ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام

العودة   ملتقى طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل,جامعة الدمام > .: سـاحـة التعليم عن بعد (الانتساب):. > ملتقى طلاب التعليم عن بعد جامعة الملك فيصل > كلية الأداب > الدراسات الإسلامية
التسجيل الكويزاتإضافة كويزمواعيد التسجيل التعليمـــات المجموعات  

الدراسات الإسلامية طلاب وطالبات المستوى الثالث واعلى تخصص الدراسات الأسلامية التعليم عن بعد جامعة الملك فيصل

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 2012- 4- 23
الصورة الرمزية هيبة وجودي
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
بيانات الموضوع:
المشاهدات: 1982
المشاركـات: 6
 
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

المحاضرة التمهيدية
عناصر المحاضرة
• مدخل تعريفي بمقرر العقيدة .
• خطة المقرر ووصفه .
• إيجاز بتوزيع درجات تقويم الطالب واختباره .
أولا : مدخل تعريفي بمقرر العقيدة:
أهم العناصر :
ـــ تقديم .
ـــ التعريف بالعقيدة .
ـــ الحاجة إلى العقيدة وأهمية دراستها .
ـــ مصادر العقيدة الإسلامية .
تقـديــم :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...
فمما لا يختلف فيه المسلمون وتلتقي عنده أفئدة المؤمنين أن علم العقيدة هو أشرف العلوم ، إذ شرف العلم بشرف المعلوم ، سماه الأكابر الفقه الأكبر بالنسبة إلى فقه الفروع ، ويشهد له تسمية مكتوب أبي حنيفة لما جمعه في أوراق في أصول الدين ( الفقه الأكبر ) ، ولم لا وهو لباب ألباب المهتدين ، ومورد ورود القاصدين المفلحين ؟ ! ، به يجد الإنسان طلبته , وينجو من ويلات مخالفات فطرته .
ومن هذا المنطلق راحت ألباب علمائنا لتعرف بالعقيدة ، وفيما يأتي بيان ذلك ، إذ لا بد طلابنا الكرام الأفاضل قبل أن نشرع في فقه العقيدة ومضمونها ، من أن نعرف بمفهومها حتى نبدأ على دراية بمسمى العلم قبل درك مقاصده وموضوعه :
التعريف بالعقيدة :
العقيدة لغة : من عقد بمعنى الشد والوثوق والثبات والتأكيد والصلابة في الشيء .
وفي اصطلاح الشرع : يرجع مفهوم العقيدة إلى الأمور التي يجب أن يصدقها قلبك وتطمئن إليها نفسك ، وتكون يقينا لا يمازجه ريب ولا يخالطه شك .
والعقيدة أيضا تعني : الإيمان الجازم بالله ، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره ، وما اسنبطه وأجمع عليه سلفنا الصالح .
الحاجة إلى العقيدة وأهمية دراستها :
ـ إن حاجة العباد إلى فهم العقيدة الصحيحة فوق كل حاجة ، وضرورتهم إليه فوق كل ضرورة ، لأنه لا حياة للقلوب ولا سعادة ولا طمأنينة إلا بأن تعرف ربها ومعبدوها وفاطرها بأسمائه وصفاته و أفعاله ، و يكون مع ذلك كله أحب إليها مما سواء ، ويكون سعيها فيما يقربها إليه دون غيره من سائر خلقه ، وابتغاء وجهه واتباعا لمنهجه .
ومن هنا كانت مهمة الرسل تنطلق من بيان العقيدة الصحيحة ، فهي الحق الذي أرسلوا من أجله ، قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )
ـ وعلم العقيدة به ينعقد في الأفئدة معنى التوحيد ومفهوم الإيمان وحقيقته ، وبتنفيذ مطالبه يعبد المسلم ربه عبادة لا خلل فيها ولا دخل ، ويسلم وجهه لله وهو محسن وهو مطمئن لله بلا حيرة ولا وجل ، وتلك الغاية هي الغاية التي خلق الله من أجلها الجن والإنس ، قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
ـــ العقيدة الصحيحة هي طريق النجاة من النار ، وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ( فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ) .
ـــ أن الله حرم مخالفتها ، قال تعالى ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا ) .
ـــ أن الالتزام بها شرط لصحة الأعمال وقبولها ، قال تعالى : ( بلى من أسلم وجهه إلى الله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) .
ـــ أنها تحفظ العقل وتحرره من الخرافات والأهواء ، قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا ) .
مصادر العقيدة الإسلامية :
العقيدة الإسلامية ليست فكرة عقل ، ولا محصلة هوى ، ولكنها تنبعث من مشكاة وحي الله تعالى ، ومن هنا فمصادرها ما يأتي :
أولا : القرآن الكريم : قال تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ) ، وقال ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ) ، وقال ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .
ثانيا : السنة النبوية المطهرة : وهي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية .
قال تعالى في مصدريتها وأنها من وحي الله ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ، وقال في لزوم الأخذ بها ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) .
ثالثا : الإجماع : وهو اتفاق مجتهدي العصر من هذه الأمة على أمر من أمور الدين ، قال تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) .
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة ، ويد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار ) .
وبعد هذا العرض التمهيدي لمقرر العقيدة ، يظهر لنا طلابنا الأكارم ، مدى حاجتنا إلى عقيدتنا الإسلامية العظيمة القائمة على الكتاب والسنة واتباع سلف الأمة ، فهي عقيدة البناء والتربية والتعليم ،والتوجيه والانطلاق ، وهي عقيدة واضحة لا لبس فيه ولا غموض، ولا صعوبة ولا فلسفة مضلة ، بل كانت تعرض على البدوي فيفهمها ويقتنع بها ، ثم ينطلق بها إلى قومه وعشيرته فيؤمنون بها ، وينضوون تحت لوائها ، وليس هناك ما يوحد بين صفوف المسلمين ويجمع كلمتهم سوى هذه العقيدة المباركة ، لا قومية ولا إقليمية ولا وطنية ولا اشتراكية ولا رأسمالية ، ولا غيرها من المذاهب الأرضية .
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المحاضـرة الأولى
معنى الإيمــان ودرجــاته
عناصر المحـــاضرة :
1 ـ تعريف الإيمان لغة واصطلاحا .
2 ـ الأدـلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
3 ـ درجــــــــات الإيـمان.
معنى الإيمان : أولا: تعريف الإيمان لغة واصطلاحا :
الإيمان في اللغة : له استعمالان :
1ـ فتارة يتعدى بنفسه: فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز (وآمنهم من خوف)سورة قريش: آية :5 ، فالأمن ضد الخوف، ويأتي بمعنى الحافظ ، كقوله تعالى : ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) سورة البقرة : أية 125 ، وتأتي من معنى الأمانة وهي نقيض الخيانة ، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود ، والترمذي وأحمد : ( والمؤذن مؤتمن ) .
2 ـ وتارة يتعدى بالباء: فيكون معناه التصديق: وفى التنزيل: (وما أنت بمؤمن لنا) سورة يوسف، آية 17 ، أي بمصدق، آمنت بكذا، أي : صدقت ، والمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر.
وقد ورد معني الإيمان في القرآن على معنى التصديق في مواضع عدة منها قوله عز وجل: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين)يصدق الله ويصدق المؤمنين. ومنه قوله - عز وجل -: (قولوا آمنا بالله) ، وقوله (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم) ، ويفهم منه ، أن التصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضاً .
والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه اللهعليها، وهو منافق .
الإيمان اصطلاحا :
ذهب عامة أهل السنة إلى أن الإيمان :( هو اعتقاد وقول وعمل ) ، يقول الإمام محمد بن إسماعيل الأصبهاني:
(والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب، والعمل بالأركان) ، وقال الإمام البغوي: (اتفق الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الإيمان قول وعمل وعقيدة) .
واتفق مالك والشافعي وأحمد وغيرهم على أن الإيمان يعني : ” تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان ” .
وخالف كثير من أصحابنا ( أي الحنفية ) وأسقطوا العمل عن مفهوم الإيمان فقالوا هو ” الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان ”
ويثبت إجماع أهل السنة على أن الإيمان قول وعمل ، ما روى عن الإمام البخاري قوله: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحداً منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل .
والنصوص عن الأئمة كثيرة جداً في قولهم: إن الإيمان قول وعمل، نقل كثيراً منها المصنفون في عقيدة أهل السنة من الأئمة المتقدمين ، ولا فرق بين قولهم: إن الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية، أوقول وعمل واعتقاد. فكل ذلك من باب اختلاف التنوع .
ـ فمن قال من السلف: إن الإيمان قول وعمل، أراد قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح.
ـ ومن زاد الاعتقاد رأى لفظ القول لا يفهم منه إلا القول الظاهر، أو خاف ذلك، فزاد الاعتقاد بالقلب.
ـ ومن قال: قول وعمل ونية، قال: القول يتناول الاعتقادَ (قولَ القلب)، وقولَ اللسان، وأما العمل فقد لا يفهم منه النية (عمل القلب)، فزاد ذلك .
وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان اصطلاحا : أنها (مركبة من قول وعمل، والقول قسمان:
1 ـ قول القلب، وهو الاعتقاد، 2 ـ وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام.
والعمل قسمان: 1 ـ عمل القلب: وهو نيته وإخلاصه، 2 ـعمل الجوارح.
الأدلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل
فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق ، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كمالــــــم ينفع إبليسَ وفرعونَ وقومَه واليهودَ والمشركينَ الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً، ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به .
الأدلة على أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل :
1ـ الدليل على أن الإيمان اعتقاد بالقلب :
ـ قال عز وجل: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) . ـ وقال تعالى: (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) .
ـ وقال أيضاً: (كتب في قلوبهم الإيمان) . ـ وقال أيضاً: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) .
ـ وقال - صلى الله عليه وسلم: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه".
إلى غير ذلك من الأدلة الصريحة في أن إيمان القلب شرط في الإيمان، ولا يصح الإيمان بدونه، وأنه إذا وجد سرى ذلك إلى الجوارح .
وإيمان القلب ليس مجرد العلم والمعرفة والتصديق بالله عز وجلوخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بل لابد مع ذلك من الانقياد والاستسلام، والخضوع والإخلاص، مما يدخل تحت عمل القلب.
يقول ابن تيمية رحمه الله : (الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، ولابد فيه من شيئين:
تصديق القلب وإقراره ومعرفته، ويقال لهذا: قول القلب، واستدل بقول الجنيد بن محمد : " التوحيد قول القلب، والتوكل عمل القلب " فلا بد فيه منقول القلب وعمله، ثم قول البدن وعمله، ولا بد فيه من عمل القلب : مثل حب الله ورسوله، وإخلاص العمل لله وحده، وتوكل القلب على الله وحده، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله وجعلها جزءاً من الإيمان ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن ضرورة ، ولا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صَلَحت صَلَح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب“ .
فإذا كان القلب صالحا بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً ، لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر، والعمل بالإيمان المطلق .
ـ يتضح لنا من النقل السابق أن العلم والمعرفة والتصديق (أي قول القلب)، إن لم يصحبها الانقياد والاستسلام والخضوع، (أي عمل القلب والجوارح) لم يكن المرء مؤمناً، بل تصديق هذا شر من عدمه لأنه ترك الانقياد مع علمه ومعرفته.
والدليل على أن التصديق والمعرفة فقط لا تنفع صاحبها : ما وصف الله به إبليس بقوله: (خلقتنى من نار) ، وقوله: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) ، فأخبر أنه قد عرف أن الله خلقه، ولم يخضع لأمره فيسجد لآدم كما أمره، فلم ينفعه معرفته .
والدليل على ذلك أيضاً : شهادة الله على قلوب بعض اليهود أنهم يعرفون النبي – صلى الله عليه وسلم – وما أنزل إليهم كما يعرفون أبناءهم، فلا أحد أصدق شهادة على ما في قلوبهم من الله، إذ يقول لنبيه: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) ، وقال: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ، وقال: (ليكتمون الحق وهم يعلمون) فشهد على قلوبهم بأنها عارفة عالمة بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يوجب لهم اسم الإيمان بمعرفتهم وعلمهم بالحق إذ لم يقارن معرفتهم التصديق والخضوع لله ولرسوله بالتصديق له والطاعة .
2 ـ الدليل على أن الإيمان إقرار باللسان :
قول اللسان جزء من مسمى الإيمان، والمقصود بقول اللسان: الأعمال التي تُؤدَّى باللسان: كالشهادتين والذكر وتلاوة القرآن والصدق والنصيحة والدعاء وغير ذلك مما لا يؤدى إلا باللسان .
من النصوص الدالة على أن قول اللسان يدخل في مسمى الإيمان :
ـ قوله - عز وجل- (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) ، ثم قال - عز وجل - (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق) .
ـ وقال - عز وجل - في آية أخرى:
(فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) هذا الإيمان منهم لما رأوا البأس لم ينقلهم من الكفر ولم ينفعهم فثبت أنه لو كان قبلها لنفعهم بأن ينقلهم من الكفر إلى الإيمان وبذلك يكون هذا القول منهم لو كان قبل رؤية البأس لكان إيمانا.
ـ ومن الأحاديث الشريفة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ".
ـ ومن الأحاديث أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ” .
ونكتفي بهذه الأدلة الصريحة على دخول قول اللسان في مسمى الإيمان ونأتي إلى مسألة مهمة وهي:
الشهادتان أصل قول اللسان وهما شرط في صحة الإيمان:
اتفق أهل السنة على أن النطق بالشهادتين شرط لصحة الإيمان قال الإمامالنووي تعليقاً على حديث أمرت أن أقاتل الناسحتى يقولوا لا إله إلا الله (وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم .
والمقصود بالشهادتين كما لا يخفى ليس مجرد النطق بهما، بل التصديق بمعانيهما وإخلاص العبادة لله، والتصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار ظاهراً وباطناً بما جاء به فهذه الشهادة هي التي تنفع صاحبها عند الله عز وجل، ولذلك ثبت في الأحاديث الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله (مخلصاً) من قلبه وفي رواية (صدقاً) وفي رواية (غير شاك) (مستيقناً) .
3 ـ الدليل على أن الإيمان عمل بالأركان :
ـ قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) .
ـ ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” ، وفيه دليل على دخول العمل في مسمى الإيمان .
وسيأتي تفصيل دخول الأعمال في مسمى الإيمان في موضعه بإذن الله تعالى .

ثانيا : درجات الإيمان
درجات الإيمان ثلاث درجــات :
للإيمان درجات وللناس فيه طبقات ، فهناك حد أدنى من أخل به ذهب إيمانه، وحد أعلى يبلغ بصاحبه درجة الصديقين.
وفيما يأتي نبين لهذه الدرجات التي يعول عليها تصنيف طبقات الناس من حيث مقام إيمانهم واختلافهم بين الدنو والعلو.
الـدرجــة الأولى أصل الإيمان: أو ( الإيمان المجمل أو مطلق الإيمان ) .
والمقصود به الحد الأدنى من الإيمان الذي هو شرط صحة الإيمان والنجاة من الخلود في النار في الآخرة إن مات على ذلك، وبه تثبت الأحكام من فرائض ومواريث، وهذا الإيمان غير قابل للنقصان، لأن نقصانه يعني خروج الإنسان عن اسم الإيمان.
وهذه الدرجة يطلق على صاحبها الإسلام أو الإيمان المقيد (مؤمن ناقص الإيمان أو فاسق,فيدخل تحت هذه االدرجةأهل الكبائر عموماً, وكذلك من أسلم من أهل الطاعة ممن لم تدخل حقائق الإيمان في قلوبهم.
يقول ابن تيمية عن أهل هذه الدرجة :
فعامة الناس إذا أسلموا بعد كفر، أو ولدوا على الإسلام، والتزموا شرائعه، وكانوا من أهل الطاعة لله ورسوله، فهم مسلمون، ومعهم إيمان مجمل، ولكن دخول حقيقة الإيمان إلى قلوبهم، إنما يحصل شيئاً فشيئاً إن أعطاهم الله ذلك، وإلا فكثير من الناس لا يصلون إلى اليقين وإلى الجهاد، ولو شككوا لشكوا، ولو أمروا بالجهاد لما جاهدوا، وليسوا كفاراً ولا منافقين، بل ليس عندهم من علم القلب ومعرفته ويقينه ما يدرأ الريب، ولا عندهم من قوة الحب لله ولرسوله ما يقدمونه على الأهل والمال .
الدرجة الثانية : الإيمان الواجب:أو ( الإيمان الكامل، أو الإيمان المفصل أو الإيمان المطلق أو حقيقة الإيمان ) .
ويكون صاحبه ممن يؤدون الواجبات وبجتنبون الكبائر وهو ممن وعد بالجنة بلا عذاب، ولهذا لا يوصف أهل الكبائر بالإيمان المطلق، لأن الإيمان المطلق هو الذي يستحق صاحبه الثواب ودخول الجنة بلا عذاب، وهؤلاءمعرضون للوعيد ودخول النار إلا أن يشاء الله.
يقول الشيخ ابن تيمية في كتابه الإيمان الأوسط :
(من أتى بالإيمان الواجب استحق الثواب، ومن كان فيه شعبة نفاق، وأتى بالكبائر فذاك من أهل الوعيد، وإيمانه ينفعه الله به ويخرجه به من النار (إن دخلها) ولو أنه مثقال حبة من خردل ) .
لكن يرد هنا سؤال، وهو:
ما حكم من أتى الواجبات، واجتنب الكبائر، ولكنه ارتكب بعض الصغائر، هل ينقص عن درجة الإيمان الواجب؟
وقد أجاب عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بجواب محكم في كتابه الإيمان ، فقال:
(والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينفه - أي الإيمان - إلا عن صاحب كبيرة ، فالمؤمن الذي يفعل الصغيرة هي مكَفَّرَة عنه بفعله للحسنات، واجتنابه الكبائر، لكنه ناقص الإيمان عمن اجتنب الصغائر ، فمن أتى بالإيمان الواجب ولكنه خلطه بسيئات كفرت عنه بغيرها، ونقص بذلك درجة عمن لم يأت بذلك).
إذن أهل هذه الدرجة متفاوتون على حسب تورعهم عن الصغائر، فمن كان منهم أحرص على اجتنابها كان إيمانه أكمل ممن يغشاها.
الدرجة الثالثة : الإيمان المستحب: أو ( الإيمان الكامل بالمستحبات ، ودرجة الإحسان ) :
وصاحب هذه المنزلة لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المحرمات، بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، وهذا حاله في عامة الأعمال كالصلاة والحج والصوم والغسل وغيره.
فمن أتى بالواجبات فقط فهو من أهل الإيمان الواجب، ومن زاد على ذلك المستحبات فهو من أهل الإيمان المستحب.
وقد ورد في القرآن الكريم في عدة مواضع الإشارة إلى هذه الدرجات والمراتب (أصل الإيمان، الإيمان الواجب، الإيمان المستحب ) قال - تعالى -: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير) سورة فاطر : 32 .
يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله (فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه، والمقتصد هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وقد ذكر - سبحانه - تقسيم الناس في المعاد إلى هذه الثلاثة في سورة الواقعة والمطففين، وهل أتى، وذكر الكفار أيضاً ) .

المحاضرة الثانية
دخــول الأعمال في مسمى الإيمـــان
عناصر المحــــاضرة
1 ـ أدلة الحــنفية في إخراج العمل من مسمى الإيمان.
2 ـ مناقشــــة أدلة الحنـــفية .
أدلة الحنفية في إخراج العمل من مسمى الإيمان :
أجمع علماء السلف على أن المسلم لو صدق بقلبه وأقر بلسانه ، وامتنع عن العمل بجوارحه فهو عاص لله ورسوله ، مستحق للوعيد ، وعليه فهم يجمعون على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان ، إلا أن الحنفية خالفوا بالقول بعدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، واختلاف الحنفية اختلاف صوري ، ولهم أدلة استندوا إليها نذكرها ثم نناقشها كما جاء في التهذيب :
أولا : أدلة الحنفية في إخراج العمل من مسمى الإيمان :
1 ـ أن الإيمان في اللغة التصديق ، ومنه قوله في سورة يوسف ( وما أنت بمؤمن لنا ) أي : بمصدق .
2 ـ أن التصديق بالقلب هو الواجب على العبد حقا لله تعالى ، وهو تصديق رسول الله فيما جاء به من عند الله ، فمن صدقه فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى .
3 ـ أن التصديق ضدُ الكفر ، والكفر تكذيب وجحود ، وهما يكونان بالقلب ، ويدل على أن موضع الإيمان هو القلب لا اللسان ، قوله تعالى ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
4 ـ لو كان الإيمان مركب من قول وعمل لزال كله بزوال جزئه .
5 ـ أن العمل عطف على الإيمان في مواضع كثيرة في القرآن ، والعطف يقتضي المغايرة ، ومنه قوله تعالى : ( آمنوا وعملوا الصالحات ) .
ثــانيا : مناقشة أدلة الحنفية :
1 ـ مناقشة الدليل الأول :
أ ـ أن التصديق لا يرادف الإيمان ، فيقال للمخبَر ـ مثلا ـ إذا صدََق : صدََقه ، ولا يقال آمنه ، ولا آمن به ، بل يقال : آمن له ، ومنه قوله تعالى ( فآمن له لوط ) علما بأن فرق المعنى واضح وثابت ، فلا يقال صدقت إلا لمن أخبر عن مشاهدة أو غيب ،


مناقشة أدلة الحنفية:
كقولنا : ”صدقت“ لمن قال السماء فوقنا ( مثلا ) ، أما لفظ ( آمنت ) فلا يقال إلا في الإخبار عن غائب ، فيقال لمن قال : طلعت الشمس : صدقناه ، ولا يقال آمن له ، فالخبر الغائب هو محل ائتمان المخبِر ، ولهذا لم يرد هذا الإطلاق ( آمن له ) في القرآن إلا في هذا النوع .
ولو سلمنا جدلا بالترادف بين التصديق والإيمان ، لقلنا بأن التصديق يكون بالأفعال أيضا ، ومنه ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( العينان تزنيان وزناهما النظر ، والأذن تزني وزناها السمع ،، إلى قوله : والفرج يصدق ذلك ويكذبه ) .
2 ـ مناقشة الدليل الثاني :
أما قولهم بأن التصديق بالقلب هو الواجب على العبد حقا ، فمن صدَّق رسول الله فيما جاء به فهو مؤمن ، قلنا : أن من صدق ولم يتكلم بلسانه ، ولا صلى ولا صام ، ولا أحب الله ورسوله ، بل كان مبغضا لرسول الله ، معاديا له ، فهذا ليس بمؤمن ، لأن الفوز والفلاح مترتب على العمل بمقتضى الشهادتين .
3 ـ مناقشة الدليل الثالث :
أما قولهم بأن التصديق ضد الكفر ، والكفر تكذيب وجحود فمردود بأن لفظُ الإيمان لا يقابل بالتكذيب، وإنما يُقابَلُ بالكُفْر، والكفرُ لا يختصُّ بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلمُ أنكَ صادقٌ ولكن لا أتبعُكَ بل أعاديكَ وأبغضُكَ وأخالفُكَ، لكان كُفرهُ أعظمُ، فعُلِمَ أن الإيمانَ ليس هو التصديقَ فقط، ولا الكفرُ هو التكذيبَ فقط، بل إن الكفرُ يكونُ تكذيباً، ويكون مخالَفةً ومعاداةً بلا تكذيب، وكذلك الإيمانُ يكونُ تصديقاً وموافقةً وموالاةً وانقياداً، ولا يكفي مجَّردُ التصديق.
4 ـ مناقشة الدليل الرابع :
أما قولهم بأن الإيمان لو كان مركبا من قول وعمل لزال كله بزوال جزئه ، فلو أرادوا بأن هيئة الإيمان لن تكون كاملة فلا خلاف ، ولكن لا يلزم من زوال بعضها زوال سائر الإيمان ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : "الإيمانُ بِضعٌ وسَبعون شُعبةً، أعلاها قولُ لا إله إلا اللـه، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريقِ" فهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها ، كشعبة الشهادة ، ومنها ما لا يزول الإيمان بزوالها ، كشعبة إماطة الأذى عن الطريق ، وبينهما شعب متفاوتة بين ما يقرب من الشهادة ، وما يقرب من إماطة الأذى .
5 ـ مناقشة الدليل الخامس :
وأما استدلالهم بأن العطف يقتضي المغايرة ، فلا يكون العمل داخلا في مسمى الإيمان : فيرد عليه بأن عطف العمل الصالح على الإيمان يقتضي المغايرة مع الاشتراك في الحكم ، فالمغايرة على مراتب :
أعلاها : أن يكونا متباينين ، ليس أحدهما الآخر ولا جزء منه ، ولا بينهما تلازم ، كقوله تعالى في سورة الأنعام ( خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ) .
ثانيها : أن يكون بينهما تلازم ، كقوله في سورة البقرة ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) .
ثالثها : من باب عطف بعض الشيء عليه ، كقوله تعالى في سورة البقرة ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) .
رابعها : عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ، كقوله تعالى في سورة غافر ( غافر الذنب وقابل التوب ) .
وإذا نظرنا إلى ورود الإيمان وإطلاقه وجدناه يراد به ما يراد بلفظ البر والتقوى والدين ودين الإسلام ، وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : " آمركم بالإيمان بالله وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس " الحديث ، ومعلوم أن هذه الأعمال مع إيمان القلوب هي الإيمان ، ولا أدل أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان من ذلك ، فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق ، للعلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحــود .

المحاضرة الثالثة
الأدلة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان
الأدلة على دخول الأعمال في مسمى الإيمان
من خلال ما سبق بان لنا أن أهل السنةإلا الحنفية قالوا بأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وهذا هو الراجح وله قام الدليل ، ومن أدلتهم على ذلك :
الدليل الأول :ورد في سورة البقرة قول الله - عز وجل (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ” :
وقد ثبت في سبب نزول هذه الآية كما في حديث البراء الطويل وغيره وفي آخره " أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى (وما كان الله ليضيع إيمانكم) ووضع البخاري هذا الحديث في مواضع ومنها " باب الصلاة من الإيمان ” .
وقد أجمع المفسرون على أنه أراد صلاتكم إلى بيت المقدس، فثبت أن الصلاة إيمان، وإذا ثبت ذلك، فكل طاعة إيمان إذ لم أعلم فارقاً في هذه التسمية بين الصلاة وسائر العبادات .
الدليل الثاني : ورد في سورة الأنفال قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا) ” ومثله جميع الآيات المشابهة كقوله عز وجل في سورة النور : (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه) :
ففي هذه الآيات إشارة إلى أن جميع الأعمال المذكورة من واجبات الإيمان فلهذا نفي الإيمان عمن لم يأت بها، فإن حرف "إنما" يدل على إثبات المذكور ونفي غيره .
الدليل الثالث : ما جاء في حديث وفد عبد القيس الذي أخرجه البخاري ومسلم ، قوله صلى الله عليه وسلم :
" آمركم بالإيمان بالله وحده وقال: هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من الغنائم الخمس " الحديث .
ففي هذا الحديث فسر الرسول صلى الله عليه وسلم للوفد الإيمان هنا بقول اللسان، وأعمال الجوارح .
ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب، لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هي الإيمان، وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟ فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق مع العلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود .
الدليل الرابـــع : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " الحديث :
وقد وردت في معنى هذا الحديث أحاديث أخرى تبرهن على دخول الأعمال في مسمى الإيمان ، ومنها ما ورد في نفي الإيمان عمن ارتكب الكبائر وترك الواجبات كقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد من الحديث الصحيح " لا إيمان لمن لا أمانة له ”.
يقول ابن رجب تعليقاً على ذلك : ” فلولا أن ترك هذه الكبائر من مسمى الإيمان لما انتفى اسم الإيمان عن مرتكب شيء منها لأن الاسم لا ينتفي إلا بانتفاء بعض أركان المسمى أو واجباته ” .
ويقول ابن تيمية : ” ثم إن نفي الإيمان عند عدمها دال على أنها واجبة فالله ورسوله لا ينفيان اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته كقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري : " لا صلاة إلا بأم القرآن ” .
الدليــل الخامس : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : " الطهور شطر الإيمان ” .
الدليل الســادس : قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي وهو حسن : " من أعطى لله ومنع لله، وأحب لله وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه " .
وهذا يدل على أن الأعمال جزء من مسمى الإيمان يكمل بوجودها وينقص بنقصها .
الدليل السابـــع : حديث شعب الإيمان الذي أخرجه مسلم ،من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ” .
وعدها أيضاً الحافظ ابن حجر فقال: ”هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن، فأعمال القلب فيه: المعتقدات والنيات ، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة ثم ذكرها ، وأعمال اللسان : وتشتمل على سبع خصال ثم ذكرها ، وأعمال البدن
: وتشتمل على ثمان وثلاثين خصلة ثم ذكرها، إلى أن قال: فهذه تسع وستون خصلة ويمكن عدها تسعاً وسبعين خصلة باعتبار إفراد ما ضم بعضه إلى بعض مما ذكر. والله أعلم ” .
وخلاصة ما سبق:
أولاً: أن الطاعات جميعاً ومنها أعمال الجوارح تدخل في مسمى الإيمان.
ثانياً: أن الإخلال والتقصير بأداء الطاعات يضر في الإيمان.

المحاضرة الرابعة
زيادة الإيمان ونقصانه
عناصر المحاضرة :
1 ـ من مجالات الزيادة والنقصان .
2 ـ الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه .
3 ـ وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان .
زيادة الإيمان ونقصانه :
1 ـ من مجالات الزيادة والنقصان في الإيمان :
عرفنا أن الإيمان: قول وعمل، وأن القول يشمل قول القلب واللسان، وأن العمل يشمل عمل القلب والجوارح ، فهل التفاضل يكونبعمل الجوارح فقط؟ .
أم بعمل القلب فقط؟ ..أم أن التصديق والمعرفة يشملهما التفاضل أيضاً؟
وإذا كان كذلك فكيف تكون الزيادةوالنقصان في التصديق والمعرفة؟
وللجواب على ذلك نقول ابتداءا: إن الكلام عن زيادة الإيمان ونقصانه فرع عن القول فيالطاعات وأنها إيمان .
بداية..اتفق أهل السنة على أن الإيمان يزيد وينقص ، ومن مجالات زيادته ونقصانه :
ـ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
ـ ويزيد بذكر الله عز وجل وينقص بالغفلة ونسيان ذكر الله عز وجل .
من مجالات الزيادة والنقصان في الإيمان :
وفي الجواب عما سبق نقول :
قد يفهم البعض أن السلف يَقْصُرون مجال التفاضل على عمل الجوارح وقول اللسان .
والحقيقة :خلاف ذلك، فقول السلف :“إن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية”، لا يقصدون بالطاعة عمل الجوارح وقول اللسان فقط ،بل عمل القلب من الطاعة، فالحب في الله والبغض في الله وحب الأنصار، وأن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، والخوف، والرجاء، والتوكل.. الخ ، كل ذلك من الطاعات وهو من الإيمان كما سبق، ومن ثم يتفاوت الناس فيه، والأمر في هذا بين، فهل يمكن أن يقال إن الناس متساوون في حبهم وبغضهم وخوفهم ورجائهم؟ كذلك أيضاً يقولون : إن الإيمان ينقص بالحسد والكبر والعجب إلخ مما ينافي عمل القلب الواجب .
أيضاً التصديق والمعرفة والعلم (أي قول القلب) تشمله الزيادة والنقصان وهو من الطاعات ، والخلاصة : أن الزيادة والنقصان تشمل عمل القلب وقوله .
من مجالات الزيادة والنقصان في الإيمان :
وعليه نصل إلى قاعدة هي: أن ” إيمان الصديقين ليس كإيمان غيرهم ” .
يقول ابن رجب رحمه الله :” التصديق القائم بالقلوب يتفاضل، وهذا هو الصحيح.. فإن إيمان الصديقين الذين يتجلى الغيبُ لقلوبهم حتى يصير كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك والارتياب ، ليس كإيمان غيرهم ممن لا يبلغ هذه الدرجة بحيث لو شُكِّكَ لدخله الشك ” .
ويقول الإمام النووي: ” فالأظهر والله أعلم : أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشبهة ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يشك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق “رضي الله عنه لا يساويه آحاد الناس.
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
2 ـ الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
أولا : من القرآن الكريم :
ـ قال تعالى : (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) .
ـ وقال عز وجل : (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً) .
ـ وقال تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) ، وقال تعالى: (ويزداد الذين آمنوا إيماناً) .
ـ وقال تعالى: (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون) ، وهذه أدلة صريحة تثبت زيادة الإيمان وبثبوت الزيادة يثبت النقصان .
وفي ذلك يقول ابن بطال : (فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص).
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
ثانيا : الأدلة من السنة النبوية ، وهي كثيرة ، ومنها :
ـ منها حديثُ الأمانة ".. وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان.. الحديث "
ـ وحديث : ” يخرجُ مِنَ النارِ من في قلبهِ أدنى أدنى مثقالِ ذَرَّةٍ من إيمانٍ ” .
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " من رأى منكم منكراً... إلى قوله وذلك أضعف الإيمان ” .
ـ ومنه أحاديث نفي الإيمان ومنها :
ـ قال e: "لا يؤمنُ أحدُكُم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولَدِهِ ووالِدهِ والناسِ أجمعين”، والمراد نفي الكمال ، ونظائرهُ كثيرةٌ.
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. الحديث " .
ـ وقوله " لا إيمان لمن لا أمانة له.. الخ " .
الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه :
وفي بيان ذلك يقول الإمام النووي :
” فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله” .
ـ ومنها أحاديث كمال الإيمان :
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " .
فدل هذا القول على أن حسن الخلق إيمان، وأن عدمه نقصان إيمان، وأن المؤمنين متفاوتون في إيمانهم، فبعضهم أكمل إيماناً من بعض .
زيادة الإيمان ونقصانه :
ثالثا : من أقوال الصحابة في زيادة الإيمان ونقصانه :
ـ قول أبي الدرداء: : مِن فِقهِ العبدِ أن يتعاهدَ إيمانَهُ وما نَقَصَ منه، ومن فقه العبدِ أن يعلَمَ: أيزدادُ هو أم ينقصُ؟ .
ـ وكان عمر t يقول لأصحابه : هَلُمُّوا نَزدَدْ إيماناً، فيذكرونَ اللـهَ U.
ـ وكان ابن مسعود يقولُ في دعائه: اللهمَّ زِدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً .
ـ وكان معاذ بن جبل يقولُ لِرجُلٍ: اجلِسْ بنا نؤمن ساعَةً.
ـ وصحَّ عن عمار بن ياسرٍ أنه قال: ثلاثٌ من كُنَّ فيه فقد استكمل الإيمانَ : إنصافٌ من نفسِه، والإنفاقُ مِن إقتارٍ، وبذلُ السلام للعالَم.
وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
3 ـ وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
بين الإمام ابن تيمية أن التفاضل في الإيمان بدخول الزيادة والنقص فيه يكون من وجوه متعددة نذكر منها ما يأتي :
الوجه الأول : الأعمال الظاهرة :
فإن الناس يتفاضلون فيها ، وتزيد وتنقص ، وهذا مما اتفق الناس على دخول الزيادة فيه والنقصان .
الوجه الثاني : زيادة أعمال القلوب ونقصها :
فإنه من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتوكل عليه والإخلاص له وفي سلامة القلوب من الرياء والكبر والعجب ونحو ذلك والرحمة للخلق والنصح لهم ونحو ذلك من الأخلاق الإيمانية
وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) .
وقال تعالى: ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) إلى قولـه: ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده ) .
وقال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) .
( وقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك قال: فلأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر ).
وجوه التفاضل في الإيمان بالزيادة والنقصان :
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) .
وقال تعالى: ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم ) إلى قولـه: ( أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والله إني لأخشاكم لله وأعلمكم بحدوده ) .
وقال: ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) .
( وقال له عمر يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي قال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك قال: فلأنت أحب إلي من نفسي قال: الآن يا عمر ).
وهذه الأحاديث ونحوها في الصحاح ، وفيها بيان تفاضل الحب والخشية وقد قال تعالى : ( والذين آمنوا أشد حبا لله ) .
وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه ، فإنه قد يكون الشيء الواحد يحبه تارة أكثر مما يحبه تارة ، ويخافه تارة أكثر مما يخافه تارة ، ولهذا كان أهل المعرفة من أعظم الناس قولا بدخول الزيادة والنقصان فيه لما يجدون من ذلك في أنفسهم .
الوجه الثالث: تفاضل التصديق والعلم في القلب باعتبار الإجمال والتفصيل :
فليس تصديق من صدَّق الرسول مجملا من غير معرفة منه بتفاصيل أخباره ، كمن عرف ما أخبر به عن الله وأسمائه وصفاته والجنة والناروالأمم وصدَّقه في ذلك كله ، وليس من التزم طاعته مجملا ومات قبل أن يعرف تفصيل ما أمره به ، كمن عاش حتى عرف ذلك مفصلا وأطاعه فيه.
الوجه الرابع : أن التفاضل يحصل في هذه الأمور من جهة دوام ذلك وثباته وذكره واستحضاره : كما يحصل البغض من جهة الغفلة عنه والإعراض والعلم والتصديق والحب والتعظيم وغير ذلك فما في القلب هي صفات وأعراض وأحوال تدوم وتحصل بدوام أسبابها وحصول أسبابها. والعلم وإن كان في القلب فالغفلة تنافي تحققه والعالم بالشيء في حال غفلته عنه دون العالم بالشيء في ذكره له.
الوجه الخامس: أن التفاضل يحصل من هذه الأمور من جهة الأسباب المقتضية لها :
فمن كان مستند تصديقه ومحبته أدلة توجب اليقين وتبين فساد الشبهة العارضة لم يكن بمنزلة من كان تصديقه لأسباب دون ذلك .
الوجه السادس : أن يقال: ليس فيما يقوم بالإنسان من جميع الأمور أعظم تفاضلا وتفاوتا من الإيمان فكلما تقرر إثباته من الصفات والأفعال مع تفاضله فالإيمان أعظم تفاضلا من ذلك : أي أن الإنسان لا يستطيع أن يعبر بفعله أو صفته عن أعلى درجات
الإيمان ، مثال ذلك :
أن الإنسان يعلم من نفسه تفاضل الحب الذي يقوم بقلبه : سواء كان حبا لولده أو لامرأته أو لرياسته أو وطنه أو صديقه أو صورة من الصور أو خيله أو بستانه أو ذهبه أو فضته وغير ذلك من أمواله .
فكما أن الحب أوله علاقة لتعلق القلب بالمحبوب ،،، ثم صبابة لانصباب القلب نحوه ،،، ثم غرام للزومه القلب ،،،، ثم يصير عشقا إلى أن يصير تتيما - والتتيم : التعبد وتيم الله عبد الله - فيصير القلب عبدا للمحبوب مطيعا له لا يستطيع الخروج عن أمره .
وقد آل الأمر بكثير من عشاق الصور إلى ما هــو معروف عند الناس مثل من حمله ذلك على قتلنفسه وقتل معشوقه ،أو الكفر والردة عن الإسلام ، أو أفضى به إلى الجنون وزوال العقل ، أو أوجب خروجه عن المحبوبات العظيمة من الأهل والمال والرياسة أو إمراض جسمه وأسنانه.
فمن قال الحب لا يزيد ولا ينقص كان قولـه من أظهر الأقوال فسادا ، ومعلوم أن الناس يتفاضلون في حب الله أعظم من تفاضلهم في حب كل محبوب ، فهو سبحانه اتخذ إبراهيم خليلا واتخذ محمدا أيضا خليلا كما استفاض عنه أنه قال:
( لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا ؛ ولكن صاحبكم خليل الله ) يعني نفسه صلى الله عليه وسلم.
والخلة : أخص من مطلق المحبة ، فإن الأنبياء عليهم السلام والمؤمنين يحبون الله ويحبهم الله كما قال:
( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) الآية ، وقال تعالى:
( والذين آمنوا أشد حبا لله ) ، وفي الصحيح ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) .
وفي الحديث الصحيح حديث الشفاعة : ( فأخر ساجدا فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحصيها الآن ) .
فإذا كان أفضل الخلق لا يحصي ثناء عليه ، ولا يعرف الآن محامده التي يحمده بها عند السجود للشفاعة ؛ فكيف يكون غيره عارفا بجميع محامد الله والثناء عليه ؟! .
ومن هنا نصل إلى قاعدة : أن الإيمان أعظم تفاضلا في القلب من الحب.


المحاضـرة الخامسة
العلاقة بين الإيمان والإسلام
عناصر المحـــاضرة :
1 ـ القول الأول لأهل السنة في العلاقة بين الإيمان والإسلام .
2 ـ أدلة القول الأول.
القول الأول: أن مسمى الإيمان والإسلام يختلف على حسب الإفراد والاقتران وأدلته:
اختلاف أهل السنة في العلاقة بين الإسلام والإيمان :
كثر نزاع أهل القبلة في مسمى الإيمان والإسلام هل مسماهما واحد؟ أم الإيمان أعم منالإسلام؟ أم الإسلام أعم من الإيمان؟.... الخ.
والذي يعنينا في هذا المبحث الإشارة إلى أقوال أهل السنة وأدلتهم، وإليك بيان ذلك.
اختلف أهل السنة في ذلك على قولين:
أحدهما: أن مسماهما يختلف على حسب الإفراد والاقتران.
والآخر: أن مسماهما واحد.
القول الأول: أن مسماهما يختلف على حسب الإفراد والاقتران :
وهو قول أكثر أهل السنة ،وممن قال بذلك: ابن عباس والحسن البصري، ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل، وأبو جعفر الباقر، وعبد الرحمن ابن مهدي، وابن معين، وأبو خيثمة، والخطابي، وابن تيمية، وابن رجب وغيرهم .
من أبرز أدلتهم:
أولا : قوله تعالى : (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا). الآية:
استدل أصحاب هذا القول بالآية على التفريق بين مسمى الإيمان والإسلام عند الاقتران، فقالوا إن هذه الآية أثبتت لهم الإسلام ونفت عنهم الإيمان مما يدل على أن مرتبة الإيمان أعلى واستدلوا بها على أن الإسلام المثبت يثابون عليه وهذا أحد القولين في تفسير هذه الآية ، يقول ابن تيمية :
(والدليل على أن الإسلام المذكور في الآية هو إسلام يثابون عليه وأنهم ليسوا منافقين، قوله: (وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً) فدل على أنهم إذا أطاعوا الله ورسوله مع هذا الإسلام، آجرهم الله على الطاعة، والمنافق عمله حابط في الآخرة).
فقوله: (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) :
يدل على أن دخول الإيمان منتظر منهم، فإن الذي يدخل في الإسلام ابتداءا، لا يكون قد حصل في قلبه الإيمان ولكنه يحصل فيما بعد.. ولهذا كان عامة الذين أسلموا رغبة ورهبة دخل الإيمان في قلوبهم بعد ذلك، وقوله: (ولكن قولوا أسلمنا) أمر لهم بأن يقولوا ذلك، والمنافق لا يؤمر بشيء).
ـ أيضاً نَفْيُ الإيمان هنا عنهم من جنس قوله - صلى الله عليه وسلم -:
(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) .
وقوله (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ونحوه : أي أن المنفى هنا هو الإيمان الواجب وليس أصل الإيمان (فكذلك الأعراب) في هذه الآية لم يأتوا بالإيمان الواجب فنفى عنهم ذلك وإن كانوا مسلمين معهم من الإيمان ما يثابون عليه .
ويقول ابن كثير: (استفيد من هذه الآية أن الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة...) .
ثانيا : عن عامر بن سعد، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً فقلت يا رسول الله: أَعطيتَ فلاناً وتركتَ فلاناً لم تعطه، وهو مؤمن!! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
(أو هو مسلم) قال: فأعدتها ثلاثاً وهو يقول: (أو مسلم).
ثم قال: (إني لأعطى رجالاً، وأمنع رجالاً أَحبَّ إلي منهم مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم) - أو قال (على مناخرهم).
يقول ابن أبي العز الحنفي تعليقاً على هذا الحديث:
(فأثبت له الإسلام، وتوقف في اسم الإيمان، فمن قال: هما سواء كان مخالفاً).
ثالثا : ومن أدلتهم الكلية على التفريق بينهما قولهم: (إن الله جعل اسمَ المؤمنِ اسمَ ثناءٍ وتزكية وأوجب له الجنة، فقال:
(وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما) .
ـ وقال: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) . ـ
ـ وقال: (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) .
ـ وقال: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) وقال: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) .
ـ وقال: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) .
ـثم أوجب الله النار على الكبائر، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن من أتى كبيرة، قالوا: ولم نجد الله أوجب الجنة باسم الإسلام، فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على . حاله، واسم الإيمان زائل عنه.
فإن قيل :
فالذين زعمتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أزال عنه اسم الإيمان، هل فيه من الإيمان شيء؟ قالوا: نعم، أصله ثابت ولولا ذلك لكفر) .
ـ ويزيد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الأمر وضوحاً بقوله مختصرا :
(والوعد الذي في القرآن بالجنة وبالنجاة من العذاب إنما هو معلق باسم الإيمان، وأما اسم الإسلام مجرداً فما علق به في القرآن دخول الجنة، لكنه فرضهُ وأخبر أنه دينه، وبالإسلام بعث جميع النبيين ، قال تعالى:
(ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) .
ـ ورد على من يطلق الإيمان على مرتكب الكبيرة في سياق الثناء والوعد بالجنة :
بأن ذلك (خلاف الكتاب والسنة، ولو كان كذلك لدخلوا في قوله:
(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) ، وأمثال ذلك مما وعدوا فيه الجنة بلا عذاب) .
ـ ومقصود الأئمة من الكلام السابق :
أن الإيمان أكمل من الإسلام حيث إن المؤمن المطلق موعود بالجنة أما المسلم المطلق فلم يرد أنه يدخل الجنة بلا عذاب، لأنه قد يكون مسلماً ولا يكون مؤمناً كاملاً، والله أعلم .
رابعا : ذكر من يفرقون بين مسمى الإيمان والإسلام قاعدة في الأسماء مفادها :
أن من الأسماء ما يكون شاملاً لمسميات متعددة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الاسم بغيره صار دالا على بعض تلك المسميات، والاسم المقرون به دال على باقيها.
وهذا كاسم الفقير والمسكين:
فإذا أفرد الفقير عن المسكين دخل فيه كل من هو محتاج .
وإذا قرن أحدهما بالآخر دل أحد الاسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها .
فهكذا اسم الإيمان والإسلام إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودل بانفراده على ما يدل عليه الآخر بانفراده .
وإذا قرن بينهما دل أحدهما على بعض ما يدل عليه بانفراده ودل الآخر على الباقي .
وقد صرح بهذا المعنى جماعة من الأئمة.. ويدل على صحة ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر الإيمان عند ذكره مفرداً في حديث وفد عبد القيس بما فسر به الإسلام المقرون بالإيمان في حديث جبريل - عليه السلام - وفسر في حديث آخر الإسلام بما فسر به الإيمان، كما في مسند الإمام أحمد : جاء رجل إلي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
(يا ر سول الله ما الإسلام؟ قال: أن تُسلِم قلبك لله، وأن يَسلَم المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت).. الحديث فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الإيمان أفضل من الإسلام، وأدخل فيه الأعمال... وبهذا التفصيل الذي ذكرناه يزول الاختلاف فيقال: إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر فلا فرق بينهما حينئذ، وإن قرن بين الاسمين كان بينهما فرق...) .
خامسا : وهو أهم دليل يعتمده من يفرقون بينهما:
وهو حديث جبريل المشهور وفيه :
( قال جبريل عليه السلام: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، فقال: صدقت، فتعجبنا من سؤاله وتصديقه. ثم قال: فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره ، فقال: صدقت، ثم قال: فما الإحسان؟ إلى أن قال - صلى الله عليه وسلم -: ذلك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم) .
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح تعليقاً على هذا الحديث: (هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام، وهو الاستسلام والانقياد الظاهر) .
ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات :
لكونها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان، ومقويات ومتممات وحافظات له، ولهذا فسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان، وإعطاء الخمس من المغنم، ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة، لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه، ولا يستعمل في الناقص ظاهراً إلا بقيد، ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) .
واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن، ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام .
القاعدة التي عليها القول الأول :
خرج مما ذكرناه وحققناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان، ” وأن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً” قال: وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون، وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم .
يقول ابن تيمية في تعليقه على حديث الإيمان السابق:
فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين فجعل الدين ثلاث طبقات: أولها الإسلام، وأوسطها الإيمان، وأعلاها الإحسان، فالمحسن مؤمن، والمؤمن مسلم، وأما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمناً (أي الإيمان التام) .

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 02:11 PM
قديم 2012- 4- 23   #2
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
 
الصورة الرمزية هيبة وجودي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
رد: محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان


التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 02:02 PM
 
قديم 2012- 4- 23   #3
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
 
الصورة الرمزية هيبة وجودي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
رد: محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

المحاضـرة السادسة
تابع العلاقة بين الإيمان والإسلام
عناصر المحـــاضرة :
1 ـ القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد .
2 ـ أدلة هذا القول .
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد :
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد : وممن نقل عنه ذلك الإمام البخاري ، وابن عبد البر وقال:
(أكثر أصحاب مالك على أن الإسلام والإيمان شيء واحد) ، وقال أيضاً:
(وعلى القول بأن الإيمان هو الإسلام، جمهور أصحابنا وغيرهم من الشافعية والمالكية ، وهو قول داود وأصحابه، وأكثر أهل السنة والنظر، المتبعين للسنة والأثر)ـومن أبرز أدلتهم على قولهم :
أولا :قول الله عز وجل: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) أي غير بيت منهم .
ثانيا : قول ابن عبد البر : إن الإيمان الذي دعا الله العباد له، وافترضه عليهم هو الإسلام الذي جعله ديناً، وارتضاه لعباده، ودعاهم إليه، وهو ضد الكفر الذي سخطه، فقال:
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد :
(ولا يرضى لعباده الكفر) ، وقال: (ورضيت لكم الإسلام ديناً). وقال: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) .
فمدح الله الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان، وجعله اسم ثناء وتزكية، فأخبر أن من أسلم فهو على نور من ربه وهدى، وأخبر أنه دينه الذي ارتضاه .
ـ ألا ترى أن أنبياء الله ورسله، سألوه إياه :
ـ فقال إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل ذبيحه: (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) .
ـ وقال يوسف: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) .
ـ وقال تعالى: (وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا).
ـ وقال في موضع آخر: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم) إلى قوله
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد :
(ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا) .
فحكم الله بأن من أسلم، فقد اهتدى، ومن آمن فقد اهتدى ، وبذلك سوَّى بين الإيمان والإسلام ) .
ومقصود الإمام هنا: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد لما يأتي :
ـ أن الله عز وجل مدح الإسلام بمثل ما مدح به الإيمان .
ـ أخبر أنه دينه الذي ارتضاه .
ـ أمر أهل الكتاب والأمين بالإسلام كما أمرهم بالإيمان.
ـ أخبر أن الرسل والأنبياء، دعوا إلى الإسلام، وسألوه إياه .
فلابد أن يكون كل مسلم مؤمناً.
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد وأدلته :
ثالثا : قال الله عز وجل:
ـ (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) والعبادة هي الصلاة والزكاة وغيرهما .
ـ وقال: (إن الدين عند الله الإسلام) .
فالصلاة والزكاة من الإيمان، وقد سماها الله ديناً، وأخبر أن الدين عند الله الإسلام، فقد سمى الله الإسلام بما سمى به الإيمان، وسمى الإيمان بما سمى به الإسلام، وبمثل ذلك جاءت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم ..
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد :
رابعا :قالوا : ومما يدلل على تحقيق قولنا ، الحديث الذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثبتونه أن الله يقول:(أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقالُ خردلة من إيمان، ومثقالُ برة، ومثقالُ شعيرة).
فقد أخبر الله - تبارك وتعالى - أن في قلوبهم إيماناً، وأخرجوا به من النار، وهم أشر أهل التوحيد، الذين لا يزول عنهم اسم الإسلام، وليس في قلوبهم إيمان يستوجب الخروج من النارودخول الجنة .
ومقصودهم هنا الرد على من أخرج أهل الكبائر من الإيمان، وقال: إنهم مسلمون وليسوا بمؤمنين، فيقال لهم: كيف تنفون عنهم الإيمان مع إثباتكم أن من في قلبه ذرة من إيمان - من أهل الكبائر - يخرج من النار؟ .
إذاً هذا يثبت أن مسمى الإيمان والإسلام واحد فلم ينتف عنهم إطلاق الإيمان وهم أدنى المسلمين ، إذ من يخرج من النار فلابد أن يكون مسلماً مؤمناً ولا فرق.
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد :
خلاصة الترجيح بين ما سبق:
الرأي الراجح كما يتضح من العرض السابق أن مسمى الإيمان يختلف عن مسمى الإسلام وذلك للأدلة التالية:
1 ـ أن أصل الإيمان التصديق، والخضوع والانقياد تابع، وأصل الإسلام الخضوع والانقياد، ومنه الأركان الخمسة، لذلك نجد في أكثر النصوص إطلاق الإيمان على الباطن، والإسلام على الظاهر، ومن ذلك حديث جبريل عليه السلام المشهور.
2 ـ لم يرد في النصوص الوعد بالجنة على الإسلام المطلق، كما في الإيمان المطلق.
3 ـ لم يرد في النصوص أن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله (قول القلب)، يدخل في مسمى الإسلام، كما ورد في دخول أعمال القلب والجوارح في الإيمان، وإن كان يلزم الإسلام جنس تصديق.
4 ـ لا يعرف في النصوص نفي الإسلام عمن ترك شيئاً من الواجبات، أو فعل الكبائر كما ورد في الإيمان.
القول الثاني: أن مسمى الإيمان والإسلام واحد :
ـ ومما سبق نعلم أن الأدلة صريحة في اختلاف مسماهما، ومع ذلك فهناك استعمالات وحالات تجعلهما يتفقان ومن ذلك:
أ ـالإيمان الكامل، لابد أن يكون معه إسلام كامل، أما الإسلام الكامل فلا يلزم منه الإيمان الكامل ولكن لابد أن يكون معه أصل الإيمان.
ب ـ يمكن أن يقال إن المسلم الممدوح هو المؤمن الممدوح، وذلك كمدح الأنبياء بالإسلام .
ج ـ كما يشتركان في الخطاب بالإيمان أمراً أو نهياً من أحكام وحدود ومواريث وغيرها، لأن الخطاب بالإيمان يشمل كل الداخلين فيه سواء كان معهم أصل الإيمان أو كماله .
د ـفي حال الافتراق يكون معناهما واحد، وعند الاجتماع يفترقان في المعنى .والله أعلم .


المحاضرة السابعة
حــكم مرتكب الكبيرة
عناصر المحـــاضرة

عناصر المحـــاضرة :
ـ من أقوال الناس في حكم مرتكب الكبيرة .
ـ قول أهل السنة في مرتكب الكبيــرة .
ـ أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة .
من أقوال الناس في حكم مرتكب الكبيرة
ـ من أقوال الناس في حكم مرتكب الكبيرة :
إن بـابَ التكفير وعدَم التكفير ، بابٌ عَظُمَت فيه الفتنةُ والمحنة، وكثُرَ فيه الافتراق ، وتشـتَّتـت فيـه الأهواءُ والآراءُ، وتعارضَـت فيـه دلائِلُ الناس، فالنـاسُ فيـه علـى طرفـين ووسـط:
ـ فالمرجئة يقولون:
لا يضرُّ مع الإيمـان ذنـبٌ، كمـا لا ينفـع مـع الكفـر طاعـة. فهـؤلاء في طـرَفٍ، والخوارج في طرَف مناقض ، فإنهم يقولون: نكفِّرُ المسلمَ بكل ذنبٍ كبير.
ـ والمعتزلةُ يقولون: يَحبَطُ إيمانُهُ كُلُّه بالكبيرَةِ، فلا يبقى مَعَهُ شيءٌ من الإيمانِ ويخرج منه ولكن لا يدخل في الكفر، وهو في منزلة بين المنزلتين ، وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلودَ في النارِ .
ـ والخوارج يقولون: يخرجُ مِنَ الإيمان ويدخُلُ في الكفر .
فالمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة على أن مركب الكبيرة مخلد في النار ، لكن قالت الخوارج نسميه كافرا ، وقالت المعتزلة نسميه فاسقا ، فالخلاف بينهم لفظي فقط .
وقول المرجئة والخوارج والمعتزلة باطل فاسد ، ومن خلال حجج أهل السنة وأدلتهم يظهر بطلان قولهم .

ـ قول أهل السنة في مرتكب الكبيــرة
ـ قول أهل السنة في مرتكب الكبيــرة :
وأهل السنة على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ، ولا يخلد في النار إذا مات موحدا ولم يستحل .
جاء في الطحاوية قوله :
(إن المجمع عليه أن أَهْلَ قبلَتنَا مُسلمين مؤمنينَ، ما داموا بما جاءَ بهِ النبيُّ e مُعتَرِفينَ، ولَهُ بِكُلِّ ما قالَهُ وأخبرَ مُصَدِّقين) ، وقال رحمه الله :
( وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين مؤمنين، وهم في مشيئته وحكمه: إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه:
( وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) ،وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ، يقول رحمه الله: ( وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون )، أهل الكبائر أي: أصحابها المقارفون لها، الواقعون فيها.
ـ قول أهل السنة في مرتكب الكبيــرة
والكبائر جمع كبيرة، والكبيرة هي : الذنوب التي ورد في الشرع عليها حد أو ذكرت لها عقوبة في الآخرة، أو ختم لصاحبها بغضب أو **** أو تبري .
فكل ما ورد فيه حد أو وعيد خاص فإنه من الكبائر، مثل الزنا والسرقة والغيبة والنميمة والغش والحقد والحسد والكبر، والكلام على أهل هذه الذنوب الواقعين فيها المقارفين لها الذين لم يتوبوا منها، أما من تاب تاب الله عليه، فالتوبة -ولله الحمد- تجب ما قبلها، وتجعل الإنسان كما لو لم يقع في الذنب، فتمحى الذنوب ولا يسأل عنها، وهذا من فضل الله وعظيم كرمه وواسع إحسانه بعبده أنه إذا تاب تاب عليه.
والتوبة ليس لها حد ولا منتهى، بل الله جل وعلا يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ما لم يبلغ الإنسان الغرغرة أو تخرج الشمس من مغربها، عند ذلك يوصد باب التوبة.
ومعنى ( لا يخلدون) أي: لا يبقون فيها بقاء أبدياً، الخلود المنفي هنا هو خلود البقاء الذي لا خروج معه، واعلم أن الخلود نوعان: خلود بمعنى طول البقاء في النار، وهذا قد يكون لبعض أهل الكبائر من أهل الإسلام.
والقسم الثاني من الخلود: الخلود الذي لا خروج منه؛ فهو بقاء أبدي سرمدي لا ينقطع.
ـ قول أهل السنة في مرتكب الكبيــرة
وهذا لا يكون إلا لأهل الكفر والشرك.
ومن الخلود الأول: خلود قاتل النفس؛ فإن الله سبحانه وتعالى توعده بالخلود فقال:
( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) ، فالخلود في هذه الآية هو الخلود الذي بمعنى طول المكث لا الخلود الذي لا خروج معه؛ فإن النصوص قد دلت على أن المسلم المؤمن الذي يقول: لا إله إلا الله مآله إلى الجنة مهما أذنب، فمن كان من أهل التوحيد والإخلاص ودخل النار، فلا بد أن يخرج .
وقد تواترت النصوص الدالة على عدم كفر مرتكب الكبيرة، وعدم خلوده في النار إن دخلها، ما لم يستحل، وهذا من الأصول الاعتقادية المجمع عليها بين أهل السنة .
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة : استدل أهل السنة على عدم كفر مرتكب الكبيرة وعدم خلوده في النار بأدلة كثيرة منها :
الدليل الأول: نصوص تدل على أن من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وعلى أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومنها:
1 ـ قوله تعالى:
(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (فحكم بأن الشرك غير مغفور للمشرك، يعني إذا مات غير تائب منه لقوله: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) مع آيات غير هذه تدل على أن التائب من الشرك مغفور له شركه، فثبت بذلك أن الشرك الذي أخبر الله أنه لا يغفر: هو الشرك الذي لم يتب منه، وأن التائب مغفور له شركه، وأخبر أنه يغفر: ما دون الشرك لمن يشاء، يعني لمن أتى ما دون الشرك، فلقي الله غير تائب منه .
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
2 ـومنها قوله - صلى الله عليه وسلم – في رواية أبي هريرة:" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ".
3 ـ وحديث معاذ المشهور وفيه قوله صلى الله عليه وسلم " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً " .
4 ـ وروى مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ".. ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بقرابهامغفرة " .
قال الإمام ابن رجب " فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض، وهو ملؤها أو ما يقارب خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة، لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل، فإن شاء غفر له، وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة “.
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
الدليل الثاني: نصوص فيها التصريح بعدم دخول الموحد النار أو خلوده فيها - إن دخل - مع تصريحها بارتكابه الكبائر ومنها:
1 ـ حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة قلت: وإن زنى وإن سرق قال: وإن زنى وإن سرق " .
قال النووي رحمه الله: " وأما قوله صلى الله عليه - وإن زنى وإن سرق فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود بالجنة).
2 ـ حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال: " تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإنشاء عذبه " .
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم " ومن أصاب شيئاً من ذلك " إلى آخره المراد به ما سوى الشرك وإلا فالشرك لا يغفر له " ثم ذكر من فوائد الحديث (الدلالة لمذهب أهل الحق أن المعاصي غير الكفر لا يقطع لصاحبها بالنار إذا مات ولم يتب منها، بل هو بمشيئة الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ) .
الدليل الثالث: نصوص فيها التصريح ببقاء الإيمان والأخوة الإيمانية مع ارتكاب الكبائر ومنها :
1 ـ قوله تعالى :
(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) .

أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
استدل أهل السنة بهاتين الآيتين على أن المؤمن لا يكفر بارتكابه الكبائر، لأن الله - عز وجل - أبقى عليه اسم الإيمان مع ارتكابه لمعصية القتل ووصفهم بالأخوة وهي هنا أخوة الدين.
2 ـ قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) الآية .
قال ابن الجوزي:
(دل قوله تعالى (من أخيه) على أن القاتل لم يخرج من الإسلام) ، واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - بهذه الآية على أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع ارتكاب المعاصي.
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
الدليل الرابع: شرع الله - عز وجل - إقامة الحدود على بعـض الكبائر:
لعل هذا من أقوى الأدلة على فساد مذهب من يكفر مرتكب الكبيرة ،إذ لو كان السارق والقاذف وشارب الخمر، والمرتد سواء في الحكم لما اختلف الحد في كل منها، قال الإمام أبو عبيد رحمه الله :
(ثم قد وجدنا الله - تبارك وتعالى - يكذب مقالتهم، وذلك أنه حكم فيالسارق بقطع اليد، وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه ما كان الحكم على هؤلاء إلا بالقتل لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من بدل دينه فاقتلوه).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (بل القرآن والنقل المتواتر عنه، يبين أن هؤلاء لهم عقوبات غير عقوبة المرتد عن الإسلام، كما ذكر الله في القرآن جلد القاذف والزاني، وقطع يد السارق، وهذا متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كانوا مرتدين لقتلهم) .
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
الدليل الخامس: نصوص صريحة في خروج من دخل النار من الموحدين بالشفاعة وبغيرها:
وهذا – أيضاً – من الأدلة الواضحة على عدم كفر مرتكب الكبائر وعدم خلوده في النار، إذ لو كان كافراً لما خرج من النار. والأدلة في هذا بلغت مبلغ التواتر، ونقل التواتر جمع من العلماء منهم الإمام البيهقي وابن تيمية في الإيمان الأوسط ، وابن أبي العز الحنفي في الطحاوية ، وأحاديث الشفاعة المصرحة بخروج الموحدين من النار قاطعة في معناها بالإجماع، وهي قاطعة في ألفاظها.. لورودها عن عشرين صحابياً أو تزيد في الصحاح والسنن والمسانيد، وأما شواهدها بغير ألفاظها فقاربت خمسمائة حديث .
ومن هذه الأحاديث:1 ـ حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير " وفي رواية " من إيمان " مكان "من خير" .
أدلة أهل السنة على حكم مرتكب الكبيرة
2ـ ومن ذلك أحاديث شفاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم – في أهل الكبائر الذين دخلوا النار أن يخرجوا منها فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
" لكل نبي دعوة مستجابة، فتَعجَّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً ” .
3 ـ ومن الأحاديث في هذا الباب حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال:
" يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا – أو الحياة - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ”.
إلى غير ذلك من الأحاديث الصريحة التي تثبت صحة حكم أهل السنة في مرتكب الكبيرة ، وفساد رأي غيرهم .

المحاضرة الثامنة
الولاء والبراء وعلاقتهما بالإيمان
عناصر المحـــاضرة

عناصر المحـــاضرة :
ـ التعريف بالولاء والبراء .
ـ الفرق بين المداهنة والمداراة وأثرهما على الولاء والبراء .
ـ علاقة الولاء والبراء بالإيمان .
ـ نماذج من الولاء والبراء .
ـ هل يدخل في الموالاة معاملة الكفار في الأمور الدنيوية ؟
ـــ من صور الموالاة التي تناقض الإيمان .
التعريف بالولاء والبراء ... والفرق بين المداهنة والمداراة وأثرهما على الولاء والبراء
أولا : التعريف بالولاء والبراء :
الــولاء : مصدر وَلِيَ بمعنى قرب منه ، والمراد به هنا : القرب من المسلمين بمودتهم ، وإعانتهم ، ومناصرتهم على أعدائهم والسكنى معهم .
والـبراء : مصدر بَرى ، بمعنى قطع ، ومنه بَرَى القلم بمعنى قطعه ، والمراد هنا : قطع الصلة مع الكفار ، فلا يحبهم ، ولا يناصرهم ، ولا يقيم في ديارهم إلا لضرورة .
الفرق بين المداهنة والمداراة وأثرهما على الولاء والبراء :
المداهنة : هي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومصانعة الكفار والعصاة من أجل الدنيا والتنازل عما يجب على المسلم من الغيرة على الدين .
ومثاله : الاستئناس بأهل المعاصي والكفار ومعاشرتهم وهم على معاصيهم أو كفرهم ، وترك الإنكار عليهم مع القدرة عليه .
قال الله تعالى :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) .

والفرق بين المداهنة والمداراة وأثرهما على الولاء والبراء
أما المداراة : فهي درء المفسدة والشر بالقول اللين ، وترك الغلظة أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له .
مثاله : الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تأليفه .
وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، ( أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال : بئس أخو العشيرة . وبئسابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم في وجهه وانبسط إليه ، فلما انطلق الرجل قالت عائشة رضي الله عنها : يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا ، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه . فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : يا عائشة متى عهدتني فحاشًا ، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ) ، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم دارى هذا الرجل لما دخل عليه مع ما فيه من الشر لأجل المصلحة الدينية ، فدل على أن المداراة لا تتنافى مع الموالاة إذا كان فيها مصلحة راجحة من منع الشر والتأليف أو تقليل الشر وتخفيفه .
علاقة الولاء والبراء بالإيمان
وهذا من مناهج الدعوة إلى الله تعالى ، ومن ذلك مداراة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم للمنافقين في المدينة خشية شرهم وتأليفًا لهم ولغيرهم .
ـ وهذا بخلاف المداهنة فإنها لا تجوز إذ حقيقتها مصانعة أهل الشر لغير مصلحة دينية وإنما من أجل الدنيا .
ـ علاقة الولاء والبراء بالإيمان :
يرتبط الولاء والبراء بالإيمان ارتباطا وثيقا ، فهو دليل إيمان المؤمنين ، وشرط صحة قصد المحسنين ، وفيما يأتي نوجز هذه العلاقة في محورين رئيسين ، هما :
الأول : الولاء والبراء من حقوق التوحيد ، والتوحيد أصل الإيمان :
يجب على المسلم أن يوالي في الله وأن يعادي في الله وأن يحب في الله ، وأن يبغض في الله ، فيحب المسلمين ويناصرهم ويعادي الكافرين ويبغضهم ويتبرأ منهم . قال تعالى في وجوب موالاة المؤمنين : قال تعالى :
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) .

علاقة الولاء والبراء بالإيمان
ـ وقال : ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .
ـ وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
ـ وقال تعالى : ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ ) .
ويتضح من هذه الآيات الكريمات ، وجوب موالاة المؤمنين ، وما ينتج عن ذلك من الخير ، ووجوب معاداة الكفار والتحذير من موالاتهم وما تؤدي إليه موالاتهم من شر .
الثاني : أن الولاء والبراء أوثق عُرَى الإيمان :
إن للولاء والبراء في الإسلام مكانة عظيمة ، فهما أوثق عرى الإيمان ، ومعناه توثيق عرى المحبة والألفة بين المسلمين ومفاصلة أعداء الإسلام .
وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم : ( أوثق عُرى الإيمان ، الموالاة في الله والمعاداة في الله ، والحب في الله والبغض في الله ) .
نماذج من الولاء والبراء

نماذج من الولاء والبراء :
قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام :
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) .
وقال تعالى في موالاة الأنصار لإخوانهم المهاجرين :
( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

هل يدخل في الموالاة معاملة الكفار في الأمور الدنيوية ؟
هل يدخل في الموالاة معاملة الكفار في الأمور الدنيوية ؟
دلت النصوص الصحيحة على جواز التعامل مع الكفار في المعاملات الدنيوية كمسائل البيع والشراء والإيجار والاستئجار والاستعانة بهم عند الحاجة والضرورة على أن يكون ذلك في نطاق ضيق وأن لا يضر بالإسلام والمسلمين .
ـ ( فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أرَيْقط هاديًا خِرِّيتًا ) ، والخريت هو الخبير بمعرفة الطريق .
ـ ( ورهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي في صاع من شعير ) ( وأجر علي رضي الله عنه نفسه ليهودية يمتح لها الماء من البئر فمتح لها ست عشرة دلوًا كل دلو بتمرة )
ـ ( واستعان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم باليهود الذين كانوا في المدينة في قتال المشركين ) ، ( واستعان بخُزاعة ضد كفار قريش ) .
وهذا كله لا يؤثر على الولاء والبراء في الله على أن يلتزم الكفار الذين يقيمون بين المسلمين بالآداب العامة ، وأن لا يدعوا إلى دينهم .
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان ما يلي:
(أ) من أقام ببلاد الكفر رغبة واختياراً لصحبتهم، فيرضى ما هم عليه من الدين، أو يمدحه، أو يرضيهم بعيب المسلمين، فهذا كافر عدو لله ورسوله، لقوله تعالى: ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ) .
(ب) من أطاع الكفار في التشريع والتحليل والتحريم، فأظهر الموافقة في ذلك، فهو كافر وخارج عن الملة، وسنورد بعض النصوص القرآنية في هذا الشأن.
يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) .
ويقول عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ ) .
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
فهذا النوع من الموالاة كان سبباً في ردة أولئك القوم ، يقول القاسمي في تفسيره: -
" ذلك إشارة إلى ما ذكر من ارتدادهم، " بأنهم " أي لسبب أنهم " قالوا " أي المنافقون " الذين كرهوا ما نزل الله " أي اليهود الكارهين لنزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم " سنطيعكم في بعض الأمر " أي بعض أموركم، أو ما تأمرون به ، كما أوضح ذلك قوله تعالى: ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ ).
فتلك الآية الكريمة قررت أن بعضاً من الطاعة لأولئك الكفار هي ردة عن دين الإسلام، كموافقتهم في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المظاهرة على محمد صلى الله عليه وسلم كما جـاء مفصلاً في كتب التفسير ".
ولما استفتي الشيخ يوسف الدجوي مسألة التجنيس الشامل للمعتقدات ، كان من جوابه ما يلي: - " إن التجنس بالجنسية الفرنسية، والتزام ما عليه الفرنسيون في كل شيء حتى الأنكحـة والمواريث والطلاق ومحاربة المسلمين والانضمام إلى صفوف أعدائهم معناه الانسلاخ من جميع شرائع الإسـلام،ومبايعة أعدائه على ألا يعودوا إليه ولا يقبلوا حكماً من أحكامه بطريق العهد الوثيق، والعقد المبرم ” .
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
(ج) من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان: التشبه المطلق بهم، أو التشبه بهم فيما يوجب الكفر والخروج عن الملة.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار فقال: - " من تشبه بقوم فهو منهم " .
يقول ابن تيمية عن هذا الحديث:-
" وهـذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله: ( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ).
فقد يحمل هذا على التشبيه المطلق، فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك، وقد يحمل على أنه منهم، في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً، أو معصية أو شعاراً لهم، كان حكمه كذلك ، وبكل حال يقتضي تحريم التشبه ”.
يقول القاضي عياض: - " وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك كالسعي إلى الكنائس والبيع مع أهلها بزيهم، من شد الزنانير، وفحص الرؤوس، فقد أجمع المسلمون أن هذا الفعل لا يوجد إلا من كافر. "
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال:-
"من بنى ببلاد الأعاجم، فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة. "
ويعلق ابن تيمية على أثر عبد الله بن عمرو فيقول: - " وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية ”.
(د) من الموالاة العملية التي تناقض الإيمان: - إقامة مؤتمرات وتنظيم ملتقيات من أجل تقرير وحدة الأديان، وإزالة الخلاف العقدي، وإسقاط الفوارق الأساسية فيما بين تلك الديانات، وذلك من أجل توحيد هذه الملل المختلفة على أساس الاعتراف بعقائدهم وصحتها، وقد يطلقون على هذه الوحدة المزعومة بين الديانات الثلاث (الإسلام والنصرانية واليهودية) ما يسمى بالديانة الإبراهيمية، أو الديانة العالمية.
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
وقد نشأت هذه الدعوات المضللة في أحضان التنصير، والصهيونية العالمية ، كما كان للبهائية مشاركة في إيجاد دين يوافق عليه الجميع .
ـ ويأتي " النظام الدولي الجديد " عاملاً رئيساً في إحياء تلك الشجرة الخبيثة، كما هو ظاهر في مثل هذه الأيام القريبة، من كثرة المؤتمرات والملتقيات التي تسعى إلى وحدة و" خلط " الديانات.
إن الدعوة إلى وحدة الأديان كفر صريح، لما تتضمنه من تكذيب للنصوص الصحيحة الظاهرة، والتي تقرر – قطعياً – بأن دين الإسلام الكامل، والذي أتم الله به النعمة، ورضيه لنا ديناً، أنه هو الناسخ لما سبقه من ديانات اعتراها التحريف والتبديل، قال تعالى: ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ).
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
كما أن الدعوة إلى وحدة الأديان فيها إنكار لأحكام كثيرة معلومة الدين بالضرورة، منها:
ـ استحلال موالاة الكفار، وعدم تكفيرهم، وإلغاء الجهاد في سبيل الله تعالى وتوابعه.. الخ.
وقد حرم الله تعالى موالاة الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، فقال سبحانه:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء) .
وخص سبحانه الولاية بقوله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) .
ويقول القاضي عياض: -
" ولهذا نكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه، فهو كافر بإظهاره ما أظهر من خلاف ذلك“ .
من صور الموالاة التي تناقض الإيمان
ـ وتتضمن دعوة وحده الأديان تجويزاً وتسويغاً لاتباع غير دين الإسلام: وهذا كفر يناقض الإيمان، فمن اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخَضِرُ الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
يقول ابن تيمية: -
" ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكَفََر ببعض الكتاب" .

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 02:01 PM
 
قديم 2012- 4- 23   #4
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
 
الصورة الرمزية هيبة وجودي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
رد: محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

لمحاضـرة التاسعة
الحكم بغير ما أنزل الله
عناصر المحـــاضرة

عناصر المحـــاضرة :
ـ منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين .
ـ متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟ .
ـ متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر؟ .
منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين
منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين:
فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب، فقال سبحانه: - ( وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ ) .
وقال تعالى: -( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ) .
وبين سبحانه اختصاصه وتفرده بالحكم، فقال: - ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) .
وجاءت الآيات القرآنية مؤكدة على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله (وهو حكم الطاغوت والجاهلية) من صفات المنافقين.
قال سبحانه: ( وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ) .
منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين
ويمكن أن نحدد أهمية إفراد الله تعالى بالحكم، وبيان منزلة الحكم بما أنزل الله من خلال العناصر التالية:
أ ـ منزلته من توحيد العبادة:
إن الحكم بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد لله تعالى بالطاعة، والطاعة نوع من أنواع العبادة، فلا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، قال تعالى: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ).
ب ـ منزلته من التوحيد العلمي الخبري:
الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم، فقال سبحانه: - ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) .
منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين
جـ : منزلته من توحيد الاتباع :
والمقصود بتوحيد الاتباع تحقيق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتوحيد الاتباع هو توحيد الرسول بالتحكيم والتسليم.
قال الله تعالى ( َفلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) .
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهراً وباطنه ”.
منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين
(د) منزلته من الإيمان:
يقول عز وجل: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) .
(هـ) : تحكيم الشريعة استجابة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم :
ففيه الحياة والصلاح والخير، قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ، وإن رفض هذه الشريعة وعدم الاستجابة لها اتباع للهوى، وضلال شنيع في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، يقول تعالى( فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ) .
وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:- " يا معشر المهاجرين: خصال خمس إن ابتليتم . بهن ، وذكر منها: " وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم " .
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
إذا تقرر أن التشريع من خصائص ربوبية الله تعالى، فالحلال ما حلله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله رسوله، فليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرع في دين الله تعالى، بل الواجب اتباع هذه الشريعة. قال تعالى:( اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ )
وعليه فيكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفراً ناقلاً عن الملة، وناقضاً من نواقض الإيمان في عدة صور وحالات، نتحدث عن بعضها على النحو التالي:
(أ) من شرَّع غير ما أنزل الله تعالى:-
قد تقرر- بداهة – وجوب إفراد الله تعالى بالحكم والتشريع ( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) فإذا كان الله تعالى هو المتفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة لا شريك له في هذه الصفات، فهو سبحانه – أيضاً – وحده المتفرد بالتشريع والتحليل والتحريم، فالدين لا يكون إلا ما
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
شرعه الله تعالى، وليس لأحد أن يشرع شيئاً ما جاء عن الله تعالى، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالتشريع حق خالص لله وحده لا شريك له. من نازعه في شيء منه فهو مشرك، لقوله تعالى: - ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ) .
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأموال الفاسدة. "
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
هذه المحنة التي نواجهها اليوم، والتي لا يصلح لدفعها ترقيع جزئي بإلغاء بعض المواد، والنص على اخرى، وإنما يصلحه أن نبدأ بتقرير السيادة المطلقة والحاكمية العليا للشريعة الإسلامية، والنص على أن كل ما يتعارض معها من القوانين أو اللوائح فهو باطل. ”
كما أن هذه القوانين والدساتير الطاغوتية عند أصحابها قد صار لها من الحرمة والتعظيم كما لو كانت شريعة إلهية، يبين ذلك الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – فيقول:
" هذه القوانين التي فرضها على المسلمين أعداء الإسلام... هي في حقيقتها دين آخر جعلوه ديناً للمسلمين بدلاً من دينهم النقي السامي، لأنهم أوجبوا عليهم طاعتها وغرسوا في قلوبهم حبها وتقديسها والعصبية لها، حتى لقد تجري على الألسنة والأقلام كثيراً من الكلمات " تقديس القانون "، " قدسية القضاء "، وأمثال ذلك من الكلمات... ثم صاروا يطلقون على هذه القوانين ودراساتها كلمة " الفقه الفقيه "، " والتشريع " و" المشرع "...وما إلى ذلك من الكلمات التي يطلقها علماء الإسلام على الشريعة وعلمائها.
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
إن شريعة الله تعالى يجب أن تكون وحدها حاكمة ومهيمنة على غيرها، وأن تكون المصدر الوحيد للتشريع، فلا ننخدع بما يقوله بعضهم بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، لما تتضمنه هذه العبارة الشركية من الإقرار والرضا بمصادر أخرى للتشريع، ولو كانت مصادر فرعية.
يقول الله تعالى:- ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ ).
(ب) أن يجحد أو ينكر الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى أحقية حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية لابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى :
( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ).
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
فمن ذلك ما قاله أبو يعلى:
" ومن اعتقد تحليل ما حرم الله بالنص الصريح، أو من رسوله، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله أو المسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى ولرسوله في خبره، وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين. "
ولا يغيب عنا أن هذا الجحود في حد ذاته يعد كفرا، ولو لم يكن معه تحكيم لغير الشريعة، فالجاحد كافر سواء حكم بغير ما أنزل الله أو لم يحكم.
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
(ج) أن يفضل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، سواء كان هذا التفضيل مطلقاً، أو مقيداً في بعض المسائل :
يقول محمود الآلوسي في تفسيره: - " لاشك في كفر من يستحسن القانون ويفضله على الشرع ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظاً ويتقصف غضباً إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم...فلا ينبغي التوقف في تكفير من يستحسن ما هو بيّن المخالفة للشرع منها (أي القوانين) ويقدمه على الأحكام الشرعية منتقصاً لها.
ومما يلحق بمسألة تفضيل حكم الجاهلية على حكم الله تعالى: من لم يحكم بما أنزل الله تعالى استخفافاً واستهانة بحكم الله تعالى، واحتقاراً له فمن وقع في ذلك فقد خرج عن الملة؛ لأن ذلك استهزاء بدين الله تعالى، ومن ثم فهو ردة عن الإسلام، كما هو ظاهر في قوله تعالى:
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
( قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) .
يقول الفخر الرازي:- " إن الاستهزاء بالدين كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال.
ويقول ابن أبي العز الحنفي: - " إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر ”
(د) من ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت، واعتقد التماثل بينهما:
فهذا كفر ناقل عن الملة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) ولقوله عز وجل:- (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) .
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
يقـول ابن كثير في تفسير هذه الآية: - " أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً، " إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " أي أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو، وأنتم بجهلكم تشركون به غيره.
وأخبر تعالى عن أهل النار أنهم يقولون – وهم في النار – لآلهتهم: - ( تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِين إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
يقول ابن القيم عن هذه الآية: - " ومعلوم أنهم ما سووهم به سبحانه في الخلق والرزق والإماتة والإحياء والملك والقدرة، وإنما سووهم به في الحب والتأله والخضوع لهم والتذلل وهذا غاية الجهل والظلم، فكيف يسوَّى من خلق من تراب برب الأرباب؟ وكيف يسوى العبيد بمالك الرقاب؟ وكيف يسوي الفقير بالذات الضعيف بالذات، العاجز بالذات، المحتاج بالذات، الذي ليس له من ذاته إلا العدم، بالغني بالذات، القادر بالذات الذي غناه وقدرته وملكه وجوده وإحسانه وعلمه ورحمته وكماله المطلق التام من لوازم ذاته؟ فأي ظلم أقبح من هذا؟ وأي حكم أشد جوراً منه؟ فإذا كانت التسوية بين الله تعالى وبين خلقه في عبادة من العبادات يعتبر شركاً وتنديداً يناقض توحيد العبادة، فكيف بمن سوى حكم الله تعالى بحكم البشر؟ .
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
(هـ) أن يجوِّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله، أو يعتقد أن الحكم بما أنزل الله تعالى غير واجب، وأنه مخير فيه، فهذا كفر مناقض للإيمان، لتجويزه ما علم بالنصوص الصريحة القطعية تحريمه، حيث لم يعتقد وجوب إفراد الله تعالى بالحكم، وهو إن لم يكن جاحداً لحكم الله، لكن ما دام أنه لا يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى وحده، وذلك بتجويز الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، فهذا كفر ناقل عن الملة .
يقول القرطبي: - " إن حكم بما عنده على أنه من عند الله تعالى، فهو تبديل له يوجب الكفر”.هذا بالنسبة للحاكم .
ـ أما المحكوم بتلك القوانين الطاغوتية، فإن كفره متعلق بقبوله لغير شريعة الله، ورضاه بها، إضافة إلى ذلك فإن متابعة هذا المحكوم وقبوله لغير الشريعة من خلال تحاكمه إلى غير ما أنزل الله تعالى، لا يخلو من امتناع عن قبول حكم الله وحده، أو تجويز للحكم بالطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، أو تفضيل لحكم الطاغوت على حكم الله . تعالى، أو التسوية بينهما ، يقول الله تعالى:
متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان؟
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا ) .
دلت الآية على أن إرادة التحاكم إلى الطاغوت إيمان بهذا الطاغوت، ومن ثم فهو كفر بالله تعالى، حيث إن الله تعالى قد فرض على عباده الكفر بالطاغوت، والإيمان به تعالى، حيث قال سبحانه:
( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا)
ـ متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر؟
ـ متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر؟
يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر إذا حكم الحاكم أو القاضي بغير ما أنزل الله تعالى في واقعة ما مع اعتقاده وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى في هذه القضية المعينة ، فعدل عنه عصياناً وهوى وشهوة، مع اعترافه بأنه آثم في ذلك، مستحق للعقوبة.
ـ ونسوق جملة من كلام أهل العلم في هذه المسألة:-
يقول القرطبي: - " إن حكم به (أي بغير ما أنزل الله) هوى ومعصية فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين. ”
ويقول ابن تيمية: - " أما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة. "
يقول ابن القيم: - " إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر. "
ـ متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفراً أصغر؟
وقد جاء عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى: ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ، أنه قال: - " ليس بالكفر الذي يذهبون إليه؟ " وفي رواية أنه قال:- " كفر لا ينقل عن الملة. "
وقال عطاء: "كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق ”.
وقال طاووس : " ليس بكفر ينقل عن الملة. ".
فكلام السلف الصالح – في معصية كفر دون كفر – يدور حول قضية مفردة، أو واقعة معينة في الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، عن هوى وشهوة، مع اعتقاد حرمة هذا الفعل وإثمه، وليس منهجاً عاماً، وهذا أمر ظاهر .

المحاضرة العاشــرة
أثر الذنوب والمعاصي على الإيمان
عناصر المحـــاضرة

عناصر المحـــاضرة
1- أقســـام المعاصي والذنوب .
2- آثار الذنوب والمعاصي على الإيمان.
أقسام المعاصي والذنوب
أولا : أقسام المعاصي والذنوب :
ذهب جمهور أهل السنة إلى أنالذنوب قسمان:
الأول : صغائر. الثاني : وكبائر.
وحكى الإمام ابن القيم الإجماع على ذلك حيث قال: (والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار) ،
واستدل أهل السنة لذلك بعدة أدلة منها:
1 ـ قال تعالى : (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) :
قال الإمام الشوكاني: (أي إن تجتبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها نكفر عنكم سيئاتكم أي ذنوبكم التي هي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطاً لتكفير السيئات).
أقسام المعاصي والذنوب
2 ـ وقال تعالى : (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) ، وهذه الآية صريحة الدلالة في تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر على خلاف بين العلماء في المقصود باللمم ، والجمهور على أن اللمم مادون الكبائر والمراد : صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك.
هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هريرة وعبد الله بن مسعود، وابن عباس ، وغيرهم .
وذكر ابن تيميه الآيات الدالة على انقسام الذنوب ومنها قوله تعالى: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وقوله عز وجل:
(وقالوا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) .
وقوله تعالى: (وكل صغير وكبير مستطر) .
أقسام المعاصي والذنوب
3 ـ قوله صلى الله عليه وسلم : (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)
قال النووي: (.. وتنقسم (أي المعاصي) باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم عرفة أو صوم عاشوراء أو فعل الحسنة أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وإلى مالا يكفره ذلك كما ثبت في الصحيح " ما لم يغش كبيرة" فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر ومالا تكفره كبائر) .
4 ـ ومن الأدلة على انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر الأحاديث الكثيرة في ذكر الكبائر من مثل حديث أنس رضي الله عنه قال:
(ذكر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس، وعقوق الوالدين.. الحديث) ،فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسم ما ذكر كبائر .
فالنصوص السابقة كما ترى صريحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر .
. “ قال الإمام ابن بطال : ” وانقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء
آثار الذنوب والمعاصي على الإيمان
ثانيا : آثار الذنوب والمعاصي على الإيمان :
لا شك أن للذنوب والمعاصي آثارا تعود بالسلب على القلب ، فتؤثر في قوة الإيمان ، ومن خلال هذه الآثار نعرض لما يلي :
أولا : أن المعاصي والذنوب مهما بلغت ـ ما لم تكن شركا ـ لا تخرج من الملة :
فالمسلمَ لا يَخْرُجُ مِنَ الإسلامِ بارتكابِ الذنبِ ، ما لم يَستحِلُّه، أو يُكذِّبْ بشيءٍ مِمَّا جاءَ به الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ، وأهل القبلة هم المسلمون المستقبلون للكعبة ، وإن كانوا من أهل الأهواء أو من أهل المعاصي ، ما لم يكذب بشيء مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويدل عليه قول رسُولُ اللـهِ : "مَن صَلَّى صَلاتَنا، واستقبلَ قبلَتَنا، وأكَلَ ذَبيحَتَنا فهو الـمُسْلِمُ، له ما لَنا وعليه ما علينا ”.
آثار الذنوب والمعاصي على الإيمان
إذن فأهل الكبائر من أمة النبي صلى الله عليه وسلم لا يخلدون في النار إذا ماتوا على التوحيد ، حتى ولو لم يتوبوا قبل موتهم ، وهم في حكم الله إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله ، قال تعالى:
( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، وإن شاء عذبهم في النار بعدله ، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ، ثم يبعثهم إلى جنته ، قال تعالى :
( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ) ، فوجب أن يكون الغفران المعلق بالمشيئة هو غفران الذنوب سوى الشرك بالله تعالى .
.
آثار الذنوب والمعاصي على الإيمان
ثانيا : أن الإيمان باق مع ارتكاب الذنوب والمعاصي ، وذلك بالأدلة الصريحة ، ومنها :
1 ـ قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمرالله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ) .
استدل أهل السنة بهاتين الآيتين على أن المؤمن لا يكفر بارتكابه الكبائر، لأن الله - عز وجل - أبقى عليه اسم الإيمان مع ارتكابه لمعصية القتل ووصفهم بالأخوة وهي هنا أخوة الدين.
2 ـ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء) الآية ، قال ابن الجوزي: (دل قوله تعالى (من أخيه) على أن القاتل لم يخرج من الإسلام) ، واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله - بهذه الآية على أن الأخوة الإيمانية ثابتة مع ارتكاب المعاصي.

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 02:00 PM
 
قديم 2012- 4- 23   #5
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
 
الصورة الرمزية هيبة وجودي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
رد: محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

:bigg rin:

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 01:59 PM
 
قديم 2012- 4- 23   #6
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
 
الصورة الرمزية هيبة وجودي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
رد: محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

المحاضرة الحادية عشــرة
من عوارض الحكم بالتكفيـــر
عناصر المحـــاضرة

عناصر المحـــاضرة :

1- الجهــــــــــــــــل . 2- الخطــــــــــــــــأ .
: أولاً: الجــهل
يطلق أهل السنة التكفير على العموم في مثل قولهم:
من استحل ما هو معلوم من الدين بالضرورة كفر، ومن قال القرآن مخلوق، أو أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر.
ولكن تحقق التكفير على المعين لابد فيه من انتفاء عوارض أي موانع ونذكرها فيما يأتي :
1 ـ الجهل .
2 ـ الخطأ .
3 ـ الإكراه .
4 ـ التأويل .
5 ـ التقليد .
وسنتناول طلابنا الأفاضل في هذه المحاضرة اثنين عوارض التكفير ، وهما : الجهل والخطأ :

الجهـــــــــــل
أولا : الجهـــــــــــل :
من القضايا المهمة قضية العذر بالجهل وهي قضية تحتاج إلى بيان ، والمقصود بها بيان حكم من وقع منه الشرك جاهلا ، هل يكفر بذلك ؟ أم لا يكفر حتى تقام عليه الحجة ؟ .
معنى الجهل :
الجهل يأتي بعدة معان منها: خلو النفس من العلم وهو المشهور.
ومنها: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه .
ومنها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً ومنه قوله سبحانه: ( فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة ).
الجهـــل :
الأدلة على العذر بالجهل :
1 ـ - لعل من أشهر الأدلة وأصرحِها في هذه المسألة ، حديث الرجل من بني إسرائيل الذي أمر أهله بإحراقه، و إليك نصه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذرُّوني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له” متفق عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على هذا الحديث:
” فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذرِّيَ بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكنه كان جاهلا لا يعلم ذلك ، وكان مؤمنا يخاف الله أن يعاقبه فغفر له ” .
ونستخلص من الحديث أمرين مهمين:
الأول: أن عمل هذا الرجل كفر لأن فيه إنكاراً لقدرة الله تعالى على إعادته بعدما يحرق، ولكنه عذر بسبب جهله الذي قاده إلى هذا الظن الفاسد.
الثاني: أن هذا الرجل معه أصل الإيمان وهذا واضح في الحديث .
الجهـــل :
والحق الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة أنه يعذر بجهله حتى تبلغه الحجة الرسالية ، فإن الله تعالى يقول ( لأنذركم به ومن بلغ ) فبين تعالى أن النذارة لا تتم إلا بالبلاغ ، قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله :
” إن الكتاب والسنة قد دلا على أن الله لا يعذب أحدا إلا بعد إبلاغ الرسالة ، فمن لم تبلغه جملة لم يعذبه رأسا ، ومن بلغته جملة دون بعض التفصيل لم يعذبه إلا على إنكار ما قامت عليه الحجة الرسالية ” .
2 ـ ومن الأحاديث أيضاً ما رواه عبد الله بن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي – صلى الله عليه وسلم- قال: " ما هذا يا معاذ؟" قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: ” لا تفعلوا، فإني لو كنت آمِراً أحداً أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها” .
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله – في تعليقه على هذا الحديث: (وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلاً لغير الله لم يكفر) ، إلى غير ذلك من الأدلة .
الجهـــل :
ضرورة قيام الحجة على المعين :
أكد العلماء على ضرورة بلوغ الحجة للمعين، وثبوتها عنده وتمكنه من معرفتها، وكل ذلك لا يتم إلا بوجود من يحسن إقامة الحجة.
ومعنى قيام الحجة على الجاهل أي أدرك أبالحجة منع فعله شرعا بالحجة والبرهان .
قال الإمام الشافعي: رحمه الله – (لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، و أما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر) .
ويقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – ( وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفي الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل) .
ـ إذاً خلاصة ما سبق :
أنه لابد من قيام حجة صحيحة تَنفي عمن تقام عليه أي شبهة أو تأويل، وبذلك ندرك عظم المسئولية الملقاة على عاتق العلماء والدعاة ممن يحسن إقامة الحجة، ليقيموا الحجة على الخلق ويزيلوا الشبه عنهم.

ثانيــــــــــــــا : الخطــــــــــــــــأ :
المراد بالخطأ لغة و اصطلاحاً:
الخطأ لغة : ضد الصواب،، قال تعالى: ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) أي غلطتم، وأخطأ الطريق، عدل عنه، وأخطأ الرامي الغرض: لم يصبه.
أما معنى الخطأ في الاصطلاح: فهو قريب من المعنى اللغوي، قال الحافظ ابن رحب- رحمه الله -: (الخطأ: هو أن يقصد بفعله شيئاً فيصادف فعله غير ما قصده، مثل أن يقصد قتل كافر فصادف قتله مسلماً ،أو يظن أن الحق في جهته، فيصادف غير ذلك )، وقال الجرجاني: (الخطأ وهو ما ليس للإنسان فيه قصد.. كما إذا رمى شخصاً ظنه صيداً أو حربيا فإذا هو مسلم..) ، وهناك تعريفات أخرى قريبة مما ذكر وحاصلها أن الخطأ.
الخطــــأ :
العذر بالخطأ وأدلته :
اتفق الأئمة على العذر بالخطأ-كما في الجهل- وسنذكر هنا الأدلة العامة على العذر بالخطأ :
استدل أهل السنة لذلك بأدلة كثيرة، سنأخذ أهمها ومنها:
1- قوله سبحانه: ( ادعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً ).
وقد أجرى البخاري قوله تعالى: ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به )، في كل شئ .
2- واستدلوا بقوله تعالى: ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها… الآية )، فقيد الوعيد على قاتل المؤمن بالتعمد ، وفرقت النصوص بين القتل المتعمد والقتل الخطأ في أحكام الدنيا والآخرة.

الخطـــــأ :
3- ومن الأدلة المشهورة قوله تعالى: ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ) وثبت في الحديث الصحيح أن الله سبحانه استجاب لهذا الدعاء فقال:فقد فعلت.
4- ومن الأحاديث المشهورة في العذر بالخطأ قوله-صلى الله عليه وسلم -: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه” .
5- ونختم هذه الأدلة بحديث خاص بإعذار المجتهد المخطيء في الأحكام، وهو قوله – صلى الله عليه وسلم-: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" .
وقد تواترت النصوص من الكتاب والسنة في إعذار المخطيء، و أن حكمه حكم الجاهل والمتأول – فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه -، و أنه إن كان مجتهداً فيما يسوغ فيه الاجتهاد – فله أجر باجتهاده – ولو أخطأ – أما إن لم يكن مجتهداً وأخطأ فيأثم لتفريطه.
الخطــــــأ :
لكن يبقى تساؤل :هل يفرق في ذلك بين العقائد و الأحكام؟
بين أئمة السلف أنه لا يأثم المجتهد المخطئ لا في الأصول ولا في الفروع، نقل شيخ الإسلام الأقوال في هذه المسألة، ثم بين أن قول السلف وأئمة الفتوى كأبي حنيفة، والشافعي، والثوري وداود بن علي وغيرهم أنهم (لا يؤثمون مجتهداً مخطئاً لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية ) وقالوا: ( هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين: إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية ) واتفقوا على عدم التكفير بذلك .
أ .هـ



المحاضرة الثانية عشــرة
تتمة عوارض الحكم بالتكفيـــر
عناصر المحـــاضرة

تتمة عوارض التكفيـــر :
3 ـ الإكــــــــــــراه . 4- التـــــــــــــــــــــــأويل .
5 ـ التقليــــــــــــــــــــــــد
: ثالثا : الإكــــراه
قلنا أن عوارض التكفير هي :
1 ـ الجهل .
2 ـ الخطأ .
3 ـ الإكراه .
4 ـ التأويل .
5 ـ التقليد .
وسنتناول طلابنا الأفاضل في هذه المحاضرة بقية عوارض التكفير ، وهي : الإكراه ، والتأويل ، والتقليد :

الإكــــــــراه :
معنى الإكراه في اللغة :
يدور المعنى اللغوي للإكراه حول : المشقة والقهر والإجبار، ومنافاة الرضى والمحبة والاختيار.
والإكراه اصطلاحا : عرفه ابن حجر – رحمه الله – بقوله:(هو إلزام الغير بما لا يريده) .
وهو : إلزام الغير قهراً – بالوعيد بالقتل أو غيره – على فعل أمر لا يريده ولا يحبه .
متى يكون الإكراه عذراً (شروط الإكراه)؟
ليس كل من ادعى الإكراه يقبل منه، بل لابد من شروط يجب توافرها ليكون الإكراه معتبراً ومؤثراً فيما يقدم عليه المكلف من أقوال أو أفعال أو تروك، وهذه الشروط هي:
أ- أن يكون المكره قادراً على تحقيق ما أوعد به، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة، فإن لم يكن قادراً لم يك للإكراه معنى ولا اعتبار.
الإكــــراه :
ب- أن يكون المكره عاجزاً عن الدفع عن نفسه بالهرب أو الاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك.
ج- أن يغلب على ظنه وقوع الوعيد، إن لم يفعل ما طلب منه.
دـ أن يكون مما يتضرر به المكره ضرراً كثيراً كالقتل والضرب الشديد، والقيد والحبس الطويلين، فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة، وكذلك أخذ المال اليسير، فأما الضرر اليسير فإن كان في حق من لا يبالي به فليس بإكراه، وإن كان من ذوي المروءات على وجه يكون إخراقاً بصاحبه وتشويها له وشهرة في حقه فهو كالضرب الكثير في حق غيره .
الإكراه على الكفر:
الأصل في ذلك قوله سبحانه: (من كفر من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم) .
قال أبو بكر الجصاص عن هذه الآية: (هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه) .
الإكراه :
والمشهور في سبب نزولها ما رواه أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال: (أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما وراءك)؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: (كيف تجد قلبك)، قال: مطمئناً بالإيمان، قال: (إن عادوا فعد) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: (واتفقوا على أنه (أي عمار ) نزل فيه (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) .
قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان): (فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظة مكرهاً، لما ناله من ضرب وأذى، وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله) .

رابعا : التأويــــل :
التأويل لغة :
مادة (أول) في كل استعمالاتها اللغوية تفيد معنى الرجوع، والعود، جاء في اللسان: (الأَوَل: الرجوع: آل الشيء يؤول أولاً ومآلاً: رجع ) .
إذا التأويل هو ما أول إليه أو يؤول إليه، أو تأول إليه، والكلام إنما يرجع ويعود ويستقر ويؤول إلى حقيقته التي هي عين المقصود به ، وهذا هو المعنى الوارد في الكتاب والسنة.
واصطلاحــا له ثلاثة معان:
الأول: (أن يراد بالتأويل حقيقة ما يؤول إليه الكلام، وإن وافق ظاهره، وهذا هو المعنى الذي يراد بلفظ التأويل في الكتاب والسنة، كقوله تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) ، ومنه قول عائشة – رضي الله عنها -: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا ولك الحمد: اللهم اغفر لي، يتأول القرآن) .
الثاني: يراد بلفظ التأويل: (التفسير) وهو اصطلاح كثير من المفسرين، ولهذا قال مجاهد – إمام أهل التفسير -: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، فإنه أراد بذلك تفسيره وبيان معانيه، وهذا مما يعلمه الراسخون.
التأويـــــــــــــــل :
الثالث: أن يراد بلفظ (التأويل): صرف اللفظ عن ظاهره الذي يدل عليه ظاهره إلى ما يخالف ذلك، لدليل منفصل يوجب ذلك، وهذا التأويل لا يكون إلا مخالفاً لما يدل عليه اللفظ ، وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه .
العذر بالتأويل
العذر بالتأويل متفق عليه عند الأئمة – كالعذر بالجهل والخطأ يقول الإمام ابن حزم – رحمه الله -: (ومن بلغه الأمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من طريق ثابتة، و هو مسلم، فتأول في خلافه إياه، أو رد ما بلغه بنص آخر، فلما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده إلى الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك، فعاند فلا تأويل بعد قيام الحجة ) .
وعليه فخلاصة القول أن حكم المتأول كحكم الجاهل والمكره ، لا يكفر ما لم تقم عليه الحجة ، وإن قامت وعاند فهو كافر.
خامسا : التقليــــد :
التقليد :
المراد به (تعريفه لغة واصطلاحاً):
أصل التقليد في اللغة:
وضع الشيء في العنق محيطاً به، وذلك الشيء يسمى قلادة، والجمع قلائد، ومنه تقليد الهدي، فكأن المقلد جعل الحكم الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده، ويستعمل التقليد – أيضاً – في تفويض الأمر إلى الشخص كأن الأمر جعل في عنقه كالقلادة .
أما في اصطلاح: فتكاد تنحصر تعريفات الأئمة في ثلاثة تعريفات متقاربة المعنى.
الأول: أن التقليد: قبول قول القائل وأنت لا تعلم من أين قاله، (أي لا تعرف مأخذه).
الثاني: قبول قول الغير بلا حجة.
الثالث: اتباع قول من ليس قوله حجة ، وهو قريب من الثاني.
(فخرج بقولنا: "من ليس قوله حجة" اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واتباع أهل الإجماع، واتباع الصحابي إذا قلنا حجة فلا يسمى اتباع شيء من ذلك تقليداً لأنه اتباع للحجة..) .

التقليد :
وبذلك نلاحظ تقارب هذه التعريفات، وأن التعريف الثالث أدق، لأن من يتبع من قوله حجة لا يحتاج إلى معرفة مأخذه، أو حجته باعتباره حجة بنفسه.
هل يكون التقليد عذراً؟ :
الذي يظهر من كلام الأئمة أن العذر بالتقليد من جنس العذر بالتأول والجهل، باعتبار المقلد جاهلاً لا يفهم الدليل أو الحجة .
ويفصل الإمام ابن القيم – رحمه الله – في بيان أقسام أهل البدع فيقول:
( وأما أهل البدع الموافقون أهل الإسلام، ولكنهم مخالفون في بعض الأصول فهؤلاء أقسام:
أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له :
وهذا لا يكفر ولا يفسق، ولا ترد شهادته إذا لم يكن قادراً على تعلم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفوراً رحيماً.
التقليــــــــــــــد :
القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية ومعرفة الحق، ولكن يترك ذلك اشتغالاً بدنياه ورئاسته ولذته ومعاشه وغير ذلك :
وهذا مفرط مستحق للوعيد آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى ردت شهادته، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى قبلت شهادته.
القسم الثالث: أن يسأل ويطلب ويتبين له الهدى، ويتركه تقليداً أو تعصباً، أو بغضاً ومعاداة لأصحابه :
وهذا أقل درجاته أن يكون فاسقاً، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل .
مما سبق يتبين لنا إعذار الأئمة لمن وقع في الكفر تقليداً إن كان جاهلاً لا بصيرة له ولا فقه، أما إن كان قادراً على فهم الحجة وفرط في طلبها فإنه يأثم، ولكنه لا يكفر إلا بعد قيام الحجة والله أعلم.
أ . هـ


المحاضرة الثالثة عشــرة
نواقض الإيمـــــــــان
أولا : النواقض القولية :
عناصر المحـــاضرة :

أولا : نواقض الإيمان القولية : وفيه :
1 ـ نواقض الإيمان القولية في التوحيد . 6 ـ سب الصحابة رضي الله عنهم .
2 ـ نواقض الإيمان القولية في النبوات .
3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات .
4 ـ إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة .
5 ـ الاستهزاء بالعلماء والصالحين .

نواقص الإيمان القولية : 1 ـ نواقض الإيمان القولية في التوحيد :
1 ـ نواقض الإيمان القولية في التوحيد :
أولا : نواقض توحيد الله في ربوبيته :
وتوحيد الربوبية يعني : الاعتقاد بأن الله سبحانه هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير،و أنه المحيي المميت النافع الضار، المتفرد بإجابة الدعاء عند الضراء، فهو سبحانه وتعالى المتفرد بربوبية خلقه إيجاداً وإمداداً، وخلقاً، وتدبيراً.
وهذا التوحيد يخالفه وينافيه نواقض قولية كثيرة، من أهمها: الشرك في هذا التوحيد، ولا ريب أن الشرك أصل كل شر، وهو أعظم الذنوب على الإطلاق، حيث إنه الذنب الوحيد الذي نفى الله مغفرته، كما أنه يحبط العمال الصالحة جميعاً، ويوجب لصاحبه الخلود في النار.
قال الله تعالى: ـ ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) .
سب الله عز وجل والاستهزاء به :
يقول ابن تيمية: " السب هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف، وهو ما يفهم منه السب في عقول الناس على اختلاف اعتقاداتهم كاللعن والتقبيح ونحوه، وهو الذي دل عليه قوله تعالى: ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْر علمِ ) .
ـ ولا ريب أن سب الله عز وجل يعد أقبح وأشنع أنواع المكفرات القولية التي تناقض الإيمان، وذلك من عدة أوجه واعتبارات، منها ما يلي:
(أ) أن سب الله عز وجل يناقض الإيمان، فالسب أذى قولي يناقض قول القلب (التصديق)، وعمله من محبة الله وإجلاله وتعظيمه، كما أنه يناقض الإيمان الظاهر باللسان؛ لأن الإيمان يتضمن تصديقاً لله عز وجل، وانقياداً وخضوعاً له تعالى .
(ب) أن الله تعالى قال: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ) .
يقول ابن تيمية: _ " وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته وبرسوله كفر ”.
(جـ) أن في السب تنقصاً لله تعالى، وإنتهاكاً لحرمته، بل إن السب أعظم وأشنع من مجرد الكفر" إذ السب إفراط في العداوة، مصدره شدة سفه الكافر، وحرصه على فساد الدين وإضرار أهله " .
(د) قد أجمع العلماء على كفر من سب الله تعالى، وإليك أقوالهم في هذه المسألة:
وقال القاضي عياض: " لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم ” .
وأما حكم الاستهزاء بالله تعالى، فهو نفس الحكم فيمن سب الله تعالى:
وَوَجهُ كون الاستهزاء بالله تعالى ناقضاً من نواقض الإيمان، ما جاء في قول الحق تبارك وتعالى: ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَوَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَلاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) .
يقول الفخر الرازي في تفسيره:
" إن الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله بأقصى الإمكان، والجمع بينهما محال ”.
ثانيا : نواقض الإيمان القولية في توحيد الأسماء والصفات :
ثانيا : نواقض الإيمان القولية في توحيد الأسماء والصفات :
إن معتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب هو الإيمان بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف، ولا تمثيل.
وإن توحيد الأسماء والصفات يناقضه ويخالفه الشرك والإلحاد في أسمائه وصفاته، والإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:
أحدها: أن يسمي الأصنام بها، كتسميتهم اللات من الإله، والعزى من العزيز، وتسميتهم الصنم إلهاً، وهذا إلحاد حقيقة، فإنهم عدلوا عن أسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة.
الثاني: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أباً، وتسمية الفلاسفة له موجباً بذاته، أو علة فاعلة بالطبع ونحو ذلك .
الثالث: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص، كقول أخبث اليهود إنه فقير، وقولهم إنه استراح بعد أن خلق خلقه.
الرابع: تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها، كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني.
خامسها: تشبيه صفاته بصفات خلقه، تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيراً.

ثالثا : نواقض الإيمان القولية في توحيد الألوهية :
ثالثا : نواقض الإيمان القولية في توحيد الألوهية :
وتوحيد الله في ألوهيته : هو توحيد الله تعالى بأفعال العباد، وذلك بأن تصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، وهذا التوحيد هو أصل الدين، ومن أجله أرسلت الرسل عليهم السلام وأنزلت الكتب.
يقول ابن تيمية: " إن حقيقة التوحيد أن نعبد الله وحده فلا يدعى إلا هو ولا يخشى إلا هو، ولا يتقى إلا هو، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يكون الدين إلا له، لا لأحد من الخلق، وأن لا نتخذ الملائكة والنبيين أرباباً، فكيف بالأئمة والشيوخ والعلماء والملوك وغيرهم ” .
وإذا تقرر معنى توحيد العبادة وأهميته، فإننا نشير إلى ما يضاده ويناقضه وهو الشرك، يقول ابن تيمية: " وأصل الشرك أن تعدل بالله تعالى مخلوقاته في بعض ما يستحقه وحده، فإنه لم يعدل أحد بالله شيئاً من المخلوقات في جميع الأمور، فمن عبد غيره أو توكل عليه فهو مشرك به ” .
ثالثا : نواقض الإيمان القولية في توحيد الألوهية :
وإن حقيقة الشرك أن يأتي الإنسان بخلال وأعمال خصها الله بذاته العلية، وجعلها شعاراً للعبودية لأحد من الناس كالسجود لأحد،و الذبح باسمه، والنذر له والاستغاثة به في الشدة... كل ذلك يثبت به الشرك ويصبح الإنسان به مشركاً، وإن كان يعتقد أن هذا الإنسان، أو الملك، أو الجن الذي يسجد له، أو ينذر له، أو يذبح له، أو يستغيث به دون الله شأناً، وأن الله هو الخالق.
فمثلا قال الله تعالى في النهي عن دعاء غيره :
( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ).
2 ـ نواقض الإيمان القولية في النبوات :
2 ـ نواقض الإيمان القولية في النبوات :
أ ـ وتكون بالطعن فيهم والاستهزاء بهم : فكل من سب نبياً من الأنبياء، أو استهزأ به … فهو بذلك كافر مرتد، له حكم مرتد.
يقول الدردير المالكي:" من سب نبياً مجمعاً على نبوته، أو عرض بسب نبي، بأن قال عند ذكره، أما أنا فلست بزان أو سارق فقد كفر“.
ويقول :-" من استخف بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو بأحد من الأنبياء، أو آذاهم … فهو كافر بالإجماع ”.
ب ـ إدعاء النبوة : وادعاء النبوة كذبا من نواقض الإيمان القولية في النبوات، وذلك لعدة اعتبارات منها ما يلي:-
(أ) أن ادعاء النبوة من أظلم الظلم، وأعظم الافتراء والكذب على الله تعالى، فلا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممن افترى على الله كذباً، فزعم أن الله أرسله، وهو ليس كذلك،قال تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) .
2 ـ نواقض الإيمان القولية في النبوات :
ولذا يقول ابن تيمية: " ومن ادعى النبوة وهو كاذب، فهو من أكفر الكفار، وأظلم الظالمين، وشر خلق الله تعالى، قال تعالى:- ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) .
(ب) أن ادعاء النبوة تكذيب لصريح القرآن الكريم، حيث نص القرآن نصاً قطعياً ظاهراً على أن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فلا نبي بعده.
يقول تعالى:( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) .
يقول ابن كثير:- " هذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده“
وقد تواترت الأخبار عنه بقوله: - " لا نبي بعدي" ومن رد حجة القرآن والسنة فهو الكافر.
ج – أن ادعاء النبوة تكذيب للإجماع، فقد أجمع العلماء على أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، كما أجمعوا على تكفير من ادعى النبوة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول عبد القاهر البغدادي:
" أجمع المسلمون وأهل الكتاب على أن أول من أرسل من الناس آدم عليه السلام، وآخرهم عند المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم ".
2 ـ نواقض الإيمان القولية في النبوات :
الكتب المنزلة :
إن الأقوال التي تناقض الإيمان بالكتب المنزلة لها صور متعددة، وأمثلة كثيرة يصعب حصرها، منها: - التكذيب والإنكار لهذه الكتب أو بغضها، أو سبها والطعن فيها، أو الاستهزاء بها وانتقاصها والاستخفاف بها، أو الادعاء باختلاقها وافترائها .
قال تعالى: - ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ) .
ومن الآيات التي جاءت في شأن المستهزئين، قوله تعالى:- ( وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) .
وقد حكى أهل العلم الإجماع على كفر من أنكر الكتب المنزلة أو بعضها – ولو كانت آية واحدة – وكذا أجمعوا على كفر المستهزئ بهذه الكتب المنزلة.
3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات :
3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات :
فيما يأتي نبين الغيبيات في اختصار :
أولا : الملائكة والجن :
ومن الإيمان بالغيب: الإيمان بالملائكة عليهم السلام، والإيمان بالجن، فأما الإيمان بالملائكة فهو الإقرار الجازم بوجودهم، وأنهم من خلق الله تعالى، وهم (عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ، (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ، يقول السعدي :
" الإيمان بالملائكة أحد أصول الإيمان، ولا يتم الإيمان بالله وكتبه ورسله إلا بالإيمان بالملائكة. "
وقد أجمع العلماء على كفر من أنكر الملائكة أو الجن، أو استهزأ واستخف بالملائكة، أو سبهم، وإذا كان العلماء قد أجمعوا على كفر من أنكر آية من كتاب الله تعالى ، فما بالك بمن أنكر آيات كثيرة جداً تثبت وجود الملائكة والجن فوجود الملائكة عليهم السلام كما هو ثابت بالكتاب والسنة، فهو ثابت بالإجماع، وكذلك الجن.
قال الدردير المالكي:- " ويكفر إن سب نبياً مجمعاً على نبوته، أو ملكاً مجمعاً على ملكيته، أو ألحق به نقصاً وإن ببدنه كعرج، وشلل ” .

3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات :
ثانيا : اليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر – كما هو معلوم – أحد أركان الإيمان الستة، وقد حفل القرآن الكريم بذكر هذا اليوم العظيم، ومعنى الإيمان باليوم الآخر هو التصديق الجازم بإتيانه والعمل بموجب ذلك، ويدخل في ذلك الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها، وبالموت وما بعده من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، وبالنفخ في الصور، وخروج الخلائق من القبور، وتفاصيل المحشر، ونشر الصحف، ونصب الموازين، وبالصراط، والحوض، والشفاعة، والجنة والنار.
يقول الإمام الطحاوي :- " ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين، ونؤمن بعذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وبسؤال منكر ونكير للميت في قبره عن ربه، ودينه، ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب، والصراط والميزان، والجنة والنار مخلوقتان لا يفنيان أبداً ولا يبيدان" .
3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات :
وقد أجمع المسلمون على ثبوته، وهو مقتضى الحكمة حيث تقتضي أن يجعل الله تعالى لهذه الخليقة معاداً يجزيهم فيه على ما كلفهم به على ألسنة رسله.
قال عز وجل: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) .
ولا شك أن إنكار اليوم الآخر مناقض للإيمان، وقد أخبر الله عز وجل أن إنكار اليوم الآخر كفر برب العالمين، فقال تعالى ( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ) .
وقال المؤمن للكافر الذي قال: ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا) .
3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات :
د ـ إنكار الوعد أو الوعيد أو الاستهزاء به:
من المعتبر أن إنكار الوعد والوعيد من نواقض الإيمان لما يأتي :
أ ـ أن إنكار أو الاستهزاء بنصوص الوعد والوعيد تكذيب للقرآن الكريم، وقد حكم الله تعالى بالكفر على من جحد آياته، كما توعده بالعذاب المهين، وأخبر تعالى بأنه لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله تعالى، وأنهم لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة …
قال سبحانه:- (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) .
ب ـ أن إنكار نصوص الوعد والوعيد وصرفها عن ظاهرها، أو الاستهزاء بها يتضمن طعناً في الأنبياء عليهم السلام، وإن الطعن في الأنبياء كفر ورده عن الإسلام.
ج ـ أن هذا الإنكار أو الاستهزاء مخالف للإجماع، وتكذيب له، فقد أجمعوا على إثبات الوعد والوعيد والتصديق به – كما سبق ذكره ، وأجمعوا أيضاً على تكفير منكره أو المستهزئ به .
3 ـ نواقض الإيمان القولية في سائر الغيبيات :
يقول القاضي عياض : وكذلك من أنكر الجنة، أو النار، أو البعث، أو الحساب، أو القيامة فهو كافر بإجماع للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً، وكذلك من اعترف بذلك، ولكنه قال: إن المراد بالجنة، والنار، والحشر، والنشر، والثواب، والعقاب معنى غير ظاهره وإنها لذات روحيه، ومعان باطنه.
ويحكي ابن حزم الإجماع قائلاً:- " وأن الجنة حق، وأنها دار نعيم أبداً لا تفنى، ولا يفنى أهلها بلا نهاية، وأنها أعدت للمسلمين والنبيين المتقدمين، وأتباعهم على حقيقة، كما أتوا به قبل أن ينسخ الله أديانهم بدين الإسلام ، وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً لا تفنى ولا يفنى أهلها أبداً بلا نهاية وأنها أعدت لكل كافر مخالف لدين الإسلام ".

4 ـ إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة :
4 ـ إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة :
الإنكار بمعنى الجحود، وعدم الاعتراف وانتفاء الإقرار، والمقصود بحكم معلوم من الدين بالضرورة ، ما كان ظاهراً متواتراً من أحكام الدين معلوماً عند الخاص والعام، مما أجمع عليه العلماء إجماعاً قطعياً مثل وجوب أحد مباني الإسلام كالصلاة والزكاة ونحوهما، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة مثل الربا والخمر وغيرهما ..
ومن إنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة، إنكار وجوب الصلاة أو الزكاة … أو يقول بحل الربا، أو الخمر … أو يقول بتحريم ما كان حلالاً بالإجماع كالخبز والماء ونحوهما .
وعليه فإنكار حكم معلوم من الدين بالضرورة كفراً وناقضاً من نواقض الإيمان .
يقول ابن حزم:- " واتفقوا أن من آمن بالله تعالى، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وبكل ما آتى به عليه السلام، مما نقل عنه نقل الكافة، وشك في التوحيد، أو في النبوة، أو في محمد صلى الله عليه وسلم، أو في حرف مما أتى به عليه السلام، أو في الشريعة أتى بها عليه السلام، مما نقل عنه نقل كافة، فإن من جحد شيئاً مما ذكرناه، أو شك في شيء منه، ومات على ذلك، فإنه كافر مشرك مخلد في النار أبداً.
5 ـ الاستهزاء بالعلماء والصالحين :
إن الاستهزاء بالعلماء والصالحين لأجل ما هم عليه من العلم الشرعي، واتباعهم للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، هو في حقيقته استهزاء بآيات الله تعالى، وسخرية بشرائع دين الله عز وجل، ولا شك أن هذا الاستهزاء كفـر يناقض الإيمان، يقول الله تعالى: ( وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) ، ولم يجيء إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار.
وقد ذكر الله عز وجل أن الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين سبب في دخول نار جهنم، وعدم الخروج منها.
فعندما ينادي أهل النار قائلين:- ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) يقول الله تعالى جواباً عنهم:- (قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) .
6 ـ سب الصحابة رضي الله عنهم :
6 ـ سب الصحابة رضي الله عنهم :
فالواجب علينا أن نحبهم ونجلهم ، يقول الله تعالى في شأنهم : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .
ويقول سبحانه: - ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ َأثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: -( لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحداً أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ) .

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 01:56 PM
 
قديم 2012- 4- 23   #7
هيبة وجودي
متميزه في ملتقى التعليم عن بعد - الدراسات الاسلاميه
 
الصورة الرمزية هيبة وجودي
الملف الشخصي:
رقم العضوية : 69103
تاريخ التسجيل: Sat Jan 2011
المشاركات: 2,271
الـجنــس : أنـثـى
عدد الـنقـاط : 62644
مؤشر المستوى: 138
هيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to allهيبة وجودي is a name known to all
بيانات الطالب:
الكلية: الاداب
الدراسة: انتساب
التخصص: دراسات اسلامية
المستوى: المستوى السابع
 الأوسمة و جوائز  بيانات الاتصال بالعضو  اخر مواضيع العضو
هيبة وجودي غير متواجد حالياً
رد: محتوى غقيدة 2 جهد ام افنان

لمحاضرة الرابعة عشــرة
تابع نواقض الإيمـــــــــان
ثانيا : النواقض العملية
عناصر المحـــاضرة

عناصر المحـــاضرة :
ثانيا : نواقض الإيمان العملية :
1 ـ نواقص الإيمان العملية في االعبادة .
2ـ الإعراض التام عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به .
3 ـ مظاهرة المشركين على المسلمين .
4 ـ نواقض الإيمان العملية في النبوات .
5 ـ السحر وما يلحق به .

1 ـ نواقض الإيمان العملية في العبادة:
لا شك أن الشرك في العبادة العملية من نواقض الإيمان ، ومن صوره :
(أ) الذبح لغير الله : فالذبح إن قصد به التوجه والتقرب إلى الله تعالى وحده فهو من العبادات، ويسمى نسكاً؛ لأن النسك هو العبادة والقربة ، وقد فرض الله ذلك بقوله تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) والنسك هنا : الذبيحة .
يقول ابن كثير في تفسيره: أي أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام، ويذبحون لها فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى.
(ب) النذر لغير الله تعالى : وأما النذر فهو عبادة لا يكون إلا لله وحده لا شريك له ، حيث إن الله تعالى مدح الموفين به، فقال سبحانه : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) ، ويقول عز وجل: ( وَمَا أَنفَقْتُم مِّـن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّـن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَـارٍ ) .
وقال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: " يخبر تعالى بأنه عالم بجميع ما يفعله العاملون من الخيرات من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين لذلك ابتغاء وجهه، ورجاء موعوده، وتوعد من لا يعمل بطاعته، بل خالف أمره وكذب خبره، وعبد معه غيره .
1 ـ نواقض الإيمان العملية في العبادة:
ومن خلال ما سبق إيراده، ندرك أن النذر عبادة مدح الله الموفين به، فلا يكون إلا لله وحده .
(ج) السجود والركوع لغير الله تعالى : وأما السجود والركوع فلا شك أنهما عبادتان لله وحده، ولا تكون إلا لله وحده لا شريك له، ولقد أخبر الله تعالى بانقياد هذا الكون كله لله وحده لا شريك له، وسجوده له تعالى، فقال سبحانه: ( وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) .
يقول ابن تيمية - في هذا المقام -: " وبالجملة فالقيام والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السموات والأرض، وما كان حقاً خالصاً لله لم يكن لغيره منه نصيب...
فالعبادة كلها لله وحده لا شريك له، قال سبحانه: ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) .
وإذا تقرر أن هذه الأعمال من العبادات، وأنها حق لله وحده لا شريك له سواء كانت ذبحاً أو نذراً أو سجوداً أو ركوعاً أو طوافاً ونحوها، فإن من جعل شيئاً منها لمخلوق كائناً من كان فقد أشرك بالله تعالى في عبادته، واتخذ مع الله أنداداً.
2ـ الإعراض التام عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به :
2ـ الإعراض التام عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به :
والمقصود بالإعراض – هاهنا – والذي يعد ناقضاً من نواقض الإيمان العملية، والإعراض التام عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، وهو التولي عن طاعة الرسول والامتناع عن الإتباع، والصدود عن قبول حكم الشريعة، فإذا كان جنس العمل الظاهر من أصل الإيمان، فإن تركه وعدم الالتزام به إعراض كلي عن هذا العمل، ومن ثم فهو كفر مخرج عن الملة.
فالإعراض عن دين الله تعالى من صفات الكافرين وخصال المنافقين، كما جاء ذلك مفصلاً في آيات كثيرة من القرآن.
يقول الله تعالى: - ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ) .
(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِين وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ ) .

3 ـ مظاهرة المشركين على المسلمين :

مظاهرة المشركين على المسلمين :4 ـ
أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم عليهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، كما قال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) .
ومن هنا فمظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين من النواقض العملية للإيمان .
4 ـ نواقض الإيمان العملية في النبوات :
4 ـ نواقض الإيمان العملية في النبوات :
سنورد مثالاً على ما يناقض الإيمان بالنبوات، وهو الاستهانة بالمصحف :
والاستهانة بالمصحف تناقض هذا الإيمان، وتنافيه بالكلية، والمقصود بالاستهانة ، والاستهانة العملية بالقرآن الكريم أن يفعل عامداً ما يتضمن احتقاراً أو استخفافاً بهذا القرآن، أو إسقاطا لحرمته، ولهذه الاستهانة عدة أمثلة منها: - أن يضع المصحف تحت قدمه، أو يلقيه في القاذورات، أو يسعى إلى تغييره وتبديله بزيادة أو نقصان.– هاهنا – الاستخفاف والاستهزاء والاحتقار.
وقد أجمع العلماء على كفر من استهان بالمصحف، وخروجه عن الملة، وقد نقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم ونورد هاهنا ما يلي:-
ذكر ابن حزم أن العلماء اتفقوا على: " أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفاً من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفاً، أو بدل منه حرفاً مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمداً لكل ذلك عالماً بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر.
5 ـ السحر وما يلحق به .
5 ـ السحر وما يلحق به :
قال الحافظ ابن حجر: - " وقد استدل بهذه الآية: - ( وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ) على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه... كالتعبد للشياطين، أو للكواكب، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلاً.
وقال الدردير: - " وسحر يكفر بتعلمه، وهو كلام يعظَّم به غير الله تعالى، وينسب إليه المقادير، ثم إن تجاهر به فيقتل إن لم يتب ”.
ومما يلحق بالسحر: التنجيم، وهو أحد أقسام الكهانة، ولذا يسمي بعضهم المنجم كاهناً ، والكاهن " هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن.
يقول القاضي عياض – ذاكراً أنواع الكهانة:
"كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب: - أحدها :أن يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم باطل من حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني: - أنه يخبره بما يطرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده.
الثالث: - المنجمون، وهذا الضرب يخلق الله تعالى فيه لبعض الناس قوة ما ، لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف، وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها،وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم الشرع ونهى عن تصديقهم، وإتيانهم والله أعلم.

التعديل الأخير تم بواسطة هيبة وجودي ; 2012- 4- 23 الساعة 01:55 PM
 
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الداعيه (لولوه الدويش) وابنتها افنان ..................... أديم2008 ملتقى المواضيع العامة 3 2012- 3- 23 02:58 AM
بخصوص محتوى مهارات السلوك التكيفي أم خولة اعاقة عقلية- ارشيف تربية المستوى 5 6 2012- 3- 22 07:34 AM
1.8 مليون طفل يهنئون الملك بوسام الأبوة العربية لبى روحكـ ملتقى المواضيع العامة 2 2011- 12- 24 11:39 PM
محاضرات التحرير الي عندي يارب تستفيدو منها ولد النماص قسم المحذوفات و المواضيع المكررة 14 2011- 1- 13 12:00 PM
الفزعة التحرير العربي .Ck المستوى الأول - كلية الأداب 3 2011- 1- 13 11:40 AM


All times are GMT +3. الوقت الآن حسب توقيت السعودية: 10:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. جامعة الملك الفيصل,جامعة الدمام
المواضيع والمشاركات في الملتقى تمثل اصحابها.
يوجد في الملتقى تطوير وبرمجيات خاصة حقوقها خاصة بالملتقى
ملتزمون بحذف اي مادة فيها انتهاك للحقوق الفكرية بشرط مراسلتنا من مالك المادة او وكيل عنه