|
ملتقى الفنون الأدبية شعر,نثر,خواطر,قصص,روايات وجميع الفنون الادبية |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
من قبل ومن بعد ..
بدأ ظلام الليل يتبدد ، بانسلال نور الفجر عبر الأفق البعيد ، زاحفاً على يديه بحذر كسنور يتأهب لهجوم وشيك .. طارداً هذا المارد الجاثم على كبد السماء بظلامه الدامس وأنفاسه الرطبة التي أسكنت كل شيء ، إلا من بعض الهوام والقطط الباحثة عن أي متحرك في صراعاً دائماً من اجل البقاء ...
رفع محارب عنقه مستعداً لإعلان ميلاد يوماً جديد ، وضرب بجناحيه القويان ليهش على بقايا أذيال ليلاً منهزم ، بتصرف غرائزي وهبه إياه الانتخاب الطبيعي من اجل البقاء .. لان البقاء للأصلح . وفي هذه اللحظات لحظات الميلاد والفناء .. والنصر والهزيمة .. والبقاء والصراع .. التي تدور حول بيت قديم من الطين متهالك قد جارت عليه عوامل التعرية فنزعت عنه هندامه ورونقه فبان عوره .. هذا البيت الكائن في هذا الكون الواسع والغافي عما يدور حوله .. تدب فيه الحركة لتغير من سكونه بعد ان أفاق على همهمت أم راشد التي تصحوا على صوت محارب في علاقة دائمة بين الصوت و الايفاقة .. لم يكن في ذلك الوقت كهرباء بل فوانيس توقد بالزيت .. ولم يكن هناك هروب من شدة الحر حر إقليم نجد إلا بالتمدد في فناء المنزل .. تنهض ام راشد من وسط أبنائها المتراميين في أنحاء الفناء كحبات رز على بساط اخرق لا يقودها بين ارتال اللحوم الأسنة إلا غريزة الأمومة القابعة في جوف كل أنثى .. راشد .. يا راشد ابو راشد ابو راشد علي يا علي نوره نوره هيا انهضوا فقد حان موعد صلاة الفجر ننهض جميعاً .. وكلنا أمل في العودة الى الفراش .. لكن أمي لا تسمح بذلك أبدا فالصلاة مع الجماعة فرض واجب ولا صلاة في البيت إلا بعذر شرعي .. و من صلى في البيت بدون عذر فصلاة باطلة وهو من المنافقين الكافرين الخارجين عن دين الله فلا يسلم عليه ولا يؤكل معه بل ان مجرد التأخير عن الذهاب الى المسجد أي بعد الأذن بدقائق يعتبر تقصير عظيم لابد من النصح فيه .. ولا غرو في ذلك ولا غرابة بالنسبة لي .. فهي من بيت معروف بالتدين بل بالتشدد فجدها من أبيها من أهل التوحيد الإخوان .. لم يكن هذا التشدد يشغل عقلي الصغير .. وماذا عسى أن يكون عقلي أمام أمي ، هذا العقل الساذج والبال الفارغ .. المليء بالاندهاش والبراءة التي جعلت من عالمي الصغير شيء جميلاً .. انهض وأخذ معي الطست من اجل الوضوء وأغيب في الرمث الذي يحيط بالمنزل حتى اتوضأ .. ومن عاداتنا عدم وجود الحمام في المنزل .. عادة نخالف فيها الحضر المستحقرين في عاداتنا .. أعود وإذا بوالدي قد تجهز فنذهب سوياً انا وأبي وعلى الذي لم يبلغ الثامنة بعد لكي يعتاد على الصلاة كما كانت والدتي تردد عند اعتراض والدي على ذلك .. لم يكن لامي أي خيار أمام تجبر والدي إلا في الأمور الدينية التي يقف والدي أمامها دون أي اعتراض .. الطريق مظلم والدنيا لم ترتوي من ماء الضوء بعد ولم تبلغ نشوتها الصارخة وشبقها السرمدي لتنير لنا الطريق بلهب أنفاسها الحارة أللاهثة الباعثة للحياة في أركان هذا الكون .. نصل إلى المسجد الذي يقع في منتصف القرية ، هذه القرية الغريبة بنفسها وأهلها ، فهي قابعة في جوف الصحراء ليس فيها ما يحوي بالحياة والاستقرار إلا بئر ماء أجاج قد سفكت الدماء من اجله عشرات السنين قبل أن يستتب الأمر للإمام الذي أنهى الصراع وحدد الأراضي والمياه وجعل في كل مكان مدرسة ومستوصف ، ومن سوء طالعنا أن كنا في مكان عليه خلاف بين ثلاث قبائل من كبار القبائل .. لذا تم توزيعه بينهم بالتساوي على مضض منهم وهذا ما يشي به خلافاتهم الدائمة التي تصل إلى سفك الدماء حتى عند أتفه الأمور ، لم يكن الاستقرار من طبعنا فكنا بدواً رحل نبحث عن الماء والمرعى للمواشي ولم تكن سكنا القرى ترد لنا على بال ، لما لها من احتقار في نفوسنا نحن معشر البدو ، فكيف بالبدوي الحر الأصيل أن يحصره مكان ، أو يجتمع بمن هم دونه من الحضر الذين لا يُعرف عن نسبهم شيء ويمارسون الزراعة وطرق الحديد الذي لا يمكن أن يحقر البدوي شيء مثل احتقاره لهذه المهن .. لكن لم تأتي لنا الدنيا كما نشاء فالماشية لم تعد تدر دخلاً إلا ما تخرجه أحشاءها من حليب لا يلبث إن تستهلكه الأفواه الجائعة ، والخوف علينا نحن الأبناء من المرض والجهل الذي لا يتلافى إلا بالقرب من المدرسة والمستوصف .. وحتى و إن ضمتنا الجدران وحصرتنا القرية ، ظللننا على ما نحن عليه من الحرص الشديد على عادتنا وتقاليدنا ، وكنا بين الفينة والفينة إذا ما طابت الأرض نخرج ولا نعود حتى نرى لا مقام .. يدخل والدي المسجد ونحن من خلفه ويصلي تحية المسجد لم يكن والدي يحسن الفاتحة ولا ما يقول في الصلاة مع محاولات والدتي تعليمه ، حيث كانت تعرف الفاتحة و سورتان و تعرف ماذا تقول في الركوع والسجود والجلوس للتشهد فلقد علمها جدها .. كان والدي يردد في كل ركن من أركان الصلاة سبحان الله لا اله إلا الله حتى يفرغ من صلاته .. لا يوجد إمام للمسجد ثابت خصوصاً في الصلاة السرية فأمام الصلاة إمام في الدنيا وهذا قطعاً لا ترتضيه هذه القبائل المتناحرة فتقسم الصلاة بينهم بالتساوي أما الجهرية فيصلى من يعرف القراءة مجبرين لا مخيرين وفي الغالب يكون المعلم المصري ، ولم يكن الآذان مما يشغل بالهم فالآذان محتقر في عادتنا ولا يشغله إلا ضعيف القوم ، وكان يشغله في قرينا رجل قاده عمله في البريد ان يكون بيننا واحضر معه من المدينة قرار تعينه مؤذن حتى يزيد دخله القليل وكان المسجد تقام فيه الصلاة دون اذان في حال ذهب الرجل ليحضر البريد الذي يكون في العادة للمدرسة والمستوصف … "بقايا أوراق من أرشيفي انثرها لعل الرياح تهب لها الحياة"ِ |
2011- 1- 14 | #2 |
أكـاديـمـي ألـمـاسـي
|
رد: من قبل ومن بعد ..
بصرآآحـــــــــــــه قصه جميله أعطتنا تصور لحياه البدو ومجرياتها .. مع عتبي على الكاتب في عدم إبراز الجوانب الآخرى الجميله المعروفه عن أهل الباديه الكرم والنخوه و نجده المستغيث وصفاء النفوس ووو ......... وشكــــــــــــرا لمشاركتنا هذا الإبدآآع .. |
2011- 1- 14 | #3 |
متميز بملتقى المواضيع العامة
|
رد: من قبل ومن بعد ..
لم يكن هذا التشدد يشغل عقلي الصغير .. وماذا عسى أن يكون عقلي أمام أمي ، هذا العقل الساذج والبال الفارغ .. المليء بالاندهاش والبراءة التي جعلت من عالمي الصغير شيء جميلاً ..
انهض وأخذ معي الطست من اجل الوضوء وأغيب في الرمث الذي يحيط بالمنزل حتى اتوضأ .. ومن عاداتنا عدم وجود الحمام في المنزل .. عادة نخالف فيها الحضر المستحقرين في عاداتنا .. أعود وإذا بوالدي قد تجهز فنذهب سوياً انا وأبي وعلى الذي لم يبلغ الثامنة بعد لكي يعتاد على الصلاة كما كانت والدتي تردد عند اعتراض والدي على ذلك .. لم يكن لامي أي خيار أمام تجبر والدي إلا في الأمور الدينية التي يقف والدي أمامها دون أي اعتراض .. الطريق مظلم والدنيا لم ترتوي من ماء الضوء بعد ولم تبلغ نشوتها الصارخة وشبقها السرمدي لتنير لنا الطريق بلهب أنفاسها الحارة أللاهثة الباعثة للحياة في أركان هذا الكون .. نصل إلى المسجد الذي يقع في منتصف القرية ، هذه القرية الغريبة بنفسها وأهلها ، فهي قابعة في جوف الصحراء ليس فيها ما يحوي بالحياة والاستقرار إلا بئر ماء أجاج قد سفكت الدماء من اجله عشرات السنين قبل أن يستتب الأمر للإمام الذي أنهى الصراع وحدد الأراضي والمياه وجعل في كل مكان مدرسة ومستوصف ، ومن سوء طالعنا أن كنا في مكان عليه خلاف بين ثلاث قبائل من كبار القبائل .. لذا تم توزيعه بينهم بالتساوي على مضض منهم وهذا ما يشي به خلافاتهم الدائمة التي تصل إلى سفك الدماء حتى عند أتفه الأمور ، لم يكن الاستقرار من طبعنا فكنا بدواً رحل نبحث عن الماء والمرعى للمواشي ولم تكن سكنا القرى ترد لنا على بال ، لما لها من احتقار في نفوسنا نحن معشر البدو ، فكيف بالبدوي الحر الأصيل أن يحصره مكان ، أو يجتمع بمن هم دونه من الحضر الذين لا يُعرف عن نسبهم شيء ويمارسون الزراعة وطرق الحديد الذي لا يمكن أن يحقر البدوي شيء مثل احتقاره لهذه المهن .. لكن لم تأتي لنا الدنيا كما نشاء فالماشية لم تعد تدر دخلاً إلا ما تخرجه أحشاءها من حليب لا يلبث إن تستهلكه الأفواه الجائعة ، والخوف علينا نحن الأبناء من المرض والجهل الذي لا يتلافى إلا بالقرب من المدرسة والمستوصف .. وحتى و إن ضمتنا الجدران وحصرتنا القرية ، ظللننا على ما نحن عليه من الحرص الشديد على عادتنا وتقاليدنا ، وكنا بين الفينة والفينة إذا ما طابت الأرض نخرج ولا نعود حتى نرى لا مقام .. يدخل والدي المسجد ونحن من خلفه ويصلي تحية المسجد لم يكن والدي يحسن الفاتحة ولا ما يقول في الصلاة مع محاولات والدتي تعليمه ، حيث كانت تعرف الفاتحة و سورتان و تعرف ماذا تقول في الركوع والسجود والجلوس للتشهد فلقد علمها جدها .. كان والدي يردد في كل ركن من أركان الصلاة سبحان الله لا اله إلا الله حتى يفرغ من صلاته .. لا يوجد إمام للمسجد ثابت خصوصاً في الصلاة السرية فأمام الصلاة إمام في الدنيا وهذا قطعاً لا ترتضيه هذه القبائل المتناحرة فتقسم الصلاة بينهم بالتساوي أما الجهرية فيصلى من يعرف القراءة مجبرين لا مخيرين وفي الغالب يكون المعلم المصري ، ولم يكن الآذان مما يشغل بالهم فالآذان محتقر في عادتنا ولا يشغله إلا ضعيف القوم ، وكان يشغله في قرينا رجل قاده عمله في البريد ان يكون بيننا واحضر معه من المدينة قرار تعينه مؤذن حتى يزيد دخله القليل وكان المسجد تقام فيه الصلاة دون اذان في حال ذهب الرجل ليحضر البريد الذي يكون في العادة للمدرسة والمستوصف .. |
2011- 1- 14 | #4 | |
متميز بملتقى المواضيع العامة
|
رد: من قبل ومن بعد ..
اقتباس:
في صفحات القادم من الايام .. النخوة والشجاعة و العنصرية وكل ما في حياة البدو من خير وشر .. تشرفت بك صاحبة المعالي .. |
|
2011- 2- 21 | #5 |
أكـاديـمـي نــشـط
|
رد: من قبل ومن بعد ..
يسلموو
|
2011- 2- 25 | #6 |
أكـاديـمـي فـعّـال
|
رد: من قبل ومن بعد ..
يسلموووو على القصة :)
|
2011- 2- 25 | #7 |
متميز بملتقى المواضيع العامة
|
رد: من قبل ومن بعد ..
|
2011- 2- 25 | #8 |
متميز بملتقى المواضيع العامة
|
رد: من قبل ومن بعد ..
|
2011- 3- 9 | #9 |
مشرفة سابقة
|
رد: من قبل ومن بعد ..
أخي أحييك على وصفك الأكثر من رائع...لكن من خلال قرائتي للقصة لا أعلم هل انت معجب بحياة البادية والشقاء..أم؟؟
تقبل مروري... |
2011- 3- 9 | #10 |
متميز بملتقى المواضيع العامة
|
رد: من قبل ومن بعد ..
|
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
بعد, ومن, قبل |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|