المحاضرة السادسة
الخليفة عمر بن الخطاب
13-23هـ / 634-644م
عناصر المحاضرة
•التعريف بعمر رضي الله عنه
•اسلام عمر.
•بيعته ومنهاجه في الحكم.
•الفتوحات في العراق وفارس.
•موقعة الجسر.
•موقعة البويب.
التعريف بعمر رضي الله عنه:
هو أبو حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي كعب, وأمه حنثمه بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم, ولد عمر رضي الله عنه لثلاث عشرة سنة بعد عام الفيل, نشأ في بيئة صالحة, وكان مثالاً في الفصاحة والبلاغة والصراحة في الحق, وكان في صغره يرعى الغنم لأبيه, ثم احترف التجارة.
كان في بني عدي قوم عمر وظيفة السفارة التي أنشأها قصي بن كلاب, وانتهت الوظيفة فبل مجيء الإسلام إلى عمر بن الخطاب , فكان آخر سفير لقريش.
اسلام عمر:
خرج عمر بن الخطاب يوماً متوشحاً سيفه فلقيه نعيم بن عبد الله النحام وكان مسلماً فقال لعمر إلى أين؟ فأجابه عمر: انني أريد محمداً ذلك الذي سفه ديننا وسب آلهتنا فأقتله بهذا السيف. فقال له نعيم لقد غرتك نفسك بنفسك يا عمر, أو ترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟ ارجع وأصلح أهلك. فقال له عمر وأي أهلي؟ فقال له نعيم أختك فاطمة وزوجها سعيد, فقد والله أسلما وتابعا محمداً.
رجع عمر إلى بيت أخته, وكان معهما خباب بن الأرت يعلمهما القرآن من صحيفة فيها سورة طه, فلما سمعوا صوت عمر اختبأ خباب في مخدع وخبأت فاطمة الصحيفة فدخل عمر وقال ما هذه الهينمة؟ قالوا: ليس هناك شيئاً. فقال لهم والله لقد تابعتما محمداً, وفتك بزوج أخته سعيد, وجاءت فاطمة تدافع عن زوجها فضربها عمر وشج وجهها حتى سال الدم عليه, فقالت له أخته: والله قد أسلمنا فافعل ما بدا لك . فرق قلب عمر عندما رأى الدم يسيل على وجه أخته, وقال لها أعطيني الصحيفة أنظر ما بها, فقالت له أخته نخشاك عليها, فقال لها لا تخافي, فطمعت أخته في إسلامه فقالت له انك نجس وعليك أن تغتسل قبل أن تقرأها. ففعل وأعطته الصحيفة وكان فيها سورة طه فقرأ فيها وكان قارئاً, ثم قال: ما أحسن هذا الكلام .
وعندما سمع خباب ذلك خرج وقال: الله الله يا عمر, والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام, وآمل أن تكون دعوته قد أصابتك, فقال عمر لخباب: دلني على مكان رسول الله لأسلم فدله عليه, فذهب إلى دار الأرقم وأعلن إسلامه .
وكان في إسلام عمر بن الخطاب إعزاز لدين الله فقد جهر المسلمون بعبادتهم بعد أن كانوا يؤدونها في الخفاء, وما كانوا يجهرون بصلاتهم إلا بعد إسلام عمر .
وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما علمت أحداً من المهجرين هاجر إلا متخفياً إلا عمر بن الخطاب, فإنه لما همَّ بالهجرة تقلد سيفه وتنكب قوسه وانتضى في يده أسهماً ومضى إلى الكعبة فطاف بالبيت سبعاً متمكناً, ثم أتى المقام متمكناً, ثم وقف على الحلق واحدة واحدة وقال لهم: شاهت الوجوه لا يرغم الله إلا هذه المعاطس. من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلحق بي وراء هذا الوادي. فقال علي: فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين نصحهم وأرشدهم ومضى لوجهه.
اشترك عمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الغزوات وكان هو وأبو بكر وزيريه, وكان عمر بن الخطاب من الملهمين, يرى الرأي ويشير به فينزل القرآن موافقاً لما أشار به, حتى لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لقد كان فيمن قبلكم محدثون ملهمون, فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر " وموافقات عمر كثيرة ذكر معظمها ابن الجوزي, وأوصلها بعضهم إلى عشرين.
كان لعمر بن الخطاب دوره في بيعة أبي بكر في سقيفة بني ساعدة, وكان مستشار أبي بكر في خلافته, كما كان قاضيه.
بيعته ومنهاجه في الحكم:
عهد أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب بالخلافة كما أسلفنا, ولما تولاها صعد المنبر وخطب في الناس خطبة موجزة فقال: "إني قائل كلمات فأمنوا عليهن, إنما مثل العرب مثل جمل أنف اتبع قائده, فلينظر قائده حيث يقوده. وأما أنا فورب الكعبة لأحملنهم على الطريق" .
كان عمر رضي الله عنه شديد التحري للعدل, يجهد نفسه ومن ومعه لإيصال الحقوق إلى أصحابها, واسمعوا قوله: " ما وجدت صلاح ما ولاني الله إلا بثلاث: أداء الأمانة, والأخذ بالقوة, والحكم بما أنزل الله, وصلاح المال في ثلاث: أن يؤخذ من حق, ويعطى في حق, ويمنع من باطل" .
وعاهد الناس وقال: ” لكم علي ألا أجتني شيئاً من خراجكم ولا ما أفاء الله عليكم إلا من وجهه, ولكم علي إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه, ولكم علي أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسدد ثغوركم ولكم علي ألا ألقيكم في المهالك .. وإذا غبتم في البعوث فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها عني, وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله عن أمركم " .
ولم يكن الخليفة عمر يبيح من مال المسلمين أجرا بعمله إلا ما يقيم أوده وأود أهله عند الحاجة إليه, فإن رزقه الله مايغنيه عن بيت مال كف يده عنه يقول مخاطباً رعيته: ".. ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله, بمنزلة ولي اليتيم، إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف" .
أما العمال فقد كان يختارهم عمر من الأمناء الزهاد المعروفين بإيثار المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والمشهود لهم بالتعفف عن أموال المسلمين, وقد حرم الهدايا على عماله, وقبل أن يولي الولاة كان يحصي ما في أيديهم من أموال فإذا زادت بعد ولايتهم صـادر الزائد منها حيطـة وحـذرا منه, فقد شـاطر
خيار الصحابة وأبطال الفتوح الإسلامية دون أن يعترض منهم معترض ومنهم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد .
فلما ظهر غنى عمرو بن العاص عامله في مصر كتب إليه: "بلغني أنه قد فشت لك فاشية من ناطق وصامت لم تكن لك حين وليت مصر" وأجاب عمرو بن العاص يعتذر برخص الأسعار في مصر رخصاً يوفر له معظم راتبه, فيتجر بما يفيض عنه, ولم يقبل الخليفة عمر ذلك القول, فكتب إلى عمرو بن العاص بألا يضيع وقته في غير رعاية المحكومين وبأن يسلم شطر ماله لمحمد بن مسلمه.
الفتوحات في عهد عمر:
أولاً : في العراق وفارس :
تولى قيادة المسلمين في العراق بعد رحيل خالد المثنى بن حارثة الشيباني, وتوقع المثنى أن يحاول الفرس استرداد ما سلبه منهم المسلمين, فذهب إلى المدينة يطلب المدد, ووجد أبو بكر على فراش الموت وأوصى أبو بكر عمر ليرسل له مدداً فسير إليه عمر بن الخطاب بعد ولايته أبا عبيد بن مسعود الثقفي في حين أوصاه بقوله: "اسمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وأشركهم في الأمر, ولا تجيبن مسرعاً حتى تتبين, فإنها الحرب والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والكف" .
أما الفرس فقد أسندوا أمرهم إلى أميرة من البيت الساساني وجعلت رستم قائداً لقوادها. وصل أبو عبيد إلى العراق واشتبك مع الفرس وانتصرعليهم في كسكر وأجلى الفرس عن كل الأماكن التي تقدموا إليها.
موقعة الجسر:
ساءت أنباء هزائم الفرس رستم, فأرسل جيشاً لقتال المسلمين بقيادة بهمنجاذوية ونزل بهمن بجنوده بقس الناطق, وأقبل المسلمون بقيادة أبي عبيد ونزلوا بالمروحة ونصب جسراً على الفرات وخير بهمن المسلمين بعبور الجسر إليهم أو عبور الفرس إليهم, فاستشار أبو عبيد المسلمين فأشاروا عليه بالبقاء وأن يعبر إليهم الفرس ولكن أبا عبيد خالف مشورتهم وقال: لا يكونوا أجرأ منا على الموت, وعبر المسلمون الجسر واقتتلوا ولكن خيول المسلمين نفرت من الفيلة فترجل أبو عبيد وترجل المسلمون وبدأوا يقطعون وضن الفيلة فسقطت رجالها, وقفل من كان عليها. ولكن فيلاً وطأ أبا عبيد فأثر ذلك على معنويات المسلمين, وتوالى سبعة من ثقيف يحملـون اللـواء ويسقطـون شهداء, فلمـا رأى عبد الله بن
مرشد الثقفي ما لقي أبو عبيد وخلفاؤه بادر إلى الجسر وقطعه, وقال: يا أيها الناس موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا, وحاذ المشركون المسلمين إلى الجسر فتواثب بعضهم إلى الفرات فغرق الكثيرون وحمى المثنى بن حارثة ظهور المسلمين وقام المسلمون بربط الجسر وعبروا إلى الضفة الثانية وكان المثنى مثخناً بجراحه.
وترجع هزيمة المسلمين في هذه المعركة لمخالفة القائد لمشورة جنوده, واجتهاد عبد الله بن مرشد الثقفي في قطع الجسر دون مشورة القائد.
قدرت المصادر ما فقده المسلمون في موقعة الجسر بأربعة آلاف بين قتيل وغريق, وكان عدد قتلى الفرس ستة آلاف وكانت هذه أول هزيمة للمسلمين أمام الفرس .
موقعة البويب:
كتب المثنى بن حارثة إلى عمر بن الخطاب ينبئه بهزيمة المسلمين في موقعة الجسر, فاستنفر عمر المسلمين وأرسلهم بقيادة جرير بن عبد الله البجلي. وعندما وصل مدد المسلمين سار بهم المثنى إلى الحيرة, وعندما علمت بوران ملكة فارس بالخبر أعدت جيشا مؤلفاً من اثني عشر ألف مقاتل وجعلت قائدهم مهران, والتقى الجيشان في مكان يدعى البويب, وتكرر نفس مشهد يوم الجسر حيث طلب مهران من المسلمين العبور إليه أو يعبر إليهم, ولكن المثنى طلب عبور الفرس, فقدم الفرس تتقدمـهم الفيلة, وطلب المثنـى من جنوده أن يهجموا
بعد التكبيرة الرابعة, فلما كبر خالط المسلمون الفرس وأبلوا بلاءً حسناً وانهزم الفرس وقتل قائدهم مهران, وسميت المعركة بيوم الأعشار لأن كل مسلم قتل يومها عشرة من الفرس.