الأزمة الإقتصادية في المملكة.. بين الفقراء وعجز الحكومة

تمر المملكة العربية بمرحلة تعد الأعقد إقتصاديا وسياسيا منذ فترة تأسيسها في عهد الملك عبد العزيز. ولم تكن المملكة تتحرك إقتصاديا بشكل فردي حتى عهد الملك فيصل عندما قام بضغط من الشعب بقطع النفط عن الدول المستوردة. ولكن كل ما حدث في ال100 سنة الأولى من عمر المملكة لم يؤثر بشكل مباشر في المستوى المعيشي للفرد السعودي, على حد علم ذلك الفرد. حيث أن التضخم كان في معظم الأحيان أقل من 1%.

ولكن تحت موجة التضخم اللتي يمر بها العالم تجد الحكومة السعودية نفسها بين مطرقة الواقع الإقتصادي وما يجب عمله في هذه المرحلة, وبين سندان الفقر اللذي هو السبب الرئيس في معظم، إن لم يكن كل, الثورات اللتي حدثت في العصر الحديث.

ونلاحظ أن المملكة القلقة من ثورة أكثر مما هي قلقة على مستقبل الشعب تقوم بأمور ترضي الشعب لكنها في نفس الوقت تعمق جروحه الإقتصادية المتمثلة في الغلاء المعيشي.

زيادة الرواتب:
تعد زيادة الرواتب من أسهل الحلول اللتي يملكها أي نظام كالمملكة فالشعب الجاهل يطالب به والحكومة لديها من الأموال ما يغطي هذا الطلب ولكن أي زيادة إصطناعية في الرواتب في المدى القريب قد تحل المشكلة ولكنها في المدى البعيد تزيد التضخم بنسبة أكبر من نسبة زيادة الرواتب...

فالحكومة المهتمة بمستقبل شعبها اللتي لا تخاف ثورته وغضبه لن ترفع الرواتب اصطناعيا أبداً ولا بأي نسبة..

دعم المنتجات الإستهلاكية:
دعم المنتجات الترفية: وهو ما يجب على أن تبتعد عنه السياسة الإقتصادية، فدعمه يسبب زيادة سعره أكثر لأن المستهلك سوف يطلب أكثر منه. فعلى سبيل المثال لو انخفض سعر الساعات الرولكس إلى النصف, المتوقع أن الكثير من المستهلكين سوف يقوم بشراء ساعتين بدل واحدة..

دعم المنتجات الضرورية: وهو كالأرز والحليب فدعم هذه المنتجات ممكن ولكن يجب أن تكون هناك خطة للسياسة المالية بأن هذا الدعم لن يكون للأبد ويجب أن يعلم المستهلك والتاجر هذه الحقيقه.. وتعود إمكانية دعمها إلى أن الفرد لا يستطيع إستهلاك إلا كمية معينة من الحليب فلو كان سعره رمزيا لن يزيد الإستهلاك كثيرا.

ما هو البديل الأفضل للدعم العام للمنتجات الإستهلاكية؟
لو أعطي الفقراء قسائم شرائية بما يحتاجونه لكان ذلك أفضل للإقتصاد بشكل عام فالدعم يرهق خزينة الدولة ولا يحل المشكلة بل هو إحدى طرق تأجيلها إلى أبنائنا وأحفادنا..

فك الإرتباط مع الدولار:
ربط الريال بعملة أخرى: وهو حل جيد للمشكلة ولكنه يؤدي إلى زيادة في سعر المنتج السعودي الغير نفطي, وهذا يعني التقليل من تنافسية الصناعة الغير نفطية الوليدة في المملكة, وهو يعني زيادة الإعتماد الإقتصادي على النفط والواضح بأن النفط ليس له مستقبل. فهل يريد الشعب أن يأكل الكافيار الآن والجراد غذاً؟؟

التبادل الحر:
وهو أن لا تربط العملة بأي عملة رئيسية وتعطي الطلب والعرض كل القوة لتحديد سعر الصرف. لو افترضنا حدوث ذلك, سوف ترتفع قية الريال بالنسبة للعملات الرئيسية بشكل قياسي بسبب التجارة النفطية. تخيل أن تساوي الخمسة دولارات ريال واحد, هذا سوف يؤدي للتقليل من التنافسية للصناعات غير النفطية على المدى القريب. المملكة كمجتمع يعتمد على النفط بنسبة تفوق ال 60% سوف تضع المستثمرين في دوامة الشك بأن هذا الإقتصاد آمن للإستثمار أم لا. لأن الربط بالدولار سببه الوحيد هو إعطاء الثقة للمستثمر في الريال السعودي لأسباب ليست هي محل البحث الآن.

الملاحظ بـأنه في المدى القريب يجب أن نتحمل التضخم ولكن ما هو الحل في المدى البعيد؟
الحل الأشمل هو التخلص من تحكم النفط في مقدرات الإقتصاد السعودي وذلك بـ:

التعليم: مشتبه من يعتقد بأن الإبتعاث هو مكرمة أو ترف بل هو ضرورة للمستقبل السعودي. فالإستثمار في العقول البشرية هو الباب الأفضل للتقليص المؤدي إلى التخلص من الإعتماد على النفط.

يذكر بأن في الإقتصاد تحسب ثروة المجتمع بثلاث:
1- إنتاجية أفراده
2- مصادره الطبيعية
3- التكنولوجيا وهو ما تؤدي إليه الإنتاجية..

وجدير بالذكر أيضا أن معظم المجتمعات الثرية في العالم هي ثرية بسبب التكنولوجيا وهناك بعض النظريات تقول بأن المجتمع الذي يفتقر للمصادر الطبيعية هو أكثر إحتمالاً لأن يكون مجتمع غني حيث تصاب مجتمعات المصادر الطبيعي بما يعرف بـ"Dutch Disease " وهو ما مصابة به المملكة.

تنويع الإقتصاد: نملك في المملكة ثروات كثيرة غير مستغلة نسطيع باستغلالها المحافظة على المستوى المعيشي حتى بدون وجود النفط كعامل أساسي في أقتصاد المملكة. السياحة الدينية والغير دينية غنية جداً في المملكة ولكن الأولى تستغل سياسياً والثانية مغيبة ومتأثرة بالفساد المنظم. بناء المدن الإقتصادية والجامعات هو عامل مهم في تنويع الإقتصاد أيضا إن كانت غير متأثرة بالفساد.

توقيع إتفاقيات للتجارة الحرة: العامل الأسلم إقتصادياً لحل مشكلة التضخم هو التجارة الحرة. قد لا تعجب التجار أو من يملك مصانع لكنها الحل الأمثل للشعب.

إذكاء روح التنافس الحر: من أهم عوامل إرتفاع الأسعار هو وجود محتكرين في السوق, يجب أن تقوم حكومة المملكة بتطوير النظام القضائي وتحديث قوانين منع الإحتكار. ولا أستطيع هنا التقليل من أهمية محاربة الفساد المنظم, المحتكِر أو المستفيد من الإحتكار..

ومن أهم عوامل إذكاء التنافس, تسهيل القروض البنكية واستحداث قوانين تضمن للبنوك حقوقهم وهو ما يُتوقع أن يؤدي إل تخفيض سعر الإقتراض, الفائدة, على هذه القروض.

ومن المهم القضاء على العادات الإجتماعية التي تقلل التنافس كالواسطة والفساد المالي.

تسهيل دخول المرأة في سوق العمل: عمل المرأة لم يعد ترف أو حق لها وحدها بل هو ضرورة للمجتمع. كان المجتمع الإقتصادي يتحمل أن يكون للأسرة عائل واحد ولكن لا يمكن ذلك الآن. فقيادة المرأة وتسهيل مساواتها بالرجل في سوق العمل من حيث الفرص والحوافز هو عامل مهم في زيادة الإنتاجية والحفاض على حق أبنائنا وأحفادنا في حياة كريمة..

تسهيل التجنُّس: تجنيس العقول وتحفيزها للبقاء والإنتاجية هو العامل الذي اعتمد عله أكثر إقتصاد صحي في الخليج وهو إقتصاد دولة الإمارات العربية. فالتجنيس يزيد الإنتاجية للفرد ويذكي التنافس في العلم بين أفراد المجتمع. فاليعلم الطبيب السعودي بأنه يتنافس مع طبيب سعودي من أصل هندي, على سبيل المثال. ذلك وبالإضافة إلى شعب متقبل للإختلاف والآخر وهو داعم كبير للسياحة.

جدير بالذكر بأن تثقيف المجتمع إقتصادياً مهم فزيادة الرواتب تضر ولا تنفع ويجب أن يعلم الشعب ذلك. بالإضافة إلى إذكاء الثقة في المجتمع باقتصاد المملكة, والشعور بأننا نتحمل جزء من المسؤولية، ولو أن الجزء الأكبر تتحمله الحكومة. فأنا أقترح تدريس مادة الإقتصاد في المدارس الثانوية وذلك لأهميتها كعلم أكثر منه كتخصص, فلو تعلم الناس كيف يعمل سوق الأسهم لما حدث ما حدث مؤخرا من إرتفاع فسقوط للسوق.

أود أن أختم مقالي هذا بالقول بأني متفائل بمستبقل المملكة الإقتصادي حتى لو كان الحاضر صعب. وأملي في المبتعثين, وأنا منهم, كبير في دفع العجلة الصدءة للإقتصاد ومحاربة الفساد المنظم


[