الجزء الثالث تصحيح لتواريخ
اسباب الحملة الصليبية الثامنة على تونس
الحالة الداخلية للبلاد التونسية خلال القرنين اللذين سبقا الحملة. وعدم شعورهم بالخطر من افريقية خلال القرنين الخامس والسادس للهجرة ،فقد عرفت هذه الأصقاع آنذاك فترة من الاضطرابات والتشتت إثر الزحفة الهلالية في منتصف القرن 5 ه/ 11 م، ونتج عن ذلك تقسيم افريقية إلى دويلات متصارعة لا تمثل خطرا على بلاد الافرنجة والنصارى،مما سهل لهم استرجاع صقلية بشيء من السهولة.وتواصل الأمر حتى قدوم عبد المؤمن بن علي سنة الأخماس 555 ه حيث استتبت الأمور نسبيا،ولم تعرف افريقية بعض القوة إلا عند قيام الدولة الحفصية ثم تطورت الأمور خلال حكم المستنصر بن أبي زكرياء الأول ، مؤسس الدولة الحفصية ،حيث أصبحت تونس لمدة وجيزة مقر الخلافة. فمن الناحية الغربية للبلاد ، أتته البيعة منالأندلس : خاصة من الناصريين بغرناطة،وكذلك من بني عبد الواد بتلمسان، والمرينيين بفاس سنة 652 ه/ 1215 م.أما في الناحية الشرقية سقوط الخلافة العباسية سنة 656 ه/ 1260 م )تحت ضربات المغول( أحدثت تصدعا خطيرا في صلب العالم الإِسلامي نتيجة لانفصام العروة الوثقى والرابطة الروحية التي كانت تشده لبعضه، ووقف دعم مسلمي الأندلس ، وهو بالطبع ما كان يصبو إليه كل المسيحيين و لويس التاسع. أما ابن خلدون )هام(، فيفسر مبادرة لويس التاسع ، برجوعه إلى الفترات القديمة من تاريخ افريقية التي كانت من أول البلاد التي دخلت الدين المسيحي وساندته إلى أن جاء الإسلام وكان الفتح. فيوضح صاحب » المقدمة « أن ذلك هو ما يفسر »أنه لم تزل في نفوسهم من ذلك ضغائن، فكان يخالجهم الطمع في ارتجاع ما غلبوا عليه, مناقشة 92 وهذا غير مستبعد فقد وجدت هذه الحملة هي الأخرىمساندة البابا أوربان الرابع الذي دفع بالمسيحيين للاتجاه إلى مصر والشام ، لنجدة إخوانهم المسيحيين هناك وحمايتهم من أعدائهم المسلمين.ويدعم هذا البعد الديني ما ذهب إليه برونشفيك من أن البعض من الرهبان الفرنسيسكان والدومينيكان أوهموا لويس التاسع بإمكانية تنصير السلطان الحفصي، إذ أن إيمان لويس التاسع كان عميقا جدا ، فإن إمكانية تنصير أمير المؤمنين تعد عملية بالغة الأهمية وهي حسب رأيه من الدوافع التي ساهمت في تغيير وجهته إلى تونس.وبالرغم من أنه لا يمكننا الاقتناع بهذه النظرية فإن هذا التصرف يتماشى وعقلية عصره ،خاصة بالنسبة للملك لويس التاسع الذي تصفه المصادر الفرنسية بأنه متطرفا دينيا. ولد لويس التاسع في عام 1219 ، وتولى السلطة وسنه لم تتجاوز الثانية عشر ، وهو ما يدفعنا إلى الاحتمال إلى أن دوافعه كانت في مرتبة أولى دينية ، أمّا بالنسبة للناحية الاقتصادية ،يمكن أن يفسر اتجاه لويس التاسع إلى تونس، هو أن افريقية كانت تتحكم آنذاك في أهم ممرات سوق الذهب السوداني،وهي التي كانت تزود أروبا به. ومن الأكيد أن هذا العامل له أهمية قصوى بالنسبة للجمهوريات التجارية الإِيطالية، وخاصة منها البندقية وجنوة.ففي سنة 1266 م )هام( ساند البابا كليمون شارل دنجو أخو لويس التاسع في الحصول على صقلية. فقد سبقه فيها فريديريك الثامن النورمندي الذي كان يعتبر صديقا للمسلمين،مما جعل البابا يحقد عليه، فقد قبل المستنصر الحفصي بعض خصوم شارل دنجو كلاجئين لديه،ثم ساندهم ماديا وعسكريا على التحول إلى صقلية لمحاربة شارل الأول،بدأ ملك صقلية يطالب المستنصر الحفصي بدفع نفس الأداءات التي كان يدفعها أبو زكرياء لفريديريك الثاني.وهكذا طالب من مبعوثي الملك الحفصي سنة 1258 م دفع ما تخلد بذمته انطلاقا من تاريخ وفاة فريديريك الثاني، أي من سنة 1258 م.أمام هذه المطالب المجحفة ، رفض المستنصر دفع أي أتاوة بالرغم من إرسال شارل دنجو مبعوثين إليه لإيجاد حل لهذه المسألة فمن الممكن جدا إذن أن موقف المستنصر من شارل ومساندة أعدائه ،ورفض دفع أداءات لحاكم صقلية،جعلت الأخير يحاول الانتقام في مرحلة أولى من هذا الخصم المسلم ، ثم الحصول على الأموال المتخلدة بذمته ، وهي في حد ذاتها عوامل ربما دفعت شارل دنجو لتحريض أخيه لويس التاسع على تحويل وجهته إلى تونس. )هام(وقد أكد بعض المؤلفين الغربيين على أن شارل هو المسؤول عن الغلطة الفادحة التي ارتكبها لويس التاسع في تحوله إلى تونس ، وحسبما ذهبوا إليه ، فقد كان يأمل في الحصول على منافع تجارية واقتصادية من وراء هذه الحملة ، خاصة وأن تونس تمر بمجاعة نتج عنها موت العديد من السكان ..
الحالة الداخلية قبل بداية حملة لويس التاسع
لا يستبعد أن تكون الحالة الداخلية التي عرفتها البلاد انطلاقا من سنة 659 ه/ 1261 م قد شجعت لويس التاسع على الاتجاه إلى تونس ، إذ عرفت إفريقية انطلاقا من هذا التاريخ العديد من المشاكل والاضطرابات الداخلية. فقد انتشر الوباء حتى أن المستنصر نفسه أصيب به ، لكنه لم يدم طويلا ، فلا نجد أي أثر له بعد فترة قصيرة من ذلك ، كما ضرب عملة من النحاس سنة 660 ه/ 1262 م أثارت بعض القلاقل لدى العامة. لكن أهم الاضطرابات التي عرفتها افريقية هي الثورات الداخلية وخاصة منها بالمنطقة الغربية ،فتفيدنا المصادر أن أبا علي بن العباس صاحب مليانة)هام( ثار سنة 659 ه/ 1261 م فاضطر المستنصر إلى البعث بأخيه أبي حفص لقمع هذه الثورة. كما ثارت قبيلة الذواودة بقسطنطينة تحت إمرة شيخهم شبل بن موسى )هام( ، لكن هزمهم السلطان سنة 664/1266 م، ثم أعاد الكرة بعد سنتين بإعانة قبائل الكعوب ودباب وبربر سدويكش، وكان له النصر مرة أخرى.ومن ناحية أخرى ، فإن بعض أقرباء السلطان أقضوا مضجعه.فقد هرب عدد منهم إلى خارج البلاد في انتظار حلول دورهم للثورة والفوز بالسلطة. لهذا المستنصر يجابه الثورات والمؤامرات الداخلية طيلة العشر سنوات التي سبقت حلول الجيوش الصليبية ، كما نلاحظ صراعاً على السلطة بين الشق الموحدي والقادمين الجدد من الأندلسيين الذين أصبحوا يزاحمونهم على المناصب السياسية العليا كما عرفت البلاد مجاعة أشرنا إليها ، إذ يعلمنا ابن خلدون أن التجار الفرنسيين الذين اشتكوا المستنصر إلى لويس: »رغبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموت هكذا إذن ، رغم القوّة التي كانت تبنى عليها السلطة الحفصية ، فإن الاستقرار والأمن لم يكونا منتشرين في البلاد بصفة قطعية ، لكن رغم هذه الثورات والانشقاقات الداخلية يمكن القول إن الدولة الحفصية كانت تعرف انتعاشا نسبيا.
أطوار الحملة
يذهب بعض المؤرخين إلى أن قرار لويس التاسع تنظيم حملة صليبية أخرى نتج عن انتصارات الظاهر بيبرس ، وهو ما دفعه رغم تعهده بعدم محاربة المسلمين - إلى التحول إلى مصر والشام. وتم خروجه من فرنسا عام 1270 م والتحق به أتباعه. وبعد إتمام عدته ، اتجه إلى مدينة كاغلياري وذلك على متن سفن جنوية .وفي هذه المدينة السردينيَة اكتمل النصاب بوصول بقية المساهمين في الحملة. ومن الملاحظ أن جميع أعضاء الحملة كانوا متأكدين من تحولهم إلى المشرق الإِسلامي نحو مصر أو فلسطين ، لكن لويس التاسع جمع قادته ومرافقيه على متن سفينته، وطلب منهم الموافقة على تحويل وجهتهم نحو تونس. كان عدد المساهمين في الحملة حسب ما ذكر ابن خلدون: » ستة آلاف فارس وثلاثين ألف من الرجالة. وكانت أساطيلهم ثلاثمائة بين كبار وصغار وكانوا سبعة يعاسيب )وهي سفن كبيرة( إلا أن هذه الجموع الصليبية لم تبق على هذا العدد فقط ، فقد وصلت الإمدادات عن طريق السفن من صقلية وسردانيا وغيرها.واصطحب لويس التاسع خلال هذه الحملة أبناءه : فيليب وبطرس وجون تريستان(Tristan) ؛ كما وجد مع الملك أخاه ألفنس وصهره تيبو وابنته ايزابال (Isabelle)وكذلك بعض النبلاء ككنت اللوكستنبور وكونت بريطانيا إلخ. كما ممثل الكنيسة الكاردينال رودولف دالبانو وهكذا أمكن لأعضاء الحملة النزول بساحل قرطاج على أن تتم المنازلة هنالك ، ولكن قبل نزولهم أرسل المستنصر قبالة قرطاج بمدينة رادس الحالية : حوالي أربعة آلاف فارس متكونين من المرابطة المتطوعين وجند من الأندلس ، وكان هؤلاء تحت إمرة أهم رجالات الدولة : محمد بن الحسين رئيس الدولة. ولم يكن اختيار رادس بحكم الصدفة ، فهي كانت قريبة من تونس وأقلّ حماية من بقية الأماكن... )هام جدا( كما يفيدنا ابن خلدون بأن المستنصر الحفصي لم يخرج بنفسه مقاومة الأعداء ، بل التزم بالقعود بإيوانه مع بطانته وأهل اختصاصه. و هذا يعني قلة حزمه وقصر نظره ، وأنه لم يكن مؤمنا بالنصر ، وأنه كان متهيئا للفرار عندما يحين وقته ، كما يصف موقفه بالمائع ،كان السلطان الحفصي المستنصر ، غير مستعد لهذا الهجوم. وخاصة أنّ الحالة التي كانت عليها البلاد من مجاعة واوبئة ، أضف إلى ذلك بعض الثورات الداخلية ، ساهم في صرف اهتمامات الخليفة إلى مشاكله الداخلية. وقدوم هذه الحملة الصليبية على غرّة لم تترك له المجال للتعبئة في الوقت اللاّزم. كما نعلم أيضا أن الخليفة الحفصي لم يبعث في طلب المدد إلاّ بعد نزول النصارى.أسهمت الجموع الشعبية بصفة مباشرة في المعركة عن طريق تحمل النفقات وتأمين قوات الجند فقط ، و عن طريق المساهمة المباشرة في محاربة الإفرنجة -مثلما حصل ذلك بالمشرق - وهذه المساهمة الشعبية دليل قاطع على أنهم اعتبروا مساهمتهم في هذه الحرب جهادا في سبيل الله. فقد خرج الصلحاء والفقهاء والمرابطون لمباشرة الجهاد بأنفسهم وتبعتهم أعداد وافرة من أتباعهم ، خاصّة منهم أهالي القيروان وسوسة ، كان نزول الجيوش الصليبية قرطاج يوم ستة وعشرين من ذي القعدة 668 ه/ 1270 م، إلا أن قرطاج كانت خربة وكانت كما يذكر ابن خلدون: » مائلة الجدران ،.وقد وصلتهم رسالة من شارل دنجو تحثهم على انتظاره وعدم شنّ الغارات قبل قدومه وهذا على ما يبدو ما دفع بلويس التاسع إلى عدم الخروج من وراء تحصيناته لمجابهة أعدائه ، فقد كان بالفعل ينتظر المدد من صقلية عن طريق أخيه شارل، خاصة وأن الجند الإِسلامي كان يفوق عددا. ولقد عدها الجميع غلطة فادحة ارتكبها رئيس القوات الإِفرنجية. فعدم مباشرته الحرب سمح للمستنصر أن يجهز نفسه لخوض غمار هذه الحرب ، ثم وصلت رسالة ثانية من شارل دنجو يعلم فيها لويس بقرب قدومه وقد أتى بها طوال المدة التي بقيها الصليبيون بقرطاج ، لم تدر حرب طاحنة ، بل كل ما يمكن قوله أن المسلمين كانوا يهاجمون باستمرار أماكن الإِفرنجة، وخاصة المتطوعين وأتباع الأولياء والصالحين، الذين كانوا يخرجون كل يوم من أريانة للتحول إلى قرطاج، وهو ما يعرف عندنا اليوم بحرب الاستنزاف.ومن واجبنا التساؤل هل أن السبب الوحيد لعدم خروج الصليبيّين من قرطاج هو انتظار المدد ، أم كان يوجد سبب آخر ؟ فمن المؤكد أن جلّ المساهمين في هذه الحملة كانوا ينتظرون التحول إلى المشرق الإسلامي و بيت المقدس ؟ وأين الخيرات الكثيرة التي وعدوا بها،إلا أن تحويل وجهتهم إلى تونس ربما انجرَ عنه شيء من التململ والتخاذل في صفوفهم ،وهو تفسير عدم التحامهم المسلمين في معركة حاسمة ؟ وتذكر المصادر الغربية أن الصليبيين قاموا ببعض الهجمات المعاكسة، لكنها لم تأت بأي نتيجة،وتعلل ذلك بحلول الوباء داخل المعسكر الذي نتج عنه موت العديد من الجند. وهكذا ، فإن الابن الأصغر لملك فرنسا مات الكردينال رودولف دالبانو. و موت لويس التاسع نفسه في شهر محرم من عام 669/1270م وأصبح ملك الفرنجة ميتا،يقال أصابه سهم عرب في بعض المواقف
معاهدة الصلح بين الطرفين
المعاصرون للويس التاسع أنفسهم يؤكدون على موته من الوباء، لكن يمكن الإشارة إلى أن تحاليل طبية حصلت سنة 1965 على بقايا جمجمة لويس التاسع بيّنت أن موته حاصل من جراء سهم أصابه في فكه الأيمن.ولا شك أن هذا العنصر كان من الدوافع الحقيقية لرغبة شارل دنجو والملك الجديد لفرنسا فيليب الثالث في مغادرة إفريقية. وتم الاتصال بالسلطة الحفصية لوجود مخرج للفريقين يتم فيه حفظ ماء الوجه .على كل حال، فإن المستنصر قبل العرض،وهو أن يدفع مبلغا ماليا معينا للقوات المتحالفة. فبعث بوفد لعقد الصلح في سنة 669 ه/ 1270 م، رغم معارضة رجالات الدولة وخواصه ، لذلك فإنه لم يبعث ضمن هذا الوفد أيا من الشخصيات لهامة للدولة ، إذ ترأس الوفد أبو زيان بن عبد القوي رئيس قوة بني توجين.بنود المعاهدة أمّا الذي تولّى صياغة نص العقد القاضي ابن زيتون ولم يتوصل الوفدان إلى الاتفاقية إلا بعد بضعة أسابيع من المفاوضات. ) هام(إن أهم ما ورد في فصول الاتفاقية هو أن تدوم الهدنة خمسة عشر عاما ابتداء من 669ه /1270م، ويدفع المستنصر غرامة مالية قدرها مائتان وعشرة آلاف أوقية ذهبا ،تدفع أقساطا ، وأن تؤدى إلى شارل دنجو الأداءات التي كانت تدفع سابقا لفريديريك الثاني بما في ذلك الخمس سنوات التي سبقت ذلك التاريخ. إلا أن المستنصر الحفصي حمل الرعايا على دفع كل هذه الغرامة التي يقدرها ابن خلدون بدوره بعشرة أحمال من المال.غير أنه رغم أن المستنصر لاقى معارضة من كبار القوم في إجراء هذه الاتفاقية ، فإنه يبدو أن عامة الشعب تنفست الصعداء برحيل الغزاة. لقد مثلت هذه الحملة الصليبية الثامنة إذن إحدى الحلقات المترابطة في الصراع الذي فرضه الغرب على بلاد الإسلام لمدة قرنين ، بالرغم من أن البلاد التونسية لم تعرف هذه الحروب إلا فترة زمنية قصيرة نسبيا )أربعة أشهر(، فإن النتائج كانت سلبية من الناحية المادية ، وقد أثرت على سلطة الخليفة الحفصي المستنصر بالله.وبالرغم من رحيل الصليبيين نهائيا من المشرق سنة 1291م، ، فنحن نتساءل هل هذه الحملات كانت من قبيل الصدفة أو هي كانت مخططة ومدروسة؟الإجابة
إنها حملات مخططة ومدروسة بعناية ضد الإسلام والمسلمين ****************
التعريف بالمماليك؟
المماليك في اللغة العربية هم العبيد أو الرقيق، وبخاصة هم الذين سُبُوا ولم يُسب آباؤهم ولا أمهاتهم .. ومفرد المماليك مملوك، وهو العبد الذي يباع ويشترى .. )العبد الذي سُبِي أبواه يعرف بالعبد القن وليس المملوك(..ومع أن لفظ المماليك بهذا التعريف يعتبر عاماً على معظم الرقيق، إلا أنه اتخذ مدلولاً اصطلاحياً خاصاً في التاريخ الإسلامي، منذ أيام الخليفة العباسي المأمون، والذي حكم من سنة 198 ه إلى 218 ه، وأخيه المعتصم الذي حكم من سنة 218 ه إلى 227 ه.. ففي فترة حكم هذين الخليفتين استجلبا أعداداً ضخمة من الرقيق عن طريق الشراء من أسواق النخاسة، واستخدموهم كفرق عسكرية بهدف الاعتماد عليهم في تدعيم نفوذهما ومع مرور الوقت أصبح المماليك هم الأداة العسكرية الرئيسية وأحياناً الوحيدة في كثير من البلاد الإسلامية وكان أمراء الدولة الأيوبية بوجه خاص يعتمدون على المماليك الذين يمتلكونهم في تدعيم قوتهم، ويستخدمونهم في حروبهم، لكن كانت أعدادهم محدودة إلى حد ما، إلى أن جاء الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحدثت فتنة كبيرة في جيشه، فاضطر إلى الإكثار منهم، حتى يقوي جيشه ويعتمد عليهم،وبذلك تزايدت أعداد المماليك جداً، وخاصة في مصر..
مصادر المماليك
كان المصدر الرئيسي إما بالأسر في الحروب، أو الشراء من أسواق النخاسة ومن أكثر المناطق التي كان يجلب منها المماليك بلاد ما وراء النهر(النهر المقصود هو نهر جيحون)، وهو الذي يجري شمال تركمنستان وأفغانستان ، ويفصل بينهما وبين أوزبكستان وطاجكستان.وكانت الأعراق التي تعيش خلف هذا النهر أعراق تركية في الأغلب، وكانت هذه المناطق مسرحاً دائماً للقتال وعدم الاستقرار، ولذلك كثر الأسرى القادمون من هذه المناطق، وكثرت أسواق الرقيق هناك، ومن أشهر مدن الرقيق في ذلك الوقت كانت "سمرقند" و"فرغانة" و"خوارزم " لذلك كان الأصل التركي هو الغالب على المماليك، وإن كان لا يمنع أن هناك مماليك من أصول أرمينية ومن أصول مغولية، كما كان هناك مماليك من أصول أوروبية، وكان هؤلاء الأوربيون يعرفون بالصقالبة ، وكانوا يستقدمون من شرق أوروبا بوجه خاص كل هذا كان يحدث على مدار عشرات أو مئات السنين، ولكن الأمر الذي استحدثه الملك الصالح أيوب وتبعه بعد ذلك سلاطين المماليك وكان لا يأتي إلا بالمماليك الصغار سنا، أي في مرحلة الطفولة و غالبهم من بلاد غير مسلمة، وإن كان يحدث أحياناً أن يؤسر بعض الأطفال المسلمين غير الناطقين بالعربية، فلا يُعرفون، ولا يُعرف أصلهم أو دينهم ، فيعاملون معاملة الرقيق ..
تربية المماليك:
كان الصالح أيوب -ومن تبعه من الأمراء- لا يتعاملون مع المماليك كرقيق.بل على العكس من ذلك تماماً فقد كانوا يقربونهم جداً منهم لدرجة تكاد تقترب من درجة أبنائهم .. ولم تكن الرابطة التي تربط بين المالك والمملوك هي رابطة السيد والعبد بل رابطة المعلم والتلميذ، أو رابطة الأب والابن، أو رابطة كبير العائلة وأبناء عائلته .. وهذه كلها روابط تعتمد على الحب في الأساس،لا على القهر أو المادة حتى إنهم كانوا يطلقون على السيد الذي يشتريهم لقب ألأستاذ وليس "السيد"..ويشرح المقريزي كيفية تربية المملوك الصغير الذي يُشترى وهو طفل، فيقول: "إن أول المراحل في حياة المملوك هي أن يتعلم العربية قراءة وكتابة، ثم القرآن الكريم، مبادئ الفقه الإسلامي،تدريبه على الصلاة يخضع المملوك لمراقبة شديدة من مؤدبيه ومعلميه ، فإذا ارتكب خطأً يمس الآداب الإسلامية نُبه إلى ذلك، ثم عوقب".لهذه التربية المتميزة كان أطفال المماليك ينشئون عادة على التربية الاسلامية، وتتكون لديهم خلفية واسعة عن الفقه الإسلامي، ويجلون العلم والعلماء طيلة حياتهم، وهذا ما يفسر النهضة العلمية الراقية التي حدثت في زمان المماليك، وكيف كانوا يقدرون العلماء حتى ولو خالفوهم في الرأي ولذلك ظهر في عهدهم الكثير من علماء المسلمين الأفذاذ من أمثال العز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن حجر العسقلاني وابن كثير والمقريزي وابن جماعة وابن قدامة المقدسي رحمهم الله جميعاً، وظهرت أيضاً غيرهم أعداد هائلة من العلماء يصعب جداً حصرهم .. ثم إذا وصل المملوك إلى سن البلوغ جاء معلمو الفروسية ومدربو القتال يعلمونهم فنون الحرب حتى يصلوا إلى مستويات عالية جداً في المهارة القتالية،والقوة البدنية، والقدرة على تحمل المشاق والصعاب..ثم يتدربون بعد ذلك على أمور القيادة والإدارة ووضع الخطط الحربية، وحل المشكلات العسكرية، والتصرف في الأمور الصعبة، فينشأ المملوك وهو متفوق تماماً في المجال العسكري والإداري، يثبت أقدام المماليك تماماً في أرض القتال..وكل ما سبق يشير إلى دور من أعظم أدوار المربين والآباء والدعاة، وهو الاهتمام الدقيق بالنشء الصغير، فهو عادة ما يكون سهل التشكيل، ليس في عقله أفكار منحرفة، ولا عقائد فاسدة، كما أنه يتمتع بالحمية والقوة والنشاط، وكل ذلك يؤهله لتأدية الواجبات الصعبة والمهام الضخمة على أفضل ما يكون الأداء ..وفي كل هذه المراحل من التربية كان السيد الذي اشتراهم يتابع كل هذه الخطوات بدقة،بل أحياناً كان السلطان الصالح أيوب - رحمه الله - يطمئن بنفسه على طعامهم وشرابهم وراحتهم، وكان كثيراً ما يجلس للأكل معهم، ويكثر من التبسط إليهم، وكان المماليك يحبونه حباً كبيراً حقيقياً، ويدينون له بالولاء التام..وكان المملوك إذا أظهر نبوغاً عسكرياً ودينياً فإنه يترقى في المناصب من رتبة إلى رتبة، فيصبح هو قائداً لغيره من المماليك، ثم إذا نبغ أكثر أعطي بعض الإقطاعيات في الدولة فيمتلكها، فتدر عليه أرباحاً وفيرة ، وقد يُعطى إقطاعات كبيرة ، بل قد يصل إلى درجة أمير، وهم أمراء الأقاليم المختلفة، وأمراء الفرق في الجيش وهكذا وكان المماليك في الاسم ينتسبون عادة إلى السيد الذي اشتراهم.. فالمماليك الذين اشتراهم الملك الصالح يعرفون بالصالحية، والذين اشتراهم الملك الكامل يعرفون بالكاملية وهكذا..وقد زاد عدد المماليك الصالحية، وقوي نفوذهم وشأنهم في عهد الملك الصالح أيوب، حتى بنى لنفسه قصراً على النيل، وبنى للمماليك قلعة إلى جواره تماماً .. وكان القصر والقلعة في منطقة الروضة بالقاهرة، وكان النيل يعرف بالبحر، ولذلك اشتهرت تسمية المماليك الصالحية "بالمماليك البحرية" )لأنهم يسكنون بجوار البحر(.وهكذا وطد الملك الصالح أيوب ملكه بالاستعانة بالمماليك الذين وصلوا إلى أرقى المناصب في جيشه وفي دولته، وتولى قيادة الجيش في عهده أحد المماليك البارزين اسمه "فارس الدين أقطاي" )هام(، وكان الذي يليه في الدرجة هو ركن الدين بيبرس، فهما بذلك من المماليك البحرية ) جهود المماليك في طرد الصليبيين من بلاد الشام : )مناقشة 95 كانت هناك إمارات في ساحل الشام لم يتم إجلاء الصليبيين منها بالكلية إلى أن انتهى عهد الأيوبيين وجاء عهد المماليك، فكان للسلطان الظاهر بيبرس والسلطان المنصور قلاوون وابنه خليل دور كبير في القضاء على الصليبيين وإزالة ملكهم عن بلاد الشام بالكلية، ولقد كان هناك دولة للأرمن النصارى جنوب بلاد الأناضول وقد كانوا حلفاء للصليبيين والتتار.ولقد أدرك الظاهر بيبرس أن أي عمل حربي يقوم ضد الأرمن والصليبيين سيكون محرضا للتتار للقدوم والمشاركة مع النصارى في مواجهته ، والتتار لا تزال لهم دولة قوية في الشرق تحت إمرة حاكمهم هولاكو
جهود السلطان بيبرس
.ولقد كان هناك طائفة من التتار لا تخضع لهولاكو وهم مغول "القفجاق"، ويسمون القبيلة الذهبية وزعيمهم هو "بركة خان "، وقد اعتنق الإسلام ، فاغتنم الظاهر بيبرس هذه الفرصة فكاتب بركة خان وحرضه على قتال هولاكو، فاستجاب لذلك بركة خان وكان مخلصا في إسلامه، فقاتل هولاكو حتى شغله عن المسلمين وأضعفه وفرق جنده، وبهذا أمن بيبرس جانب التتار وتفرغ للصليبيين.ثم سار السلطان بيبرس من مصر بجيشه إلى الشام في عام أربعة وستين وستمائة قاصدا جهاد الصليبيين، وقد نزل في عين جالوت وبعث عدة جيوش للإغارة على إمارات الصليبيين في الساحل، فأغاروا على عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد، فسبوا وغنموا شيئا كثيرا، ثم نزل الظاهر بيبرس على مدينة "صفد" في الثامن من شهر رمضان، وقد فتحها بعد حصار طويل، وقتل كثيرا من أهلها ثم جعلها معقلا للمسلمين، فوضع فيها الجنود وزودها بالذخائر والأسلحة.عاد الظاهر إلى دمشق ووجه جيشا لقتال الأرمن ، الذين ناصروا التتار حينما غزوا الشام، واستنجدوا بهم حينما أراد بيبرس فتح أنطاكية، فوجه بيبرس جيشين بقيادة الأمير قلاوون والأمير المنصور الأيوبي أمير حماة، فالتقوا مع المسلمين عند "دربساك"، وهي قلعة عند أنطاكية، فأنزل المسلمون بالأرمن وحلفاءهم هزيمة كبرى، واستولوا على عدد من بلدانهم المهمة ، منها "سيس" عاصمة أرمينية الصغرى.وغنم المسلمون واسروا الكثير ، ومن بينهم ابن "هيثوم" ملك أرمينية الصغرى ، ولم يستطع "هيثوم" استرداد ابنه إلا بمقابل تنازله عن مواقع مهمة مثل : "دربساك" التي تتحكم في الطريق بين أرمينية وأنطاكية، ومدن أخرى بين أرمينية والجزيرة ؛ حيث يوجد التتار خلف الأرمن ،وبهذا استطاع بيبرس أن يضعف أرمينية جدا، وأن يحصرها بحيث لا تستطيع أن تستنجد بأعدائه ،وفي عام 665 ه خرج السلطان بيبرس من مصر الى الشام على حين غفلة،وسار نحو "يافا" فوافته رسل صاحبها في الطريق فاعتقلهم وأمر العسكر بلبس آلة الحرب ، وسار فصبح "يافا " وأحاط بها من كل جانب ، فهرب من فيها من الصليبيين إلى قلعتها فملك السلطان المدينة، وطلب أهلها الأمان فأمنهم وعوضهم عما نهب لهم بأربعين ألف درهم، فركبوا المراكب إلى "عكا "، وهكذا تم فتح "يافا" وإجلاء الصليبيين منها بهذه السرعة والسهولة. وبعد أن فتح الظاهر بيبرس "يافا" توجه شمالا يريد فتح "أنطاكية "، وفي طريقه إليها فتح قلعة "الشقيف" وقلعة "الباشورة" وغيرهما ، ولما قرب من أنطاكية أمر العسكر ليلا بلبس آلة الحرب، ونزل "أنطاكية" في غرة شهر رمضان، فخرج إليه جماعة من أهلها يطلبون الأمان وشرطوا شروطا لم يجب إليها، وزحف عليها ففتحها يوم السبت رابع الشهر، وقد كان أول من فتح "أنطاكية")هام( وقضى على الصليبيين فيها منذ أن استولوا عليها.وقد استمر الظاهر بيبرس في غزو الصليبيين في ساحل الشام، ومن ذلك ما قام به سنة تسع وستين وستمائة حيث خرج من مصر في ثاني عشر من شهر جمادى الآخرة، وكان معه ولده الأمير السعيد، وقد هاجم عددا من حصون الصليبيين وقلاعهم الحصينة، وفتح منها قلعتي "صافيتا" و"المجدل" وحصن "الأكراد".ومما يذكر للسلطان الظاهر بيبرس كثرة خروجه للجهاد، حيث كان لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار بعاصمة سلطنته وهو يرى البلاد الإسلامية مهددة من الصليبيين والتتار ، وقد بلغت قوة دولته حدا أرهب الأعداء،وجعل بعضهم يحاول الصلح معه رحمه الله
جهود السلطان المنصور قلاوون
تولى السلطان المنصور قلاوون الحكم سنة 118 ه، وبدأ قتاله للصليبيين سنة 185 ه،حيث خرج بجيشه من مصر إلى الشام، ووصل إلى حصن "المرقب" الذي يسيطر عليه الصليبيون، وحاصر ذلك الحصن، ونصب المسلمون المنجنيق ورموا بها الحصن ،وهدموا أبراجه ، واستمر ذلك ست وثلاثين يوما حيث زحف السلطان بجيشه واستولى على ذلك الحصن، ونزل من فيه من الصليبيين بالأمان على أرواحهم فركبوا وجهز السلطان معهم من أوصلهم إلى "أنطرسوس”.ثم في عام 688 خرج السلطان المنصور قلاوون من الديار المصرية بعساكره لحصار "طرابلس "، ووصل في مستهل شهر ربيع الأول إلى "طرابلس" وحاصرها ونصب عليها المنجنيق وضايق أهلها مضايقة شديدة إلى أن فكها عنوة في يوم الثلاثاء الرابع عشر من شهر ربيع الأول، وشمل القتال والأسر سائر من فيها من الصليبيين، وغرق منهم في الماء جماعة كثيرة، كما تم الاستيلاء على عدد من الحصون التابعة لها.وفي ثالث شهر ربيع الأول سنة 690 سار السلطان خليل بن قلاوون حتى نازل "عكا" في يوم الخميس رابع شهر ربيع الآخر، فاجتمع عنده على "عكا" من الأمم ما لا يُحصى كثرة، وكان المطوعة أكثر من الجند ومن في الخدمة ، ونصب عليها المجانيق الكبار والصغار ونقب النقابون في سورها عدة نقوب ، وأنجد أهل "عكا " صاحب "قبرص " بنفسه ، وفي ليلة قدومه عليهم أشعلوا نيرانا عظيمة لم ير مثلها فرحا به.وأقام عندهم ما يقرب من ثلاثة أيام ثم عاد عندما شهد انحلال أمرهم وعظم ما دهمهم، ولم يزل الحصار عليها والجد في أمر قتالها إلى انحلت عزائم من بها وضعف أمرهم واختلفت كلمتهم. فلما كان سحر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الأولى ركب السلطان والعساكر وزحفوا عليها قبل طلوع الشمس ، وضربوا المجانيق فكان لها أصوات مهولة وحس عظيم مزعج في حال ملاصقة العسكر لها وللأسوار هرب الفرنجة وملكت المدينة بالسيف،ولم تمض ثلاث ساعات من النهار المذكور إلا وقد استولى المسلمون عليها ودخلوها،وطلب الفرنجة البحر فتبعتهم العساكر الإسلامية تقتل وتأسر فلم ينج منهم إلا القليل. وكان السلطان خليل بن قلاوون عند منازلته عكا قد جهز جماعة من الجند مقدمهم الأمير علم الدين سنجر الصوابي الجاشنكير إلى "صور "؛ لحفظ الطرق وتعرف الأخبار وأمر بمضايقة "صور "، فبينما هو في ذلك لم يشعر إلا بمراكب المنهزمين من عكا وافت ميناء "صور "، فحال بينها وبين الميناء، فطلب أهل "صور" الأمان فأمنهم على أنفسهم وأموالهم ويسلموا "صور" فأجيبوا إلى ذلك فتسلمها، ثم إن السلطان لما علم بذلك جهز إليها من خربها وهدم أسوارها وأبنيتها. وبعد هذه الفتوح لم يبق للصليبيين في الشام إلا مدينة "صيدا" و"عتليث" و"أنطرطوس"، وكان السلطان خليل بن قلاوون قد ولى على نيابة الشام علم الدين سنجر الشجاعي)هام(، فحاصر مدينة "صيدا " حتى فتحها بالأمان لأهلها يوم السبت خامس عشر رجب من سنة تسعين وستمائة، ثم فتح قلعة "جبيل " وخربها بأمر السلطان ثم فتح "عتليث" بعد شهر. وأما أهل "أنطرطوس" فإنهم لما بلغهم أخذ هذه القلاع عزموا على الهرب فجرد الأمير سيف الدين بلبان الطباخي عسكرا فلما أحاطوا بها ركبوا البحر وهربوا إلى جزيرة "أرواد” القريبة منها فندب إليها السعدي بما كان أحضره من مراكب فأخلوها وكان فتح هذه المدن الست في ستة شهور. وهكذا قام السلطان المنصور قلاوون بمشروع جهادي كبير لاستئصال بقية الصليبيين في الشام ،فبدأ بفتح حصن "المرقب " الحربي الذي كان واسعا وفي غاية الأهمية ، ثم ثنى بفتح مدينة "طرابلس " التي كانت مشهورة بحصانتها ومناعة أسوارها ، ثم ثلث بالعزم على حصار مدينة "عكا " فوافته المنية قبل ذلك فحقق له أمنيته ابنه السلطان خليل الذي خلفه في الحكم ، وكانت "عكا " أهم مراكز الصليبيين في ساحل الشام ، ثم توج السلطان خليل بن قلاوون أعماله الجهادية بفتح بقية المدن والحصون التي استولى عليها الصليبيين.وبهذه الفتوحات انتهى وجود الصليبيين في بلاد الإسلام الذي بدأ عام ثمانية وسبعين وأربعمائة واستمر حتى عام تسعين وستمائة للهجرة ، وهذا يعني أن احتلال الصليبيين لأجزاء من بلاد المسلمين استمر اثنتي عشرة ومائتي سنة. ) هام(
خامسا : آثار الحروب الصليبية:
- الآثار على الجانب الإسلامي :
1.بدأت هجرات كبرى من الغرب إلى الشرق وسكنت الشام بالمقابل هاجر المسلمون إلى الغرب الأوروبي. 2.انتشار التصوف من النتائج السلبية للحروب الصليبية على غرار الرهبنة والحركة الديرية التي سادت في أوروبا في هذه الآونة مع الاختلاف الكلي في التوجه بين الجانبين . 3.تطور الفن والعمارة الإسلامية في مصر والشام حيث ظهرت العديد من التكايا والزوايا على الطرق. 4.دخول ألفاظ أجنبية وتأثير الصليبيين في ثقافة المسلمين وأدبهم نتيجة الاحتكاك المباشر. 5.الازدهار التجاري ، حيث أنشئت شركات في عصر المماليك مثل شركة فلورانس. 6.ما زال الغرب يكن الكره للمسلمين ويجتر الذاكرة الصليبية حتى في الوقت الراهن ومن ذلك عندما وقف اللورد اللنبي قائد الإنجليزي عندما استولى على القدس سنة 9191 م وانتزعها من الأتراك ليقول كلمته المشهورة :" الآن انتهت الحروب الصليبية "، ويقول القائد الفرنسي غورو: عندما دخل دمشق سنة .م وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله قاهر الصليبيين في حطين ليقول متشفيا شامتا : "هانحن عدنا يا صلاح الدين ".
ثالثاً : في النهضة العلمية والحضارية :
إن الحروب الصليبية عرفت دول غرب أوروبا على الحضارة الإسلامية بشكل أعمق وأعرض،وتركت في حضارة أوروبا في عصر النهضة سمات ودلائل تشير إلى التأثر بالحضارة الإسلامية والنقل عنها.وسنشير إلى بعض الجوانب ، ومنها :أولا : الطب : في الوقت الذي كانت الكنيسة تحرم صناعة الطب لاعتقادها أن المرض عقاب إلهي لا ينبغي للإنسان أن يصرفه عمن يستحقه، كان المسلمون يمارسون الطب منذ زمن مبكر عن ذلك ، فقد توسع المسلمون فيه وترجموا موسوعات فارسية ويونانية وهندية في الطب إلى اللغة العربية ، وألفوا موسوعات لم يوضع لها نظير في الضخامة والتمحيص ،وكانت بعض أمهات هذه الكتب تدرس في جامعات أوروبا لمدى زمني طويل.
ثانيا : الرياضيات : أما سائر العلوم كالرياضيات والفلك وعلوم الطبيعة كالكيمياء والنبات والحيوان والمعادن والصيدلة ، فقد تفوق فيها المسلمون قبل عصر النهضة بوقت كبير وبرزت أسماء كبيرة مثل : ابن مسكويه، والخازن ، وابن خلدون ، وابن النفيس ، وابن الهيثم ،وألبتاني ، والفر غاني،والكندي ، والخوارزمي ، والبيروني ، والغافقي ، والقزويني ،وجابر بن حيان ، وابن البيطار ، وداود الأنطاكي …
ثالثا:أهمية مؤلفات المسلمين : ظلت مؤلفات هؤلاء العلماء المراجع المعتمدة في، جامعات أوروبا حتى القرن التاسع عشر ، واعترف عدد كبير من مؤرخي العالم بفضلهم على العالم والإنسانية حتى قال قائلهم : إنه لولا أعمال العرب لاضطر علماء النهضة الأوروبية أن يبدءوا من حيث بدأ هؤلاء،ولتأخر سير المدنية عدة قرون.وحتى قال آخر: إن كثيرا من الآراء والنظريات العلمية حسبناها من صنعنا،فإذا العرب سبقونا إليها.
رابعا : الجغرافيا : كانت جهود المسلمين في الجغرافية ذات أثر واضح في النهضة الأوروبية يقول جوستاف لوبون: فالعرب هم الذين انتهوا إلى معارف فلكية مضبوطة من الناحية العلمية عدت أول أساس للخرائط ، فصححوا أغاليط اليونان العظيمة في المواضع، والعرب من ناحية الريادة هم الذين نشروا رحلات عن بقاع العالم التي يشك الأوربيون في وجودها فضلاً عن عدم وصولهم إليها.
خامسا : إنشاء المدارس : من أبرز أثار الحروب الصليبية في أوروبا أن أخذت بعض مدن أوروبا تنشئ مدارس لتعليم اللغة العربية ، إذ أدركوا أن تعلم اللغة العربية أمر ضروري للوصول لأهدافهم الدينية والاقتصادية ، وكان هذا سببا في إهمال اللغة اللاتينية والإغريقية إلى حد كبير وإحياء اللغات الشعبية وصنفت كذلك المعاجم العربية لمعاونة المترجمين والمتعلمين.وقد تأثر الأوروبيون بالحضارة الإسلامية بسبب الاحتكاك مع العرب في المشرق خاصة مصر وبلاد الشام فنتج عن هذا التأثر :
9.الاستشراق : وهو دراسة تراث الشرق وتاريخه وعاداته وتقاليده ، وقد بدأت طلائع المستشرقين تعني بهذه الدراسات منذ القرن العاشر الميلادي إلى يومنا هذا ، وكان هدفه التمهيد لغزو أرض المسلمين. 2.إنشاء مكتبات شرقية في أوروبا : مثل مكتبة باريس الوطنية سنة 9115 م، وفيها حوالي سبعة آلاف مخطوط عربي ، ومكتبة جامعة ستراسبرج، ومكتبة المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية. 5.إنشاء المطابع الشرقية :كمطبعة إيطاليا ، ومطبعة فرنسا. 5.إنشاء المجلات الشرقية : كان للمستشرقين الفرنسيين فيها جهود معروفة ، مثل صحيفة العلماء ، ومجلة الجمعية الملكية الآسيوية ،والمجلة الإفريقية ، والمجلة التاريخية ، ومجلة تاريخ الأديان وغيرها ، وبعض هذه المجلات ما زال يصدر إلى هذا اليوم. ************************