.
تابع [2/2]
# من فوائد الحديث :
1- أن التوبة والمغفرة من صفات الرحمن جل جلاله.
2- شدّة فرح المولى عزّ وجل بتوبة عباده وعودتهم إليه.
3- فيه بيان لفضل التوبة العظيم عند المولى عزّ وجل.
3- فيه إشارة إلى المبادرة بالتوبة، والحثّ عليها؛ لأنها محبوبة عند الرحمن.
تابع [3/2]
الحديث الثالث صحيح البخاري (121/8-122 رقم 3470)
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t عن النبيّ r قال:((كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا، ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ، فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لَا. فَقَتَلَهُ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا. فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي، وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ، فَغُفِرَ لَهُ)) متفق عليه.
تابع [3/2]
تخريجه: رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء (121/8-122 رقم 3470) واللفظ له، ومسلم في كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثُر قتله (2118/4 رقم 2766) ولفظه أطول من لفظ البخاري.
ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو سعد بن مالك بن سنان، تقدمت ترجمته في المحاضرة (4)، شريحة رقم (10).
تابع [3/2]
معاني أهم مفردات الحديث :
الراهب: هو المتعبد في صومعته من النصارى، يتخلى عن أشغال الدنيا وملاذها، زاهدا فيها معتزلا أهلها، والرهبنة من بدع النصارى جاءت بعد رفع عيسى عليه السلام.
نَاءَ بِصَدْرِه: بنون ومد، أي بَعُد، أو المعنى: مال أو نهض مع تثاقل، فعلى هذا فالمعنى فمال إلى الأرض التي طلبها.
فاختصمت فيه: أي تنازعت فيه، فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاه ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو لها، فوجدوه أقرب إلى الأرض التي أراد، وهي أرض الصالحين والعبّاد.
تابع [3/2]
# من فوائد الحديث :
1- مشروعية التوبة من جميع الكبائر حتى من قتل الأنفس.
2- فيه بيان لصحة توبة القاتل عمدا، قال النووي: ” هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عبّاس t .
3- فيه أن المفتي قد يجيب بالخطأ ولو كان عالما.
4- فيه استحباب مفارقة التائب المواضع التي أصاب بها الذنوب؛ لأن ذلك من أسباب الثبات على التوبة.
5- فيه فضل العالِم على العابد؛ لأن الذي أفتاه أولاً غلبت عليه العبادة، وأما الثاني فغلب عليه العلم فأفتاه بالصواب ودله على طريق النجاة .
المحاضرة السابعـة
عناصر المحاضرة
1- الكلام عن الظلم؛
1/1 تعريفُ الظلم لغة وشرعا.
2/1 تحريم الظلم والتحذير منه، وفيه:
أولا: أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه.
ثانيا: الإنسان مطبوع على الظلم.
ثالثا: تحريم الظلم والتحذير منه.
تابع لعناصر المحاضرة

3/1 أنواع الظلم.
4/1 أعظم الظلم.
5/1 أضرار الظلم وعواقبه.
[1/1] – تعريف الظلم
1- تعريف الظلم لغة:
قال ابن فارس: "الظاء واللام والميم أصلانِ صحيحانِ، أحدهما خلافُ الضِّياء والنور، والآخَر وَضْعُ الشَّيءِ غيرَ موضعه تعدِّياً." ومن أسمائه (الجور).
2- تعريف الظلم شرعا:
عرفه ابن رجب في جامع العلوم والحكم بقوله: " الظلم التصرّف في حقّ الغير بغير حقّ، أو مجاوزة الحق”.
وعرفه أبو البقاء في الكليات بقوله: "الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والتصرف في حقّ الغير، ومجاوزة حدّ الشارع”.
[2/1] – تحريم الظلم والتحذير منه
أولا: أن الله تعالى حرم الظلم على نفسه:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40].
وقال تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعَـٰلَمِينَ} [آل عمران:108].
وعن أبي ذر t عن النبي r فيما يرويه عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ” يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ” [رواه مسلم].
تابع [2/1]
ثانيا: الإنسان مطبوع على الظلم:
قال تعالى: {إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34].
وقال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَـٰوٰتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72].
قال ابن القيم:"الإنسان خُلق في الأصل ظلوماً جهولاً، ولا ينفك عن الجهل والظلم إلا بأن يعلّمه الله ما ينفعه، ويلهِمه رشدَه، فمن أراد به خيراً علّمه ما ينفعه فخرج به عن الجهل، ونفعه بما علمه فخرج به عن الظلم، ومن لم يرد به خيراً أبقاه على أصل الخلقة.
فأصل كلّ خير هو العلم والعدل، وأصلّ كل شرّ هو الجهل والظلم، وقد جعل الله سبحانه للعدل المأمور به حدًّا، فمن تجاوزه كان ظالماً معتدِياً.
تابع [2/1]
ثالثا: تحريم الظلم والتحذير منه :
عن ابن عمر t أن رسول الله r قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلِمُه...)) [أخرجه البخاري ومسلم].
قال ابن حجر في فتح الباري: "قوله: ((لا يظلمه)) هو خبر بمعنى الأمر، فإن ظلم المسلم للمسلم حرام”.
وعن أبي ذرّ t عن النبي r فيما يرويه عن الله تعالى قال: ” يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ” [رواه مسلم].
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: "((فلا تظالموا)) هو بفتح التاء أي: لا تتظالموا، والمراد لا يظلم بعضكم بعضاً، وهذا توكيد لقوله تعالى: ((يا عبادي))، ((وجعلته بينكم محرماً)) وزيادة تغليظ في تحريمه"

[3/1] – أنواع الظلم
الظلم ثلاثة أنواع:
الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وإياه قصد بقوله تعالى: { أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـٰلِمِينَ} [هود:18].
الثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله تعالى: {وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ} إلى قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّـٰلِمِينَ} [الشورى:40]، وبقوله تعالى: { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى:42].
الثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله تعالى: {فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ} [فاطر:32]، وقوله تعالى: {ظَلَمْتُ نَفْسِى} [النمل:44].
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان أولَ ما يهمّ بالظلم فقد ظلم نفسه
[4/1] – أعظم الظلم
قال تعالى: {إِنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].
وعن عبد الله بن مسعود t قال: لما نزلت: {الَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام:82] شقّ ذلك على أصحاب رسول الله r وقالوا: أيّنا لم يظلم نفسَه؟! فقال رسول الله r: ((ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: يا بُنيّ لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)).
قال ابن تيمية: ”وهذا التوحيد الذي هو أصل الدين، وهو أعظم العدل، وضده وهو الشرك أعظم الظلم... ”.
[5/1] – أضرار الظلم وعواقبه
1- الظلم ظلمات يوم القيامة
2- الظلم سبب هلاك الأمم
3- قبول دعوة المظلوم على الظالم
4- اللعن للظالمين
5- إملاء الله للظالم حتى يأخذه
6- حال الظالمين في الآخرة

تابع [5/1]
7- حرمان الفلاح
8- حرمان الهداية والتوفيق
9- حرمان حبّ الله تعالى
10- حلول المصائب في الدنيا والعذاب في القبر
11- العذاب الأليم
12- خذلان الظالم عند الله تعالى
تابع [5/1]
1- الظلم ظلمات يوم القيامة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الظلم ظلمات يوم القيامة)) [أخرجه البخاري ومسلم]
2- الظلم سبب هلاك الأمم:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَـٰتِ} [يونس:13].
3- قبول دعوة المظلوم على الظالم:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) [أخرجه البخاري ومسلم]
تابع [5/1]
4- اللعن للظالمين:
قال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـٰلِمِينَ} [هود:18].
5- إملاء الله للظالم حتى يأخذه:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ: {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ} [هود:102] [أخرجه البخاري ومسلم]
قال القرطبي: "يملي: يطيل في مدّته، ويصحّ بدنه، ويكثر ماله وولده ليكثر ظلمُه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران:128]
تابع [5/1]
6- حال الظالمين في الآخرة:
قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصَـٰرُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم:42، 43].
7- حرمان الفلاح:
قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّـٰلِمُونَ} [الأنعام:21]. قال ابن سعدي: "فكلّ ظالم وإن تمتّع في الدنيا بما تمتّع به فنهايته فيه الاضمحلال والتلف”.
8- حرمان الهداية والتوفيق:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـٰلِمِينَ} [القصص:50]، فالظلم ـ أعاذنا الله منه ـ يكون سبباً لحرمان الهداية، وهذا يستلزم البعد عن الظلم كي يستجيب الله دعاءنا.
تابع [5/1]
9- حرمان حبّ الله تعالى:
قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّـٰلِمِينَ} [الشورى:40]، قال ابن سعدي: ” أي: الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم“.
10- حلول المصائب في الدنيا والعذاب في القبر:
قال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الطور:47]
قال ابن سعدي: ” لما ذكر الله عذاب الظالمين في القيامة أخبر أن لهم عذاباً دون عذاب يوم القيامة، وذلك شامل لعذاب الدنيا بالقتل والسبي والإخراج من الديار، وشامل لعذاب البرزخ والقبر”.
تابع [5/1]
11- العذاب الأليم:
قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42]، قال ابن سعدي: "أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية {عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ}، وهذا شامل للظلم والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، {أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم”.
12- خذلان الظالم عند الله تعالى:
قال تعالى: {مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]، أي: لا يجد الظالم يوم القيامة صديقاً ينجيه من عذاب الله، ولا يجد شفيعاً يشفع له فيطاع.
وقال تعالى: {وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[البقرة:270]،أي: لا يجدون أنصاراً ينصرونهم ويخرجونهم من عذاب الله.
المحاضرة الثامنـة
عناصر المحاضرة
تتمة الكلام عن الظلم؛ وفيه:
2 - دراسة لأحاديث تتعلق بالظلم؛
1/2 حديث , يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي...-
2/2 حديث , اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة..-
3/2 حديث , إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته -
[2] دراسة لأحاديث تتعلق بالظلم
[1/2] الحديث الأول صحيح مسلم (1994/4 رقم 2577)
عن أبي ذرّ الغفاري t عن النبي r فِيما يَرْوِيهِ عن رَبَّهِِ -عزّ وجلّ- أنّه قال: «يَا عِبَادِي إِنَّي؛ حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا؛ فَلاَ تَظَالَمُوا...» الحديث، رواه مسلم مطولا.
تخريج الحديث: الحديث أخرجه مسلم في كتاب البرّ والصلة، بابتحريم الظلم (1994/4- 1995 رقم 2577).
ترجمة الصحابي راوي الحديث : اسمه جندب بن جنادة على الأصح، صحابي جليل، مشهور بكنيته، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا ومناقبه كثيرة جدا مات سنة اثنتين وثلاثين (32هـ) في خلافة عثمان t. أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
تابع [1/2]
معاني أهم مفردات الحديث :
فيمَا يَرْويَهُ : الرواية نقل الحديث.
عَنْ رَبِِّهِ : أي عن الله عزّ وجل، وهذا يسمى عند عند المحدثين بالحديث القُدْسي (أي: أنه جاء من القدوس جل وعلا) أو الحديث الإلهي، وعرفوه بأنه: « الحديث الذي يضيفه النبيr إلى الله تعالى».
يَا عِبَادِي: نداءٌ من الله تعالى، فيه التودّد للعباد ولفت النظر إلى هذا الأمر العظيم، ويشمل كل من كان عابداً بالعبودية العامة والعبودية الخاصة.
إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي: أي منعته مع قدرتي عليه؛ لأنه لو كان ممتنعاً على الله لم يكن ذلك مدحاً ولاثناءً.
فلا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضا..
تابع [1/2]
المعنى العام للحديث:
اشتمل هذا الحديث على كثير من قواعد الدين وأصوله، فنص على تحريم الظلم بين العباد، وهو من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة بتقريرها، ولما كانت حقيقة الظلم هي وضع الشيء في غير موضعه، نزّه سبحانه نفسه عن الظلم فقال سبحانه:{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ...} (النساء: 40) ، وقال عز وجل: { وما ربك بظلام للعبيد } (فصلت: 46)، فهو سبحانه أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وكما حرم الظلم على نفسه جل وعلا، فكذلك حرمه على عباده ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم.
تابع [1/2]
والظلم نوعان:
الأول: ظلم العبد لنفسه، وأعظمه الشرك بالله عز وجل، قال سبحانه: { إن الشرك لظلم عظيم } (لقمان: 13)؛ لأن الشرك في حقيقته هو جعل المخلوق في منزلة الخالق ، فهو وضع الأشياء في غير مواضعها ، ثم يليه ارتكاب المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائر وصغائر ، فكل ذلك من ظلم العبد لنفسه بإيرادها موارد العذاب والهلكة في الدنيا والآخرة.
وأما الثاني: فهو ظلم الإنسان لغيره بأخذ حقه أو الاعتداء عليه في بدنه أو ماله أو عرضه أو نحو ذلك، وقد وردت نصوص كثيرة ترهب من الوقوع في هذا النوع من الظلم، سيأتي بعضها عند الكلام على موضوع (تعظيم حرمات المسلمين) في المحاضرة التاسعة بإذن الله.
تابع [1/2]
بعض فوائد الحديث:
1- رواية النبي r عن الله تعالى، وهذا أعلى مراتب السند، ويُسمّى حديثا قدْسيا.
2- أن الله تعالى قادر على الظلم لكنه حرّمه على نفسه لكمال عدله، وجه ذلك: أنه لو كان غير قادر عليه لم يثن على نفسه بتحريم الظلم ..
3- أن الله تعالى حرّم الظلم بيننا، وهذا يشمل ظلم الإنسان نفسه وظلم غيره، لكن هو في المعنى الثاني أظهر لقوله: "فَلا تَظَالَمُوا”، ومدار الظلم على النقص، ويدور على أمرين: إما منع واجب للغير، وإما تحميله ما لايجب عليه.
4- أن لله عزّ وجل أن يحرم على نفسه ما شاء لأن الحكم إليه، كما أنه يوجب على نفسه ما شاء. اقرأ قول الله تعالى: ( قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام: الآية12].
تابع [2/2]
الحديث الثاني صحيح البخاري (266/6 رقم 2447)
صحـيح مسلم (1996/4 رقم 2578)
عن عبد الله بن عمر t عَنْ النَّبِيِّ r قال: «الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». متفـق عليه.
وفي رواية لمسلم من حديث جابر : « اتقوا الظُّلْمَ فإن الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...»، وفي رواية لأحمد في مسنده من حديث ابن عمر: « إياكم والظلم».
تخريج الحديث: أخرجه البخاري في كتاب المظالم، باب الظلم ظلمات يوم القيامة (266/6 رقم 2447)، ومسلم في كتاب البرّ والصلة، باب تحريم الظلم (1996/4 رقم 2578) واللفظ لمسلم.
تابع [2/2]
ترجمة الصحابي راوي الحديث : هو عبد الله بن عمر بن الخطاب، تقدمت ترجمته في المحاضرة (1)، الشريحة رقم (17).
معاني أهم مفردات الحديث:
اتقوا الظلم: أي احذروه، واتخذوا وقاية منه وابتعدوا عنه.
الظلم: تقدم تعريفه، والمراد به هنا العدوان على الغير، وتقدم أيضا أن أعظم الظلم وأشده الشرك بالله تعالى.
ظلمات يوم القيامة: قال القاضي عياض: « قيل هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات». [شرح النووي على صحيح مسلم]
تابع [2/2]
المعنى العام للحديث:
اشتمل هذا الحديث على التحذير من الظلم وبيان آثاره الوخيمة على الإنسان يوم القيامة، و كما سبق أن بينا الظلم يكون في حق الله ويكون في حق العباد، فقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا الظلم أي لا تظلموا أحدا لا أنفسكم ولا غيركم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، ويوم القيامة ليس هناك نور إلا من أنار الله تعالى له، وأما من لم يجعل الله له نورا فما له من نور، والإنسان إن كان مسلما فله نور بقدر إسلامه، ولكن إن كان ظالما نقص من نوره بمقدار ما حصل من الظلم، ويشمل الظلم – بالإضافة للشرك وهو أعظمه - ظلم العباد، وهو نوعان:

تابع [2/2]
1- ظلم بترك الواجب لهم (كالامتناع من تسديد ما عليه من ديون مثلا).
2- وظلم العدوان عليهم، إما بأخذ ما ليس له (كأن يقتطع شيئاً من الأرض ليس له) لحديث:« من اقتطع شبرا من الأرض ظلما، طوقه يوم القيامة من سبع أرضين »، أو انتهاك حرماتهم (كحرمة المال أوالعرض أوالدم)، فمن الظلم الاعتداء على الناس في أعراضهم بالغيبة أو النميمة أو ما أشبه ذلك، أو في أموالهم بأخذها بغير حقّ، أو دمائهم بقتل النفس التي حرم الله بغير حقّ.
تابع [3/2]
الحديث الثالث صحيح البخاري (224/10 رقم 4686)
صحـيح مسلم (1997/4 رقم 2583)
عن أبي موسى الأشعري tقال: قال رسول الله r : «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } ». متفـق عليه.
تابع [3/2]
تخريج الحديث: أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } (224/10 رقم 4686)، ومسلم في كتاب البرّ والصلة، باب تحريم الظلم (1997/4 رقم 2583) واللفظ لمسلم.
ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو عبد الله بن قيس بن سليم بن حَضَارـ بفتح المهملة وتشديد الضاد المعجمةـ القحطاني (من اليمن)،صحابي جليل مشهور بكنيته، أمّره الخليفة عمر على الكوفة والبصرة، أسلم في مكة قبل الهجرة وهاجر الهجرتين، وهو أحد الحكمين بمعركة صفين مات سنة خمسين (50هـ) بمكة، وقيل بالكوفة، روى له أصحاب الكتب الستة.
تابع [3/2]
معاني أهم مفردات الحديث:
الظالم: على إطلاقه سواء كان فردا أم حاكما أم جماعة، ويدخل فيه الظلم بأنواعه، وأعظمه الشرك.
يملي: أي يمهل ويؤخر ويطيل له في المدّة، وهو مشتق من الملوة ـ بضم الميم وكسرها وفتحها ـ وهي المدة والزمان.
لم يُـفلته: بضم أوله، أي لم يُطلقه ولم ينفلت منه، قال أهل اللغة: يقال أفلته أطلقه وانفلت تخلص منه، والمعنى: إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك.
وقال الملا على القاري في (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح): ” ويجوز أن يكون المعنى لم يفلته منه أحد أي لم يخلصه ”.
ثم قرأ: أي النبي r اعتضادا أو أبو موسى الأشعري t استشهادا.
تابع [3/2]
المعنى العام للحديث:
هذا الحديث فيه بيان لعاقبة الظلمة في الدنيا، ووعيد شديد للظالمين، وفيه أن الله يمهل الظالم ويؤخره ويطيل في عمره زيادة في استدراجه، فيكثر ظلمه ويزداد عقابه والعياذ بالله تعالى، مصداقا لقول المولى عزّ وجلّ: (إنما نملي لهم ليزدادوا إثما)، حتى إذا أخذه وأنزل به نقمته لم يفلت منه، أو لم يفلته منه أحد، بل يهلكه لكثرة ظلمه.
بعض فوائد الحديث:
1- فيه تسلية للمظلوم في الحال؛ بأن الله تعالى ينتقم من الظلمة.
2- فيه وعيد شديد للظالم لئلا يغتر بالإمهال كما قال تعالى: ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار).
المحاضرة التاسعة
عناصر المحاضرة
1- الكلام عن تعظيم حرمات المسلمين، وبيان حقوقهم؛
1/1 تعريفُ الحرمات، والمراد بحرمات المسلمين.
2/1 تعظيم حرمة المسلم والتحذير من أذيّته، وفيه:
أولا: الآيات الواردة في ذلك.
ثانيا: الأحاديث الواردة في ذلك.
تابع لعناصر المحاضرة
3/1 فوائد (تعظيم الحرمات)
4/1 بيان حقوق المسلم.
2- دراسة لأحاديث تتعلق بتعظيم حرمات المسلمين، وبيان حقوقهم، وفيه:
1/2 حديث , فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ...-
2/2 حديث , حَقُّ المُسِْلمِ عَلَى المُسِْلمِ سِتٌّ: إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ...-


[1/1] – تعريف الحرمات
1- تعريف الحرمات لغة:
قال المُناوي في (التوقيف على مهمات التعاريف): ” الحرمة بالضم المنع من الشيء لعلوه ". وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر : " الحُرُمات : جمع حُرْمة ، وهي (ما لا يَحِلُّ انْتِهاكُه) كحُرْمة الحَرم، وحُرْمة الشهر الحرام ".
والحُرْمة : ضد الجواز، والحرام ضدّ الحلال.
والمَحارِمُ: ما لا يحل استحلاله، وانْتِهاكُ الحُرْمة تناوُلُها بما لا يحل.
ويقال: أحرم الرّجل بالحجّ؛ لأنّه يحرّم عليه ما كان حلالا له من الصّيد والنّساء وغير ذلك.
تابع [1/1]
2- تعريف الحرمات اصطلاحا:
يراد بالحرمة اصطلاحا: الحكم بطلب ترك فعل ينتهض فعله سببا للعقاب، وهي بذلك ترادف التّحريم، أمّا الفعل الّذي وقع عليه في ذلك فيسمّى حراما ومحظورا.
3- المراد بحرمات الله: ورد فيها أقوال منها:
1- قول مجاهد: هي مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها.
2- وعن زيد بن أسلم: هي خمس الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام (مكّة المكرمة)، والشّهر الحرام، والمُحْرِم حتّى يحلّ.
3- وقال ابن عاشور: حرمات اللّه تشمل كلّ ما أوصى اللّه بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحجّ كلّها.
تابع [1/1]
4- المراد بتعظيم الحرمات: ورد في تعظيم الحرمات أقوال عديدة أهمّها:
1- قال الطّبريّ ما خلاصته: تعظيم الحرمات يعني اجتناب المرء ما أمر اللّه باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود اللّه أن يواقعها وحرمه أن يستحلّها.
2- وقيل: تعظيم الحرمات العلم بوجوبها والقيام بحقوقها.
3- وقال القرطبيّ: الحرمات المقصودة هنا - (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه) - هي أفعال الحجّ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع.
5- المراد بحرمات المسلمين:
المراد بحرمات المسلم: حرمة ماله، وحرمة دمه، وحرمة عرضه.
[2/1] – تعظيم حرمة المسلم والتحذير من أذيّته
أولا: الآيات الواردة في ذلك:
1- قَالَ الله تَعَالَى: (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه) [الحج:30].
قال الزجاج: هي ما وجب القيامُ به وحَرُمَ التفريطُ فيه، وقال مجاهد: الحُرُماتُ مكة والحج والعُمْرَةُ وما نَهَى الله من معاصيه كلها، وقال عطاء: حُرُماتُ الله معاصي الله.
2- وقالَ تَعَالَى: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة:32].
تابع [2/1]
ثانيا: الأحاديث الواردة في ذلك:
1- عن أَبي هريرة t قَالَ: قَالَ رَسُول الله r: « المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمُ، لاَ يَخُونُهُ وَلاَ يَكْذِبُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِم حَرَامٌ عِرْضُهُ وَمَالهُ وَدَمُهُ، التَّقْوى هاهُنَا، بحَسْب امْرىءٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِم » رواه الترمذي وَقالَ:(حديث حسن)
2- وعن ابن عباس t قال: إن رسول الله r خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ». رواه البخاري

تابع [2/1]
قال ابن حجر في (فتح الباري): " مناط التشبيه في قوله (كحرمة يومكم...) ظهوره عند السامعين؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتاً في نفوسهم مقرراً عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها، فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم.
3- عن بريدة بن الحصيب t قال: قال رسول اللّه r: « قتل المؤمن أعظم عند اللّه من زوال الدّنيا ». رواه النسائي وفي إسناده ضعف.
4- وفي رواية عن عبد الله بن عمرو t « لَزَوَالُ الدُّنيا أَهْونُ على الله مِن قتلِ رجل مسلم» رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: وقد روي موقوفا عليه، وهو أصح.

[3/1] – فوائد تعظيم الحرمات
من فوائد (تعظيم الحرمات):
(1) دليل قوّة الإيمان وتمام الإذعان وكمال العبوديّة.
(2) يتّسع مدلوله حتّى يشمل ما للّه- عزّ وجلّ- وأنبيائه وسائر الخلق حتّى الكافر المعاهد.
(3) أسباب التّعظيم منها ما يرجع للإنسان أو الزّمان أو المكان.
(4) ما يجتمع فيه أكثر من سبب من أسباب التّعظيم حرمته أعظم ممّا يجتمع فيه أقلّ.
(5) سبب لنيل أعلى الدّرجات.
(6) يباعد بين الإنسان وبين ارتكاب المعاصي بدافع الحبّ.
[4/1] – بيان حقوق المسلم
حقوق المسلم كثيرة، ومن أهمها:
1- ردّ السّلام
2- تشميت العاطس
3- إجابة الدّعوة
4- عيادة المريض
5- اتّباع الجنائز
6- النصيحة
[2] دراسة لأحاديث تتعلق بتعظيم حرمة المسلم وبيان حقوقه
[1/2] الحديث الأول صحيح البخاري (696/4 رقم 1739)
عن ابن عباس t قال: إن رسول الله r خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ». رواه البخاري
تابع [1/2]
تخريج الحديث: رواه البخاري في كتاب الحجّ، بَاب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى (696/4 رقم 1739).
وهذا الحديث بهذا اللفظ انفرد بروايته البخاري من حديث ابن عباس عن بقية أصحاب الكتب الستة.
ترجمة الصحابي راوي الحديث : هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن، فكان يُسمّى: البَحَر والحَبْر لكثرة علمه، وهو أحد المكثرين لرواية الحديث من الصحابة، وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة، مات بالطائف سنة ثمان وستين (68هـ).
تابع [1/2]
معاني أهم مفردات الحديث :
إن دماءكم: فيه حذف تقديره: سفك دمائكم.
يوم النَّـحْـر: هو اليوم العاشر من ذي الحجة، والنحر الذبح، سُمي بذلك لأن الناس ينحرون هديهم وأضاحيهم في هذا اليوم، ويستمر إلى مغرب ثالث أيام التشريق.
كحرمة: الحرمة ما لا يحل انتهاكه.
يومكم هذا: هو يوم النحر.
يوم حرام: أي يحرم فيه القتال وكذلك الشهر وكذلك البلد.
في شهركم هذا: شهر ذي الحجة.
في بلدكم هذا: مكة المكرمة وحرمها.
تابع [1/2]
المعنى العام للحديث:
اشتمل الحديث على خطبة عظيمة من خطب النبي r أيام حجة الوداع، فيها جوامع الكلم وأصول الأحكام وقواعد الدين، وشدّد فيها على تعظيم البلد الحرام ويوم النحر وشهر ذي الحجة، وهي من حرمات الله التي أمر عزّ وجل بتعظيمها، كما شدّد عل تعظيم حرمات المسلمين، وذلك بالنهي عن سفك دمائهم، وأخذ أموالهم، وسلب أعراضهم، فالدماء والأموال والأعراض من الضروريات الخمس التي جاء الدين الإسلامي بحمايتها وصيانتها، وشرع القصاص والديات والحدود للمحافظة عليها، وهي: 1- الدين 2- النفس 3- العِرض 4- العقل 5- المال.
فهذا الحديث اشتمل على ذكر أربع ضرورات من ضروريات الدين.
تابع [1/2]
بعض فوائد الحديث:
1- مشروعية الخطبة يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة.
2- تعظيم يوم النحر وأيام التشريق، ونصّ ابن تيمية على أن عيد النحر أفضل من عيد الفطر؛ لأنه يجتمع فيه عيد المكان وعيد الزمان.
3- تعظيم حرمة شهر ذي الحجة، ومكة المكرمة.
4- تعظيم حقوق المعصومين في الدماء والأموال والأعراض، وأن أمرها كبير.
تابع [1/2]
5- تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه.
6- مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتاً في نفوسهم مقرراً عندهم، بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها.
7- فيه دليل على الضروريات الخمس التي جاء الدين الإسلامي بحمايتها وصيانتها.
8- وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض الناس.
تابع [2/2]
[1/2] الحديث الثاني صحيح مسلم (1704/4 رقم 2162)
عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: «حَقُّ المُسِْلمِ عَلَى المُسِْلمِ سِتٌّ: إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ، وَإذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ» رواه مسلم، ورواه البخاري بلفظ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ ...»، ولم يذكر قوله r : « وَإذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْهُ ».
تخريج الحديث: الحديث أخرجه مسلم في كتاب السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام (1704/4 رقم 2162).
ترجمة الصحابي راوي الحديث : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، تقدمت ترجمته عند المحاضرة (3) الشريحة رقم (10).
تابع [1/2]
معاني أهم مفردات الحديث :
الحقّ: مصدر قولهم حقّ الشّيء: وجب وهو مأخوذ من مادّة (ح ق ق) الّتي تدلّ على إحكام شيء وصحّته، فالحقّ نقيض الباطل، والمراد بالحق ما لا ينبغي تركه ويكون فعله إما واجبا أو مندوبا ندبا مؤكدا شبيها بالواجب، وقال ابن حجر: معنى الحق هنا الوجوب، والظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية.
فأجبه: أي لبّي دعوته، والاستجابة بمعنى الإجابة.
َشَمِّتْهُ: يقال شَمَّتَه بالشين المعجمة، وسَمَّته بالسين المهملة، أي: دعا له بالهدى وحسن السمت المستقيم.
فعُدْهُ: عاد المريض يعوده عيادة: إذا زاره في مرضه، وسأل عن حاله.
فَاتَّبِعْهُ: أي اِتْبَع جنازته. / استنصحك: أي طلب منك النصيحة.
تابع [1/2]
المعنى العام للحديث ومااشتمل عليه من أحكام:
لَيْسَ الْمُرَادُ بِالحَدِيثِ حَصْرَ حُقوقِ المُسلِمِ في هذِهِ الخِصَالِ، إِنَّما المرادُ بيانُ أَهَمِّيَّةِ هذهِ الحُقُوقِ، وإنَّ من أهمها القيام بالواجبات الاجتماعية بين أفراد المسلمين، من إفشاء السلام، وإجابة الدعوة، والنصح في المشورة، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، وتشييع الجنازة. وهذا الحديث الَّذي معنا أكَّد هذه الحقوق، ونحن نعرضها واحداً واحداً إن شاء الله تعالى:
1- السلام؛ قال تعالى: }يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا{ [النور: 27]، وقال تعالى: }فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَـارَكَةً طَيِّبَةً{ [النور: 61]، وقال تعالى: }وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا{ [النساء: 86] .
تابع [1/2]
فالتحية المباركة الطيبة جعلها الله رابطة مودة، وحب، وإخاء بين المسلم والمسلم، والسلام اسم من أسماء الله تعالى فقوله السلام عليكم أي أنتم في حفظ الله كما يقال الله معك والله يصحبك، وقيل السلام بمعنى السلامة أي سلامة الله ملازمة لك.
قال في الإقناع: «وابتداء السلام سنة كفاية، ولو سلَّم على إنسان، ثمَّ لقيه عن قُربٍ، سُن أنْ يسلِّم عليه ثانيًا، وثالثًا، وأكثر»، ورد السَّلام فرض عين على المنفرد، وفرض كفاية على الجماعة .
ويسن أنْ يسلِّم عند الانصراف، وإذا دخل بيته أو بيتاً خاليًا أو مسجدًا خاليًا، قال: السَّلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين.
ويجزىء: «السَّلام عليكم»، وفي الرد: «وعليكم السَّلام»، وكماله: «السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، والجواب مثله .
تابع [1/2]
2- «إذا دعاك فأجبه»؛ قال تعالى: }وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا{ [الأحزاب: 53] ، وجاء في سنن أبي داود (3741) عن ابن عمر t قال: قال رسول الله r : «فمن دُعي فلم يُجب، فقد عصى الله ورسوله»، ولمسلم: «إذا دعا أحدُكم أخاه، فليُجب»، وفي لفظ: «إذا دُعِيَ أحدَكم إلى وليمة عرس، فليجب».
قال في الإقناع: « والإجابة إلى وليمة العرس واجبة إذا عيَّنه داع مسلم، يحرم هجره، ومكسبه طيب، في اليوم الأوَّل، وهو حق الدَّاعي، تسقط بعفوه، وإنْ كان المدعو مريضاً، أو ممرضًا، أو مشغولاً بحفظ مال، أو كان في شدَّة حر، أو برد، أو مطر يبل الثياب، أو كان أجيرًا ولم يستأذن المستأجر ـ لم تجب الإجابة».
والإجابة في دعوة العرس واجبة ـ كما تقدَّم ـ وفيما عداها من الدعوات المباحة مندوبة.
تابع [1/2]
3- «إذا استنصحك فانصحه»؛ روى مسلم في صحيحه من حديث تميم الدَّراي؛ أنَّ النَّبيَّ r قال: «الدِّين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم»، فالنصيحة: هي عماد الدِّين وقوامه.
والنصيحة فرض كفاية؛ إذا قام بها من يكفي، سقطت عن غيره.
ومعنى الحديث: أنَّه إذا طلب منك النصيحة، فيجب عليك أنْ تنصح له، وأمَّا بدون طلب، فلا يجب، ولكن النَّصيحة من أخلاق الإسلام الفاضلة، فالدَّال على الخير كفاعله.
والنصيحة لعامة المسلمين: هي إرشادهم لصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وإعانتهم عليها، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفقٍ وإخلاص ...
تابع [1/2]
4- «إذا عطس فحَمِدَ الله فشمتْه»؛ صفة ذلك كما جاء في صحيح البخاري (6224) عن أبي هريرة t عن النبي r أنَّه قال: «إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه: يرحمك الله، وليقل: يهديكم الله، ويُصْلحُ بالَكم».
قال النووي : (إنَّه متَّفق على استحبابه)، وقال في الإقناع : (وإذا عطس، خمَّر وجهه، ولا يلتفت، ويحمد الله).
وتشميته فرض كفاية، ويكره أنْ يشمت من لم يحمد الله، لكن يعلِّم الصغير أنْ يحمد الله، وكذا حديث عهد بالإسلام ونحوه.
فإنْ عطس ثانيًا، وثالثًا، شمته، ورابعًا، دعا له بالعافية.
تابع [1/2]
5- «إذا مرض فعُدْه»؛ فقد جاء في جامع الترمذي (969) عن علي t قال: سمعت رسول الله r يقول: «ما من مسلم يعود مسلمًا غدوةً إلاَّ صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتَّى يمسي، وإنْ عاده عشية إلاَّ صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتَّى يصبح، وكان له خريف في الجنة» حديث حسن.
قال ابن تيمية: الَّذي يقتضيه النص وجوب عيادة المريض، وجزم بها البخاري، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّها مندوبة، ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب.
ومفهوم الحديث: أنَّ حقَّ العيادة للمسلم، ولكنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام عاد يهوديًّا، كما في البخاري، وعاد عمه أبا طالب؛ كما في الصحيحين.
جاء في البخاري (5743) ومسلم (2191)، عن عائشة: أن النَّبيَّ r كان يعوِّذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى، ويقول: «اللهم رب النَّاس، أذهب الباس، اشْفِ أنت الشَّافي، لا شافي إلاَّ أنت، شفاءً لا يغادر سَقَمًا» .
تابع [1/2]
6- «إذَا ماتَ فاتَّبِعْهُ»؛ أي اتبع جنازته، فقد جاء في البخاري (1325) ومسلم (945) عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r : «مِنْ شهد الجنازة حتَّى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتَّى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين».
قال في الإقناع: (واتباع الجنازة سنَّة، وهو حق للميت، وحق لأهله).
وَمَعْلُومٌ أن تَشْيِيعَ الجِنازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ متَى قَامَ بِهِ بَعْضُ المسلِمينَ سَقَطَ عَنِ البَاقِينَ ويُسَنُّ للرجال اتّبَاعَ الجنائزِ، ولا يُسَنُّ ذلكَ لِلنِّساءِ ويكره رفع الصوت، والصيحة عند رفعها، ولو بقراءة، أو ذكر، ويسن أنْ يكون متخشعًا متفكِّرًا في حاله، متعظًا بالموت، وبما يصير إليه الميت، ويكره التبسم، والضحك أشد منه، والتحدث بأمر الدنيا.