الإيمان في اللغة : له استعمالان :
1ـ فتارة يتعدى بنفسه: فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته ويأتي بمعنى الحافظ ، وتأتيمن معنى الأمانة وهي نقيض الخيانة ،
2 ـ وتارة يتعدى بالباء: فيكون معناه التصديق ، ويفهم منه ، أن التصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضاً .
والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق .الإيمان اصطلاحا :
هو اعتقاد وقول وعمل
والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان
أن الإيمان قول وعمل وعقيدة
أن الإيمان يعني : ” تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان
وخالف كثير من أصحابنا ( أي الحنفية ) وأسقطوا العمل عن مفهوم الإيمان فقالوا هو ” الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان ”
ويثبت إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل
والنصوص عن الأئمة كثيرة جداً في قولهم: إن الإيمان قول وعمل، نقل كثيراً منها المصنفون في عقيدة أهل السنة من الأئمة المتقدمين ، ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أوقول وعمل واعتقاد. فكل ذلك من باب اختلاف التنوع .
وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان اصطلاحا : أنها (مركبة من قول وعمل، والقول قسمان:
1 ـ قول القلب، وهو الاعتقاد، 2 ـ وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان: 1 ـ عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، 2 ـعمل الجوارح
الأدلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كمالــــــم ينفع إبليسَ وفرعونَ وقومَه واليهودَ والمشركينَ الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به .
الأدلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
1ـ الدليل على أن الإيمان اعتقاد بالقلب :(ولما يدخل الإيمان في قلوبكم
ـ وقال - صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه".
إلى غير ذلك من الأدلة الصريحة في أن إيمان القلب شرط في الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه، وأنه إذا وجد سرى ذلك إلى الجوارح .
وإيمان القلب ليس مجرد العلم والمعرفة والتصديق بالله عز وجل وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بل لابد مع ذلك من الانقياد والاستسلام، والخضوع والإخلاص، مما يدخل تحت عمل القلب.
ـ الدليل على أن الإيمان إقرار باللسان :فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) .
قوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ” .
الشهادتان أصل قول اللسان وهما شرط في صحة الإيمان:
اتفق أهل السنة على أن النطق بالشهادتين شرط لصحة الإيمان
والمقصود بالشهادتين كما لا يخفى ليس مجرد النطق بهما، بل التصديق بمعانيهما وإخلاص العبادة لله، والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار ظاهراً وباطناً بما جاء به فهذه الشهادة هي التي تنفع صاحبها عند الله عز وجل،
3 ـ الدليل على أن الإيمان عمل بالأركان : قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) .
صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” ،
ثانيا : درجات الإيمان
درجات الإيمان ثلاث درجــات :
للإيمان درجات وللناس فيه طبقات ، فهناك حد أدنى من أخل به ذهب إيمانه، وحد أعلى يبلغ بصاحبه درجة الصديقين
الـدرجــة الأولى أصل الإيمان: أو ( الإيمان المجمل أو مطلق الإيمان ) .
والمقصود به الحد الأدنى من الإيمان الذي هو شرط صحة الإيمان والنجاة من الخلود في النار في الآخرة إن مات على ذلك
وهذا الإيمان غير قابل للنقصان، لأن نقصانه يعني خروج الإنسان عن اسم الإيمان.
وهذه الدرجة يطلق على صاحبها الإسلام أو الإيمان المقيد
الدرجة الثانية : الإيمان الواجب:أو ( الإيمان الكامل، أو الإيمان المفصل أو الإيمان المطلق أو حقيقة الإيمان ) .
ويكون صاحبه ممن يؤدون الواجبات وبجتنبون الكبائر وهو ممن وعد بالجنة بلا عذاب، ولهذا لا يوصف أهل الكبائر بالإيمان المطلق
، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة بلا عذاب، وهؤلاءمعرضون للوعيد ودخول النار إلا أن يشاء الله
ما حكم من أتى الواجبات، واجتنب الكبائر، ولكنه ارتكب بعض الصغائر، هل ينقص عن درجة الإيمان الواجب؟
وقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بجواب محكم في كتابه الإيمان ، فقال:
(والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينفه - أي الإيمان - إلا عن صاحب كبيرة ، فالمؤمن الذي يفعل الصغيرة هي مكَفَّرَة عنه بفعله للحسنات، واجتنابه الكبائر، لكنه ناقص الإيمان عمن اجتنب الصغائر ، فمن أتى بالإيمان الواجب ولكنه خلطه بسيئات كفرت عنه بغيرها، ونقص بذلك درجة عمن لم يأت بذلك).
إذن أهل هذه الدرجة متفاوتون على حسب تورعهم عن الصغائر، فمن كان منهم أحرص على اجتنابها كان إيمانه أكمل ممن يغشاها.
الدرجة الثالثة : الإيمان المستحب: أو ( الإيمان الكامل بالمستحبات ، ودرجة الإحسان ) :
وصاحب هذه المنزلة لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المحرمات، بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، وهذا حاله في عامة الأعمال كالصلاة والحج والصوم والغسل وغيره.
فمن أتى بالواجبات فقط فهو من أهل الإيمان الواجب، ومن زاد على ذلك المستحبات فهو من أهل الإيمان المستحب.
(فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه، والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه،