الفصل الرابع عشر
أسر المزيد من المتمردين
عدت بالقبطان إلى بيتي وأريته كل شىء عملته لراحتي وسلامتي . أخبرته أيضاً بالقصة كاملة لوصولي إلى الجزيرة وحياتي فيها . بدا أنه مهتم جداً في كل ما كان يجب أن أريه وأقوله له .
بدوره كان القبطان قلقاً جداً بالنسبة إلى ما يجب عليه أن تكون حركته التالية لاستعادة السيطرة على سفينته . أخبرني بأنه لا يزال هناك ستة وعشرون رجلاً على ظهر السفينة . كانوا قد شاركوا في التمرد ويعرفون أنه , إذا أصبح قبطاناً مرة أخرى , سيُشنقون حالما تصل السفينة إلى أي ميناء انجليزي .
لم نأمل في تحقيق السيطرة على السفينة برجال قلة كهؤلاء , وبدا لي أن من الأفضل أن ننتظر ونرى ما سيحدث بعدئذٍ . كنت متأكداً تقريباً من أن الرجال على ظهر السفينة سيتساءلون عما كان قد حدث لرفاقهم . عاجلاً أو آجلاً سيأتون إلى الشاطئ في قارب آخر للبحث عنهم . لمنعهم من استعمال القارب الأول , حملنا منه كل المعدات وثقبنا ثقباً كبيراً في قاعه . في الوقت نفسه , حملنا القارب إلى مسافة بعيدة جداً إلى أعلى الشاطئ حتى لا يكون من المحتمل أي يجرفه أي مد بعيداً في البحر .
كان هذا عملاً شاقاً وجلسنا لنستريح حين أنهينا عملنا . فيما نحن نجلس لنستريح سمعنا السفينة تطلق النار كإشارة للقارب حتى يعود . حين لم ينطلق أي قارب اُطلق المزيد من الطللقات لكن لم يحدث أي شيء طبعاً . حين وجد أولئك الذين على ظهر السفينة بأنهم لا يلقون أي جواب من الشاطئ أرسلوا مجموعة أخرى إلى الشاطئ . فيما اقترب القارب حاملاً الرجال رأيت خلال المرقاب بأن عشرة رجال فيه , وأنهم كلهم مسلحون ببنادق .
كان القبطان يعرف كل رجل في القارب وأخبرني بأن ثلاثة منهم زملاء شرفاء . أما البقية , خصوصاً القائد , وضابط الأشرعة , فقد كانوا طرين . كان القبطان يخشى أن يسفروا عن أنهم أقوى منا .
كان أول ما يجب فعله هو إخفاء السجناء , وهكذا أخذهم جمعة إلى كهفي . تركهم هناك مع خبز ومياه كافيين لثلاثة أيام . وعد بأنه إذا سار كل شيء على ما يرام , فإن سراحهم سيُطلق خلال ثلاثة أيام , لكن إذا حاولوا الهرب فإنهم سيقتلون مباشرة .
أطلق سراح اثنين من السجناء الذين تكلم عنهم القبطان , وعدا كلاهما في أن يكونا ماليين للقبطان ووافقا أن يقاتلا إلى جانبنا . نكون معهما , والقبطان ورجاله الاثنان , وأنا وجمعة سبعة رجال , وكلنا جيدوا التسلح .
حالما وصل اربهم إلى الشاطئ سحبه الطاقم إلى أعلى الشاطئ ثم جروا إلى القارب الآخر . اندهشوا اندهاشاً لا مزيد عليه وهم يجدون بأنه كان فارغاً وأنه كان هناك ثقباً كبيراً في قاعه .
صرخوا بأعلى أصواتهم محاولين أن يُسمعوا رفاقهم . حين لم يتلقوا أي جواب , أطلقوا كاهم نار بنادقهم . رنت الغابة بأصداء طلقاتهم , لكن أحداً لم يجب . حين رأى الرجال من السفينة أنهم لا يتلقون أي جواب لنداءاتهم انطلقوا بقاربهم ثانية وجذفوا عائدين إلى السفينة . علمنا فيما بعد بأنهم فكروا بأن رفاقهم قد قتلوا .
لم يمض وقت طويل قبل أن يعودوا مرة أخرى . كان لديهم هذه المرة خطة جديدة . وصل سبعة من الرجال إلى الشاطئ للبحث عن رفاقهم بينما بقي الثلاثة الآخرون في القارب . فيما كان القارب يرسو على مسافة قريبة من الشاطئ شكل لنا هذا مشكلة جديدة . لن يكون عوناً لنا أن نأسر الرجال السبعة الذين كانوا قد سبق وحلوا في هذا الشاطئ . لو فعلنا هذا فإن أولئك الذين في القارب سيجذفون عائدين إلى السفينة ويبحرون بعيداً . لم يكن أمامنا أي خيار سوى أن نصبر وننتظر فرصتنا .
لم يتفرق الرجال السبعة بل ساروا معاً إلى أعلى التل فوق بيتي . رأيناهم بوضوح تام مع أنهم لم يرونا . كانوا بعيدين جداً عنا فلا نقدر أن نطلق النار عليهم , لكنهم كانوا قريبين جداً ليخرجوا من المخبأ .
حين أت الرجال السبعة إلى حيث يمكنهم أن يروا جزءاً كبيراً من الجزيرة , نادوا بصوت عالٍ إلى أن تعبت أصواتهم . بدا أنهم لم يريدوا أن يختفوا عن أنظار الشاطئ . حين لم يتلقوا أي جواب لندائهم , جلسوا تحت شجرة ايقرروا ما يفعلونه بعدئذٍ . فكرنا : لو أنهم ينامون فقط , سيكون من السهل القبض عليهم , لكنهم كانوا حذرين جداً من خطر محتمل لهذا .
تماماً فيما نحن نفكر أن لا شيء يمكن أن يُفعل قبل الظلام . نهضت المجموعة وبدأت تسلك طريقها عائدة إلى الشاطئ . بطريقة ما كان علينا أن نمنع حدوث هذا . أمرت جمعة ووكيل القبطان أن يذهبا إلى الغابة لمسافة نصف ميل ومن ثم يناديان بصوت عال قدر ما يستطيعان . حالما أجاب البحارة كان عليهم أن ينادوا ثانية . بفعلهم هذا , لابد أنهم سيجرون الرجال السبعة إلى مسافة أبعد فأبعد عن الشاطئ .
كان البحارة قد وصلوا إلى القارب فعلاً وكانوا على وشك تسلقه والدخول إليه حين نادى جمعة ووكيل القبطان بصوت عال . كانا على الجانب المقابل من الخليج , لكن البحارة أحضروا القارب من الجهة الآخرى وربطوه إلى شجرت ضغير على الضفة . هذا ما أردته تماماً . بينما كان وكيل القبطان وجمعة يسحبان البحارة بعيداً عن قاربهم , أخذت باقي رجالي وأسرت القارب بسرعة . كان أحد الرجال الذين كان من المفترض أن يحرس القارب نائم على الشاطئ , واستسلم الآخرون حين رأوا كم كنا مسلحين تسليحاً جيداً .
تابع جمعة ووكيل القبطان النداء وجرّا الرجال إلى أن وصلوا إلى منتصف الغابة . هناك تركا الرجال السبعة تعبين جداً وعلى مسافة طويلة من الشاطئ . كانوا متأكدين من أن البحارة لن يصلوا إلى قاربهم مرة أخرى قبل أن يحل الظلام .
حين تركوا البحارة , عاد جمعة ورفيقه وانضما إلى بقيتنا على مسافة ليست بعيدة عن الشاطئ . كانت قد مضت ساعات عديدة بعد هذا تمكن البحارة أثناءها من أن يجدوا طريقهم للعودة إلى الخليج حيث تركوا قاربهم . سمعناهم يعودون من خلال الغابة . كان الذين في المقدمة يحثون عن الذين في المؤخرة على أن يسيروا بسرعة أكبر . كانوا كلهم يتذمرون من أقدامهم المتقرحة .
تأكدنا من أنهم لن يكونوا قادرين على العودة إلى تلك السفينة في تلك الليلة . حين اكتشف البحارة هذا , انزعجوا انزعاجاً شديداً . قال أحدهم إن الجزيرة مليئة بالأرواح الشريرة , بينما صرح آخر بأنهم سيُقتلون كلهم .
أراد رجالي أن يهاجموا على الفور , لكن , لأنني أردت أن أقتل قادة التمرد فقط , أمرتهم أن ينتظروا . لم يمض طويل من الوقت قبل أن تظهر فرصة مناسبة . أتى ضابط الأشرعة ماشياً نحونا بصحبة اثنين . كان القبطان متلهفاً لهفة كبيرة لإطلاق النار على أعدائه حتى أنه بالكاد انتظر اقتراب ضابط الأشرعة قرباً كافياً للتأكد من قتله . أقرب فأقرب , أتى الرجال الثلاثة . فجأة , لم يعد القبطان يستطيع أن ينتظر أكثر وقفز على قدميه وأطلق النار . في الوقت نفسه أطلق جمعة النار أيضاً . سقط ضابط الأشرعة ميتاً وسقط الرجل التالي له جريحاً ومات بعد وقت قصير . جرى الرجل الثالث مبتعداً بأسرع ما أمكنه هذا .
تقدم بقيتنا نحو البحارة الآخرين . وحيث أن الظلام كان يخيم لم يروا كم كان عددنا قليل . ذهب الرجل الذي أسرناه في القارب إلى المقدمة . أمرته أن ينادي على أحد البحارة بالاسم . أردت أن نتكلم معهم حتى نتوصل إلى تفاهم معه .
نادى بأعلى صوت أمكنه إطلاقه : " توم سميث ! توم سميث ! "
" هلهذا أنت يا روبنسون ؟ "
أجاب الرجل الآخر : " نعم , هو أنا . من أجل الله يا توم سميث , ارموا ببنادقكم وإلا ستُقتلون كلكم . "
سأل توم سميث : " أين أنت , ,غلى من يجب أن نستسلم ؟ "
" نحن هنا . وهاهنا قبطاننا . لديه خمسون رجلاً هنا ظلوا يبحثون عنكم طيلة الساعتين الاضيتين هاتين . ضابط الأشرعة قُتل , ويل فراي جريح وأنا سجين . إذا لم تستسلموا ستضيعون كلكم . "
سأل توم سميث والشك يساوره : " هل سيُظهرون لنا الرحمة إلا استسلمنا ؟ "
إجابةً على هذا نادى القبطان نفسه بصوت عال .
" أنت يا سميث , أنت تعرف صوتي . أعد أنكم إذا ألقيتم بأسلحتكم على الأرض على الفور واستسلمتم , سأبقي على حياتكم كلكم ما عدا ويل أتنكس . "
صاح ويل أتنكس : " لماذا , ما الذي فعلته ؟ كانوا كلهم سيئين قدر ما كنت أنا . "
لم يكن هذا صحيحاً حين أن ويل أتنكس كان أو من تمرد ضد القبطان . أخبره القبطان بصرامة بأنه يجب أن يستسلم مع البقية وأن يثق برحمة حاكم الجزيرة . بهذا عناني أنا . استسلموا كلهم وتوسلوا طالبين أن نُبقي على حياتهم .
خاطب القبطان الآن رجاله .
قال : " كنتم كلكم بلهاء جداً وشريرين . ما لم تغيروا طرقكم إلى حد كبير ستُشنقون . حين أحضرتموني هنا إلى الجزيرة فكرتم أم لا أحد يعيش في الجزيرة وأنني لابد أن أموت جوعاً هنا . لكنكم ارتكبتم غلطة كبيرة . لهذه الجزيرة حاكم انجليزي وأنتم الآن سجناؤه . من المحتمل أن يرسلكم كلكم إلى إنكلترا حيث سُتعامل معكم طبق القانون . أما بالنسبة لك يا ويل أتنكس , قلا تتوقع أي رحمة . أنصحك أن تستعد للموت حيث أن الحاكم أمر أن تُشنق في الصباح . "
سقط ويل أتنكس أمام قدمي القبطان وتوسل إليه أن يستعمل تأثيره على الحاكم حتى تُبقى على حياته . توسل كل الآخرون بألا يرسلوا إلى إنكلترا كسجناء .
كنت متلهفاً في أسر السفينة حتى أغادر الجزيرة أخيراً . أرسلت وراء القبطان وأخبرته عن خططي للإمساك بالسفينة . فكر أن خططي كانت جسدة وأنه سيساعدني في تنفيذها . قسمنا السجناء إلى مجموعتين . احتوت المجموعة الأولى أخطر الرجال وأرسلناهم إلى الكهف , وأيديهم مربوطة ربطاً شديداً . أرسلا الآخرين إلى بيتي الآخر في منتصف الجزيرة .
في لصباح , ذهب القبطان ليرى كل السجناء . أخبرهم أن حاكم الجزيرة وعد أن يُبقي على حياتهم طالما بقوا في الجزيرة . حالما يعودون إلى إنكلترا سيوضعون في السجن . إذا ساعدوه على أسر السفينة فإنه سيبذل أقضى ما يستطيع لإنقاذ حياتهم . يمكنك أن تحزر كم كان السجناء متلهفين لقبول عرض القبطان . وعدوا لا أن يساعدوه على لاقبض على السفينة فقط , بل في أن يظلوا مخلصين له بقية حياتهم .
قال القبطان : " حسناً , يجب أن أذهب إلى الحاكم وأخبره بما تقولونه وأرى ما الذي يمكن أن يُفعل لمساعدتكم . "
هكذا عاد إلي مع وصف لما تبادله من كلام مع الرجال . أردت أن أكون متيقناً تماماً من أنهم يمكن الوثوق بهم .
أمرت : " عد إل السجناء واختر خمسة من مساعديك . يمكنك أن تخبرهم بأن أولئك الذين تركوا في الطهف سيُعاملون كرهائن . إذا برهن أشخاص الذين تختارهم بأنهم غير مخلصين , عندئذٍ سأشنقهم كلهم أولئك الذين في الكهف أيضاً . "
بدا هذا قاسياً , لكن كان علي أن أظهر للرجال بأنني أتعامل مع هذا الموضوع بجدية كبيرة . لم يكن لديهم أي خيار سوى أن يقبلوا بشروطي . أصبح الآن من مصلحة الرجال في الكهف إضافة إلى القبطان أن يقنعوا الرجال الخمسة المختارين بأن يقوموا بواجبهم بإخلاص .
يتبع ...