رد: محتوى النظريات الاجتماعية من 11 الى 14
المحاضرة (13)
نماذج من النظريات المعاصرة
- النظرية النقدية
- نظرية ما بعد البنيوية
- نظرية ما بعد الحداثة
عناصر المحاضرة • النظرية النقدية : الأفكار الرئيسية
• نظرية ما بعد البنيوية: الأفكار الرئيسية
• نظرية ما بعد الحداثة : الأفكار الرئيسية
• الإسهامات المنهجية لتلك النظريات
• الإسهامات النظرية لتلك النظريات نناقش في هذه المحاضرة الإسهامات الرئيسية للنظرية النقدية، وما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة. فهذه النظريات قدّمت منظورات مترابطة في الغالب بشأن مثالب الوضعية. كما طرحت أيضا طرقا جديدة لتنظير المجتمعات المعاصرة ودراستها. وفتح الباب على مصراعيه لعلم اجتماعي إمبيريقي يتأسس على افتراضات لا وضعية.
النظرية النقدية : الأفكار الرئيسية
ترتبط النظرية النقدية بمعهد البحوث الاجتماعية الذي تأسس في ألمانيا 1923م ، وضم في عضويته مجموعة من العلماء. ولقد حاولت النظرية النقدية تفسير سبب عدم حدوث الثورة الاشتراكية التي تنبأ بها ماركس في منتصف القرن 19م كما كان متوقعا. وانتقدوا بناء منطق الماركسية ومنهجها من أجل تطوير ماركسية ذات صلة بالرأسمالية الناشئة في القرن 20م .التي تقوم على السيطرة والهيمنة والاستغلال، من خلال (تكوين الوعي الزائف) في المجتمع يقوم على تقديس السلع وغلبة النزعة الاستهلاكية والخضوع للنظام.
ويزعم مفكرو فرانكفورت أن هذه القيم التي تغرس في نفوس الناس والطاعة للنظام تتعارض مع مصلحتهم الموضوعية في الحرية. كما يفسر مفكرو فرانكفورت البقاء المدهش للرأسمالية في ضوء الأيديولوجيات العميقة، أو في ضوء الهيمنة التي تقوم عليها الرأسمالية الحديثة.
لقد اتخذت النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت لنفسها موقفا مضادا للوضعية في جميع صورها خاصة الصورة الماركسية، بسبب أنها صورت سقوط الرأسمالية على أنها امر حتمي وفقا لما اسماه ماركس «قوانين الحركة» الاقتصادية.
وقد قدم « يورجين هابرماس» - وهو أحد أهم المنظرين في النظرية النقدية – نظرية (الحركات الاجتماعية الجديدة) والتي تعدّ إضافة امبيريقية وسياسية مفيدة الى الماركسية المتحجرة التي تستبعد جوانب الهيمنة التي يتجاهلها اليساريون البيض خاصة الهيمنة القائمة على الجنس والعرق. ويعد ذلك بمثابة إضافة نظرية الى علم الاجتماع جنبا الى جنب مع . الإسهامات الأخرى لمدرسة فرانكفورت في مجالي نظرية الدولة والتحليل الثقافي.
ولعل ابرز الإسهامات المنهجية التي مازالت النظرية النقدية تقدمها للعلم الاجتماعي هو توجيه أنظار الباحثين الاجتماعيين الامبريقيين الى الافتراضات التي تشكل أساس نزعتهم الامبيريقية، والتي يمكن تطبيقها على تحليل العلم الاجتماعي الوضعي الذي يُفهم منه ظاهريا انه يتسامى عن الأساطير والقيم على الرغم من ان الأفكار المنهجية المهيمنة عليه هي أفكار أسطورية في جوهرها.
ما بعد البنيوية: (الأفكار الأساسية)
بالرغم من الغموض في هذا الاتجاه النظري وعدم ثباته على تسمية محددة، إلا ان ابرز السمات المميزة لهذه الدراسات هي : نفورها الشديد من التعاريف والمقولات الوضعية.
وهناك تشابك حقيقي بين ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة. فالأولى يعدها البعض من العلماء بمثابة نظرية في المعرفة واللغة، في حين ان الثانية يعدها البعض من العلماء نظرية في المجتمع والثقافة والتاريخ .
وتقوم النظريتان السابقتان على «منهج التفكيك» الذي يسود في مجالات النقد الأدبي ونظرية الأدب والتحليل الثقافي. ثم ما لبث أن انتقل بسرعة – كالنار في الهشيم – الى أقسام الإنسانيات في الجامعات الأمريكية متحديا النظرية التقليدية في الأدب.
والحقيقة أن بعض هذه الرؤى التفكيكية بدأت في إثراء العلوم الاجتماعية كالأنثروبولوجيا . وعلم الاجتماع، خاصة فيما يتعلق بتحليل الأعمال والممارسات الثقافية.
ويصر( ديريدا) - وهو أحد أبرز رواد ما بعد البنيوية – يصر على أنه لا يمكن الإمساك بالنص أي: انه لا يمكن فهمه لأنه يخفي بداخله صراعات بين آراء مختلف المؤلفين. وهذا ما يطلق عليه أحيانا « النص والنصوص الفرعية» فكل نص هو عبارة عن حلبة للخلاف، فما يقال في ظاهر النص لا يمكن فهمه دون الإشارة الى ما يخفيه سياق النص من دلالات ومعانٍ، وهذه المعاني الخفية في النص يمكن اعتبارها بمثابة افتراضات يقوم عليها النص حتى يتسنى فهمه.
مثال لتفكيك نص من علم الاجتماع، فقد عرّف بيتر بلاو ودونكان - في بحثهما عن إحراز المكانة – الحراك بالإشارة الى المكانة المهنية لوالد المبحوث. وتكشف القراءة التفكيكية هنا عن الافتراضات حول ماهية العمل من منظور النوع الاجتماعي Gender جنبا الى جنب فرضية تفوق الرجال، تلك الفرضية التي شكلت أساس هذا الاختيار المنهجي. ويتحدى انصار الحركة النسوية المعاصرون وضع تعريف لمفهوم المكانة المهنية بالإشارة . الى مهنة الأب، لان ذلك يمثل – من وجهة نظرهم- نصا أيديولوجيا قويا يجعل
الناس تفكر في عمل الرجال فقط دون سواهم، وان العمل واجب على الرجال فقط، كما ان ذلك لا يمثل الواقع لان النساء يعملن – في حقيقة الأمر – خارج المنزل بأجر.
فما سبق من تفكيك لهذا الجانب من جوانب إحراز المكانة يعطينا فرصة التعرف على أوجه النقص في هذا المقياس لأنه اغفل جانب عمل المرأة وبالتالي اغفل تأثيرها في حجم إحراز المكانة المهنية. فهذه القراءة التفكيكية تجعل القارئ نشيطا وليس فقط انعكاسا سالبا لنص موضوعي ذي معنى واحد.
ويركز انصار ما بعد البنيوية – في أغلب الأحوال – على النصوص الأدبية والثقافية، وفي نفس الوقت يتحاملون على العلم، ويرفضون جميع أشكال التحليل الموضوعي بما فيها الموضوعية الزائفة للوضعية. وهذا مما يصعّب الى حد ما على علماء الاجتماع أن يقدروا الإسهامات التي يمكن أن يقدمها منهج التفكيك الى علم الاجتماع.
ما بعد الحداثة: الأفكار الرئيسية
تعبر كلمة ما بعد الحداثة عن مرحلة جديدة في تاريخ الحضارة الغربية تتميز بالشعور بالإحباط من الحداثة ومحاولة نقد هذه المرحلة والبحث عن خيارات جديدة وكان لهذه المرحلة أثر في العديد من المجالات، ويمكن فهم ما بعد الحداثة أيضا على أنها ردُ فعلٍ على الحداثة في أعقاب الدمار الذي لحق بالفاشية، والحرب العالمية الثانية، والمحرقة، وهي تعبير من المثقفين والفنانين في أوروبا الذين لا يثقون في الحداثة السياسية والاقتصادية.
استطاعت ما بعد الحداثة كما تتجلى في أعمال (فوكوه: 1970-1980م) أن تكوّن علاقات واضحة مع العلوم الاجتماعية – بالمقارنة مع ما بعد البنيوية عن (ديريدا) – في مجالات التحليل الثقافي وتحليل الخطاب، وعلم اجتماع الضبط الاجتماعي.
ويرفض (ليوتار: 1984م) المنظورات الشاملة عن التاريخ والمجتمع – والتي يسميها انساق التفسير الكبرى كالماركسية، والأنظمة الشمولية سياسيا.
كما ترفض ما بعد الحداثة – وما بعد البنيوية - :
1) إمكانية التصور دون فروض مسبقة، لانهم يرون أن جميع المعارف تتحدد بسياقها التاريخي والثقافي.
2) قيام علم اجتماعي تعميمي يلجا الى أساليب معرفية معينة تتحدد بواسطة تعدد الأوضاع الذاتية للناس.
استخدامات النظرية النقدية، وما بعد البنيوية، وما بعد الحداثة ( المنهج، والبحث، وصياغة المفاهيم ) أولا : الإسهامات المنهجية:
1) تلزم النظرية النقدية النزعة النقدية في علم الاجتماع باستجواب نفسها لاستثنائها من الاهتمامات المشبوهة لوجهات النظر والعواطف والجدل العنيف والسياسة. فهم يرون أن العلم الوضعي ليس أقل من اللاهوت تأثرا بالأساطير والخرافات.
2) الإسهام في تطوير فلسفة العلم من منظور ما بعد الوضعية، وذلك لان الوضعية القديمة أصبحت في ذمة التاريخ منذ عشرات السنين، لخطئها علميا وسياسيا، فهي تعيد إنتاج الوضع القائم من خلال الحث على الإذعان للقوانين الاجتماعية والاقتصادية المزعومة.
3) تستكمل ما بعد البنيوية نقد العلم بتوضيح أنه يمكن قراءة جميع أنواع النصوص الفرعية . في أية خطاب.
4) تسهم ما بعد البنيوية في توضيح كيف أن اللغة ذاتها تساعد في تشكيل الواقع، وبذلك تطرح طرقا جديدة لقراءة العلم وكتابته وفقا لظروف المرحلة. وتنقيته من العقائد الذاتية والأيديولوجية.
5) ترفض البنيوية وجهة النظر القائلة بأن العلم يمكن الحديث عنه بصوت واحد عام. وهذا الرفض يمتد الى الاعتراض على مناهج البحث سواء كانت كمية أو كيفية، والدعوة الى تعدد المناهج والمنظورات حول المشكلات المجتمعية.
ثانيا: الإسهامات النظرية:
1) تقترح النظرية النقدية طرقا جديدة لتنظير دور الدولة والثقافة في الرأسمالية المتقدمة. فالدولة تتدخل اليوم لحماية الرأسمالية من تناقضاتها، التي كانت كفيلة -حسب ماركس- بزوالها.
2) تقدم البنيوية عند (فوكوه) رؤى مفيدة لدارسي الضبط الاجتماعي، حيث دعا الى إعادة دراسة الجريمة والعقاب - الخطاب والممارسة - .
3) تقدم البنيوية وما بعد الحداثة إضافات قيمة الى الدراسة السوسيولوجية، مما يثري مجالات فرعية عديدة في علم الاجتماع مثل: علم اجتماع وسائل الاتصال الجماهيري، وعلم اجتماع المعرفة، وعلم اجتماع العلم...الخ.
|