المحاضرة الأولى
الأدب العربي قبل عصر النهضة:
هل هو أدب انحطاط أو جمود؟
وصف كثير من الباحثين تلك الفترة التي أعقبت سقوط بغداد وحتى بداية النهضة الحديثة بالانحطاط والجمود بينما رأى آخرون إن هذا العصر اخرج كتابا ومفكرين على درجة قصوى من الأهمية مما ينفي تهمة الانحطاط أو الجمود فقد اخرج هذا العصر ابن خلدون صاحب المقدمة الشهيرة في علم الاجتماع وابن منظور صاحب لسان العرب وما وضعه الرحالة ابن بطوطة وكذلك الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام ابن تيمية في مجال الفكر الشرعي.
أما في ما يختص بالشعر فإنهم يرون انه طيلة هذه الفترة التي يسمونها بعصر الجمود والانحطاط قد تميز بخصائص أسلوبية تعكس طبيعة تلك المرحلة فهو مترف متأنق مدني مصنوع قائم على الكلام المأنوس والمعنى القريب وقد تطورت لغته وتعددت الإيقاعات داخل البنية الواحدة وظهرت ألوان الشعر كالزجل والدوبيت والكان كان وأصبحت القصيدة تركز على عالم الأشياء ووصف جزئيات الحياة ولاشك إن الشعراء أولعوا بالصنعة الفنية وبالغوا فيها حتى وصل بالشعر إلى درجة الانحطاط التي جاءت إفرازا لذوق العصر.
ونحن لا نرى بأسا لأصحاب هذا الرأي من الباحثين سواء من أسموه عصر انحطاط أو من دافعوا عنه لان المسألة نسبية إذ لا يحتكم كل فريق منهما إلى نفس المعايير ويمكننا أن نقول إن كل منهما على حق.
نشأة الأدب الحديث
عوامل نهضة الأدب في العصر الحديث:
اختلف الباحثون حول هذه المسألة فمنهم من يرى إن غزو نابليون لمصر والذي مثل بدء الاحتكاك الحضاري المباشر بين العرب والغرب هو بمثابة البداية الحقيقية للنهضة الحديثة وهم يرون إن أسباب ذلك تتضح في:
1/ لم يكن نابليون غاز عسكري فحسب بل كان يحمل معه أيضا كل عدد الغزو الحضاري والثقافي فأنشأ مسرحا للتمثيل وادخل المطبعة وانشأ مكتبة عامة واصدر صحيفتين وأسس مراصد فلكية ومركزا للأبحاث وانشأ مجمعا علميا مصريا.
2/ حاول الفرنسيون إن يتقربوا إلى العرب في مصر فنقلوا إليهم عاداتهم الاجتماعية وأساليبهم في الحياة فأحدثوا في الحياة الاجتماعية هزة عنيفة.
3/ أشرك نابليون المصرين في إدارة شؤون بلادهم فأنشأ الدواوين ونظم الأمور الداخلية مصطنعا الطرائق العلمية الحديثة ولكن الانحياز الطائفي والمغالاة في فرض الضرائب نفرت الأهالي .
وحقا كانت الحملة بمثابة الزلزال الذي هز العقل العربي في مصر وايقضه على حقائق الأمور ولكننا مع ذلك لا يمكننا إن نعتد بالحملة تاريخيا وحيدا للنهضة الأدبية لان أثارها العلمية كنت ابرز وأوضح من الآثار الإنسانية والأدبية.
أما أصحاب الرأي الأخر فيرون إن بداية النهضة كانت في وقت مبكر متمثلة في الحركات الدينية المعاصرة من مثل حركة الشيخ محمد عبد الوهاب في نجد وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده في مصر والحركة المهدية في السودان.
وهي حركات نهضوية طالبت نبذ الخرافات والبدع والعودة بالدين الإسلامي إلى مضانه الرئيسية في القرآن والسنة النبوية.
أما أصحاب الرأي الثالث فيرون إن النهضة في العصر الحديث جاءت مع بداية بروز النزعات القومية اثر المناداة بالتتريك التي شرعت فيها جمعية الاتحاد والترقي وظهور الجمعيات العربية السرية المناهضة للأتراك.
والحقيقة أن بداية عصر جديد في الأدب لا تكون رهينة لحدث تاريخي بعينه أو بسنة محددة بل هي موجة تنطلق من بدايات متعددة على مساحات من الزمان والمكان ولذا يمكن اعتبار كل ما أشارت إليه الآراء السابقة منطلقات لهذه الموجة وقد استوعبت البدايات عقودا طويلة من المقدمات التي سبقت الانطلاقة الحقيقية.





ويرجع الشكر للأخت mhm-rmh