عرض مشاركة واحدة
قديم 2013- 3- 13   #4
الفارس الانيق
متميز بملتقى التعليم عن بعد - علم اجتماع
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 40332
تاريخ التسجيل: Thu Nov 2009
المشاركات: 361
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 547
مؤشر المستوى: 69
الفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of light
بيانات الطالب:
الكلية: كليه الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: علم اجتماع
المستوى: المستوى الثامن
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
الفارس الانيق غير متواجد حالياً
رد: النظريات الاجتماعية من 3 الى 7

النظريات الاجتماعية
المحاضرة الثالثة
التطور التاريخي
للنظريات الاجتماعية
التطور التاريخي للنظريات الاجتماعية
يحوي التفكير الاجتماعي في الحضارات القديمة في الصين والهند واليونان والرومان بعض المشاهدات والتعميمات عن المجتمع الإنساني، وما يحوي هذا المجتمع من ظواهر اجتماعية كالحرب والسلام والجريمة والعقاب والعلاقات الاجتماعية والثورات والنظم الاجتماعية.
ولكن الآراء التي يحويها التفكير الاجتماعي القديم وإن تناولت الموضوعات نفسها التي تتناولها النظريات الاجتماعية، فإن منهجها في الوصول إلى أحكامها لم يكن يستند إلى الأساس المنهجي الذي تستند إليه النظريات الاجتماعية، وذلك لما يلي:
  • أن هذه الآراء لم تستند الى المشاهدة المنظمة، بل واستندت الى مشاهدات عارضة وأمثلة متفرقة، بحيث يمكن للمفكر القديم أن يذكر تلك المشاهدات.
  • أن هذه الآراء اصطبغت بطابع تقويمي، يعكس وجهة نظر المفكر فيما ينبغي أن تكون عليه النظم الاجتماعية كالنظام الأسري والنظام السياسي والنظام الاقتصادي أكثر من استنادها الى الطابع التقريري الذي يقرر الحقيقة دون ربطها بأهداف أخلاقية.
* من هنا نستطيع القول أن علم الاجتماع لم يكتسب طابعا منظما قبل القرن (14م) حين نشر الفيلسوف العربي ابن خلدون مقدمته الشهيرة في عام 1377م ، حيث ناقش لأول مرة في تاريخ الفكر الإنساني المشكلات الرئيسية التي يناقشها علم الاجتماع اليوم، وذلك في ضوء التفرقة التي وضعها هذا المفكر بين (مجتمع البداوة ومجتمع الحضر). لذا يجب أن يوضع ابن خلدون في مصاف الرواد في علم الاجتماع بجانب أفلاطون وأرسطو وفيكو وكونت.
جذور النظريات الاجتماعية منذ عصر التنوير حتى الأزمنة الحديثة.
ظهر الاهتمام بالمشكلات التي تناولتها النظريات الاجتماعية منذ عصر النهضة، مما أدى الى تزايد عدد الدراسات التي تناولت هذه المشكلات في القرنين(16م) و (17م) ولقد ظهرت هذه المشكلات في آراء ميكافيلي، وفرنسيس بيكون، وتوماس مور، وهوبز ، ولوك . وغيرهم.
ولقد استندت الدراسات التي تناولت الظواهر الاجتماعية في هذه الفترة الى أساسين:
أولاً: الأساس النقدي:
يتمثل في رفض التسليم بالأحكام التي تتناول ظواهر المجتمع استنادا الى المشاهدات العارضة أو الآراء الشائعة أو المقيدة بالأحكام التقويمية ( الذاتية ).
ثانياً: الأساس الإيجابي:
يتمثل في استناد الباحثين في دراستهم للظواهر الاجتماعية الى قدر من الموضوعية والبعد عن الأحكام التقويمية ودراسة هذه الظواهر كما هي كائنة بالفعل وليس كما ينبغي أن تكون، والاستناد كذلك الى المشاهدات والمقارنات للوصول الى وصف تعميمي، وتفسيرات عامة للظواهر الاجتماعية.
بيد أن هناك عاملين أساسيين طرءا على الفكر الإنساني لهما دلالتهما في الأصول الفكرية لعلم الاجتماع، وذلك خلال القرنين (17م) و (18م) وهما :
  • ظهور الفيزياء الاجتماعية
وهي حركة حاولت إقامة العلوم الاجتماعية على الأسس الميكانيكية والكمية نفسها التي تستند اليها ميكانيكا نيوتن. ذلك أنه قد ظهرت خلال هذين القرنين حركة فكرية تحاول وضع علم كمي له من الفروع ما يتناول الظواهر النفسية والأخلاقية والاجتماعية. وكان المبرر لهذه الحركة هو الاعتقاد بان القياس وحده هو الذي يكشف عن القضايا الصادقة. وقد ظهرت في اطار هذه الحركة الفكرية الملامح الأساسية للفيزياء الاجتماعية التي تضع تصميما لدراسة الظواهر الاجتماعية على هدى من منطق ومنهج الميكانيكا الفيزيائية والهندسية، والتي تستخدم في وصفها وتفسيرها لهذه الظواهر المفهومات والنظريات نفسها المستخدمة في هذين العِلمَين.
  • عوامل التغير الاجتماعي والثقافي:
تعتبر دراسة الباحث الإيطالي فيكو(1668-1744م) بعنوان « العلم الجديد» من أهم الدراسات تأثيرا في تاريخ علم الاجتماع. ذلك أنها أول بحث منظم يتناول عوامل التغير الاجتماعي والثقافي.
ولقد تتابعت الدراسات خلال القرن(18م) وأول القرن(19م) مستندة الى الدراسات الإحصائية الرياضية للسكان، تلك الظاهرة التي وصلت دراستها الى مستوى دقيق على يد مالتوس.
هذا الوقت نفسه الذي تابع فيه رجال الاقتصاد والسياسة دراساتهم لتشمل المشكلات الرئيسية للمجتمع ولثقافته، ولتحدد القوانين التي تخضع لها ظواهر المجتمع، ولتناقش مشكلات المجتمعين الريفي والحضري.
ولقد تحققت خلال هذه الفترة دراسات لها أهميتها في تاريخ علم الاجتماع منها:
  • دراسة مونتسكيو « روح القوانين » التي تعد أول دراسة منظمة في سوسيولوجية القانون.
  • دراسة آدم فرجسون التي وضع فيها كثيرا من مبادئ علم الاجتماع العام.
  • دراسة دي ميستر في سوسيولوجية الثورات.
  • دراسة آدم سميث في الجوانب الاجتماعية لثورة الأمم التي أسهمت في إيضاح وجهة نظر علم الاجتماع في دراسة الظواهر الاقتصادية.
  • دراسات كل من « ترجو، وكوندرسيه، وسان سيمون، وهيجل » التي وضعت أساس نظريات التطور الاجتماعي والثقافي، وغير ذلك من الدراسات التي قام بها هربرت سبنسر وسمنر وغيرهما، ولقد ظهرت في هذه الفترة المجلدات الستة التي كتبها أوجست كونت (1798-1858م) عن الفلسفة الوضعية، حيث اكتسب علم الاجتماع اسمه كعلم . مستقل ومحدد. ولقد عرّف « كونت » هذا العلم بانه علم تعميمي يتناول البناء
البناء الاجتماعي والتطور الاجتماعي، مُقسِّماً هذا العلم الى قسمين:
1- الاستاتيكا الاجتماعية : التي تتناول المجتمع في حالة استقراره.
2- الديناميكا الاجتماعية: التي تتناول المجتمع في حالة تغير وتطوره.
ولقد حدث في الثلث الثاني من القرن(19م) تقدم ملحوظ في علم الاجتماع بفضل التحديات التي واجهت الآراء السائدة في الفكر الاجتماعي. وقد ظهر في هذه الفترة اتجاهان أساسيان في علم الاجتماع، يشكل كل منهما صورة للتغير الاجتماعي.
أولاً: الصورة الأولى: تحاول تفسير الظواهر الاجتماعية تفسيرا يردها الى عوامل البيئة الجغرافية والمناخية، والعوامل البيولوجية، والعوامل النفسية ولقد ظهرت في إطار هذا الاتجاه المدارس الاجتماعية التالية:
المدرسة الجغرافية: التي تفسر الظواهر الاجتماعية في ضوء العوامل الجغرافية كالمناخ والموقع والتضاريس. وقد ظهرت في إطارها محاولات لربط العوامل
الجغرافية بالظواهر الاجتماعية المختلفة: كتوزيع السكان وخواصهم وكثافتهم وحجمهم، بالظواهر الاقتصادية، كالظواهر الدينية والتنظيمات السياسية والعسكرية والجريمة.
المدرسة البيولوجية: التي تربط بين الظواهر الاجتماعية وبين الظواهر البيولوجية. وتقيم دراستها للمجتمع على أساس المماثلة بينه وبين الكائن الحي من حيث البناء والعمليات وفي إطار هذه المحاولات تم الربط بين العوامل البيولوجية المختلفة كالتكوين البيولوجي والسلالة والوراثة، وبين الظواهر الاجتماعية في مختلف مساراتها سواء كانت السلوك الاجتماعي للفرد، أو سلوك الجماعات الصغيرة، أو سلوك المجتمعات، أو سلوك المجتمع الإنساني ككل.
المدرسة النفسية: وهي مدرسة ترد الظواهر الاجتماعية إلى العوامل النفسية كالغرائز والرغبات والانفعالات والدوافع والاتجاهات، وتربط بين تلك العوامل وما يحدث في الواقع الاجتماعي من ظواهر وعمليات.
ولقد حقق هذا الاتجاه النفسي بعض الأهداف التي يتطلبها استخدام المنهج العلمي في دراسة الواقع الاجتماعي، ولكن الأدوات التصورية والمفهومات والمصطلحات التي استخدِمت لم تكن قادرة على أن تصل إلى تعميمات شاملة تفسر الظواهر الاجتماعية.
ثانياً: الصورة الثانية : ظهرت في منتصف القرن(19م) بظهور أوجست كونت، ومن الممكن أن نلمح في هذا الاتجاه صفتين واضحتين:
  • التحرر من مفهومات العلوم الطبيعية والبيولوجية: عند دراسة الظواهر الاجتماعية، ووصف هذه الظواهر في إطار المجتمع والثقافة والجماعة والقيم الاجتماعية، دون ردها إلى عوامل جغرافية أو بيولوجية أو نفسية كما في الاتجاه الأول.
  • رد كل العلوم الاجتماعية إلى علم اجتماعي واسع الهدف: حيث تبِع هذا التحرر من محاولات كل العلوم الاجتماعية إلى علم اجتماعي واسع الهدف يتمثل في
علم الاجتماع أو الفيزياء الاجتماعية Physical Sociology . ولقد ظهر ذلك عند الرواد من أصحاب النظريات الاجتماعية مثل : أوجست كونت، وهربرت سبنسر، وماركس،..الخ.
ولقد نظر هؤلاء إلى علم الاجتماع على أنه محاولة فكرية تؤلف بين الحقائق والتعميمات التي تقدمها العلوم الاجتماعية المتخصصة، ومن هنا أصبحت اهتمامات الباحثين اهتمامات موسوعية، وفي هذا إغفال للموضوع المميز الذي ينبغي لعلم الاجتماع ان يجده لنفسه متخذاً إيّاه مجالا للدراسة.
الواقع أن الصورة الأولى تمثل اتجاها ردِّيّا ، لأنها ترد الظاهرة الاجتماعية الى عوامل غير اجتماعية مغفلة طبيعتها الاجتماعية المميزة لها، وهي تكشف عن تعدد التفسيرات وتناقضها مما يظهر علم الاجتماع في صورة العلم القاصر غير المكتمل. كما أن الصورة الثانية تمثل اتجاها موسوعيا يتعذر في ضوئه تحديد مجال أصيل تدور حوله دراسات علم الاجتماع.
ولهذا سعت الاتجاهات المعاصرة في علم الاجتماع الى مواجهة هذه الجوانب القاصرة بما يلي:-
  • القيام بوضع التفسيرات للظواهر الاجتماعية التي تتناسب مع طابعها الاجتماعي ولا تردها الى العوامل غير الاجتماعية، ومن أبرز هذه المحاولات ما قام به إميل دوركايم.
  • القيام بمحاولات لاستكمال التفسيرات المتعددة للظواهر الاجتماعية، ومحاولة إيجاد التكامل النظري في علم الاجتماع، ومن أبرز هذه المحاولات محاولة سوروكين وباسونز وغيرهما.
  • تحديد علم الاجتماع في ضوء وجهة نظر يأخذ بها العلم تستند الى الرؤية الكلية للمجتمع، وما يترتب على ذلك من تساند ظواهره كما تستند الى الكشف عن الخواص المشتركة بين الظواهر الاجتماعية وبين فئة خاصة منها.

ولقد وضعت منذ عام 1920م تفرقة بين كل ما هو اجتماعي يتناول ظواهر الواقع الاجتماعي، كالظواهر الأسرية والاقتصادية والسياسية والقانونية... الخ. وما هو سوسيولوجي ينتسب الى علم الاجتماع، ويتحدد بمقياس الرؤية الخاصة لعلم الاجتماع التي تكشف عن كلية المجتمع، وكيفية أدائها لوظائفه، وتحدد وحداته الأساسية، وتظهر الكيفية التي تترابط بمقتضاها هذه الوحدات وتتساند لتقابل الحاجات الاجتماعية المتعددة، وتكشف عن العمليات المعززة للاستقرار الاجتماعي أو المهددة لهذا الاستقرار، وتشير الى انطواء الأفراد في إطار البناءات الاجتماعية.
ومن هنا ظهرت مفهومات علم الاجتماع : كالمجتمع والجماعة والنظم والعمليات والوظائف والبناء الاجتماعي والتفاعل وتقسيم العمل والتدرج والضبط والتغير ، وبحث الظواهر الاجتماعية المختلفة في ضوء هذه المفهومات الأساسية.
الاتجاهات المعاصرة
اتخذ علم الاجتماع وضعاً أكاديميا مستقرا، حيث أنشئت أقسام لدراسة هذا العلم في أغلب الجامعات الكبرى في العالم، وظهرت الكتب والدوريات المتخصصة وأسهم الباحثون في علم الاجتماع بخبرتهم في مجالات تطبيقية متعددة كمجالات التخطيط والتنمية والخدمة الاجتماعية، وقاموا ببحوث واقعية لدراسة مشكلات مجتمعهم.
ولقد برزت وجهة نظر علم الاجتماع التي تدعو الى الرؤية الكلية للمجتمع، والى ربط الظواهر الاجتماعية ببعضها، والى الكشف عن الخصائص العامة المشتركة بين كل فئات هذه الظواهر، أو الخصائص المشتركة بين فئة منها، وقد أثّرت هذه الوجهة من النشاط في كثير من العلوم. فظهرت دراسات تتناول الظواهر التاريخية والاقتصادية والدينية والفنية والإدارية والأخلاقية واللغوية بوجهة نظر علم الاجتماع.
ولقد أسهم الباحثون في هذا العلم في تقدم عناصر البناء المنهجي للبحث الاجتماعي،. فاتجهت الطرق العامة للبحث الاجتماعي وأدواته وأساليبه، لتحقق الدقة والموضوعية في
مراحل التصور الاجتماعي للظاهرة الاجتماعية
مشاهدة الظواهر الاجتماعية، وفي التعبير عن نتائج هذه المشاهدة. واتجهت الدراسات الى البحوث الاجتماعية الميدانية دون أن تقتصر على التأملات النظرية.
ولقد سعى الباحثون في هذا العلم الى إيجاد التكامل النظري في علمهم وإزالة التفسيرات المتناقضة للظواهر الاجتماعية، واستكمال صورة التفسير ليبدو شاملا لتلك الظواهر، أو لفئة منها. وهنا ظهرت النظريات المتكاملة عند سوروكين وبارسونز وغيرهما.
مراحل التصور الاجتماعي للظاهرة الاجتماعية
  • مرحلة الفلسفة الاجتماعية:
وتضم هذه المرحلة النظريات التقويمية (الذاتية) التي تحدد وجهة نظر الفيلسوف الاجتماعي في أصلح أشكال المجتمعات أو النظم الاجتماعية والسياسية والقانونية والاقتصادية وأنسب صور العلاقات والتفاعلات الاجتماعية.
ومن أمثلتها النظريات الاجتماعية لكل من أفلاطون وروسو وهيجل وسبنسر وسان سيمون. وقد سادت الفلسفة الاجتماعية في الفكر الأوربي من القرن(17م) حتى منتصف القرن(19م).
  • مرحلة النظريات الاجتماعية:
سعت هذه المرحلة الى تحقيق الموضوعية والطابع العلمي (الوضعي) في تفسير الظواهر الاجتماعية. ولقد تشكلت النظريات في هذه المرحلة في صورة أساسية:
أ‌- النظريات الرديّة: التي تفسر الظواهر الاجتماعية بردها الى عوامل وظروف غير اجتماعية كالعوامل الجغرافية أو البيولوجية ... الخ.
ب‌- النظريات الأحادية: والتي استندت الى الأهداف العلمية نفسها ولكنها أقامت التفسير للظواهر الاجتماعية على أنها نتاج لمتغيرات وعمليات اجتماعية. وقد رأى أنصار الأحادية أن نمطا واحدا من العمليات والصور الاجتماعية يمكن أن يستند إليها
الصور الأساسية للنظريات العامة
تفسير نطاق واسع من الظواهر الاجتماعية، ومن أمثلة ذلك:
تارد في نظريته عن « المحاكاة ».
سبنسر في نظريته عن « التباين».
ماركس في نظريته عن « نمط الإنتاج والاقتصاد ».
الصور الأساسية للنظريات العامة
يمكن تحديد الصور الأساسية التالية للنظريات الاجتماعية:
  • نظريات اختزالية تحدد الاتجاه الذي سارت عليه الظواهر الاجتماعية في نشأتها ونموها وتغيرها. ومن أمثلة هذه النظريات نظرية هربرت سبنسر في حركة التطور الاجتماعي من مرحلة المجتمعات المتجانسة الى مرحلة المجتمعات غير المتجانسة. ونظرية العالِم الألماني تونيز في حركة التغير في العلاقات الاجتماعية من طابع المجتمع المحلي
الى طابع المجتمع العام. ونظرية تطور المجتمعات لدى دوركايم من مرحلة يسودها التضامن الآلي في المجتمع الى مرحلة يسودها التضامن العضوي.
بالإضافة الى نظريات زيميل وسوروكين ورودفيلد ..، وغيرهم في التطور الاجتماعي.
  • نظريات أحادية تستند في تفسيرها لنشأة الظواهر الاجتماعية الى سبب واحد أساسي يصور حالة اجتماعية شاملة يُرجع إليها هذه الظواهر ومن أمثلتها:
نظرية ماركس في نمط الإنتاج الاقتصادي والوضع الطبقي. ونظرية دوركايم في العقل الجمعي ونظرية جمبلوفتش في الصراع. ولقد وجد هؤلاء وغيرهم التفسير الشامل لنشأة الظواهر الاجتماعية في تلك الظروف الاجتماعية.
  • نظريات تعكس تسلسل العمليات الاجتماعية في المجتمع ويهدف هذا النوع من النظريات الى تنظيم الظواهر الاجتماعية استنادا الى تركيز الاهتمام في عدد محدود من العمليات الاجتماعية التي تفسر وفق إطار محدد ومتكرر من التتابع الزمني. ومن
أمثلتها نظرية تادنر التي تحدد المسار الزمني المتتابع للظاهرة الاجتماعية في ضوء العمليات التالية: ( الاختراع – المعارضة – المحاكاة – التلاؤم) ومن أمثلتها رأي بارسونز في تتابع تلك العمليات بمقتضى (الاتصال، والصراع، والتلاؤم والتمثيل).
المحاضرة الرابعة
النظرية العضوية
( أوجست كونت)
المدرسة الوضعية(العلمية) والنظرية العضوية
المقاربة الوضعية هي: منهجية تحليلية تقوم على استبعاد لأنماط الفكر والتحليل اللاهوتي (الديني) والميتافيزيقي ( التجريدي = الطبيعة ) من أي تحليل اجتماعي. مقترحة بديلا عنهما الإنسان الذي بات يتمتع بقيمة مركزية في الكون. وقد كانت ممهّداتها مع المفكّر الفرنسي "سان سيمون" قبل أن تتّخذ طابعها المتكامل كنسق فكري مع تلميذه "أوجست كونت".
سان سيمون : 1760- 1825م
يؤكد سان سيمون على استعمال أدوات المعرفة الوضعية والعمل على القضاء على الهوة الفاصلة بين البعد النظري والبعد التطبيقي للوصول إلى وحدة المعرفة، هذا هو جوهر وفكرة الوضعية. لذا نجد (سان سيمون) يصر على استبدال المضمون القديم للمسيحية بمضمون جديد يعمل على تطويرها من الداخل
هذا المضمون الجديد يتمثل في كتابه " النظام الصناعي " من خلال :
التأكيد على سعيه إلى تكوين مجتمع حر .
التأكيد على نشر المبادئ والقيم التي ستكون أرضية النظام الجديد .
العناصر الأساسية التي اعتمدتها المقاربة الوضعية مع "سان سيمون" هي :
1. تحييد الدين والفكر اللاهوتي عن كل مشاركة في الحياة العملية.
2. وضع أسس مشروع علمي وفكري ومعرفي يقوم على مبدأين أساسين هما:
مبدأ العلمية ؛ فلا تعامل بعد الآن مع الظواهر والأشياء إلا من منظور علمي .
مبدأ العلمنة وفيه تحييد صريح للدين .
هذه هي آليات التحليل العلمية التي ضمنها سان سيمون للمقاربة الوضعية وهي الآليات التي سنجدها مستعملة في نصوص "أوجست كونت" Auguste COMTE بطريقة أو بأخرى .
النظرية العضوية : أوجست كونت
يعد النموذج العضوي في النظرية الاجتماعية أقدم أشكالها، وثمة ظروف اجتماعية واقتصادية وفكرية أدت إلى ظهور وإرساء قواعد هذا النمط في النظرية الاجتماعية. وإذا ما قبلنا الراي القائل بأن النظرية الاجتماعية تعبر عن ردة فعل مجموعة من الاكاديميين وأهل العلم للمشكلات الاجتماعية اليومية، فإننا نقول أن المبادئ الأساسية للنموذج العضوي دعا اليها جماعة من مفكري الطبقة العليا، درسوا فلسفة عصر التنوير، وآمنوا بها وتفاعلوا مع البيئة الاجتماعية وعاشوا أحداث الثورة السياسية الفرنسية والانهيار الاجتماعي والتطور الصناعي بأوروبا.
وقد استفاد هؤلاء المفكرون من الادعاءات التي طرحها أنصار النزعة الطبيعية والنزعة العقلية والتطورية الاجتماعية والإصلاح الاجتماعي والمنهج الوضعي، وقدموا رؤية جديدة للمجتمع تركز على حاجات المجتمع ونظمه، ويؤدي هذا المجتمع وظائفه وفق القوانين الطبيعية. كما يفسر هذا المجتمع باعتباره نسقا يتكون من أجزاء مترابطة ويؤدي كل منها وظيفة من خلال تقسيم العمل أو بناء الأدوار، وهذه الرؤية تشبِّه المجتمع
بالكائن العضوي الذي يؤدي كل عضو من أعضائه وظيفة محددة، كما صور المجتمع وكأنه جزء من النظام الطبيعي يتكور تلقائيا وفق حاجاته الأساسية.
وقد أعطى أنصار المدخل العضوي اهتماما أساسيا بالبناء الميكانيكي الآلي للكائن الاجتماعي(مثلما فعل كونت وسبنسر) أو الى النسق المعياري الذي يعتمد على تقسيم العمل (حسب رؤية دوركايم وتونيز) وفي كلتا الحالتين نظر علماء الاجتماع الرواد الى المجتمع باعتباره نظاما متكاملا يؤدي كل عضو من أعضائه وظيفة من أجل استمرار الكل. وأن هذه المجتمع لا ينفصل عن النظام الطبيعي وأن تقسيم العمل هو أساس وجود المجتمع.
ويعبِّر النموذج العضوي عن رؤية شمولية تكاملية لتفسير الحاجات الطبيعية للمجتمع باعتبارها حاجات دائمة . كما يحمل طابعا إيديولوجيا محافظا لتأكيده على أهمية توافق الفرد مع هذه الحاجات بدلا من السعي الى تغييرها أو التمرد عليها.
وستفهم هذه الرؤية بشكل افضل عند إلقاء الضوء على جهود أبرز مفكري ذلك العصر. درسوا التفكك الاجتماعي والفوضى السياسية والانهيار الاقتصادي، وتنزع النماذج الشمولية الى الظهور في مثل تلك الفترات وخاصة بين أعضاء الصفوة، ويرى هؤلاء المفكرون أن الوظيفة الأساسية لعلم الاجتماع في مثل هذا الموقف هي اكتشاف القوانين الأساسية للنظام الاجتماعي من أجل فهمه فهما أفضل، ومن أجل السيطرة على أحداث هذا المجتمع بكفاءة أجدر.
فالمدخل العضوي باعتباره أقدم المداخل في النظرية الاجتماعية، تبناه مفكرو الطبقة العليا وتوحد مع تعاليم فلسفة التنوير استجابة للتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سادت في عصرهم. وكانت النتيجة الأساسية لهذه العوامل ظهور نماذج في النظرية الاجتماعية تسعى الى التفسير الطبيعي والشمولي التكاملي للمجتمع. وقد انقسم انصار هذا التفسير الى اتجاهين أولهما يؤكد على الخصائص الآلية للمجتمع والثاني يؤكد على . الخصائص المعيارية للمجتمع.
الظروف التي أدت إلى نشأة النظرية الاجتماعية
تعتبر النظرية الاجتماعية استجابة للظروف التي طرأت على المجتمعات الأوربية وقد ظهرت في أواخر القرن(19م) وبداية القرن (20م) وذلك بعد الأحداث التي عصفت بالمجتمعات الأوربية في القرن الثامن عشر الميلادي وما قبله . ومن تلك الأحداث البارزة التالي:
1. الثورة الصناعية: التي ألقت الضوء على ظروف المعيشية وضرورة استخدام التكنولوجيا في المجال الزراعي لتحسين الظروف المعيشية.
2.الثورة الفرنسية : التي رفعت شعارات بالمساواة والعدالة الاجتماعية وعملت على إلغاء الملكية المطلقة، والامتيازات الإقطاعية للطبقة الارستقراطية، والنفوذ الديني الكاثوليكي. ويمكن القول بأن المشكلات الاقتصادية والسياسية احتلت المقدمة في ظهور النظرية الاجتماعية الحديثة، وذلك للتأكيد على أهمية فهم المجتمع كوحدة للتحليل في ذاتها من أجل مصلحة المجتمع.
.الثورة الدينية: التي خرجت على الكنيسة ورجال الدين الذين مارسوا القهر والتسلط الفكري وأقاموا محاكم التفتيش لإعدام كل من يخرج من المفكرين والعلماء على أفكار الكنيسة وتفسيرات رجال الدين للكون والحياة.
4.الثورة الفكرية: تأثرت النظرية الاجتماعية ببعض الأفكار مثل:
•فلسفة عصر التنوير: تلك الفلسفة التي قامت بالدفاع عن العقلانية ومبادئها كوسائل لتأسيس النظام الشرعي للأخلاق والمعرفة بدلا عن الدين ومن هنا نجد أن ذلك العصر هو بداية ظهور الأفكار المتعلقة بتطبيق العلمانية والمنهج العلمي عند دراسة المجتمع، والتطور والتحديث وترك التقاليد الدينية والثقافية القديمة "نقد"والأفكار اللاعقلانية ضمن فترة زمنية دعوها "بالعصور المظلمة".
•النزعة التطورية"دارون" والتي سيطرت على تفكير كثير من علماء الاجتماع الأوائل ، الذين كانوا يتصورون أن الإنسان والمجتمع يتقدمان عبر خطوات محددة للتطور تنتهي إلى أعقد المراحل وأكملها.
•كما تأثرت النظرية الاجتماعية في نشأتها بالنزعة الطبيعية العضوية والعقلانية والفلسفة . البراجماتية.
نمط النزعة الطبيعية في النموذج العضوي
يعتبر (أوجست كونت وسبنسر) أفضل مثالين لهذا النمط من النظرية الاجتماعية. لذا من الضروري أن نعرض للظروف الاجتماعية والسياسية التي عاشها كل منهما.
أوجست كونت: 1798- 1857م
وُلِد في فرنسا وهو ابن عائلة كاثوليكية تؤمن بالنظام الملكي، ودرس الطب وعلم وظائف الأعضاء في معهد البولو تكنيك، ثم القى دروس في الفلسفة الوضعية في مرحلة متأخرة، كما وضع قواعد المنهج الذي يقوم عليه المجتمع الوضعي، تعلم في بداية حياته مبادئ وأفكار التنوير، وعاش الثورة الصناعية والصراع المتزايد بين الدين والعلم. وكانت أهم أعماله الأساسية دروس في الفلسفة الوضعية. وترجع شهرة كونت الى كونه أول من صاغ مصطلح " علم الاجتماع" Sociology بالغات الأوربية.
يعتبر كونت مثالا واضحا للتفسير الآلي في النظرية العضوية في علم الاجتماع. وبتأثير المناخ الفكري في فرنسا في بداية القرن(19م)والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية
حينئذ، قدّم نموذجا محافظا متأثرا بالنزعة الطبيعية عن الحقيقة الاجتماعية يقوم على افتراضات طبيعية وحتمية عن الظواهر الاجتماعية.
وقد أثرت أوضاع وظروف البيئة الاجتماعية التي عاشها كوت في تحديده لمهمة علم الاجتماع. إذ يرى كونت أن الهدف الأساسي لعلم الاجتماع هو رفض التفسير الثوري للمجتمع الحديث( إذ يرى كونت أن الثورة ليست وسيلة لبناء المجتمع، بل انهيار خُلُقي) ولذا اهتم كونت بكيفية إعادة تنظيم المجتمع بالاستفادة من الفلسفة الوضعية.
ولما كان أوجست كونت يرى بأن الأساس الذي يقوم عليه المجتمع هو: مجموعة من الأفكار الأساسية السائدة في هذا المجتمع، فإن وظيفة علم الاجتماع عنده هي الاهتمام بترسيخ هذه الأفكار التي تدعم النظام الأخلاقي. وترتب على ذلك محاولة كونت اكتشاف شكل" للفيزياء الاجتماعية" يستطيع أن يرسي بها القوانين الاجتماعية ويعيد التنظيم والنظام الاجتماعي للمجتمع وفقا لنسق من القيم الذي أعطاه كونت قيمة كبرى، ورأى أنه النسق الأكثر تمشيا مع الطبيعة ولذا يمكن القول بأن كونت حاول تطبيق مبادئ
فلسفة عصر التنوير على مشكلات الثورة في عصره. وقدّم لنا نظرية عن التطور الاجتماعي أوضحت الأهمية الأساسية للعقل والقيم الاجتماعية المهيمنة.
ومن ثم نرى أن كونت كان يأمل من علم الاجتماع- ذلك العلم الجديد- إعادة إرساء نظام أخلاقي جديد يقضي على ما هو سائد حوله من مظاهر الفوضى الاجتماعية.
الافتراضات الأساسية عند أوجست كونت:
يمكن تلخيص الافتراضات الأساسية لعلم الاجتماع عند كونت على النحو التالي:
1) يرى (أوجست كونت) أن ثمة مجموعة من القوانين الطبيعية اللآمرئية - الخفية – تنظم الكون، وتقف وراء تطور ونمو العقل أو المعرفة أو القيم الاجتماعية السائدة.
2) أدرك كونت أن عملية التطور تتحقق في ثلاثة أطوار كبرى- قانون المراحل الثلاث -:
المرحلة الغيبية: التي تتميز بتقصي الأسباب الغيبية خلال قوى خارقة للطبيعة.
المرحلة الميتافيزيقية: وتتميز بالفكر المجرد والبحث عن العلل المجردة.
المرحلة الوضعية(العلمية): وتتميز بنمو المعرفة النسبية، ودراسة القوانين التي تحكم الظواهر. وفي تلك المرحلة يسمح المنهج الوضعي لعالِم الاجتماع اكتشاف وفهم القوانين الطبيعية التي تحكم الظواهر الاجتماعية. وهذا يؤدي به الى اكتشاف وفهم القوانين الطبيعية التي تحكم الظواهر الاجتماعية. وهذا بدوره يؤدي به الى اكتشاف وحدةً فكريةً ونظاماً أخلاقيا يوحِّد بين التقدم والنظام مقابل مواقف الفوضى السائدة، ومن ثَـمَّ يصبح علم الاجتماع علما متكاملا موحدا يعتمد على المنهج الوضعي (العلمي) ويساهم مباسرة في تطور النظام الأخلاقي الطبيعي.
3) وتبعا لذلك، رأى كونت أن جميع جوانب المعرفة هي جوانب اجتماعية بقدر ما تعكس وتمثل هذه المعرفة البيئة الاجتماعية التي تظهر فيها، وكل طور من أطوار المعرفة
يرتبط بمرحلة معينة من مراحل التطور الثلاث، ويعبر عن بيئة اجتماعية لها ملامحها المتميزة.
4) قسم كونت النسق الاجتماعي(المجتمع) الى جزئين أساسيين:
1- الاستاتيكا الاجتماعية: ويتكون من الطبيعة الاجتماعية الإنسانية وقوانين الوجود الاجتماعي للإنسان.
2- الديناميكا الاجتماعية: أو قوانين التطور التغير الاجتماعي
5) يتضمن النسق الاجتماعي ثلاثة أنماط أساسية كبرى من الغرائز:
* غرائز المحافظة على النوع( الغريزة الجنسية والحاجات المادية).
* غرائز تحسين الأوضاع(العسكرية والتصنيع).
* الغرائز الاجتماعية : ( الترابط والاحترام والحب الشامل).وتقع وسطا بين غرائز المحافظة والتقدم وغرائز الغرور والتفاخر.
ويبدو التقدم الاجتماعي واضحا في سيطرة الغرائز الاجتماعية – على غرائز المحافظة على النوع وغرائز تحسين الأوضاع- كما أن التفاعل بين العناصر للاهوتية والعناصر العسكرية ينجم عنها التحول الى الطريقة الوضعية في التفكير. وقد ساعد على هذا التطور ظهور مشكلات إنسانية أو الإخفاق المستمر للإنسان والإحباطات الإنسانية أثناء تقدم النسق الحتمي خلال المراحل الثلاث للتطور الفكري.
وثمّة عوامل أخرى ساهمت على التقدم، منها الضيق والضجر أو الملل السائد بين المواطنين، إذ أفضى الضيق والملل الى بذ الجهود نحو التجديد. أيضا يساهم متوسط الأعمار السائد ومعدل نمو السكان ومعدل التطور الفكري في المجتمع ككل في إحداث التقدم. فكل هذه العوامل تساهم في تطور الغرائز من الشكل البدائي الى مرحلة أرقى أثناء تتابع عملية التمدُّن والتحضّر.
6) أخيراً افتراض كونت نوعا من اليوتوبيا (الخيال) السوسيولوجي، عندما افترض في نهاية التطور الاجتماعي إمكانية سيطرة الوضعية على النظام الاجتماعي باعتبارها دين الإنسانية، وهذا الافتراض يصور المجتمع في المرحلة الوضعية المتطرفة، التي تحقق فيها الوحدة الحيوية بين العقل والنظام الاجتماعي، ويأخذ كل جزء من أجزاء البناء الاجتماعي طابعا وضعيا في تلك المرحلة. وعند هذه النقطة بدأ كونت في مناقشة المساهمة التي تقدمها أنظمة التعليم والتربية والفن في تحقيق التطور نحو الحب والخير استنادا على مبادئ الفلسفة الوضعية.
وموجز القول أن كونت رأى 1- الكون نظاما تحكمه قوانين طبيعية.2- وان هذه القوانين تظهر بصورة جلية في المجتمع في شكل العلاقات المتبادلة بين الغرائز الإنسانية والفكر أو القيم الاجتماعية السائدة، وذلك في سياق بناء المجتمع الاستاتيكي والديناميكي.3- يتطور النسق الاجتماعي( المجتمع)في مجموعة من
خلال ثلاث أطوار من تطور الفكر نحو المرحلة الوضعية وهي المحلة المتكاملة أخلاقيا. 4- مهمة علم الاجتماع بصفته علما وضعيا هي دراسة هذا النسق ووصفه وصفا تفصيليا يساهم في إيجاد الحل العلمي للمشكلات الاجتماعية.
المنهج
وتبعا لرؤية كونت فإن المنهج الوضعي(العلمي) يقود الى ظهور الحقيقة العضوية أو الحقيقة الأساسية، وهذا يعني ضرورة الاستفادة من إجراءات الملاحظة والتجربة والمقارنة لفهم تفاصيل الاستاتيكا الاجتماعية والديناميكا الاجتماعية، ويسمح هذا المنهج بتجريد القوانين الاجتماعية نتيجة التجريب المباشر واللامباشر وتفاصيل التطور العام للمجتمع ووفق هذه الطريقة رأى كونت الوضعية منهجا يقود الى إيضاح أبين لنموذجه النظرية الذي يقوم على افتراضات ذات نزعة طبيعية وعضوية.
نمط المجتمع:
قسم كونت نموذجه لدراسة المجتمع الى جزئين أساسيين : هما: الاستاتيكا الاجتماعية والديناميكا الاجتماعية اللتان تصوران البناء التنظيمي للمجتمع ومبادئ التغير الاجتماعي لهذا المجتمع. فالاستاتيكا تشمل الطبيعة الاجتماعية ( الدين والفن والأسرة والملكية والتنظيم الاجتماعي) والطبيعة البشرية( الغرائز والعواطف والفعل والذكاء)، بينما تشمل الديناميكا الاجتماعية قوانين التغير الاجتماعي والعوامل المرتبطة به( مستوى الضجر والملل وطريقة الحياة ونمو السكان ومستوى التطور الاجتماعي والفكري). ورأى كونت أن هذا البناء ككل يتقدم خلال مراحل ثلاث نحو المرحلة الوضعية.

القضايا الأساسية :
1) أثار مدخل كونت قضية مؤداها الى أي مدى تعد أهداف علم الاجتماع نظرية أو عملية تطبيقية، أو أن أهداف علم الاجتماع تجمع بين التنظير والتطبيق خاصة خلال السياق الإمبيريقي المعاصر.
2) أثارت افتراضات كونت الأساسية قضايا هامة عن التفسيرات الطبيعية( أي مدى ملائمة الغرائز) والنماذج الحتمية لتفسير التطور الاجتماعي، وتصورات المجتمع في اطار نسق القيم السائدة أو رؤية الحقيقة وتقسيم المجتمع الى الاستاتيكا والديناميكا ، وهما مفهومان مهّدا لظهور مفهومي البناء والعملية.
3) يمثل منهجه الوضعي الأساس الأول والرائد للمنهج العلمي المعاصر.
4) يحدد نموذجه في تقسيم المجتمع الى استاتيكا وديناميكا اجتماعية العمليات والعناصر الأساسية داخل النسق وبذلك يكون فكر كونت رائدا لأعمال لاحقة لمنظري البنائية الوظيفية ومدخل الصراع.
ويتبين من عرض أفكار كونت أنه قدم نموذجا طبيعيا للنظام الاجتماعي هو نسق اجتماعي يعمل بطريقة ديناميكية من أجل التقدم الى أطوار معينة محددة مسبقا، وتقدم هذه النظرية الطبيعية التطورية الأساس الذي تقوم عليه النظرية الاجتماعية العلمية كما سنرى لاحقا، وينبغي أن ينظر إليها باعتبارها قاعدة أساسية للنموذج الاجتماعي العلمي للحقيقة الاجتماعية . كما أن آراء كونت ليست بسيطة بل تمثل القاعدة التي قام عليها كل من علم الاجتماع والنظرية الاجتماعية، بحيث تضمن عناصر أساسية بقيت صالحة وملائمة مع موضوعات العلم الاجتماعي المعاصر.






المحاضرة الخامسة
النمط الشمولي المتكامل في
النظرية العضوية
دوركايم
النمط الشمولي المعياري المتكامل في النظرية العضوية
على نقيض النزعات العضوية المتطرفة في التفسير الطبيعي والميكانيكي للمجتمع أكد دوركايم وتونيز على أهمية البعد المعياري أو البعد الاجتماعي في تفسير المجتمع كنسق اجتماعي، ورغم أنهما لا يختلفان عن كونت وسبنسر فإن تفسيراتهما تبتعد عن التفسير الآلي الصارم للمجتمع، وتقترب بقوة من التفسير الاجتماعي العلمي.
إميل دوركايم:1858-1917م
وُلد دوركايم في فرنسا، وهو ابن عائلة يهودية، تعلّم القانون والفلسفة الوضعية، ودرَّسها في الجامعة، تربّى في حضن أفكار عصر التنوير وعاش أيام الثورة السياسية في فرنسا والتفكك الاجتماعي. اهتم بفكرة الإرادة العامة(الضمير الجمعي) والتماسك الاجتماعي، وترتب على ذلك تصوره للمجتمع في اطار المعايير أو أشكال التكامل الاجتماعي( أي انه تصوّر المجتمع حسب الطريقة التي يرتبط بها الفرد ارتباطا اجتماعيا مع البناء الاجتماعي من خلال الحقائق الاجتماعية) وكانت فكرة التماسك الاجتماعي لعناصر المجتمع احدى . اهتماماته الأساسية.
الأهداف:
اهتم دوركايم اهتماما أساسيا بفهم الظواهر الاجتماعية وتأثيرها على ظهور المشكلات الاجتماعية. وكان ذلك الاهتمام مناقضا ومعارضا للتفسيرات الفردية والنفسية التي طرحت في ذلك الوقت. وقد رأى دوركايم أن علم الاجتماع يهتم بالظواهر الاجتماعية والالتزامات الأخلاقية الجمعية، وخاصة تلك الظواهر التي تقهر الفرد وتلزمه على أن يسلك سلوكا معيناً داخل الجماعة، وهكذا فعلى النقيض من التفسيرات النفسية التي تهتم بالحالات الداخلية والتي سيطرت على المناخ الفكري في تلك الفترة، قدّم دوركايم اطار عملٍ سوسيولوجيٍ يهتم بالظواهر الموجودة في الخارج مثلما عرض منهجا لدراسة هذه المعطيات الاجتماعية.
وكان هذا المنهج الاجتماعي وهذا التفسير للظواهر الاجتماعية هو المساهمة الكبرى من دوركايم في تأسيس وتطوير علم الاجتماع باعتباره علما جديدا متميزا يركز على المجتمع كظاهرة حقيقية لها وجود مستقل، وقد أعطى دوركايم اهتماما لكل مظاهر المجتمع، وهي:(القانون والأخلاق وأساليب الضبط والبناء السياسي والاقتصادي والدين والجريمة).
الافتراضات:
  • بدأ دوركايم بافتراض هام مؤدّاه( أن المجتمع بوصفه ضميراً جمعيا – شعورا جمعيا، تمثلات جمعية – له وجود مستقل ، وقد قصد دوركايم - كما فعل سبنسر – توضيح أن المجتمع ككل يختلف عن مجموع أجزائه. فالمجتمع كلٌ عضوي جمعي يختلف عن مجموع الأجزاء، ويعمل أساسا من خلال ممارسة أساليب القهر التي يفرضها على البناء المعياري للمجتمع.
  • ويترتب على ذلك أن الوقائع الاجتماعية (الظواهر الاجتماعية) هي وقائع حقيقية، كما يتجلى ذلك في قوة القهر التي تمارسها المعايير والأبنية التنظيمية، وتبعا لذلك اهتم دوركايم اهتماما أساسيا بواقعية المعايير وما تمارسه من قوة قهر والزام.
  • تعتمد القوة الاجتماعية على العقل الجمعي( الضمير الجمعي) أي تعتمد على الأشكال المختلفة للسيطرة والقهر والإلزام على بناء المعايير السائد خلال جماعة ما، عندما
يمارس الضبط الاجتماعي على أعضاء الجماعة من خلال هذه المعايير، وعلى العموم فإن كل مظاهر البناء الاجتماعي، بما في ذلك نظمه تقوم على نسق معايير المجتمع.
  • بيّن دوركايم أن تطور وقائع المجتمع أو الظواهر السائدة فيه يعتمد على الحاجات الأساسية لذلك المجتمع ، وبهذه الكيفية تمثل الظواهر الاجتماعية الحاجات الاجتماعية موضوع يجب أن يدرسه علماء الاجتماع بعمق، وقد سبق دوركايم في هذا المدخل البنائي الوظيفي المعاصر في توضيح هذه الارتباط.
  • وقد طرح دوركايم فرضا أساسيا ثانيا مؤداه ( أن التماسك الاجتماعي يعتمد على تقسيم العمل في المجتمع) أي كلما تزايد التماثل في مظاهر تقسيم العمل كلما كان بناء الأدوار اقل تعقيدا، ارتفع مستوى التماسك الاجتماعي.
  • استنادا الى هذا الفرض، بين دوركايم أن ثمة رابطة منطقية بين بين حجم المجتمع والكثافة الاجتماعية من جانب ومستوى تقسيم العمل والتماسك الاجتماعي من جانب آخر
(أي كلما زاد عدد السكان وارتفعت الكثافة الاجتماعية، ترتب على ذلك زيادة في تقسيم العمل، وضعف التماسك الاجتماعي).
  • وعلاوة على ذلك أدرك دوركايم أن هناك شكلين أساسيين كبيرين للتماسك الاجتماعي(التضامن الاجتماعي) الأول: التماسك الآلي، والثاني التماسك العضوي.
  • والتماسك الآلي: خاصية من خصائص المجتمعات التقليدية التي يتضاءل فيها تقسيم العمل، وتمارِس فيها المعايير الاجتماعية قوة ضاغطة على الأفراد كما يظهر فيها مستوى عالٍ من التماسك الاجتماعي، بسبب التماثل في المعايير والتقاليد والمعتقدات وتقارب الآراء والطموحات.
  • أما التماسك العضوي: فخاصية المجتمعات الحضرية والصناعية الأكثر تقدما، والتي تتميز بتعقد نظام تقسيم العمل، وشيوع علاقات تقوم على التعاقد وانخفاض مستويات التكامل وندرة مظاهر التماسك والتضامن. وفي مثل هذا البناء(المجتمع) تضعف قوة
أساليب الضبط التي تمارّس قهرها وضغطها على الأفراد، مما يؤدي الى ارتفاع معدلات الانحراف والجريمة نتيجة ضعف الروابط بين الأفراد والبناء الاجتماعي( المجتمع)، ويصبح البناء الاجتماعي غير قادر على تنظيم العلاقات تنظيما ملائماً.
  • وأخيرا افترض أن الجريمة وأشكال الانحراف الأخرى تؤدي وظيفة في المجتمع بقدر ماهي تدعم معايير الجماعة، وبقدر ما تساهم في التغيير المستمر بتعديل معايير الجماعة.
ومجمل القول يرى دوركايم أن المجتمع وحدة عضوية معيارية تمثل الحاجات الأساسية للمجتمع، واذا كبر هذا النسق وزاد عدد السكان وازدادت الكثافة الاجتماعية وتعقد تقسيم العمل يتحرك (يتحول) المجتمع من التماسك الآلي الى التماسك العضوي. والمشكلة في العملية الناجمة عن ذلك هي إعادة تكامل الأفراد وبيئتهم الاجتماعية، أي تطوير الوحدة الأخلاقية بعد حالات التفكك الاجتماعي.
ويقترح دوركايم أن إعادة هذا التكامل تتطلب: الاستفادة من التعليم والتربية والدعوة الى تربية أخلاقية جديدة تتجاوز اهتمامات الفرد وتتيح رابطة أخلاقية متجانسة مع المجتمع. وكما فعل كونت وسبنسر اهتم دوركايم بالمظاهر العملية للتجانس الاجتماعي.
المنهج:
يعد كتاب " قواعد المنهج في علم الاجتماع " أشهر مؤلفات دوركايم على الإطلاق. ويوضح فيه أن الحقائق الاجتماعية أشياء تقتضي دراسة موضوعية - أي يمكن قياس الحقائق الاجتماعية – أو الظواهر الاجتماعية.
واهتم دوركايم في كتابه السابق بدراسة المؤشرات التي تبرز العقل الجمعي، ويحاول علم الاجتماع أن يحدد الحاجات الاجتماعية الأساسية التي تمثلها هذه المؤشرات. كما ينبغي أن يستفيد علم الاجتماع من طريقة التغير المتلازم التي قال بها(جون سيتورات ميل) بمعنى: ارتباط التفسير الذي يحدث في ظاهرة ما بتغير آخر يطرأ على ظاهرة أخرى أو أكثر.
وكما أكد دوركايم أهمية دراسة الظواهر الاجتماعية دراسة موضوعية، أوضح أهمية التجريب والمنهج المقارن، كما أعطى اهتماما خاصا لتغير الحقائق الاجتماعية خلال الزمان، ويساعدنا هذا المنهج على تجريد (استخلاص) قوانين علمية تهتم بكيفية أداء الظواهر الاجتماعية لوظائفها ونشأتها وتطورها.
نمط المجتمع:
نمط المجتمع عند دوركايم يقوم على صورة التماسك الاجتماعي السائد في مجتمع ما، وثمة مجتمع يسوده التماسك الآلي وانخفاض في معدل تقسيم العمل، وينتشر فيه نمط ثقافة تقليدية متجانسة، ومعايير تمارس قوة القهر والملكية المشاعة والديانات الوثنية والانتحار الغيري(الإيثاري) أي الموت من أجل الجماعة.
أما التماسك العضوي فيسود في مجتمع يتميز بتعقد نظام تقسيم العمل المصاحب لعصر التصنيع، وتزايد الفردية ومعايير الثواب والعقاب، والعلاقات التي تقوم على التعاقد والملكية
الفردية، ونمو الاتجاهات العلمانية وازدياد الانتحار الأناني أو الانتحار بسبب عدم احترام المعايير في الجماعة أو المجتمع.
والشكل الأول وهو الانتحار الأناني: مرتبط بمصالح الذات ولا تبرره المعايير السائدة ومحصلة الصراع بين رغبات الفرد وسلطة المجتمع ويحسم الصراع بتدمير الذات.
أما الشكل الآخر من الانتحار فهو الانتحار الأنومي (المعياري) فينشأ نتيجة شيوع مظاهر التفكك الاجتماعي وخاصة أوقات الأزمات الاقتصادية عندما تتسع الهوة بين التطلعات والواقع اتساعا كبيرا. واتساقا مع التطور من المجتمع العسكري الى المجتمع الصناعي عند سبنسر يصف نمط المجتمع العضوي عند دوركايم البناء الاجتماعي في أطوار معينة من تطوره.
القضايا الأساسية:
على خلاف أوجست كونت وسبنسر فإن مفهوم دوركايم للمجتمع يعطي قيمة أكبر لمعايير المجتمع التي يطلق عليها الشعور الجمعي( الضمير الجمعي). ولكنه يتفق معهما في الإيمان بالصيغة العضوية والتطورية. فالمجتمع يمثل صورة من الإرادة الجمعية التي تتطور طبقا لتطور حاجات المجتمع الأساسية فتحدد وتقيد سلوك الأفراد داخل المجتمع، وكلما تغيرت هذه الحاجات من جراء تكاثر السكان يزداد تعقد تقسيم العمل، وتظهر المعايير المرتبطة به. فيتحرك المجتمع من التضامن الآلي التضامن العضوي.
وهذا المدخل المعياري والعضوي والتطوري يمثل جوهر علم الاجتماع وهو المساهمة الهامة والكبرى والباقية لدوركايم في علم الاجتماع.
ويمكن تلخيص بعض القضايا الأساسية عند دوركايم على النحو التالي:
  • الى أي مدى يمتلك الضمير الجمعي وجودا مستقلا في الواقع؟ أي هل دوركايم وحّد بين الضمير الجمعي والمجتمع، ومن ثم فرض وجودا مستقلا للوجود الجمعي؟.
  • مدى ارتباط العلاقة بين حجم السكان وتقسيم العمل وبساطة التكامل الاجتماعي والربط بين هذه العوامل يتضمن خطر التبسيط المفرط.
  • يبدو أن مشاكل قياس الوقائع الاجتماعية على مستوى الفرد والمجتمع كثيرة.
  • الى أي مدى تمثل الوقائع الاجتماعية حاجات الصفوة بدلا من حاجات المجتمع العامة؟ لقد درس دوركايم عدم المساواة لكنه آمن بالتفسير البنائي للمجتمع.
ورغم تلك المشكلات، فلا زالت أعمال دوركايم واحدة من أهم المساهمات التي قدمت لعلم الاجتماع والفكر الاجتماعي العلمي وخاصة تصوره المعياري للمجتمع.
ويلخص لنا الشكل التالي إطار العمل النظري عند دوركايم