عرض مشاركة واحدة
قديم 2013- 3- 13   #5
الفارس الانيق
متميز بملتقى التعليم عن بعد - علم اجتماع
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 40332
تاريخ التسجيل: Thu Nov 2009
المشاركات: 361
الـجنــس : ذكــر
عدد الـنقـاط : 547
مؤشر المستوى: 67
الفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of lightالفارس الانيق is a glorious beacon of light
بيانات الطالب:
الكلية: كليه الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: علم اجتماع
المستوى: المستوى الثامن
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
الفارس الانيق غير متواجد حالياً
رد: النظريات الاجتماعية من 3 الى 7

المحاضرة السادسة
النظرية البنائية الوظيفية
( تالكوت بارسونز)
النظرية البنائية الوظيفية
يمكن القول بأن ما أصبح يعرف بالاتجاه البنائي الوظيفي في النظرية الاجتماعية يمثل اكثر الاتجاهات رواجا في علم الاجتماع في خلال الخمسين عاما الأخيرة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأروبا.
وخلال هذه السنوات الخمسين ظهرت مؤلفات عديدة حول هذا الاتجاه النظري في علم الاجتماع سواء منها ما تناولته بالشرح أو التعديل أو الحذف والإضافة والنقد. وقد اعتبر هذا الاتجاه من المعالم الرئيسية لعلم الاجتماع الاكاديمي المعاصر.
ويميل كثير من علماء الاجتماع الذين يروجون لهذا الاتجاه الى اعتبار علم الأنثروبولوجيا هو المصدر الأساسي لذلك الاتجاه. ويشيرون بصفة خاصة الى كتابات كل من راد كليف براون ومالينوفسكي.
إلا ان هناك علماء اجتماع آخرين يرون أن هذا الميل من جانب علماء الاجتماع الوظيفيين الى الربط بين نشأة الاتجاه الوظيفي في علم الاجتماع وبين الاتجاه الوظيفي في
الأنثروبولوجيا الثقافية إنما هو تشويه للحقيقة ومحاولة لإخفاء الطابع الأيديولوجي المحافظ لذلك الاتجاه. فالواقع أن الاتجاه الوظيفي كما سيتبين لنا أنه يعتمد على المسلمات الأساسية للاتجاه العضوي الذي كان سائدا في النظريات الاجتماعية الأولى في علم الاجتماع والذي تخلى عنه علماء الاجتماع بعد ما أصبح هذا الاتجاه كما يقول (مارتن ديل) سيء السمعة وموصوما بوصمة الرجعية.
والمسلّمة الأساسية التي تعتمد عليها البنائية الوظيفية والتي تدور حول فكرة تكامل الأجزاء في كلٍ واحد، والاعتماد المتبادل بين العناصر المختلفة للمجتمع هي التي كانت تدور حولها فكرة الاتفاق العام عند أوجست كونت وفكرة التكامل الذي يصحب التمايز عند سبنسر ونظرة باريتو للمجتمع على أنه في حالة توازن، كما أن نفس هذه المسلمة كانت موجوده في أعمال دوركايم.
والبنائية الوظيفية ليست في واقع الأمر سوى صياغة جديدة لأفكار ومسلمات قديمة تعود الى القرن (19م) وترتبط بظهور ذلك الاتجاه القوي ذي الصبغة العلمية للدفاع عن النظام الرأسمالي وتبريره.
وعلى ذلك فإن المؤسسين الحقيقيين للوظيفية هم علماء الاجتماع الأوائل من الوضعيين العضويين وتعتمد الوظيفية بصفة أساسية على فكرة النسق العضوي Organic system التي اعتمدت عليها النظريات العضوية. وهي الفكرة التي مؤداها ( أن كل شيء يمكن أن ينظر إلية باعتباره نسقا أو كلا متكاملا يتكون من أجزاء مثل الكائن الحي) .
ويجدر بنا قبل أن نستطرد في شرح العلاقة بين الوظيفية وبين الوضعية والأنثروبولوجيا الثقافية أن نحدد أولا الخصائص الأساسية للاتجاه الوظيفي في النظرية الاجتماعية.
على الرغم من أن هناك عديدا من علماء الاجتماع الذين ينتمون الى الاتجاه الوظيفية مثل روبرت ميرتون وتالكوت بارسونز ... وغيرهم،
مسلمات النظرية الوظيفية
وبالرغم من الاختلافات بين هؤلاء العلماء إلا انه يمكن القول بصفة عامة أن الاتجاه الوظيفي يعتمد ست أفكار أو مسلمات رئيسية محورية هي:
  • يمكن النظر الى أي شيء سواء كان كائنا حيا أو اجتماعيا ، فردا كان أو جماعة صغيرة أو تنظيما رسميا أو مجتمعا أو حتى العالم بأسره على أنه نسق أو نظام (System). وهذا النسق يتألف من عدد من الأجزاء المترابطة. فجسم الإنسان يتكون من مختلف الأعضاء والأجهزة، والجهاز الدوري فيه عبارة عن نسق يتكون من مجموعة من الأجزاء، وشخصية الفرد نسق يتكون من أجزاء مختلفة مثل السلوك والحالة الانفعالية والعقلية... الخ وكذلك المجتمع والعالم.
  • لكل نسق احتياجاته الأساسية لابد من الوفاء بها والا فإن النسق سوف يفنى أو يتغير تغيرا جوهريا. فالجسم الإنساني مثلا يحتاج الى الأكسجين والماء، وكل مجتمع يحتاج لأساليب لتنظيم السلوك(القانون) ومجموعة لرعاية الأطفال(الأسرة) وهكذا.
  • لابد أن يكون النسق دائما في حالة توازن Equilibrium ولكي يتحقق ذلك فلابد أن تلبي أجزاؤه المختلفة احتياجاته. فإذا اختلت وظيفة الجهاز الدوري فإن الجسم سوف يعتل وصبح في حالة من اللاتوازنDisequilibrium ..
  • وكل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفيا Functional أي يسهم في تحقيق توازن النسق. وقد يكون ضارا وظيفياDis-Functional أي يقلل من توازن النسق وقد يكون غير وظيفي Non-Functional أي عديم الفائدة والقيمة بالنسبة للنسق.
  • يمكن تحقيق كل حاجة من حاجات النسق بواسطة عدة متغيرات أو بدائل. فحاجة المجتمع لرعاية الأطفال مثلا يمكن أن تقوم بها الأسرة أو دار الحضانة، وحاجة المجموعة للتماسك قد تتحقق عن طريق التمسك بالتقاليد أو عن طريق الشعور بالتهديد من عدو خارجي.
  • وحدة التحليل يجب أن تكون الأنشطة أو النماذج السلوكية المتكررة. فالتحليل الاجتماعي الوظيفي لا يحاول أن يشرح كيف ترعى أسرة معينة أطفالها ولكنه يهتم بكيفية تحقيق الأسرة بوصفها نسقا اجتماعيا(نظاما) هذا الهدف.
الهدف الرئيسي في النظرية الوظيفية
إن هدف الوظيفية أو التفسير الوظيفي :هو الكشف عن كيفية إسهام أجزاء النسق في تحقيق النسق ككل لاستمراريته أو الإضرار بهذه الاستمرارية . فعلم الاجتماع الوظيفي قد يحاول الكشف عن دور وسائل الاتصال الجمعي في المجتمعات المركبة في تحقيق المجتمع لتوازنه. وقد يحاول أن يكشف عن الجوانب السلبية للحرب أو الجريمة بالنسبة للمجتمع.
ولكي نوضح أكثر المقصود الوظيفي نأخذ كمثال تحليل(كنجزلي ديفز، وولبرت مور) للتدرج الاجتماعي أو (التفاوت الطبقي) حيث يقول المؤلفان: (( أن التدرج الاجتماعي الذي هو عبارة عن ترتيب للمجموعات أو الأفراد في درجات أو رتب ذات مكانات مختلفة مثل: الطبقات الاجتماعية أو الفئات المهنية هو شيء وظيفي بالنسبة للمجتمع، أي أنه لا بد أن
يكون قائما باستمرار لأن هذا التدرج هو أساس شغل المراكز الهامة في المجتمع بأكثر الأشخاص كفاءةً. ويعني كل من (ديفز ومور) بذلك أنه اذا كانت هناك مساواة بين الناس في أوضاعهم الاجتماعية وفيما يحصلون عليه من مزايا، فإن المجتمع لن يستطيع المحافظة على حالته السوية. فالمراكز السياسية والاقتصادية الهامة ستظل خالية أو ستُشغل بأشخاص غير أكفاء مما سيؤدي الى اختلال المجتمع. ويفترض(ديفز ومور) أن عدد الأفراد الأكفاء والمؤهلين لشغل هذه المراكز محدود، وأمثال هؤلاء لابد أن يضحوا في البداية خلال عملية تدريبهم وبالتالي فإنهم لابد أن يحصوا على امتيازات كافية تشجعهم على تحمل فترة التدريب هذه.
وعلى ذلك فان نظام التدرج يسهم في أداء المجتمع لوظائفه، أي يكون وظيفيا بالنسبة للمجتمع بوصفه نسقاً.
ويرى عالم اجتماع أخر أن الأسرة تقوم بإشباع حاجات كل من الفرد والمجتمع، أي أنها وظيفية بالنسبة للاثنين. فوظائف الأسرة بالنسبة للمجتمع هي:
1. المحافظة على النوع. 2. تنظيم السلوك الجنسي.
3. تزويد الأطفال باحتياجاتهم الجسمية والاقتصادية والنفسية.
4. المحافظة على التراث الثقافي ونقله من جيل الى جيل.
أما بالنسبة لوظيفتها للفرد فإنها تؤدي لها التالي:
1. البقاء الطبيعي. 2. الإشباع الجنسي.
3. الرعاية والحماية. 4. التنشئة الاجتماعية.
5. اكتسابه صفاته الاجتماعية.
معنى كلمة (وظيفة) في علم الاجتماع
ويستند التحليل الوظيفي – كما يؤكد كثير من العلماء – على التصور العضوي للمجتمع، أي النظر للمجتمع بوصفه يشبه الكائن الحي، وبذلك تستمد الوظيفية مسلماتها الأساسية من الاتجاه العضوي الذي أسسه (كونت ودوركايم وغيرهما) والذي اعتمد عليه علماء الأنثروبولوجيا في تحليلاتهم الوظيفية للمجتمعات البدائية، ثم ما لبث تأثيرهم أن انتقل مرة أخرى الى علم الاجتماع.
ماذا تعني كلمة (وظيفة) في النظرية الوظيفية:
استخدمت كلمة وظيفة بعدة معانٍ في علم الاجتماع، من أهمها:
  • الإسهام الذي يقدمه الجزء للكل - الذي قد يكون المجتمع أو الثقافة- وهذا هو المعنى الذي استخدمها به كل من دروكايم وبراون ومالينوفسكي.
  • الإسهام الذي تقدمه الجماعة الى أعضائها أو الإسهام الذي يقدمه المجتمع الكبير للجماعات الصغيرة التي يضمها.
  • تستخدم – الوظيفة – للإشارة الى دراسة الظواهر الاجتماعية باعتبارها عمليات أو أثارا لأبنية اجتماعية مثل انساق القرابة أو الطبقة..الخ.
ومن أهم الأفكار في النظرية الوظيفية هي أن العمليات أو الأجزاء ذات أهمية ثانوية بالمقارنة بالنسق عند تحليل المجتمع.
ويختلف علماء الاجتماع الذين يتبنون الاتجاه الوظيفي في نوعية الأنساق التي يهتمون بملاحظتها، 1- فمنهم من يركز على تحليل انساق صغيرة(كالمجموعات) ويمثل هذا الاتجاه مجموعة من العلماء، ويعرفونها بوظيفية الوحدات الصغرى Micro-Functionalism . 2- ومنهم من يركز على تحليل أنساق كبيرة (كالمجتمع) ويمثل هذا الاتجاه: ميرتون وبارسونز، ولكن جميع الوظيفيين يشتركون في أن الخصائص التي يحللونها دائما هي خصائص معنوية أو فكرية. أي أنهم مثاليون.
وفيما يلي سنعرض باختصار وتركيز لاثنين من ممثلي الاتجاه الوظيفي البنائي هما عالما الاجتماع الأمريكيين الشهيرين : تالكوت بارسونز، وروبرت ميرتون.
بارسونز:
فقد تأثر بارسونز فكريا بعالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، وعالم النفس النمساوي فرويد والإيطالي باريتو صاحب نظرية الصفوة وعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر وكذلك بعلماء الاقتصاد التقليديين.
وقد بدأ بارسونز كتاباته النظرية مسترشدا بماكس فيبر، ويمكن تصنيف مؤلفاته الأولى تحت نظريات الفعل الاجتماعي السابق الحديث عنها.
ويرتكز الاطار النظري لبارسونز على أربعة مفاهيم أساسية:
* الفعل الاجتماعي Social Action* الموقف Situation
* الفاعل Actor *توجيهات الفاعلين Actor's Orientation
ويرى بارسونز أن كل فعل عبارة عن سلوك، ولكن كل سلوك لي فعلا. مثال :فاتجاه الفراشة نحو الضوء والذي يعتبر استجابة آلية من جانب ذلك الكائن لمنبه الضوء سلوكا وليس فعلا، وذلك لانتفاء العنصر الذاتي في هذا السلوك، أما إن كان سلوك الفراشة صدر بتفكير واختيار فهذا فعلٌ وليس سلوكا.
وعلى ذلك فالذي يفرّق بين الفعل والسلوك ، هو ان الفعل يتصف بعنصر اتخاذ القرار الذي يقع بين المنبه والاستجابة. أما الموقف فإنه قد يكون المسرح أو أي ظرف يكون فيه الفاعل مضطرا لاتخاذ قرار يختار بموجبه بين أدوار بديلة يقوم بها. والموقف يتضمن مجموعة متنوعة من المنبهات الممكنة، وبصفة خاصة الموضوعات سواء كانت إنسانية أو غير إنسانية وكذلك مجموعة من المعايير التي هي عبارة عن: تصورات لما هو مرغوب فيه . ومهمة الباحث أن يحدد كيف ولماذا يستجيب الفاعل لمنبهات معينة دون غيرها.
وحين يوجد الفاعل في موقف ما ويكون عليه أن يقوم فيه بفعل معين فإن هناك ما يحدد اختياره لنوعية ذلك الفعل وهذه المحددات هي ما اسماها بارسونز بالتوجيهات Orientations .
فحين نتعامل مع الآخرين فإنه توجهنا عدة أشياء، فلا بد ان نقرر ما اذا كان تعاملنا معهم سيكون على أساس علاقة انفعالية أو سيكون محايدا انفعاليا ، وبناء على ذلك نقرر ما اذا كنا سنتعامل معهم على أساس انهم شخصيات متكامل هاو على أساس جزئي ثانوي فحين يختار رجل ما زوجة له ، فانه يتعامل معها انفعاليا وعلى أساس أنها شخصية متكاملة، وحين يختار طبيبا ليعالجه فانه يتعامل معه على أساس غير انفعالي وبالتالي ينظر آليه من جانب واحد فقط هو كفاءته في وظيفته( وقد اسمى بارسونز ذلك بالتوجيهات الإدراكية الدافعة).
كذلك يجب ان نختار بين ان نتصرف في موقف ما على أساس المصلحة الذاتية أو على أساس مصلحة المجموعة( واسمى ذلك بالتوجيهات التقويمية الدافعية).
وقد ميّز بارسونز بين ما اسماه بالتوجيهات الدافعية والتوجيهات القيمية. حيث تشير التوجيهات الدافعية الى تلك الجوانب من توجيهات الفاعل نحو موقفه والتي ترتبط بالإشباع أو الحرمان الفعليين أو الممكنين لاحتياجات الفاعل.
وتوجد ثلاثة أنواع من التوجيهات الدافعية:
  • التوجيهات المعرفية: وتتضمن تحديد مكان الموضوع الذي نتعامل معه في عالم موضوعات الفاعل وتحديد خصائصه ووظائفه الفعلية الممكنة وتمايزه عن غيره من الموضوعات.
  • التوجيهات الانفعالية : وتتضمن مختلف العمليات التي يوزع بواسطتها الفاعل طاقته على مختلف الأعمال فيما يتعلق بمختلف الموضوعات ذات الدلالة الانفعالية في محاولته زيادة الإشباع.
  • أما التوجيهات القيمية: فتشير الى المعايير الثقافية أو الى تلك الجوانب من توجيهات الفاعل التي تجبره على ان يأخذ في اعتباره إمكانية تطبيق معايير معينة ومحكات اختيار حين يكون في موقف يسمح له بأن يختار السلوك الذي يقوم به.
وتنقسم هذه التوجيهات القيمية بدورها الى ثلاثة أنواع:
‌أ- ‌التوجيهات المعرفية: وتتضمن الالتزام بمعايير معينة ثبت صدقها معرفيا.
‌ب- التوجيهات التقديرية: وتتضمن الالتزام بمعايير معينة ثبت بواسطتها ملائمة أفعال معينة لموضوع ما انفعاليا.
‌ج- التوجيهات الأخلاقية: وتتضمن الالتزام بمعايير معينة تحددت صلاحيتها على أساس نتائج الأفعال بالنسبة للنسق الكلي(أي المجتمع).
النظرية الوظيفية لدى بارسونز
وهذه العناصر المختلفة التي بدأ بارسونز يدرسها ( أي الفاعل والفعل والموقف والتوجيهات) ارتكز عليها فيما بعد عند محاولته تكوين نظرية بنائية وظيفية عن المجتمع، وهي التي يرى ان أي نسق يتكون منها فهي تدخل في تكوين ثلاثة أنواع من الأنساق: 1- النسق الاجتماعي 2- نسق الشخصية 3- النسق الثقافي.
ويعرّف بارسونز النسق الاجتماعي عدة تعريفات أوضحها ذلك الذي يقول: ( والنسق الاجتماعي عبارة عن فاعِلَين أو اكثر يحتل كل منهم مركزا أو مكانة متمايزة عن الأخرى ويؤدي دورا متمايزا، فهو عبارة عن نمط منظم بحكم علاقات الأعضاء ويصف حقوقهم وواجباتهم تجاه بعضهم البعض، واطار من المعايير أو القيم المشتركة بالإضافة الى أنماط مختلفة من الرموز والموضوعات الثقافية المختلفة).
ويعرّف بارسونز الدور بانه: سلوك الفاعل في علاقته مع آخرين اذا ما نظرنا الى هذا السلوك في سياق أهميته الوظيفية للنسق الاجتماعي، أما المكانة فتشير الى موقع الفاعل في . نسق علاقة اجتماعية معينة.
وعندما يتكون نمط ثابت نسبيا من الأدوار يسمى ذلك بناء Structure أما النمط الثابت من علاقات الأدوار فيسمى نظاما Institution.
أما النسق الثقافي فيرى بارسونز انه نتاج لانساق التفاعل الاجتماعي من ناحية ومحددا لهذا التفاعل من ناحية أخرى، وقد ميّز بارسونز بين ثلاثة أنماط من الانساق الثقافية:
  • انساق الأفكار أو المعتقدات.
  • انساق الرموز التعبيرية مثل الفن.
  • انساق التوجيهات القيمية.
ويرى بارسونز أن الانساق الاجتماعية تتصف بخاصيتين أساسيتين هما:
أولا: ميل مكونات النسق الى الحفاظ على درجة عالية من التكامل على الرغم من الضغوط البيئية. ثانيا: ميل الى التوازن أي استمرارية مكونات النسق في أداء وظائفها.
كما يرى بارسونز في نظريته عن (النسق الاجتماعي) أولاً: أن المجتمع يملك واقعا وحقيقة اجتماعية مستقلة كنسق اجتماعي، عن وجود الأفراد. ثانياً: يُبرِزُ البناء الاجتماعي أو الأنساق الفرعية التي يتكون منها البناء ( المنظمات Organization ) عددا من الوظائف الأساسية الهامة . وتتكون هذه الوظائف من :
  • التكامل: Integration: بمعنى أن النسق يعتمد على مجموعة من المعايير التي تربط الفرد بالمجتمع، فينتج التكامل المعياري في نسق المجتمع العام ككل.
  • نمط المحافظة: Pattern maintenance : ويعني أن النسق بما يتضمنه من معايير وقيم لها عموميتها، يؤدي الى المحافظة على نمط التفاعل فلا يخرج أو ينحرف عن حدود النسق.
  • التكيف: Adaptation : ويعني أن كل نسق اجتماعي عليه أن يتكيف مع البيئة الاجتماعية والمادية التي يوجد بها . فالفرد من خلال دوره يتكيف مع نسق المجتمع العام، والمجتمع العام يجب أن يتكيف مع نسق المجتمع الدولي.
  • تحقيق الهدف: Goal attainment: ويقصد به أساليب الأفراد الفاعلين من أجل تحقيق الهدف . بمعنى أن الأفراد أثناء إشباعهم لحاجاتهم يختلفون من حيث مكونات شخصية كل منهم، حيث يختار كل منهم بديلا من البدائل المتاحة في النسق الثقافي.
ما سبق يعني :أن أي نسق لابد أن يتكيف مع البيئة الطبيعية ويهيئ الوسائل الاقتصادية الضرورية لحياة أعضائه، ولكي يحقق النسق أهدافه لابد له من صورة ما من التنظيم السياسي (أي تركيز القوة) ولابد من حماية النسق لنفسه من التحلل والتفكك وذلك عن طريق وضع مجموعة من القوانين والتنظيمات وإقامة جهاز شرطي يعمل على تنفيذها( التكامل)كما لابد له من تدريب الأعضاء الجدد عن طريق الضبط الاجتماعي على المشاركة في نشاطات المجموعة تبعا للأساليب المحددة.
ويشير بارسونز الى المجتمع الإنساني ككل بوصفه نسقا يتكون من مجموعة من الأنساق (المجتمعات) التي يشكل كل منها نسقا مستقلا نسبيا ولكنها جميعا تشكل سويا نسق المجتمع الإنساني.



المحاضرة السابعة
النظرية البنائية الوظيفية
( روبرت ميرتون )
النظرية البنائية الوظيفية ( روبرت ميرتون )
على الرغم من الاختلافات بين تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون في تفاصيل النظرية التي حاول كل منهما، وبالرغم من الانتقادات التي وجهها كل منهما للآخر ومن التعديلات التي اقترح ميرتون إدخالها على الوظيفية، إلا أن كليهما يبدا من نفس المسلمات النظرية الأيديولوجية التي بدأ بها كل أصحاب الاتجاه الوظيفي وأصحاب الاتجاه العضوي من قبلهم. وأهم هذه المسلمات : أن البناء الاجتماعي في حالة ثبات وتوازن وأن هناك تكاملا بين عناصر هذا البناء، وأن هناك إجماعا عاما بين أعضاء المجتمع على قيم معينة وان هناك توازناً يجب ألا يصيبه الخلل في البناء الاجتماعي.
لقد بدأ ميرتون – الذي كان تلميذا لتالكوت بارسونز – بنقد بارسونز على أساس ان أعماله تمثل جهدا غير ناضج لمحاولة تكوين نظرية اجتماعية عامة، ولكنه لم يمس في كتاباته المسلمات الرئيسية التي ارتكزت عليها أعمال بارسونز أو غيره من الوظيفيين، وذلك بسبب أنه هو ذاته يسلم بها تماما، وبدلا من ذلك ركز جهده على نقد تفاصيل هذه الأعمال أو الفروض الجزئية التي تحتوي عليها.
ورأى ميرتون أن النظرية في علم الاجتماع يجب أن تكون ( متوسطة المدى:Middle range ) وعرّف النظرية متوسطة المدى بانها تلك " التي تقع بين طرفين: الطرف الأول يتمثل في مجموعة الافتراضات العلمية البسيطة التي نقابلها عند إجراء البحوث الميدانية. والطرف الثاني يتمثل في النظريات الشاملة الموحدة التي تسعى لتفسير كل ملاحظة عن انتظام في السلوك الاجتماعي والتنظيم الاجتماعي.
وبعبارة أخرى يقترح ميرتون مستوى من النظرية الاجتماعية الامبيريقية والتي تتضمن قدرا كبيرا من التجريد. ولكنه أقل من مستوى النظرية الكبرى Grand Theories .والتي تتضمن قدرا كبيرا من التجريد، وبرر ميرتون دعوته لهذا المستوى المتوسط من التجريد بأنه يسمح بإخضاع ما يتضمنه من قضايا للاختبار الامبيريقي نظرا لقرب هذه القضايا من الوقائع الملموسة.
أمثلة للنظرية متوسطة المدى
وعلى ذلك فان النظرية متوسطة المدى تتناول أساسا جوانب معينة من الظواهر الاجتماعية، وليست الظواهر في عموميتها، فيمكن مثلا أن تكون لدينا نظرية عن الجماعات المرجعية ونظرية عن الحراك الاجتماعي ونظرية عن صراع الأدوار ونظرية عن تكون القيم... الخ.
وبعد أ تصبح لدينا هذه النظريات المتعددة ذات المدى المتوسط يمكننا في المستقبل أن نصوغ منها نظرية عامة موحدة، لكن الوقت لم يحن بعد لتكوين مثل هذه النظرية الموحدة.
وقد حدد ميرتون مجموعة من الوحدات التي يجب أن تمثل بؤرة لاهتمام التحليل في النظرية الاجتماعية متوسطة المدى مثل : الأدوار الاجتماعية، العمليات الاجتماعية، الأنماط الثقافية، الانفعالات المحددة ثقافيا، المعايير الاجتماعية، تنظيم الجماعة، البناء الاجتماعي، وأساليب الضبط الاجتماعي... الخ.
وبذلك جعل بؤرة اهتمام النظرية الاجتماعية ما اسماه:
بالعناصر الثقافية المقننة Standardized Cultural items ) ).
وقد استمد ميرتون مسلماته الأساسية عن الوظيفية من علماء الأنثروبولوجيا وبخاصة رادكليف براون ومالينوفسكي. وصاغ نظريته الوظيفية من أهم مؤلفاته ( النظرية الاجتماعية والبناء الاجتماعي) الذي نشر عام 1949م.
وقد استخدم ميرتون كلمة وظيفة بمعنى « الإجراءات البيولوجية الاجتماعية التي تساعد على الإبقاء على النسق وعلى تكيفه أو توافقه وهذه الإجراءات قابلة للملاحظة.
فمثلا: اذا نظرنا الى الجسم بوصفه نسقا بيولوجيا فان ضخ الدم يكون إجراء بيولوجيا يقوم به القلب للمحافظة على بقاء الجسم، وبذلك تكون وظيفة القلب. واذا نظرنا للمجتمع على أنه نسقا اجتماعيا فان المحافظة على النظام تكون إجراء اجتماعيا تساعد على بقاء المجتمع ويكون وظيفة الحكومة هكذا.
والوظيفة بهذا المعنى لها مؤشرات موضوعية قابلة للملاحظة، ولا يجب الخلط بينها وبين الأهداف والأغراض أوالدوافع . فهذا الزواج أو الدافع اليه مثلا يختلف عن وظيفة الزواج. والأسباب التي يقدمها الناس تفسيرا لسلوكهم تختلف عن نتائج
هذا السلوك بالنسبة للنسق الاجتماعي – تلك النتائج التي يمكن ملاحظتها.
وقد انتقد ميرتون غيره من أصحاب الاتجاه الوظيفي، وخاصة رادكليف براون على أساس ان الافتراضات التي ترتكز عليها نظريتهم شديدة العمومية وغير المحدودة، فهؤلاء العلماء قد افترضوا أن الأنشطة الاجتماعية المقننة أو العناصر الثقافية وظيفية بالنسبة للمجتمع بأسره وأن جميع هذه العناصر الثقافية والاجتماعية تؤدي وظائف اجتماعية وأن هذه العناصر لا يمكن للمجتمع الاستغناء عنها.
ورأى ميرتون ان هذه الافتراضات غير صحيحة ولذلك فانه أقام نظريته على ثلاث فروض أساسية بديلة هي :
1) العناصر الاجتماعية أو الثقافية قد تكون وظيفية بالنسبة لمجموعات معينة وغير وظيفية Non functional بالنسبة لمجموعات غيرها، وضارة وظيفيا Dies-functional بالنسبة لمجموعات أخرى وعلى ذلك فلابد من تعديل فكرة أن أي عنصر اجتماعي أو ثقافي يكون وظيفيا بالنسبة للمجتمع بأسرة.
2) أن نفس العنصر قد يكون له وظائف متعددة ونفس الوظيفة يمكن تحقيقها بواسطة عناصر مختلفة(البدائل الوظيفية).فمثلا الملابس التي يمكن ان تؤدي عدة وظائف مختلفة، فهي تساعد على الوقاية من الطقس أو تكسب الفرد مكانة اجتماعية معينة أو يكون لها دور في تحديد جاذبية الشخصية. ومعنى ذلك ان هناك تنوعا في الوسائل التي يمكن ان تحقق هدفا وظيفيا معينا. وقد استخدم ميرتون لذلك مفهوم ( البدائل الوظيفية).
3) يجب ان يحدد التحليل الوظيفي الوحدات الاجتماعية التي تخدمها العناصر الاجتماعية أو الثقافية. ذلك أن بعض العناصر قد تكون ذات وظائف متعددة، وقد تكون بعض نتائجها ضارة وظيفيا.
ويرى " دون مارتنديل" أن ميرتون قد أضاف الى التحليل الوظيفي إضافتين رئيسيتين هما:
أولا: أنه قدّم مفاهيم مهمة كـ" المعوقات الوظيفية، أو الأضرار الوظيفية Dies-function والذي يعني النتائج القابلة للملاحظة والتي تقلل من تكيف النسق الاجتماعي أو توافقه، وأن كان إيميل دوركايم وراد كيف براون قد أشارا الى ذلك بصورة أو بأخرى في أعمالهما.
ثانيا: أنه ميّز بين نوعين من الوظيفة الاجتماعية: الوظيفة الظاهرة Manifest function . والوظيفة الكامنة Latent function. ويقصد ميرتون بالوظيفة الظاهرة: هي تلك النتائج الموضوعية التي يمكن ملاحظتها والتي تسهم في الحفاظ على النسق والتي يقصدها المشاركون في النشاط. أما الوظيفة الكامنة: فهي التي لم تكن مقصودة أو متوقعة.
مثال : دور الدّين في تحقيق التكامل الاجتماعي، هذا الدور مثلما قرر دوركايم لم يكن مقصودا، وعلى ذلك فان التكامل الاجتماعي يعتبر في هذه الحالة وظيفة كامنة للدين .
وأما اذا استخدم الدين عن قصد بواسطة الطبقة الحاكمة لتخدير الطبقات المحكومة وإخضاعها للنظام، مثلما قرر مارك، فان هذه النتائج تكون وظيفة ظاهرة للدين. وجدير بالذكر أن ميرتون لم يستحدث مفهومي الوظيفة الظاهرة والكامنة، ولكنه استعارها من (فرويد) الذي استخدمها في التمييز بين المحتوى الظاهر (الشعوري) والمحتوى الكامن(اللاشعوري) للحلم، مما يدل على تركيز ميرتون على الجوانب النفسية.
ويرى مارتنديل أن من أهم نماذج التحليل الوظيفي عند روبرت ميرتون تتمثل في دراسته عن البناء الاجتماعي واللامعيارية. ففهي هذه الدراسة طبق ميرتون نظريته الوظيفية في تحليل المصادر الاجتماعية والثقافية للسلوك المنحرف، وكان هدف ميرتون من هذه الدراسة أن يبين كيف يمارس البناء الاجتماعي ضغوطا محددة على أشخاص معينين
في المجتمع تجعلهم يمارسون سلوكيات غير امتثالية بدلا من ممارستهم لسلوك امتثالي.
وقد بدأ ميرتون دراسته( نظريته) بمسلمة هي التالية: (أن الأبنية الاجتماعية والثقافية تصوغ صفة المشروعية على أهداف معينة، وعلاوة على ذلك تحدد أساليب معينة مقبولة اجتماعيا لتحقيق تلك الأهداف). أي أن ميرتون ميز بين عنصرين رئيسيين فيما اسماه بالبناء الثقافي للمجتمع: الأهداف المحددة ثقافيا من جهة، والأساليب النظامية لتحقيق هذه الأهداف من جهة أخرى.
وفي المجتمع جيد التكامل نجد تكاملا وتناغما بين الأهداف والأساليب، فكل من الأهداف والأساليب تجد تقبلا من أفراد المجتمع ككل، كما أنها تكون ميسورة لهم جميعا. ويحدث اللاتكامل في المجتمع عندما يكون هناك تأكيد على أحد الجانبين بدرجة لا تتناسب مع التأكيد على الجانب الآخر، وهذا ما يحدث في المجتمع الأمريكي. فهناك في هذا المجتمع تأكيد على أهداف معينة، مثل النجاح الفردي وجمع الثروة وارتقاء السلم الاجتماعي دون تأكيد مماثل
على الأساليب ( الوسائل ) النظامية والمشروعة لتحقيق هذه الأهداف. فأساليب تحقيق هذه الأهداف غير متاحة للجميع في المجتمع.
وقد نشأ عن ذلك حالة من اللامعيارية( اللانظام) في المجتمع. وذلك أنه لابد من أن تكون هناك درجة من التناسب بين هدف تحقيق النجاح وبين الفرص المشروعة للنجاح بحيث يحصل الأفراد على الإشباع الضروري الذي يساعد على تحقيق النسق الاجتماعي لوظائفه، فاذا لم يتحقق ذلك فإن الوظيفة الاجتماعية تصاب بالخلل ويحدث ما اسماه بالمعوقات الوظيفية.
وقد قدّم ميرتون تصنيفا لأنماط استجابات الأفراد أو تكيفهم لذلك والتفاوت أو الانفصام بين الأهداف المرغوبة والمحددة ثقافيا( أي النجاح) وبين الأساليب المتاحة لتحقيق هذه الأهداف. وقد قرر أن هناك خمسة أنماط لتكيف الأفراد في المجتمع، أول هذه الأنماط وظيفي، أي يساعد على بقاء النسق الاجتماعي. والأربعة الآخرين ضارين وظيفيا(أو أنماط تكيف منحرفة) أي تهدد بقاء النسق. وهذه الأنماط الخمسة هي:
1) نمط الامتثال: ويحدث هذا النمط من التكيف حين يتقبل الأفراد الأهداف الثقافية ويمتثلون لها وفي نفس الوقت يتقبلون الأساليب التي يحددها النظام الاجتماعي بوصفها أساليب مشروعة لتحقيق هذه الأهداف. ومثال ذلك: تقبل الأفراد لهدف تحقيق النجاح والحصول على دخل مرتفع وتقبلهم لاستكمال تعليمهم كأسلوب لتحقيق ذلك الهدف فاذا كانت فرصة التعليم متاحة لكل أو اغلبيه أفراد المجتمع فان حالة من الثبات أو التكامل سوف تسود المجتمع لان غالبية الناس سوف تتقبل الأهداف وأساليب تحقيقها في نفس الوقت أما اذا كان بالمجتمع تأكيد على الأهداف فقط دون إتاحة الأساليب اللازمة لتحقيقها لكل الناس فان احد الأنماط الأربعة الآتية من التكيف الانحرافي يمكن ان تحدث.
2) نمط الابتداع: ويرى ميرتون أن هذا النمط من التكيف هو اهم انماط التكيف الانحرافي في المجتمع الامريكي. ويعني به أن نسبة كبيرة من الناس في المجتمع تتقبل أهداف
النجاح التي تؤكد عليها الثقافة الأمريكية ولكنها تجد فرص تحقيق تلك الأهداف مغلقة أمامهم لان توزيع هذه الفرص غير متكافئ. وفي هذه الحالة يرفضون أساليب مشروعة لتحقيق هذا الهدف ويسود هذا النوع من التكيف لدى الطبقات العاملة.
3) نمط الطقوسية: يتمثل هذا النمط من التكيف في التخلي عن الأهداف الثقافية للنجاح الفردي وتحقيق الثروة وصعود السلم الاجتماعي أو التقليل من مستوى طموح الفرد حتى يصل الى درجة منخفضة يمكن معها إشباع هذا الطموح، وفي نفس الوقت يظل الفرد ملتزما بطريقة شبه قهرية بالأساليب المشروعة لتحقيق الأهداف على الرغم من أنها لا تحقق له شيئا يذكر. ويسود هذا النوع من التكيف لدى الطبقة الوسطى الدنيا، مثل صغار الموظفين البيروقراطيين في الشركات والمصالح الحكومية. ويفسر ميرتون وجود هذا النمط من التكيف بانه يرجع الى أسلوب التنشئة الاجتماعية الصارم السائد في هذه الطبقة والى الفرص المحددة للتقدم المتاحة لأعضاء هذه الطبقة.
4) الانسحابية: وهو من أقل الأنماط شيوعا في المجتمع الأمريكي. والفرد الذي يلجأ إلى هذا النمط الانسحابي يعيش في المجتمع، ولكنه لا يكون جزءا منه، بمعنى انه لا يشارك في الاتفاق الجماعي على القيم المجتمعية. والانسحابي يتخلى عن كل الأهداف والأساليب التي يحددها النسق. ومن أمثلة هذا النمط من التكيف الانحرافي حالات الجنون والتشرد وإدمان المخدرات والخمور. ويرى ميرتون أن هذا النوع من الأفراد لا يقبل الأساليب الإبداعية( غير المشروعة) لتحقيق الأهداف وفي نفس الوقت لا تتاح له الفرصة لاستخدام الأساليب المشروعة لتحقيقها ولا يكون أمامه من مفر سوى ان ينسحب من المجتمع الى عالمه الخاص( الجنون أو السكر أو الأوهام). وهكذا يحل هذا الفرد الصراع النفسي عن طريق الهروب الكامل من المجتمع.
5) نمط التمرد : يتسم هذا النمط من التكيف بإدانة ( وليس مجرد رفض كما هو الحال في النمط السابق) كل الأهداف الثقافية للنجاح والالتزام بالأساليب النظامية لتحقيقها. أي اذا
كان النمط السابق يتسم برفض الأهداف والأساليب رفضا سلبيا والهروب من المجتمع فإن هذا النمط يتسم بالرفض الإيجابي والسعي الى استبدال البناء الاجتماعي القائم ببناء أخر يضم معايير ثقافية مختلفة للنجاح وفرصا أخرى لتحقيقه.
من العرض السابق لاهم إسهامات ميرتون يتضح أنه يرتكز على نفس المسلمات الأساسية التي يرتكز عليها غيره من الوظيفيين وإن كان يختلف عنهم في بعض الافتراضات الثانوية. فهو يسلم دون ما جدال بأن أساس البناء الاجتماعي هو القيم والمعايير السلوكية، سواء اتخذت في شكل أهداف محددة ثقافيا أو اتخذت شكل أساليب نظامية لتحقيق الأهداف.
كما أنه استبعد البعد التاريخي في تحليله الاجتماعي، ودعا أيضا الى التحليل الجزئي للظاهرات الاجتماعية باستخدام النظريات متوسطة المدى بدلا من التحليل الشمولي للمجتمع. كما أنه أغفل المتغيرات المادية في تفسيره لمنشأ التفاوت بين درجة التأكيد على أهداف النجاح في المجتمع الرأسمالي من جهة ودرجة التأكيد على أساليب تحقيق هذه الأهداف من جهة أخرى.
ويعلق( أيان تايلور وزملاؤه) على إغفال ميرتون الاهتمام بنمط التكيف الامتثالي بقولهم أن ذلك لا يدعو الى الدهشة. فبغض النظر عن حقيقة صعوبة تحديد أمثلة واقعية للأشخاص
الممتثلين في المجتمع الأمريكي، لأن أي شخص يمتثل لأهداف ذلك المجتمع لابد أن يكون بالضرورة أيضا إبداعيا لأنه سيفتش دائما عن أساليب جديدة لتحقيق النجاح، فإن البحث عن مصادر الامتثال كان سيوقع ميرتون في مشكلة عويصة وهي بحث مشروعية السلطة في المجتمع الأمريكي.
كما أن ذلك كان من شأنه أيضا ان يضطره الى مواجهة حقيقة اجتماعية خطيرة تتمثل في أن عدد الأشخاص الممتثلين في المجتمع الأمريكي قليل جدا حتى بين أولئك الذين لا توصد أمامهم فرص تحقيق النجاح بحكم المراكز الاجتماعية التي يشغلونها ولكي يفسر ميرتون ذلك كان سيضطر إلى الخوض في مسائل أعمق من مجرد نقده السطحي لحالة المجتمع اللامعيارية في المجتمع الأمريكي ، أي أنه كان سيخوض في المسائل السياسية والاقتصادية التي يرغب أساسا (كوظيفي) في تجنبها.
إلا أن ميرتون كان الى حد ما ناقدا للمجتمع الأمريكي ويختلف عن بارسونز وغيره من الوظيفيين في أنه لم يتبنَّ بشكل مطلق فكرة وجود الاتفاق الجمعي في المجتمع
لقد أدرك ميرتون وجود تناقضات في النسق الاجتماعي الأمريكي، ولكن التناقضات التي أبرزها ليست ذات طابع مادي وهي جزء من طبيعة النسق حسب رأيه. فهناك عدم تكافؤ للفرص المتاحة للمجموعات المختلفة لتحقيق أهداف النجاح في المجتمع الأمريكي،
ولكن عدم التكافؤ هذا يرجع في رأيه الى العناصر الكامنة في الثقافة الأمريكية. وهكذا لا يقدم ميرتون أي تفسير بنائي لوجود عدم التكافؤ في الفرص في المجتمع أو لوجود مثل هذا المناخ الثقافي والأخلاقي. وهكذا يشبه ميرتون من يفسر الانحلال الخلقي للناس في فترة ما بتخليهم عن التمسك بالمبادئ الأخلاقية. أي انه يفسر ما هو ثقافي بما هو ثقافي. وليس ذلك بتفسير.
نقد ميرتون:
1) سلم ميرتون بالمجتمع القائم مع أنه يفترض أن ينظر الى التشكيلات البنائية الثقافية من خارجها. فهذه مهمة عالم الاجتماع.
2) يرى إيان تايلور بأن ميرتون اقتصر على وصف الواقع الأمريكي ونقد بعض جوانبه الثقافية دون ان يمس جوهر العلاقات فيه. وبذلك يقف ميرتون عند حدود الدعوة الإصلاحية الجزئية للمجتمع. ولم يستمر لطرح البديل وتغيير جذري في المجتمع.
3) أن المشكلة في المجتمع الأمريكي ليست ثقافية فقط بل، بل لان نظام تقسيم العمل لا يقوم على الكفاءة بل على المحسوبية. ويعني أن البناء الاجتماعي قائم على عدم المساواة (المُلكِية الوراثية) التي بسببها لا ينطلق أفراد المجتمع عند مولدهم من نفس نقطة الانطلاق.
4) أن نظرية ميرتون قد تم تطبيقها في المجتمع الأمريكي لمساعدة أبناء الطبقات الفقيرة لتحقيق النجاح، لكن بعد عملهم في بعض المؤسسات فشلوا بسبب فقدانهم المهارات الأساسية للمهن التي عملوا بها، لذا فقد تم الاستغناء عنهم بعد توظيفهم. وتبدو هذه المحاولة – توظيف أبناء الطبقات الدنيا – مجرد تضليل حقيقي. فالفرص ترتبط ارتباطا وثيقا بكيفية توزيع الثروة بين مجموعات المجتمع.
نقد النظرية البنائية الوظيفية
1) بالنسبة لبارسونز وهو من أشهر ممثلي النظرية البنائية الوظيفية فكانت نظريته عبارة عن مجموعة من تلاعب بالمفاهيم والألفاظ المعقدة ليبدو عميقا في تحليله، رغم أن هذا التحليل يفتقد للموضوعية.
2) كانت نظرية بارسونز عبارة عن تبرير أخلاقي لاستمرارية ذوي السلطة في المجتمع في التحكم فيه ويضفي على حكمهم صفة المشروعية.
3) ان تأكيد بارسونز على فكرة التوازن عن طريق الخضوع للمعايير السائدة والمشتركة إنما هو تحذير من أي تمرد أو محاولة لتغيير الأوضاع القائمة.
4) ينتقد عالم الاجتماع الروسي(بوبوف) النظرية الوظيفية على أساس أنها تصور المجتمع على انه نظام ابدي لا يعرف التطور والانتقال الى وضع جديد . فالنظرية الوظيفية ترفض التغير الاجتماعي