المحاضرة الرابعة
الفتوحات الاسلامية في عهد أبي بكر الصديق
عناصر المحاضرة
. العوامل المساعدة للفتوحات الاسلامية.
. فتح العراق وفارس.
. موقعة ذات السلاسل.
.موقعة المزار.
. موقعة الولجة.
. موقعة أليس.
. فتح الحيرة.
. فتح الأنبار.
. فتح دومة الجندل.
. موقعة الفراض.
الفتوحات الاسلامية
بعد الانتهاء من حروب الردة, فكر الخليفة أبوبكر الصديق في الفتوحات الاسلامية وبدأ بدولتي الفرس والروم، وقد كانت هناك عوامل مساعدة للفتوحات الاسلامية ساعدت المسلمين في تحقيق أهدافهم.
العوامل المساعدة للفتوحات الاسلامية:
ا- استطاع الدين الإسلامي أن يوحد العرب في الجزيرة العربية بعد أن كانوا
قبائل شتى، وجعلهم يتطلعون إلى خارج الجزيرة العربية بعد أن كانوا
منكمشين فيها لعدة قرون، وقد ضمن لهم الاسلام الظفر بإحدى
الحسنيين:فإما نصر وغنيمة في الدنيا، وإما شهادة ونعيم في الآخرة.
2- شاءت إرادة الله أن تكون الجزيرة العربية - موطن الرسالة المحمدية - قاحلة جدباء في معظمها، فجعلها ذلك مكان طرد سكاني ورغب المسلمون في الهجرة إلى خارجها في الفتوحات الاسلامية، وكانت البلاد المفتوحة: روما وفارس، والبلاد الواقعة تحت سيطرتهما: مصر والشام والعراق وفيرة الخيرات فأصبحت مكان جذب سكاني، وقد كان هذا عاملاً مساعداً للفتوحات الاسلامية.
3- لقد اعتاد العرب في جاهليتهم على حب الإغارة والاقتتال، بحثاً عن الكلأ أو
مورد الماء، كما كان للعلاقات الاجتماعية أثرها في ذلك، وعندما لا يجد
العربي عدواً يغير عليه فإنه كان يغير على أقرب الأقربين إليه، وعلى حد قول
الشاعر الجاهلي:
وأحيانا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا
وقد أكسبت هذه الحروبات الجندي العربي خشونة وشجاعة وكفاءة قتالية، وعندما وجهوا للفتوحات الإسلامية أقبلوا عليها إقبالاً شديدا.
4- رسوخ إيمان المسلمين جعلهم يقابلون أعداءهم بلا خوف ولا وجل، ويشعرون بالاستعلاء على الكافرين، ”كُنتم خَير أمَةٍ أخرِجَتْ لِلناسِ
تأمرون بالمَعْرُوفِ وتنهون عَنِ المنكَر وَتُؤمنونَ بِاللهَ“ و أن الله ناصر هم ما كانوا على الحق ”ان تنصُرُوا الله ينصركم ويثبت أقدامكم“ وبهذه
الروح انتصر المسلمون على أعدائهم على الرغم من تفوق الأعداء عليهم عدة وعتادا.
5- بما أن المسلمين قاموا بنشر العدالة والمساواة والرحمة بين الشعوب المفتوحة فقد وقفت هذه الشعوب مساعدة للفاتحين المسلمين ليخلصوها من ظلم الفرس والروم.
6- ضعف الدولتين البيزنطية والفارسية واضطراب الأحوال فيها كفل للمسلمين الانتصار عليهم، وعلى الرغم من ضخامة جيوشهم إلا أن جنودهم كانوا يساقون قسراً للحرب، بينما جنود المسلين كانوا يأتون بأرواح ومعنويات عالية.
الفتوحات في عهد الخليفة أبي بكر:
أ- فتح العراق وفارس:
وجه الخليفة أبو بكر خالد بن الوليد إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني، فسار إليها في المحرم سنة 12هـ وكان ذلك بعد قضائه على المرتدين في اليمامة. وأمر أبو بكر الصديق خالداً بأن يدخل العراق من أسفله كما أمر عياض بن غَنم أن يدخلها من أعلاها، ثم يستبقا إلى الحيرة فأيهما سبق على الحيرة فهو أمير صاحبه، كما كتب أبو بكر للمثنى بن حارثه يأمره ببذل الطاعة لخالد بن الوليد والانضمام إليه.
نزل خالد بقريات من العراق يقال لها: بانقياوبارسوماوأليس فصالحه أهلها، فقبل منهم الجزية وكتب لهم كتابا وتعتبر هذه أول جزية وقعت بالعراق.
بعدها أرسل أبوبكر الصديق مدداً لخالد بن الوليد بقيادة القعقعاع بن عمرو التميمي وبوصول هذا المدد بلغ جيش خالد بن الوليد عشرة آلاف مقاتل، وانضم إليه المثنى بن حارثه بجيوشه التي بلغت ثمانية آلاف، وقسم خالد بن الوليد هذا الجيش إلى ثلاث فرق، يقود هو أحدها، ويقود الثاني عدي بن حاتم، ويقيود الثالثة المثنى بن حارثه وقصدت هذه الفرق الثلاث الحفير.
موقعة ذات السلاسل:
وصل خطاب من خالد بن الوليد إلى هرمز حاكم ثغر الأبلة, وفيه: " أما بعد, فأسلم تسلم، أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك, فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ".
علم هرمز أن المسلمين يعسكرون بالحفير, فسار إليهم وكان جنوده مقيدين بالسلاسل لكيلا يفروا، وطلب هرمز في بداية المعركة مبارزة خالد بن الوليد وترجلا وتضاربا بالسيف, فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد، وحملت حامية هرمز على خالد بن الوليد وغدرت، فما شغله ذلك عن قتله، وحمل القعقاع على حماة هرمز ونحاهم عن خالد, واشتدت رحى المعركة وانتصر المسلمون وانهزم الفرس وولوا الأدبار وطاردهم المسلمون حتى موقع البصرة الحالي, وعرفت تلك المعركة بذات السلاسل, لأن جنود الفرس كانوا مقرنين بالسلاسل حتى لا يفروا.
أرسل خالد بن الوليد البشرى والأخماس والغنائم الى الخليفة أبي بكر, وبعث
بقلنسوة هرمز والتي بلغت قيمتها مائة ألف درهم, كما أرسل بفيل طيف به في المدينة, ودهش أهلها لررؤيته ولم يكونوا رأوا فيلاً من قبل, وبلغ سهم الفارس في يوم ذات السلاسل ألف درهم, والراجل على الثلث من ذلك.
موقعة المزار:
أرسل امبراطور الفرس- أردشير- المدد إلى هرمز يقوده قارن, وعندما سمع قارن بهزيمة الفرس في ذات السلاسل ومقتل هرمز، عسكر في منطقة المزار و معه فلول الجيش الفارسي المنهزمة في موقعة ذات السلاسل.
وعندما علم خالد بنبأ جيش الفرس، خرج إليهم، والتحم الفريقان في معركة حامية الوطيس، وقتلت الفرس مقتلة عظيمة، ويقدر الطبـري وابن الأثير عدد
القتلى من جيش الفرس بثلاثين ألفاً.
موقعة الولجة:
قام امبراطور الفرس بالاستعانة بالعرب الذين يقعون تحت نفوذه في هذه المعركة، وتولى قيادة هؤلاء العرب الأندرزغر، كما أرسل امبراطور الفرس القائد بهمان على رأس جيش من الفرس.
ولما علم خالد بهذا الجمع، ترك حامية فيما فتحه من دلتا النهرين، وتقدم لقتالهم، وقسم جنوده إلى ثلاث فرق نازلهم خالد بفرقة من الأمام بعنف حتى كاد صبرهم ينفد، وبعد ذلك هاجمتهم الفرقتان من الخلف، فانهزم الفرس والعرب المُتنضَرة بعد أن قتل منهم كثيرون، وأعطى خالد الأمان للفلاحين فصاروا أهل ذمة.
موقعة أليس:
غضب نصارى العراق لمصرع إخوانهم بالولجة, فاجتمعوا في مكان يقال له أليس وكتبوا إلى ملك الفرس يطلبون معونته، وطلب ملك الفرس من القائد بهمان التوجه إليهم، إلا أنه أرسل من ينوب عنه، وآثر الذهاب إلى ملك الفرس ليطلعه على أمر المسلمة.
اشتبك المسلمون بقيادة خالد بن الوليد بالفرس والعرب المتنصرة، وأبدى فيه الأعداء نوعا من البسالة والاقدام، لأنهم كانوا يتوقعون قدوم بهمان بالمدد من الفرس، ولكن المسلمين حملوا عليهم حملة شعواء زلزلت أقدامهم وقتلوهم شرَّ قتلة وامتلأت أيدي المسلمين بالأسرى، ومن كثرة ما قتل من الأعداء في هذه المعركة تغير لون النهر فسميت بمعركة نهر الدم, وقد بلغ تعداد القتلى من الأعداء سبعون ألفا.
فتح الحيرة:
بما أن القبائل المتنصرة واصلت تهديدها لخط الرجعة بالنسبة للمسلمين, فقد قرر خالد بن الوليد فتح الحيرة عاصمة تلك المنطقة، وقد كانت الحيرة عاصمة المناذرة والذين كانوا يدورون في فلك الفرس.
سار خالد لفتح الحيرة، وحمل الرجال والأثقال في السفن في نهر الفرات، وقام ابن مرزبان الحيرة ليعرقل زحف المسلمين بإرسال ماء النهر في قنوات فرعية، فرست سفن المسلمين على القاع، فتركها العرب إلى ظهور الخيل، وقبضوا على ابن المرزبان وقتلوه، ثم أطلقوا الماء إلى السفن وواصلوا زحفهم نحو الشمال .
وفي الوقت الذي تلقى فيه مرزبان الحيرة نبأ مصرع ولده جاءته الأنباء بوفاة كسرى, فتحطمت أعصابه ولاذ بالفرار، ولكن أهل الحيرة واصلوا تحصينها والدفاع عنها.
حاصر خالد الحيرة وصالحه أهلها على مائة ألف درهم, وقيل: على ثمانين ألفاً في كل عام على أن يكونوا عيوناً للمسلمين على أهل فارس، وأن لا يهدم لهم بيعة ولا قصراً ونزل خالد بقصر الخورنق.
وكان من نتائج فتح الحيرة أن قام الأمراء التابعون لها بتقديم فروض الولاء والطاعة للمسلمين.
فتح الأنبار:
تقع الأنبار غربي بغداد بنحو عشرة فراسخ، تقدم خالد وحاصرها بجيوشه, وقال لرماته:" إني أرى أقواماً لا علم لهم بالحرب، فارموا عيونهم ولا توخوا غيرها ”, فرموا رشقاً واحداً ثم تابعوا ففقىء ألف عين يومئذ، فسميت بوقعة ذات العيون وطلبوا الصلح على أن يخرج قائد جنودها شيرزاد في جريدة خيل ليس معهم شيء من المتاع والأموال.
أحرز خالد تلك الانتصارات وعياض بن غَنم الذي كلفه الخليفة أبوبكر بفتح العراق من أعلاها, ما زال محاصراً دومة الجندل، فكتب إليه خالد أقصر خطاب: (من خالد إلى عياض إياك أريد).
فتح دومة الجندل:
بما أن دومة الجندل تقع على الطريق إلى الشام, و كانت سوقاً للعرب الجاهلية, فقد اهتم بها المسلمون، وقد ارتد أهلها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولم يكد أهلها يسمعون بمسير خالد حتى دبّ الرعب في قلوبهم، وقال لهم أكيدر أحد رؤسائهم: ( أنا أعلم الناس بخالد، لا أحد أيمن طائراً منه، أطيعوني وصالحوا القوم ) ولما أبوا عليه خرج عنهم، ولكن خالد أسره وقتله لارتداده.
بعد وصول خالد إلى دومة الجندل حاصرها الجيشان، جيش خالد وجيش عياض، وبدأ القتال الذي لم يستمر طويلاً، وفتح الحصن عنوة.
موقعة الفراض:
حاول الفرس استرداد ما انتزعه خالد لوجود خالد على أطراف البادية، إلا أن خالداً اصطدم بهم وانتصر عليهم وتَعقبهم إلى الفراض, فتحالف الفرس والروم مع متنصرة العرب، ولما بلغوا الفرات قالوا لخالد: إما أن تعبر لنا أو نعبر لكم، فطلب منهم خالد العبور اليهم, ثم دارت معركة عنيفة انتهت بهزيمة الرومان والفرس ومتنصرة العرب، وأكثر المسلمون في القتل وبلغ من قُتل في هذه المعركة وفي الطلب مائة ألف حسب رواية جمع المؤرخين، وأقام خالد في الفراض عشرة أيام, ورجع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة لعام اثنتي عشرة للهجرة.
بعدها رحل خالد عن العراق بعد أن قضى فيه ثلاثة عشر شهراً اقتطع فيه من بلاد العجم حوض الفرات من الأبلة جنوباً إلى الفراض شمالاً، وعلى الرغم من أن خالداً كان شديد الوطأة على المقاتلين، إلا أنه كان رحيماً بالفلاحين.